صفحة جزء
فصل : وتصرفات الغاصب الحكمية ، كالحج وسائر العبادات والعقود كالبيع ، والنكاح ، ونحوها باطلة في إحدى الروايتين ، والأخرى صحيحة ، فإن اتجر بالدراهم فالربح لمالكها ، وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فكذلك ، وعنه : الربح للمشتري ، وإن اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره أو صناعة فيه ، فالقول قول الغاصب ، وإن اختلفا في رده أو عيب فالقول قول المالك ، وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها ، تصدق بها عنهم بشرط الضمان كاللقطة .


فصل

( وتصرفات الغاصب الحكمية ) هي بالرفع صفة لتصرفات ، والحكمية : ما كان لها حكم في الصحة والفساد ، فالصحيح من العبادة ما أجزأ فاعله أو أسقط عنه القضاء ، وفي العقود ما ترتب أثره عليه من الانتفاع في البيع والاستمتاع في النكاح ، والفاسد وهو الباطل ما ليس كذلك ( كالحج وسائر العبادات ) كالطهارة ، والصلاة [ ص: 187 ] والزكاة ( والعقود كالبيع ، والنكاح ، ونحوها ) كالإجارة ( باطلة في إحدى الروايتين ) وهي ظاهر المذهب ; لأن ذلك التصرف تصرف الفضولي ، والصحيح من المذهب أنه باطل ، وقد تقدم ( والأخرى صحيحة ) مطلقا ، ذكرهأبو الخطاب ; لأن الغاصب تطول مدته غالبا ، وتكثر تصرفاته ، ففي إبطالها ضرر كبير ، وربما عاد بعض الضرر على المالك ، فإن الحكم بصحتها يكون الربح للمالك والعوض بنمائه وزيادته له ، والحكم ببطلانها يمنع من ذلك ، وقال في " الشرح " : وينبغي أن يتقيد في العقود بما لم يبطله المالك ، فأما إن اختار إبطاله بأخذ المعقود عليه فلا نعلم فيه خلافا ( وإن اتجر بالدراهم ) بأن غصبها واتجر بها ، أو عروضا فباعها واتجر بثمنها ، ولو قال : بالنقد ، لعم ( فالربح لمالكها ) نقله الجماعة ، واحتج بخبر عروة بن الجعد ، وهذا حيث تعذر رد المغصوب إلى مالكه ورد الثمن إلى المشتري ، قال جماعة منهم صاحب " الفنون " ، و " الترغيب " : إن صح الشراء ، وقال الشريف وأبو الخطاب : إن كان الشراء بعين المال فعلى الأول هو له ، سواء قلنا : يصح الشراء أو لا ، وسواء اشتراه بعين المال ، أو في الذمة ، ونقل حرب في خبر عروة إنما جاز ; لأن النبي - صلى الله عليه وسلم - جوزه له ، وحيث تعين جعل الربح للغاصب أو المغصوب منه فجعله للمالك أولى ; لأنه في مقابلة ماله الذي فاته بمنعه ، ولم يجعل للغاصب شيء منعا للغصب ، وعنه : يتصدق به ، نقلها الشريف لوقوع الخلاف فيه ( وإن اشترى في ذمته ثم نقدها فكذلك ) أي ، فالربح لربه ، هذا هو المشهور ; لأنه نماء ملكه ، أشبه ما لو اشتراه بعينه ، وفي " المحرر " ، و " المستوعب " بنية نقده الثمن من مال الغصب ( وعنه : الربح للمشتري ) لأنه اشترى لنفسه في ذمته ، فكان الشراء له ، والربح له ، وعليه [ ص: 188 ] بدل المغصوب ، وهذا قياس قول الخرقي ، وله الوطء ، نقله المروذي ، فعلى هذا إن أراد التخلص من شبهة بيده ، اشترى في ذمته ، ثم ينقد من مال الشبهة ، ولا يشتري بعين المال ، قاله القاضي ، وابن عقيل ، وذكره عن أحمد .

فرع : لو دفع المال مضاربة ، فربحه على ما ذكرنا ، وليس على المالك شيء من أجر العامل ; لأنه لم يأذن فيه ، ثم إن كان المضارب عالما بالغصب فلا أجر له لتعديه بالعمل ، وإن لم يعلم فعلى الغاصب أجر مثله ; لأنه استعمله بعوض لم يسلم له ، فلزمته أجرته كالعقد الفاسد .

( وإن اختلفا في قيمة المغصوب أو قدره ) بأن قال : غصبتك ثوبا ، قال : بل ثوبين ( أو صناعة فيه ) بأن قال المالك : كان كاتبا ، أو ذا صنعة ( فالقول قول الغاصب ) لأن الأصل براءة الذمة ، فلا يلزمه ما لم تقم عليه حجة ، كما لو ادعى عليه دينا فأقر بعضه ( وإن اختلفا في رده أو عيب ) بأن قال : كانت فيه إصبع زائدة أو نحوها ( فالقول قول المالك ) لأن الأصل عدم الرد والعيب ، فلو زادت قيمة المغصوب ، واختلفا في وقت الزيادة قدم قول الغاصب ; لأن الأصل براءة ذمته ، وإن شاهدت البينة المغصوب معيبا ، فقال الغاصب : كان معيبا قبل غصبه ، وقال المالك : تعيب عندك ، قدم قول الغاصب ; لأنه غارم ، والظاهر أن صفة العبد لم تتغير ، وقبل قول المالك كاختلاف المتبايعين في حدوث العيب .

مسألة : لو اختلفا في الثياب التي على العبد فهي للغاصب ; لأنها في يده ، ولم تثبت أنها لمالك العبد .

[ ص: 189 ] ( وإن بقيت في يده غصوب لا يعرف أربابها ) فسلمها إلى حاكم برئ من عهدتها ويلزمه قبولها ، وله أن ( يتصدق بها عنهم ) على الأصح ( بشرط الضمان كاللقطة ) لأنه عاجز عن ردها إلى مالكها ، فإذا تصدق بها عنهم كان ثوابها لأربابها ، فيسقط عنه إثم غصبها ، ففي ذلك جمع بين مصلحته ومصلحة المالك ، لكن بشرط الضمان ; لأن الصدقة بدون ما ذكر إضاعة لمال المالك ، لا على وجه بدل ، وهو غير جائز ، وفي " الغنية " عليه ذلك ، ونقل أيضا على فقراء مكانه إن عرفه ; لأن دية قتيل تؤخذ عليهم ، ولم يذكر أصحابنا غير الصدقة ، لكن نقل إبراهيم بن هانئ : يتصدق أو يشتري به كراعا أو سلاحا يوقف هو مصلحة للمسلمين ، وسأله جعفر عمن بيده أرض ، أو كرم ليس أصله طيبا ، ولا يعرف ربه ؛ قال : يوقفه على المساكين ، وذكر في " الفروع " توجيها على أفضل البر ، وقال الشيخ تقي الدين : يصرفه في المصالح ، وقاله في وديعة ، ونقله عن العلماء ، وعنه : لا يجوز التصدق بالمغصوب ، كالرواية في اللقطة فعلى هذا له دفعه إلى نائب الإمام كالضوال ، ونقل الأثرم وغيره : إذا علم ربه وشق دفعه وهو يسير كحبة ، فسلمه إلى حاكم برئ .

فائدة : رهن وديعة كغصب ، قاله الحارثي وغيره ، وليس لمن هي عنده أخذ شيء منها ولو كان فقيرا ، نص عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية