صفحة جزء
فصل وإن نقص لزمه ضمان نقصه بقيمته رقيقا كان أو غيره ، وعنه أن الرقيق يضمن بما يضمن به في الإتلاف ، ويتخرج أن يضمنه بأكثر الأمرين منهما . وإن غصبه وجنى عليه ضمنه بأكثر الأمرين ، وإن جنى عليه غير الغاصب فله تضمين الغاصب بأكثر الأمرين ، ويرجع الغاصب على الجاني بأرش الجناية ، وله تضمين الجاني أرش الجناية ، وتضمين الغاصب ما بقي من النقص ، وإن غصب عبدا فخصاه لزمه رده ورد قيمته ، وعنه في عين الدابة من الخيل ، والبغال ، والحمير ربع قيمتها ، والأول أصح ، وإن نقصت العين لتغير الأسعار لم يضمن ، نص عليه ، وإن نقصت القيمة لمرض أو نحوه ، ثم عادت ببرئه لم يلزمه شيء ، وإن زاد من جهة أخرى مثل أن تعلم صنعة ، فعادت القيمة ضمن النقص ، وإن زادت القيمة لسمن أو نحوه ثم نقصت ضمن الزيادة ، وإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها لم يضمنها في أحد الوجهين ، وإن كانت من غير جنس الأولى لم يسقط ضمانها . وإن غصب عبدا مفرطا في السمن ، فهزل فزادت قيمته ، رده ولا شيء عليه ، وإن نقص المغصوب نقصا غير مستقر ، كحنطة ابتلت وعفنت ، خير بين أخذ مثلها وبين تركها ، حتى يستقر فسادها ، ويأخذها وأرش نقصها .


فصل

( وإن نقص لزمه ضمان نقصه ) ولو بنبات لحية أمرد ، وقطع ذنب حمار القاضي ( بقيمته ) على المذهب ; لأنه ضمان مال من غير جناية ، فكان الواجب ما نقص كالبهيمة ، إذ القصد بالضمان جبر حق المالك بإيجاب قدر ما فوت عليه ، ولأنه لو فات الجميع لوجبت قيمته ، فإذا فات منه شيء وجب قدره من القيمة لغير الحيوان ( رقيقا كان أو غيره ) لاشتراكهما في التلف ( وعنه أن الرقيق يضمن بما يضمن به في الإتلاف ) فيجب في يده نصف قيمته ، وفي موضحته نصف عشر قيمته ; لأنه ضمان لأبعاضه ، فكان مقدرا من قيمته كأرش الجناية ، والمذهب يضمنه مطلقا بقيمته بالغة ما بلغت ، ونقل حنبل : لا يبلغ بها دية حر ( ويتخرج أن يضمنه بأكثر الأمرين ) لأن سبب كل واحد منهما قد وجد ، فوجب أن يضمنه بأكثرهما ، كما لو غصبه وجنى عليه .

تنبيه : إذا كان النقص في الرقيق مما لا مقدر فيه كنقصه لكبر أو مرض فعليه ما نقص مع الرد بغير خلاف نعلمه ، فإن نقص المغصوب بغير انتفاع واستعمال أو عاب ، وجب أرشه ، وفي أجرته وجهان ، فإن نقص باستعماله فكذلك [ ص: 164 ] وقيل : يجب الأكثر من أجرته ، وأرش نقصه ، وإن غصب ثوبا فلبسه وأبلاه ، فنقص نصف قيمته ، ثم غلت الثياب فعادت قيمته رده وأرش نقصه .

