صفحة جزء
فصل وإن تلف المغصوب ضمنه بمثله إن كان مكيلا أو موزونا ، وإن أعوز المثل فعليه قيمة مثله يوم إعوازه ، وقال القاضي : يضمنه بقيمته يوم القبض ، وعنه : تلزمه قيمته يوم تلفه ، وإن لم يكن مثليا ؛ ضمنه بقيمته يوم تلفه في بلده من نقده ، ويتخرج أن يضمنه بقيمته يوم غصبه ، وإن كان مصوغا أو تبرا تخالف قيمته وزنه ، قومه بغير جنسه ، فإن كان محلى بالنقدين معا قومه بما شاء منهما للحاجة ، وأعطاه بالقيمة عرضا ، وإن تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقيه ، كزوجي خف تلف أحدهما ، فعليه رد الباقي وقيمة التلف وأرش نقصه ، وقيل : لا يلزمه أرش النقص ، وإن غصب عبدا فأبق ، أو فرسا فشرد ، أو شيئا تعذر رده مع بقائه ، ضمن قيمته ، فإن قدر عليه بعد رده وأخذ القيمة ، وإن غصب عصيرا فتخمر فعليه قيمته ، فإن انقلب خلا رده وما نقص من قيمة العصير .


فصل

( وإن تلف المغصوب ) أو أتلفه ( ضمنه ) لقوله تعالى فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه بمثل ما اعتدى عليكم ( بمثله إن كان مكيلا أو موزونا ) لأنه لما تعذر [ ص: 181 ] رد العين لزمه رد ما يقوم مقامها ، وقد حكاه ابن عبد البر إجماعا في كل مأكول ومشروب أنه يجب على مستهلكه مثله لا قيمته ; لأن المثل أقرب إليه من القيمة ، فهو مماثل له من طريق الصورة والمشاهدة والمعنى ، والقيمة مماثلة له من طريق الظن والاجتهاد ، والأول مقدم كالنص مع القياس ، ومقتضاه أنه لو قدر على المثل بأكثر من قيمته لزمه شراؤه ، صرح به في " الكافي " ، وعنه : يضمنه بقيمته ، ذكره القاضي ، وذكر أيضا القيمة في نقرة وسبيكة ، وعنب ورطب ، كما فيه صناعة مباحة لا محرمة ، وينبغي أن يستثنى من الأول الماء في المفازة ، فإنه يضمن بقيمته في البرية .

