صفحة جزء
فصل . وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز ، مثل أن خلط حنطة أو زيتا بمثله ، لزمه مثله منه في أحد الوجهين ، وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء ، وإن خلطه بدونه ، أو خير منه ، أو بغير جنسه لزمه مثله في قياس التي قبلها ، وظاهر كلامه أنهما شريكان بقدر ملكيهما . وإن غصب ثوبا فصبغه ، أو سويقا فلته بزيت فنقصت قيمتهما أو قيمة أحدهما ضمن النقص ، وإن لم تنقص ولم تزد ، أو زادت قيمتهما فهما شريكان بقدر ماليهما ، وإن زادت قيمة أحدهما فالزيادة لصاحبه ، فإن أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه ، ويحتمل أن يجبر إذا ضمن الغاصب النقص ، وإن وهب الصبغ للمالك أو وهبه تزويق الدار ونحوها ، فهل يلزم المالك قبولها ؛ على وجهين ، وإن غصب صبغا فصبغ به ثوبا ، أو زيتا فلت به سويقا ، احتمل أن يكون كذلك ، واحتمل أن تلزمه قيمته أو مثله إن كان مثليا ، وإن غصب ثوبا وصبغا ، فصبغه به رده وأرش نقصه ولا شيء له في زيادته .


فصل

( وإن خلط المغصوب بماله على وجه لا يتميز مثل أن خلط حنطة أو زيتا بمثله لزمه مثله ) قولا واحدا ; لأنه مثلي ، فيجب مثل مكيله ( منه في أحد الوجهين ) هو ظاهر كلام أحمد ، ونصره في " المغني " ، و " الشرح " [ ص: 169 ] وجزم به المجد ، وقدمه في " الفروع " ; لأنه قدر على دفع ماله إليه مع رد المثل في الباقي فلم ينتقل إلى بدله في الجميع ، كما لو غصب صاعا فتلف بعضه ( وفي الآخر يلزمه مثله من حيث شاء ) قال القاضي : هو قياس المذهب ; لأنه تعذر رد عين ماله بالخلط فوجب مطلق المثل ، وفي " الوسيلة " ، و " الموجز " قسم بينهما بقدر قيمتهما أما لو خلطه بما لا قيمة له كزيت خلط بماء ، فإن أمكن تخليصه خلصه ورده ، ورد نقصه ، وإن لم يمكن تخليصه ، أو كان ذلك يفسده لزمه مثله ، وإن لم يفسده رده ، ورد نقصه ، وإن احتيج في تخليصه إلى غرامة فعلى الغاصب ( وإن خلطه بدونه ، أو خير منه ، أو بغير جنسه ) على وجه لا يتميز ( لزمه مثله في قياس التي قبلها ) قال القاضي : هذا قياس المذهب ; لأنه صار بالخلط مستهلكا ، وكذا لو اشترى زيتا فخلطه بزيته ، ثم أفلس ، صار البائع كبعض الغرماء ; لأنه تعذر عليه الوصول إلى عين ماله ، فكان له بدله كما لو كان بالغا ، إلا أنه إذا خلطه بخير منه ، وبذل الغاصب مثل حقه منه لزمه قبوله ، وإن كان بأدنى منه فرضي المالك بأخذ قدر حقه منه لزم الغاصب بدله ، وقيل : لا ; لأن حقه انتقل إلى الذمة فلم يجبر على عين مال ، وإن اتفقا على أن يأخذ أكثر من حقه من الرديء ، أو دون حقه من الجيد لم يجز ; لأنه ربا ، وإن كان بالعكس فرضي بأخذ دون حقه من الرديء ، أو سمح الغاصب بدفع أكثر من حقه من الجيد جاز ; لأنه لا مقابل للزيادة ، وإن خلطه بغير جنسه ، فتراضيا على أن يأخذ دون حقه أو أكثر جاز ; لأن بدله من غير جنسه ، فلا تحرم الزيادة بينهما ( وظاهر كلامه أنهما شريكان بقدر ملكيهما ) هذا [ ص: 170 ] هو المذهب عند المحققين ، قال في رواية أبي الحارث في رجل له رطل شيرج ، وآخر له رطل زيت ، واختلطا : يباع الدهن كله ، ويعطى كل واحد قدر حصته ; لأنه إذا فعل ذلك وصل كل واحد إلى عين ماله ، فإن نقص المغصوب عن قيمته منفردا ، فعلى الغاصب ضمان النقص ; لأنه حصل بفعله ، فلو اختلط درهم باثنين لآخر فتلف اثنان فما بقي بينهما على ثلاثة ، أو نصفين ؛ فيه وجهان .

مسألة : إذا اختلط نقد حرام بمثله أو أكثر ، دفع قدر الحرام إلى مالكه ، أو من يقوم مقامه ، أو تصدق به عن ربه إن جهله ، وما بقي حلال ، وإن عبر الحرام الثلث ، وقيل : أو بلغه ، حرم الكل وتصدق به ، وقيل : كالأول يخرج قدر الحرام ، قال أحمد في الذي يعامل بالربا : يأخذ رأس ماله ، ويرد الفضل إن عرف ربه وإلا تصدق به ، ولا يؤكل عنده شيء ، وإن شك في قدر الحرام تصدق بما يعلم أنه أكثر منه ، نص على ذلك كله .

( وإن غصب ثوبا فصبغه ، أو سويقا فلته بزيت ، فنقصت قيمتهما أو قيمة أحدهما ضمن النقص ) لأنه حصل بتعديه فيضمنه كما لو أتلف بعضه ، فإن كان النقص بسبب تغير الأسعار لم يضمنه على المذهب ( وإن لم تنقص ) القيمة ( ولم تزد ) كما لو كانت قيمة كل واحد منهما خمسة ، فصارت قيمتهما عشرة ( أو زادت قيمتهما فهما شريكان بقدر ماليهما ) لأن عين الصبغ ملك الغاصب ، واجتماع الملكين يقتضي الاشتراك ( وإن زادت قيمة أحدهما فالزيادة لصاحبه ) أي : لصاحب الملك الذي زادت قيمته ; لأنها تبع للأصل ، فعلى هذا إن كانت [ ص: 171 ] لزيادة الثياب في السوق كانت الزيادة لمالك الثوب ، وإن كانت لزيادة الصبغ فهي لمالك الصبغ ( فإن أراد أحدهما قلع الصبغ لم يجبر الآخر عليه ) أي : يمنع طالب قلع الصبغ منهما ، كذا في " المحرر " ، و " الوجيز " ، و " الفروع " ; لأن المريد للقلع إما الغاصب ، لم يجبر المغصوب منه ; لأن ماله ينقص بسبب أخذه ، أو المغصوب منه لم يجبر الغاصب عليه ; لأن الصبغ يهلك بالإخراج ، وقد أمكن وصول الحق إلى صاحبه بدونه ، وهو البيع ( ويحتمل أن يجبر إذا ضمن الغاصب النقص ) لأن المانع لما يلحقه من الضرر ، فإذا ضمنه الغاصب انتفى ، فوجب أن يجبر عملا بالمقتضى السالم عن المعارض ، وظاهره يقتضي اختصاص هذا بمن ذكر ، وليس كذلك ، فإن الحكم في الآخر كذلك ، وعبارة " المحرر " ، و " الفروع " أولى ، ويحتمل أن يمكن إذا ضمن نقص حق الآخر ، وعنه : لا يضمن رب المال كبناء ، ونقل في " الشرح " عن الأصحاب أن الغاصب إذا أراد قلع الصبغ فله ذلك ، سواء أضر بالثوب أو لا ، ويضمن نقص الثوب ; لأنه عين ماله ، وظاهر الخرقي أنه لا يملك القلع حيث تضرر الثوب ، ولم يفرق أصحابنا بين ما يهلك صبغه بالقلع وبين ما لا يهلك ، قال في " المغني " : وينبغي أنه لا يملكه إذا هلك بالقلع ; لأنه سفه ، وإن أراده المغصوب منه فوجهان ، وظاهر كلام أحمد أنه لا يملك إجباره عليه ، ولا يمكن من قلعه ، وحكى في " الرعاية " احتمالا أن له قلعه بأرشه مع بقاء قيمة الثوب قبله ، وليس للغاصب أخذ الثوب بقيمته ، فلو بذل رب الثوب قيمة الصبغ لمالكه ، لم يجبر على قبوله ، كما لو بذل قيمة الغراس ، وقيل : بلى إذا لم يقلعه كالغرس في الأرض المشفوعة ( وإن وهب الصبغ [ ص: 172 ] للمالك أو وهبه تزويق الدار ونحوها ، فهل يلزم المالك قبولها ؛ على وجهين ) أصحهما : أنه يلزمه قبول ذلك ; لأن الصبغ صار من صفات العين ، فهو كزيادة الصفة في المسلم به ، وكنسج الغزل ، لا هبة مسامير سمر بها الباب المغصوب ، والثاني : لا ; لأنه عين يمكن إفرادها كالغراس ، فإن أراد مالك الثوب بيعه فله ذلك ; لأنه ملكه ، وإن أراد الغاصب بيعه لم يجب إليه لتعديه ( وإنغصب صبغا فصبغ به ثوبا ، أو زيتا فلت به سويقا احتمل أن يكون كذلك ) أي : أنهما شريكان حيث كان الصبغ والثوب ملكا للغاصب ; لأنه خلط المغصوب بماله ( واحتمل أن تلزمه قيمته أو مثله إن كان مثليا ) لأن الصبغ قد تفرق في الثوب ، والزيت مستهلك في السويق ، أشبه ما لو أتلفهما .

( وإن غصب ثوبا وصبغا فصبغه به رده ) لأنه عين ملك غيره ( و ) يرد ( أرش نقصه ) لأنه حصل بفعله ( ولا شيء له في زيادته ) لأنه متبرع ، وظاهره لا فرق بين أن يكونا لاثنين ، أو لواحد ، وفي " الرعاية " إذا كان من واحد وزادا فزيادتهما لغو ، ويحتمل الشركة ، وإن كانا من اثنين اشتركا في الأصل والزيادة بالقيمة ، وما نقص أحدهما غرمه الغاصب ، وقيل : زيادة أحدهما لربه ، وفي " الشرح " هما شريكان بقدر ملكيهما فإن زادت فالزيادة لهما ، وإن نقص فالضمان على الغاصب ، ويكون النقص من صاحب الصبغ ; لأنه تبدد في الثوب ، ويرجع بها على الغاصب ، وإن نقص السعر لنقص سعر الثياب أو الصبغ أو هما لم يضمنه الغاصب ، وكان نقص كل واحد من صاحبه .

[ ص: 173 ] فرع : إذا دفع ثوبا إلى غير مالكه فلبسه ولم يعلم ضمنه دافعه ، وقيل : لابسه ، وقيل : يجب أكثرهما إن كان له أجرة ، وإلا فأرشه فقط .

التالي السابق


الخدمات العلمية