( وإن غصبه وجنى عليه ضمنه بأكثر الأمرين ) هذا على القول بأن ضمان الغصب غير ضمان الجناية ، وهو الصحيح ; لأن سبب كل واحد منهما وجد ، فوجب أكثرهما ، ودخل الآخر فيه ، وإن قلنا : ضمان الغصب ضمان الجناية ، كان الواجب أرش الجناية كما لو جنى عليه من غير غصب ( وإن جنى عليه غير الغاصب ) بأن قطع يده مثلا ( فله ) أي للمالك تضمين من شاء منهما ; لأن الجاني قطع يده ، والغاصب حصل النقص في يده ( تضمين الغاصب بأكثر الأمرين ) إذا قلنا : إن ضمان الغصب ما نقص ( ويرجع الغاصب على الجاني بأرش الجناية ) وهو نصف القيمة هنا ; لأنها أرش جناية فلا يجب عليه أكثر منها ، ( وله تضمين الجاني أرش الجناية ) وهو نصف القيمة لا غير ، ولم يرجع على أحد ; لأنه لم يضمنه أكثر مما وجب عليه ( وتضمين الغاصب ما بقي من النقص ) أي : إذا كان أكثر من نصف القيمة ، ولا يرجع على أحد ، وإن قلنا : ضمان الغصب ضمان الجناية ، أو لم تنقص أكثر من قيمته لم يضمن الغاصب هاهنا شيئا ، وإن اختار تضمين الغاصب ، وقلنا : إن ضمان الغصب كضمان الجناية ضمنه نصف القيمة ، ورجع بها الغاصب على الجاني ; لأن التلف حصل بفعله .

( وإن غصب عبدا فخصاه ) أو قطع يديه أو ذكره ، أو ما تجب فيه الدية [ ص: 165 ] من الحر ( لزمه رده ورد قيمته ) نص عليه ; لأن المتلف البعض فلا يقف ضمانه على زوال الملك كقطع خصيتي ذكر المدبر ، ولأن الخصيتين تجب فيهما كمال الدية ، كما تجب فيهما كمال الدية من الحر ( وعنه في عين الدابة من الخيل ، والبغال ، والحمير ربع قيمتها ) نصره القاضي وأصحابه لما روى زيد بن ثابت أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى في عين الدابة بربع قيمتها ، وعن عمر أنه كتب إلى شريح لما كتب يسأله عن عين الدابة : إنا كنا ننزلها منزلة الآدمي ، إلا أنه أجمع رأينا أن قيمتها ربع الثمن ، وهذا إجماع فقدم على القياس ، وخص في " الروضة " هذه الرواية بعين الفرس ، وإن عين غيرها بما نقص ، لكن قال : أحمد قاله في عين الدابة كقول عمر ( والأول أصح ) أي أنه يضمن نقصه بالقيمة رقيقا كان أو غيره ، وحديث زيد لا نعرف صحته بدليل احتجاج أحمد بقول عمر دونه مع أن قول عمر محمول على أن ذلك كان قدر نقصها ، كما روي عنه أنه قضى في العين القائمة بخمسين دينارا ، ولو كان تقدير الواجب في العين نصف الدية كعين الآدمي .

( وإن نقصت العين لتغير الأسعار لم يضمن ، نص عليه ) وهو قول جمهور العلماء ; لأنه رد العين بحالها ، لم ينقص منها عين ولا صفة ، فلم يلزمه شيء كسمين هزل ، فزادت ، وعنه : بلى ، ذكرها ابن أبي موسى ، وقاله أبو ثور كعبد خصاه ، فزادت قيمته ، وقيل : مع تلفه ( وإن نقصت القيمة لمرض أو نحوه ، ثم عادت ببرئه لم يلزمه شيء ) إلا رده ; لأنه لم يذهب ما له قيمة ، والعيب الذي أوجب الضمان زال في يده ، وكما لو انقلع سنه ثم عاد ، ونصه يضمن [ ص: 166 ] النقص كزيادة في يده على الأصح ، فعلى الأول لو رد المغصوب معيبا ، وزال عيبه في يد مالكه ، وكان أخذ الأرش لم يلزمه رده ; لأنه استقر ضمانه برد المغصوب ، وإن لم يأخذه لم يسقط ضمانه لذلك .

( وإن زاد من جهة أخرى مثل أن تعلم صنعة ، فعادت القيمة ضمن النقص ) لأن الزيادة الثانية من غير جنس الأولى ، فلم ينجبر بها ( وإن زادت القيمة لسمن أو نحوه ) من تعلم صنعة كغصبه عبدا قيمته مائة ، فزادت قيمته بما ذكر حتى صارت مائتين ( ثم نقصت ) القيمة بنقصان بدنه ، أو نسيان ما تعلمه حتى صارت قيمته مائة ( ضمن الزيادة ) مع رده ; لأنها زيادة في نفس المغصوب ، فلزم الغاصب ضمانها ، كما لو طالبه بردها فلم يفعل ، وكما لو كانت موجودة حال الغصب ، وعنه : لا يضمنها ، ذكرها ابن أبي موسى ; لأنه رد العين كما أخذها ( وإن عاد مثل الزيادة الأولى من جنسها لم يضمنها في أحد الوجهين ) ذكر في " الشرح " أنه أقيس ; لأن ما ذهب عاد ، فهو كما لو مرض فنقصت قيمته ثم برأ فعادت ، والثاني يضمنها ، صححه ابن حمدان ، كما لو كانا من جنسين ، ولأن الزيادة الأولى غير الأولى ، فعلى هذا لو هزلت مرة ثانية بأن كان قيمتها مائة يوم الغصب ، فسمنت فبلغت ألفا ثم هزلت فعادت إلى مائة ، ثم سمنت فعادت إلى ألف ، ثم هزلت فعادت إلى مائة ضمن النقصين بألف وثمانمائة ، وقيل : يضمن أكثر السمنين قيمة ، جزم به في " الوجيز " ( وإن كانت من غير جنس الأولى لم يسقط ضمانها ) جزم به أكثر الأصحاب ; لأن الثانية غير الأولى ، وقال أبو الخطاب : متى زادت ثم نقصت ثم زاد مثل الزيادة الأولى فوجهان سواء [ ص: 167 ] كانا من جنسين كالسمن والتعلم ، أو من جنس كسمن مرتين ( وإن غصب عبدا مفرطا في السمن فهزل فزادت قيمته ) أو لم تنقص القيمة ( رده ) لأنه عين ملك غيره ( ولا شيء عليه ) لأن القيمة لم تنقص فلم يجب شيء .

فرع : إذا غصب دارا فنقضها ولم يبنها فعليه أجرتها إلى حين نقضها ، وأجرها مهدومة من حين نقضها إلى حين ردها ، وإن بناها بآلة من عنده فالحكم كذلك ، وإن كان بآلتها أو آلة من ترابها ، أو ملك المغصوب منه فعليه أجرتها عرصة منذ نقضها إلى أن بناها ، وأجرتها دارا فيما قبل ذلك وبعده ( وإن نقص المغصوب نقصا غير مستقر كحنطة ابتلت وعفنت خير بين أخذ مثلها ) أي أخذ بدلها ( وبين تركها حتى يستقر فسادها ويأخذها وأرش نقصها ) كذا قاله في " الهداية " ، و " الوجيز " ، وفي " المغني " أن هذا القول لا بأس به ; لأنه لا يجب المثل لوجود عين ماله ، ولا يجب أرش العيب لعدم استقراره ; لأنه لا يمكن معرفته ولا ضبطه ، وحيث كان كذلك بقيت الخيرة إليه بين أخذ البدل لما في التأخير من الضرر ، وبين الصبر حتى يستقر الفساد ; لأنه إذا رضي بالتأخير سقط فيأخذ العين ; لأنها ملكه ، ويأخذ أرش النقص من الغاصب ; لأنه حصل بجنايته ، أشبه تلف الحر المغصوب ، وقيل : يجب الأرش مطلقا ، وقال القاضي : عليه بدله ; لأنه لا يعلم قدر نقصه ، ولم يرجح في " الفروع " شيء .

فرع : إذا استعمل عبدا بغير إذن سيده فهو كغصبه ، وكل مغصوب [ ص: 168 ] زكاه مالكه حال غصبه رجع بما غرم على غاصبه ، قال ابن حمدان : إن ضمن منفعة المغصوب ضمن ، وإلا فلا .

التالي السابق


الخدمات العلمية