صفحة جزء
ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة إلا الخمرة إذا انقلبت بنفسها . وإن خللت لم تطهر ، وقيل : تطهر ، ولا تطهر الأدهان النجسة .

وقال أبو الخطاب : يطهر منها بالغسل ما يتأتى غسله وإذا خفي موضع النجاسة لزمه غسل ما يتيقن به إزالتها ،


( ولا يطهر شيء من النجاسات بالاستحالة ) لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - نهى عن أكل الجلالة وألبانها ، لأكلها النجاسة ، ولو طهر بالاستحالة لم ينه عنه ، فعلى هذا إذا وقع [ ص: 241 ] وقع كلب في ملاحة فصار ملحا أو أحرق السرجين النجس فصار رمادا فهو نجس ، وعنه : يطهر ، وذكرها في " الشرح " تخريجا قياسا على جلود الميتة إذا دبغت ، فحيوان متولد من نجاسة كدود الجروح والقروح ، وصراصير الكنيف طاهر لا مطلقا ، نص عليه ، وذكر بعضهم روايتين في نجاسة وجه تنور سجر بنجاسة ، ونقل الأكثر يغسل ، ونقل ابن أبي حرب لا بأس ، وعليهما يخرج عمل زيت نجس صابونا ، وتراب جبل بروث حمار ، فإن لم يستحل عفي عن يسيره في رواية ، وذكر الأزجي أن نجس التنور بذلك طهر بمسحه بيابس ، وإن مسح برطب تعين الغسل ، وحمل القاضي قول أحمد : يسجر التنور مرة أخرى على ذلك .

فرع : القصرمل ودخان النجاسة وغبارها نجس على الأول لا الثاني ، وكذا ما تصاعد من بخار الماء النجس إلى الجسم الصقيل ، ثم عاد فقطر ، فإنه نجس على الأول ، لأنه نفس الرطوبة المتصاعدة ، وإنما يتصاعد في الهواء كما يتصاعد بخار الحمامات ، وبخار الحمامات طهور . ( إلا الخمرة ) هي مأخوذة من خمر إذا ستر ، ومنه خمار المرأة ، وكل شيء غطى شيئا فقد خمره ، ومنه : خمروا آنيتكم والخمر يخمر العقل أي : يغطيه ويستره ، وهي نجسة إجماعا ، لكن خالف فيه الليث ، وربيعة ، وداود ، وحكاه القرطبي عن المزني ، فقالوا بطهارتها ، واحتج بعضهم للنجاسة بأنه لو [ ص: 242 ] كانت طاهرة لفات الامتنان بكون شراب الجنة طهورا لقوله تعالى : وسقاهم ربهم شرابا طهورا [ الدهر 21 ] أي : طاهرا ، وعلله في " الشرح " بأنه يحرم تناولها من غير ضرر أشبه الدم ( إذا انقلبت بنفسها ) فإنها تطهر في المنصوص ، وفي " الشرح " لا نعلم فيه خلافا ، لأن نجاستها لشدتها المسكرة ، وقد زالت من غير نجاسة خلفتها ، فوجب أن تطهر كالماء ، لا يقال : حكم سائر النجاسات كذلك أي : تطهر بالاستحالة ، لأن نجاستها لعينها ، والخمرة نجاستها لأمر زال بالانقلاب ، والنبيذ كذلك ، وخالف القاضي فيه ، لأن فيه ماء نجسا ، ودنها مثلها ، قاله الأصحاب .

( وإن خللت لم تطهر ) في ظاهر المذهب لما روى الترمذي أن أبا طلحة سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - عن أيتام ورثوا خمرا فقال : أهرقها ، قال : أفلا أخللها ؛ قال : لا ، لا . ولو جاز التخليل لم ينه عنه ، ولم تبح إراقته ، وعلى هذا يحرم تخليلها فلا تحل ، ففي النقل أو التفريغ من محل إلى آخر ، وإلقاء جامد فيه وجهان ( وقيل : تطهر ) وهو رواية ، لأن علة التحريم زالت فعلى هذا يجوز ، وعنه : يكره ، وعليهما تطهر ، وفي " المستوعب " يكره ، وأن عليها لا تطهر على الأصح ، وفي إمساك خمر ليصير خلا بنفسه أوجه ، ثالثها : يجوز في خمرة خلال ، وهو أظهر ، فيترك حينئذ فعلى هذا تصير هذه الخمرة محرمة ، وعلى المنع يطهر على الأصح ، وإن اتخذ عصيرا للخمر فلم يتخمر وتخلل بنفسه ، ففي حله الخلاف ، واقتضى ذلك أن الحشيشة المسكرة طاهرة ، وقيل : نجسة ، وقيل : إن أميعت .

