صفحة جزء
فصل ويلزمه رد المغصوب إن قدر على رده ، وإن غرم عليه أضعاف قيمته ، وإن خلطه بما يتميز منه لزمه تخليصه ورده ، وإن بنى عليه لزمه رده إلا أن يكون قد بلي ، وإن سمر بالمسامير بابا لزمه قلعها وردها ، وإن زرع الأرض وردها بعد أخذ الزرع فعليه أجرتها ، وإن أدركها ربها والزرع قائم خير بين تركه إلى الحصاد بأجرته وبين أخذه بعوضه ، وهل ذلك قيمته أو نفقته ؛ على وجهين ، ويحتمل أن يكون الزرع للغاصب وعليه الأجرة ، وإن غرسها أو بنى فيها أخذ بقلع غرسه وبنائه ، وتسوية الأرض ، وأرش نقصها ، وأجرتها .


فصل

( ويلزمه رد المغصوب ) إن كان باقيا لما روى عبد الله بن السائب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا يأخذ أحدكم متاع أخيه لاعبا ولا جادا ، ومن أخذ عصا أخيه فليردها رواه أبو داود ، وقد أجمع العلماء على وجوب رده إن كان بحاله لم يتغير ولم يشتغل بغيره ، ولأنه أزال يد المالك عن ملكه بغير حق فلزمته إعادته ( إن قدر على رده ، وإن غرم عليه أضعاف قيمته ) لأنه هو المتعدي فلم ينظر إلى مصلحته ، فكان أولى بالغرامة ، وظاهره ولو بعدت المسافة ; لأنه جنى بتعديه ، فكان ضرر ذلك عليه ، فإن قال الغاصب : خذ مني أجر رده ، وتسلمه مني هاهنا ، أو بذل له أكثر من قيمته ولا يسترده لم يلزم المالك قبوله ; لأنها معاوضة فلم يجبر عليها كالبيع ، وإن قال المالك : دعه لي في مكانه الذي نقلته إليه ، لم يملك الغاصب رده ، وإن قال : رده إلى بعض الطريق ، لزمه ، وإن قال : دعه في مكانه وأعطني أجرة رده ، أو طلب منه حمله إلى مكان آخر في غير طريق الرد لم يلزم الغاصب ولو كان أقرب ; لأنه معاوضة ، ومهما اتفقا عليه من ذلك جاز ; لأن الحق لهما ( وإن خلطه بما يتميز منه ) كحنطة بشعير ، وتمر بزبيب ( لزمه تخليصه ) أي تخليص المتميز [ ص: 155 ] ( ورده ) لأنه أمكنه رد مال غيره ، فلزمه كما لو لم يخلطه بغيره ، وأجرة ذلك عليه كأجر رده ، فإن أمكن تمييز بعضه وجب تمييز ما أمكن ( وإن بنى عليه لزمه رده ) يعني إذا غصب شيئا ، فشغله بملكه كحجر أو خشبة بنى عليها ، أو خيط خاط به ثوبا ، لزمه رده وإن انتقض البناء ، وتفصل الثوب ; لأنه مغصوب أمكن رده فوجب كما لو لم يبن عليه ( إلا أن يكون قد بلي ) لأنه صار هالكا فوجب قيمته كما لو أتلفه ( وإن سمر بالمسامير بابا لزمه قلعها وردها ) للخبر ، ولا أثر لضرره ; لأنه حصل بتعديه .

مسائل : إذا غصب فصيلا ونحوه ، فأدخله داره ، وتعذر خروجه نقض بابه مجانا ، فإن دخل الفصيل بنفسه ، أو أدخله ربه دارا غصبها غرم مالكه أرش نقص البناء وإصلاحه ، وإن بذل له ربه عوضه لزمه قبوله ، وقيل : لا ، وقيل : يذبح إن أدخله ربه ، ولو عمل فيها غاصبها تابوتا ، ولم يخرج ، فك التابوت ولم ينقض البناء ، وإن سقط في محبرته مال بتفريطه أخرج ، فإن لم يمكن كسرت له مجانا ، وإن لم يفرط ، وضمن رب المال كسرها ، فإن بذل ربها بدل ماله وجب قبوله في الأصح .

