صفحة جزء
وإن أجج نارا في ملكه ، أو سقى أرضه ، فتعدى إلى ملك غيره وأتلفه ضمن ، إذا كان أسرف فيه أو فرط وإلا فلا ، وإن حفر في فنائه بئرا لنفسه ضمن ما تلف بها ، وإن حفرها في سابلة لنفع المسلمين لم يضمن ما تلف بها في أصح الروايتين ، وإن بسط في مسجد حصيرا ، أو علق فيه قنديلا لم يضمن ما تلف به ، وإن جلس في مسجد أو طريق واسع فعثر به حيوان فتلف لم يضمن في أحد الوجهين .


( وإن أجج نارا في ملكه ، أو سقى أرضه ، فتعدى إلى ملك غيره فأتلفه ضمن إذا كان أسرف فيه أو فرط ) بأن أججها بما تسري في العادة لكثرتها ، أو في ريح شديدة تحملها ، أو فتح ماء كثيرا يتعدى ; لأنها سراية عدوان ، فلزمه [ ص: 193 ] الضمان كما لو باشر ذلك بالإتلاف ، فلو أججها ثم طرأت ريح لم يضمن ، قال في " عيون المسائل " : لو أججها على سطح داره فهبت الريح ، فأطارت الشرر لم يضمن ; لأنه في ملكه ، وهبوب الريح ليس من فعله ، بخلاف ما لو رمى قشر بطيخ في طريق ، وظاهر " الوجيز " ، و " الفروع " أنه يضمن حيث لم يكن ذلك في ملكه ، صرح به في " الشرح " لتعديه ( وإلا فلا ) ضمان حيث لم يوجد إفراط ولا تفريط ، لأنه غير متعد ; لأنها سراية فعل مباح فلم يضمن ، كسراية القود ، وفارق ما إذا حل زقا فاندفق ما فيه ; لأنه متعد بحله ( وإن حفر في فنائه ) وهو ما كان خارج الدار قريبا منها ( بئرا لنفسه ضمن ما تلف بها ) لأنه متسبب إلى إتلاف غيره ، فلزمه الضمان كواضع السكين ، وسواء حفرها بإذن الإمام أو غير إذنه ، فيها ضرر أو لا ، وقال بعض أصحابنا : له حفرها لنفسه بإذن الإمام ، ذكره القاضي ، فعليه لا ضمان ; لأن للإمام أن يأذن في الانتفاع بما لا ضرر فيه ، وجوابه بأنه حفر في مكان مشترك بغير إذن أهله لغير مصلحتهم ؛ فضمن كما لو لم يأذن الإمام فيه ، ولا نسلم أن للإمام الإذن فيه ، فدل أنه لا يجوز لوكيل بيت المال وغيره بيع شيء من طريق المسلمين النافذ ، وأنه ليس لحاكم الحكم بصحته ، وقاله الشيخ تقي الدين ، وفي " الفروع " يتوجه جوازه للمصلحة ( وإن حفرها في سابلة ) وهي الطريق المسلوكة السبيل : الطريق يذكر ويؤنث ( لنفع المسلمين ) لينزل فيها ماء المطر ، أو ليشرب منها المارة ( لم يضمن ما تلف بها في أصح الروايتين ) لأنه محسن بفعله غير متعد ، أشبه باسط الحصير في المسجد ، وعلله أحمد بأنه نفع للمسلمين ، ومحله ما لم يكن فيه [ ص: 194 ] ضرر ، ومعناه في " الوجيز " بأن حفرها في سابلة واسعة لمصلحة عامة ، والثانية يضمن ، واقتصر القاضي على حكايتها ; لأنه مأذون له في ذلك بشرط سلامة العاقبة ، ولم توجد ، وعنه : يضمن إلا أن يكون بإذن حاكم ، والأول أشهر ; لأن هذا مما تدعو الحاجة إليه ، ويشق استئذان الإمام ، وتعم البلوى به ، ومثله لو حفرها في موات لتملك ، أو ارتفاق ، أو انتفاع عام ، نص عليه ، أو بنى فيها مسجدا أو خانا ونحوهما لنفع المسلمين .

فرع : فعل عبده بأمره كفعله ، أعتقه أو لا ، ويضمن سلطان آمر وحده ، وإن حفرها حر بأجرة أو لا وثبت علمه أنها في ملك غيره ، نص عليه ، ضمن الحافر ، ونصه : هما ، وإن جهل فالآمر ، وقيل : الحافر ، ويرجع على الآمر .

تنبيه : حكم البناء في الطريق كالحفر فيه ، مسجدا كان أو غيره ، نقل إسماعيل بن سعيد في المسجد : لا بأس به إذا لم يضر بالطريق ، ونقل عبد الله : أكره الصلاة فيه إلا أن يكون بإذن الإمام ، ونقل المروذي أن هذه المساجد التي بنيت في الطريق تهدم ، وسأله محمد بن يحيى الكحال : يزيد في المسجد من الطريق ، قال : لا تصلي فيه ، وفي " المغني " : يحتمل أن يعتبر إذن الإمام في البناء لنفع المسلمين دون الحفر لدعوى الحاجة إليه لنفع الطريق ، وإصلاحها ، وإزالة الطين والماء منها فهو كتنقيتها ، وحفر هدفه فيها ، وقلع حجر يضر بالمارة ، ووضع الحصى في حفرة فيها ليملأها ، وتسقيف ساقية فيها ، ووضع حجر في طين ليطأ الناس عليه ، فهذا كله مباح ، لا يضمن ما تلف به ، لا نعلم فيه خلافا ، وكذا بناء [ ص: 195 ] القناطر ، ويحتمل أن يعتبر فيها إذن الإمام ; لأن مصلحته لا تعم ، قال بعض أصحابنا في حفر البئر : ينبغي أن يتقيد سقوط الضمان إذا حفرها في مكان مائل عن القارعة ، وجعل عليه حاجزا ، يعلم به ليتوقى ( وإن بسط في مسجد حصيرا ، أو علق فيه قنديلا ) أو فعل فيه شيئا ينفع الناس ( لم يضمن ما تلف به ) لأنه مأذون في ذلك شرعا ، فلم يضمن ما تولد منه كسراية القود ، وقيل : بل يضمن المال ، وعاقلته ، والدية ، وقال ابن حمدان : إن فعله بإذن الإمام ، أو حاجة ، فهدر ، والأول أولى ، وقاله الأكثر كوضع حصى فيه ; ولأنه أحسن بفعله من غير تعد منه ، فلم يضمن ما تلف كما لو أذن الإمام والجيران ( وإن جلس في مسجد أو طريق واسع فعثر به حيوان فتلف لم يضمن في أحد الوجهين ) وهو الأصح ; لأنه جلس في مكان له الجلوس فيه من غير تعد على أحد ، وتقييده بالواسع يخرج الضيق ، والثاني يضمن ; لأن الطريق جعلت للمرور فيها لا الجلوس ، والمسجد للصلاة وذكر الله تعالى ، وما ذكره المؤلف أولى ; لأنه فعل فعلا مباحا ، والطريق الواسع يجلس فيه عادة ، والمسجد جعل للصلاة ، وانتظارها ، والاعتكاف في جميع الأوقات ، وبعضها لا تباح الصلاة فيه .

التالي السابق


الخدمات العلمية