مسألة : ظاهره أن المثلي ما حصره كيل أو وزن والأولى ، وجاز السلم فيه كماء وتراب ( وإن أعوز المثل ) في البلد أو حوله ( فعليه قيمة مثله يوم إعوازه ) أي : يوم تعذره ; لأنه يستحق المطالبة بقيمة المثل يوم الإعواز ، فوجب أن تعتبر القيمة حينئذ ; لأنه يوم وجوبها ( وقال القاضي : يضمنه بقيمته يوم القبض ) أي : قبض بدله ، وهذا رواية عن أحمد ; لأن الواجب المثل إلى حين قبض البدل ، بدليل أنه لو وجد المثل بعد إعوازه لكان الواجب هو دون القيمة ( وعنه : يلزمه قيمته يوم تلفه ) لأن القيمة تثبت في الذمة يوم التلف ، فاعتبرت تلك الحالة كما لو لم تختلف القيمة ، وعنه : يلزمه يوم المحاكمة ، وقاله أكثر العلماء ; لأن القيمة لم تنتقل إلى ذمته إلا حين حكم بها الحاكم ، وعنه : يوم غصبه ، وقيل : أكثرهما من يوم الغصب إلى يوم تعذر المثل ، فإن غرمها ثم قدر على المثل لم ترد القيمة على الأصح ، فلو قدر عليه قبل غرمها عاد وجوبه ; لأنه الأصل قدر عليه [ ص: 182 ] قبل أداء البدل ، أشبه القدرة على الماء بعد التيمم ، ولهذا لو قدر عليه بعد المحاكمة وقبل الاستيفاء ، استحق المالك طلبه وأخذه ( وإن لم يكن مثليا ) كالثوب والعبد ( ضمنه بقيمته ) في قول الجماعة لقوله عليه السلام : " من أعتق شركا له في عبد قوم عليه " فأمر بالتقويم في حصة الشريك ; لأنها متلفة بالعتق ، ولم يأمر بالمثل ; لأن هذه الأشياء لا تتساوى أجزاؤها ، وتختلف صفاتها ، فالقيمة فيها أعدل وأقرب إليها ، فكانت أولى ( يوم تلفه في بلده ) الذي غصبه فيه ; لأن ذلك زمن الضمان وموضعه ، وعنه : تعتبر القيمة ببلد تلفه ، جزم به في " الكافي " ( من نقده ) فإن كان فيه نقود اعتبر أن يكون من غالبه ( ويتخرج أن يضمنه بقيمته يوم غصبه ) هذا رواية عن أحمد نقلها الثقات منهم ابن مشيش ، وكذا ابن منصور إلا أنه عاوده في ذلك فجبن عنه ; لأنه الوقت الذي أزال يده فيه ، فلزمته القيمة كما لو أتلفه ، وعنه : أكثرهما ، أي : من يوم غصبه إلى يوم تلفه ، اختاره الخرقي كإتلافه في الأصح ، لكن القاضي حمل كلام الخرقي على ما إذا اختلفت القيمة لتغير الأسعار ، وقد علمت أن المذهب عدم الضمان حتى قال القاضي : لم أجد رواية عن أحمد بأنها تضمن بأكثر القيمتين لتغير الأسعار ، ونقل ابن أبي موسى خلافه ، وعنه : يضمن المغصوب بمثله مطلقا ، وقاله ابن أبي موسى ، واختاره الشيخ تقي الدين ، واحتج بعموم قوله تعالى فآتوا الذين ذهبت أزواجهم مثل ما أنفقوا ولخبر القصعة ، وعنه : مع قيمته ، وعنه غير حيوان بمثله ، ذكره جماعة ، وفي " الواضح " و " الموجز " ، فينقص عنه عشرة دراهم .

فرع : لو حكم حاكم بغير المثلي في المثلي ، وبغير القيمة في المتقوم لم [ ص: 183 ] ينفذ حكمه ، ولم يلزمه قبوله ، ذكره في " الانتصار " ، و " المفردات " ، ولو أخذ حوائج من بقال ونحوه في أيام ، ثم يحاسبه ، فإنه يعطيه بسعر يوم أخذه ، نص عليه .