[ ص: 243 ] فائدة : الخل المباح : أن يصب على العنب أو العصير خل قبل غليانه حتى لا يغلي نقله الجماعة ، قيل له : صب عليه خل فغلا . قال : يهراق .

تنبيه : لا يطهر إناء تشرب نجاسة بغسله ، نص عليه ، وقيل : بلى ، إن لم يبق للنجاسة أثر ، وقيل : بل ظاهره ، ومثله سكين سقيت ماء نجسا ، ويطهر باطن حب نقع في نجاسة بغسله ، نص عليه ، وقيل : بلى ، كظاهره فينقع ويجفف مرارا كعجين ، وقيل : كل مرة أكثر من مدة إقامته في الماء النجس ، وإن طبخ لحم بماء نجس ، طهر ظاهره بغسله ، وعنه : وباطنه ، فيغلى في ماء طهور كثير ، ويجفف مرارا ، وقيل : إن تشربه اللحم لم يطهر بحال ، ولا يطهر جسم صقيل بمسحه على الأصح ، وعنه : تطهر سكين من دم الذبيحة فقط .

( ولا تطهر الأدهان النجسة ) بغسلها في ظاهر المذهب ، لأنه لا يتحقق وصول الماء إلى جميع أجزائه ، ولو تحقق ذلك لم يأمر النبي - صلى الله عليه وسلم - بإراقة السمن الذي وقعت فيه الفأرة ، واستثنى ابن عقيل الزئبق ، لأنه لقوته وتماسكه يجري مجرى الجامد ، وبعده ابن حمدان .

( وقال أبو الخطاب : يطهر منها بالغسل ما يتأتى غسله ) كزيت ، ونحوه ، لأن غسله ممكن لكون الماء يختلط بجميع أجزائه ، ويطهر به كالجامد ، والخبر السابق وارد في السمن ، وهو لا يمكن غسله لأنه يجهد ، وطريق تطهيره : أن يجعل في ماء كثير ، ويحرك حتى يصيب جميع أجزائه ، ثم يترك حتى يعلو على الماء فيؤخذ ، وإن تركه في جرة وصب عليه ماء ، وحركه فيه ، وجعل لها بزالا يخرج منه الماء ، جاز .

[ ص: 244 ] فرع : إذا ماتت الفأرة ونحوها في جامد ألقيت وما حولها ، والباقي طاهر ، نص عليه لحديث أبي هريرة رواه أحمد ، وأبو داود ، والجامد : ما لا تسري إليه النجاسة غالبا ، وقال ابن عقيل : ما لو فتح وعاؤه لم تسل أجزاؤه ، قال في " الشرح " والظاهر خلافه ، لأن سمن الحجاز لا يكاد يبلغه ، فإن اختلط ولم ينضبط حرم ، نص عليه ، وإن خرجت منه حية فطاهر ، نص عليه ، لانضمام دبره ، ولا يكره سؤره في اختيار الأكثر ( وإذا خفي موضع النجاسة ) في بدن أو ثوب أو بقعة يمكن غسلها ، وأراد الصلاة ( لزمه غسل ما تيقن به إزالتها ) لأنه اشتبه الطاهر بالنجس ، فوجب عليه اجتناب الجميع حتى يتيقن الطهارة بالغسل ، كما لو خفي المذكى بالميت ، ولأن النجاسة متيقنة ، فلا ينعقد إلا بيقين الطهارة ، فإن لم تعلم جهتها من الثوب غسله كله ، وإن علمها في أحد كميه غسلهما ، وإن رآها في بدنه أو ثوبه الذي عليه ، غسل ما يقع نظره عليه ، وعنه : يكفي الظن في مذي ، وعند الشيخ تقي الدين : وفي غيره . وظاهره أنها إذا خفيت في فضاء واسع أنه لا يلزمه غسل ، وهو كذلك ، بل يصلي حيث شاء زاد بعضهم : بلا تحر .

التالي السابق


الخدمات العلمية