فرع : إذا باع داره وله فيها أسرة ، وتعذر الإخراج والتفكيك غرم أرش نقص البناء ، وقيل : كما لو قلع أحجارا له فيها مدفونة ، وفصل في " الشرح " .

( وإن زرع الأرض وردها بعد أخذ الزرع ) فهو للغاصب بغير خلاف نعلمه ; لأنه نماء ماله ( فعليه أجرتها ) أي أجرة مثلها إلى وقت التسليم ; لأنه استوفى نفعها فوجب عليه عوضه كما لو استوفاه بالإجارة ، ولأن المنفعة [ ص: 156 ] مال فوجب أن يضمن كالعين ، وعليه ضمان النقص ، ولو لم يزرعها فنقصت لترك الزراعة كأرض البصرة ضمن ذلك ، وروى عنه حرب أن له تملكه أيضا بناء على أن الزرع ينبت على ملك مالك الأرض ابتداء ، وقرر بعض أصحابنا موافقته للقياس بأن المتولد بين أبوين مملوكين من الآدميين يكون مملوكا لمالك الأم بالاتفاق مع كونه مخلوقا من مائهما ، وبطون الأمهات بمنزلة الأرض ، وماء الفحول بمنزلة البذر ، والمذهب هو الأول ( وإن أدركها ربها والزرع قائم ) فيها ( خير بين تركه إلى الحصاد بأجرته ) أي بأجرة مثله ، وأرش نقص الأرض ( وبين أخذه بعوضه ) هذا قول القاضي ، وعامة أصحابه ، والشيخين .

وجزم به في " الوجيز " ; لأن كل واحد منهما يحصل به غرضه ، فملك الخيرة بينهما تحصيلا لغرضه ، وظاهره أنه لا يملك إجبار الغاصب على قلعه ، خلافا لأكثرهم لقوله - عليه السلام : ليس لعرق ظالم حق ، ولأنه زرع في أرض غيره ظلما أشبه الغرس ، لنا ما روى رافع بن خديج أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من زرع في أرض قوم بغير إذنهم فليس له من الزرع شيء وله نفقته رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وحسنه ، ولأنه أمكن رد المغصوب إلى مالكه من غير إتلاف مال الغاصب على قرب من الزمان فلم يجز إتلافه ، كما لو غصب سفينة فحمل فيها متاعه ، فأدخلها لجة البحر ، لا يجبر على إلقائه ، فكذا هنا صيانة للمال عن التلف ، وفارق الشجر لطول مدته ، وحديثهم محمول عليه ، وحديثنا على الزرع ، وبه يجمع بينهما ، ولأنه زرع حصل في ملك غيره ، فلم يجبر على قلعه على وجه يضر به كما لو كانت الأرض مستعارة ، أو مشفوعة ( وهل ذلك قيمته أو نفقته ؛ على وجهين ) أحدهما أن ذلك قيمته ، صححه القاضي في تعليقه ; لأنه [ ص: 157 ] بدل عن الزرع ، فيقدر بقيمته كما لو أتلفه ، وعليه يجب على الغاصب أجر الأرض إلى حين تسليم ذلك ، وذكر أبو يعلى الصغير : لا ، نقله إبراهيم بن الحارث ، والثاني : هي نفقته ، فعلى هذا يرد على الغاصب ما أنفق من البذر ، ومؤنة لواحقه من الحرث ، والسقي ، ونحوهما ، وهذا هو المذهب ، قال ابن الزاغوني : أصلهما هل يضمن ولد المغرور بمثله أو قيمته ؛ وقال أبو الحسين : فيه ثالثة خرجها أبو القاسم أن صاحب الأرض يخير إن شاء دفع القيمة ، وإن شاء النفقة ، نقل مهنا : ويزكيه إن أخذه قبل وجوبها ، وإلا فوجهان ( ويحتمل أن يكون الزرع للغاصب ) لأنه نماء ملكه ( وعليه الأجرة ) أي أجرة المثل ، وذكر بعض أصحابنا أن أحمد نص على مثل ذلك ، وقيل : له قلعه إن ضمنه ، وقال الشيخ تقي الدين فيمن زرع بلا إذن شريكه ، والعادة بأن من زرع فيها له نصيب معلوم ولربها نصيب ، قسم ما زرعه في نصيب شريكه كذلك .

تنبيه : وهل الرطبة وغيرها كزرع أو غرس ؛ فيه احتمالان ، فلو غصب أرضا فغرسها فأثمرت ، فسيأتي ( وإن غرسها أو بنى فيها أخذ بقلع غرسه وبنائه ) أي إذا طالب مالك الأرض لزم الغاصب ذلك بغير خلاف نعلمه للأثر الحسن ، ذكره في " الشرح " ، وفي " الرعاية " أنه الأصح ، وفي رواية أبي داود ، والدارقطني من حديث عروة بن الزبير قال : ولقد أخبرني الذي حدثني هذا الحديث أن رجلين اختصما إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - غرس أحدهما نخلا في أرض الآخر ، فقضى لصاحب الأرض بأرضه ، وأمر صاحب النخل أن يخرج نخله منها ، فلقد رأيتها وإنها لتضرب أصولها بالفئوس ، وإنها لنخل عم ، قال [ ص: 158 ] أحمد العم الطوال ، ولأنه شغل ملك غيره بملكه الذي لا حرمة له في نفسه ، فلزمه تفريغه كما لو جعل فيها قماشا ، وظاهر كلامهم لا فرق في ذلك بين الشريك وغيره ، وصرح الحارثي ، قال جعفر بن محمد : سمعت أبا عبد الله يسأل عن رجل غرس نخلا بينه وبين قوم مشاعا ، قال : إن كان بغير إذنهم قلع نخله ( وتسوية الأرض ، وأرش نقصها ) لأنه ضرر حصل بفعله فلزمه إزالته كغيره ( وأجرتها ) أي : أجرة مثلها إلى وقت التسليم ، وإن بذل ربها قيمة الغراس والبناء ليملكه لم يلزم الغاصب قبوله ، وله قلعهما ، ويضمن الأرش والأجرة ، وإن وهبهما لمالك الأرض وفي الإزالة غرض صحيح لم يجبر ، وإلا فوجهان . وشمل ذلك ما إذا غرسها بغراس مالكها ، وحكم البناء كالغرس إلا أنه يتخرج إذا بذل مالك الأرض القيمة لصاحب البناء فإنه يجبر على قبولها إذا لم يكن في النقص غرض صحيح ، لأن النقص سفه ، والأول أصح .

فرع : إذا غصبها ، فغرسها ، فأثمرت ، فأدركها ربها بعد أخذ الغاصب ، فهي له ، وكذا لو أدركها والثمرة عليها ; لأنها ثمرة شجره فكانت له كأغصانها ، وقال القاضي : هي لمالك الأرض ، قال أحمد في رواية علي بن سعيد : إذا غصب أرضا ، فغرسها ، فالنماء لمالك الأرض ، فعلى هذا عليه من النفقة ما أنفقه الغارس ، فلو غصب شجرا ، فأثمر ، فالثمر لمالك الشجر بغير خلاف نعلمه ، ذكره في " الشرح " .

فرع : إذا أخذ تراب الأرض ، فضربه لبنا رده ولا شيء له إلا أن يجعل فيه تبنا فله أن يحله ويأخذ تبنه ، فإن كان لا يحصل منه شيء فوجهان ، وإن طالبه المالك بحله لزمه إذا كان فيه غرض صحيح ، وإلا فوجهان ، وإن [ ص: 159 ] جعله آخرا لزمه رده ، ولا أجرة لعلمه ، وليس له كسره ، ولا للمالك إجباره عليه ; لأنه سفه ، وإتلاف للمال ، فلو غصب أرضا وكشط ترابها لزمه رده وفرشه كما كان ، وإن لم يكن فيه غرض فهل يجبر على فرشه ؛ يحتمل وجهين .

فرع : القابض بعقد فاسد من المالك إذا غرس ، أو بنى ، فللمالك تملكه بالقيمة كغرس المستعير ، ولا يقلع إلا مضمونا لاستناده إلى الإذن ، ذكره القاضي ، وابن عقيل .

التالي السابق


الخدمات العلمية