( وإن كان مصوغا ) مباحا ( أو تبرا تخالف قيمته وزنه قومه بغير جنسه ) إذا كانت الصناعة فيه مباحة ، كحلي النساء لئلا يؤدي إلى الربا ، وعلم منه أنه يجب ضمانه بقيمته ، وذكر القاضي فيه أنه يضمن بأكثر من وزنه ; لأن الزيادة في مقابلة الصنعة ، فلا يؤدي إلى الربا ، ومقتضاه أن الصناعة إذا كانت محرمة أنه لم يجز ضمانه بأكثر من جنسه وجها واحدا ; لأنه لا قيمة لها شرعا ، بل يضمنه بوزنه وفيه وجه ، وقيل : إن جاز اتخاذه ضمن كالمباح ، فأما إن كانت قيمته كوزنه وجبت ; لأن تضمينه بها لا يؤدي إلى الربا ، أشبه غير الأثمان ( فإن كان محلى بالنقدين معا قومه بما شاء منهما للحاجة ) أي : إلى تقويمها بأحدهما ; لأن كلا منهما ثمن في قيم المتلفات ، وأروش الجنايات ، وليس أحدهما أولى من الآخر ، فكانت الخيرة إليه ( وأعطاه بالقيمة عرضا ) لئلا يفضي إلى الربا ، وقيل : من أتلف خلخالا أو سوارا ، فهل يضمن بوزنه من جنسه ، ويضمن الصنعة من غيره ، أو يضمن الوزن والصنعة بغير جنسه ، أو يضمنهما بجنسه ؛ فيه أوجه ، وإن كسرها ضمن النقص من غالب نقد البلد وإن كان من غير جنسه ( وإن تلف بعض المغصوب فنقصت قيمة باقيه كزوجي خف ) أو مصراعي باب ( تلف أحدهما فعليه رد الباقي ) لأنه ملك غيره ( وقيمة التالف ) لأنه تلف تحت يده العادية ( وأرش نقصه ) إن نقص ، نصره الأصحاب ; لأنه نقص حصل بجنايته ، فلزمه [ ص: 184 ] ضمانه ، كما لو غصب ثوبا ينقصه الشق فشقه ثم تلف ( وقيل : لا يلزمه أرش النقص ) لأن الباقي نقص قيمته فلا يضمنه كالنقص لتغير الأسعار ، وجوابه بالفرق بينهما ، فإن نقص السعر لم يذهب من المغصوب عين ولا معنى ، وهاهنا فوت عليه إمكان الانتفاع به ، فوجب ضمان نقص قيمته ، فلو كانت قيمتهما عشرين ، والباقي بعد التلف يساوي خمسة ، فعلى الأول عليه خمسة عشر ، وعلى الثاني عشرة ( وإن غصب عبدا فأبق ، أو فرسا فشرد ، أو شيئا تعذر رده مع بقائه ضمن قيمته ) للمالك للحيلولة لا أنه على سبيل العوض ويملكها ، وفي " عيون المسائل " وغيرها خلافه ; لأنه إنما حصل بها الانتفاع في مقابلة ما فوته الغاصب ( فإن قدر عليه بعد رده ) ولا يملكه الغاصب بأداء القيمة ، بل يرده إذا قدر مع نمائه المنفصل ، وأجر مثله إلى حين دفع بدله ( وأخذ القيمة ) أي : الذي أخذها المالك بدلا عنه ; لأنه أخذه بالحيلولة وقد زالت ، فيجب رد ما أخذ من أجلها إن كان باقيا بعينه بزيادته المتصلة ; لأنها تتبع في الفسوخ ، وهذا فسخ دون المنفصلة ; لأنها نماء ملكه ، وإن كان البدل تالفا فعليه بدله أو قيمته إن لم يكن من ذوات الأمثال ، وفي حبسه ليرد القيمة وجهان ، ولا يصح الإبراء منها مع بقائها .

( وإن غصب عصيرا فتخمر فعليه قيمته ) لأن ماليته زالت تحت يده ، أشبه ما لو أتلفها ، وقيل : مثله من العصير ، جزم به في " الشرح " ، و " الوجيز " ; لأن ذلك يلزمه بانقلابه خمرا ( فإن انقلب خلا رده ) لأنه عين ملكه ( وما نقص من قيمة العصير ) إن نقص ; لأنه نقص تحت يده ، أشبه ما لو نقص منه جزء ، وفي " عيون المسائل " لا يلزمه قيمة العصير ; لأن الخل عينه ، كحمل صار [ ص: 185 ] كبشا ، ويسترجع الغاصب ما أداه بدلا عنه ، وإن غلاه غرم أرش نقصه وكذا نقصه ، وقيل : لا ; لأنه ماء .

فرع : لو غصب جماعة مشاعا ، فرد واحد منهم سهم آخر إليه لم يجز له حتى يعطى شركاؤه ، نص عليه ، وكذا إن صالحوه بمال عنه ، نقله حرب ، ويتوجه أنه بيع المشاع ، ذكره في " الفروع " ، ولو شق ثوبه فلا قصاص فيه ، ويضمن نقصه ، ونقل جماعة : يخير ، اختاره الشيخ تقي الدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية