صفحة جزء
وما أتلفت البهيمة فلا ضمان على صاحبها ، وإن مال حائطه ولم يهدمه حتى أتلف شيئا لم يضمنه ، نص عليه ، وأومأ في موضع أنه إن تقدم إليه بنقضه وأشهد عليه فلم يفعل ضمن ، إلا أن تكون في يد إنسان كالراكب ، والسائق ، والقائد ، فيضمن ما جنت يدها وفمها دون ما جنت رجلها ، ويضمن ما أفسدت من الزرع والشجر ليلا ، ولا يضمن ما أفسدت من ذلك نهارا


( وما أتلفت البهيمة فلا ضمان على صاحبها ) إذا لم تكن يد أحد عليها لقوله عليه السلام ( العجماء جبار ) أي : هدر ، وسواء كان المتلف صيد حرم أو غيره ، أطلقه أصحابنا ، ومرادهم إلا الضارية والجوارح وشبهها ، قال الشيخ تقي الدين فيمن أمر رجلا بإمساكها : ضمنه إذا لم يعلمه بها ، وفي " الفصول " من أطلق كلبا عقورا ، أو دابة رفوسا ، أو عضوضا على الناس ، وخلاه في طرقهم ورحابهم ، فأتلف شيئا ضمنه لتفريطه ، وظاهر كلامهم ، ولو كانت مغصوبة [ ص: 197 ] عادة ، ضمنوا في الأشهر ، وإن أطارت الريح إلى داره ثوبا لزمه حفظه ، فإن لم يعرف صاحبه ، فلقطة ، وإن عرفه لزمه إعلامه ، فإن لم يفعل ضمن ، وإن دخلها طائر غيره لم يلزمه حفظه ، ولا إعلامه به ، وقيل : إلا أن يكون غير ممتنع فيكون كالثوب ، وإن أغلق عليه بابه ليمسكه لنفسه ضمنه وإلا فلا ( وإن مال حائطه ) إلى غير ملكه وعلم به ، وأسقطه في " الترغيب " ( ولم يهدمه حتى أتلف شيئا لم يضمنه ، نص عليه ) لأن الميل حادث ، والسقوط بغير فعله ، أشبه ما لو وقع قبل ميله ، وسواء أمكنه نقضه أو طولب به أو لا ( وأومأ في موضع أنه إن تقدم إليه بنقضه وأشهد عليه فلم يفعل ضمن ) لأنه مفرط أشبه ما لو باشر الإتلاف ، وفيه روايتان عنه ، ففي رواية : إن طالبه مستحق بنقضه وأمكنه ضمن ، اختاره جماعة ، وفي رواية ابن منصور إذا كان أشهد عليه ضمن ، وقال بعض أصحابنا : يضمن مطلقا ، وهو قول ابن أبي ليلى ، وإسحاق كبنائه مائلا ، وأما إن طولب بالنقض فلم يفعل فقد توقف أحمد في الجواب فيها ، وحكى في " الشرح " الضمان عن الأصحاب ، فعلى هذا المطالبة من كل مسلم وذمي يوجب الضمان بشرطه ، لأن كل واحد له حق المرور بخلاف مستأجر ومستعير ، لكن إن كان المالك محجورا عليه لسفه ونحوه فطولب لم يلزمه لعدم أهليته ، وإن طولب وليه أو الوصي فلم يفعل فالضمان على المالك ، وإن طولب أحد الشريكين ففي حصته وجهان ، أحدهما لا شيء عليه ; لأنه لا يمكنه بدون إذن فهو كالعاجز ، والثاني يلزمه بحصته ; لأنه يتمكن من النقض بمطالبة شريكه وإلزامه فصار مفرطا [ ص: 198 ] لأنه لا تفريط من المالك ، ولا ذمة لها فيتعلق بها ، ولا قصد فيتعلق برقبتها ، بخلاف العبد والطفل ( إلا أن تكون في يد إنسان كالراكب ، والسائق ، والقائد ، فيضمن ما جنت يدها ، وفمها دون ما جنت رجلها ) لما روى سعيد مرفوعا " الرجل جبار " وفي رواية أبي هريرة " رجل العجماء جبار " فدل على وجوب الضمان في جناية غيرها ، ولأنه يمكنه حفظها من الجناية بها بخلاف الرجل ، وعنه : يضمن ما جنت برجلها ككبحها ونحوه ، ولو لمصلحة وكوطئه بها ، وظاهر نقل ابن هانئ فيه لا ، ونقل أبو طالب : لا يضمن ما أصابت برجلها ، أو نفحت بها ; لأنه لا يقدر على حبسها ، وهو ظاهر كلام جماعة ، وعنه : يضمن سائق جناية رجلها ، وعلى المذهب لو كان السبب من غيرهم ضمن فاعل كنخسها ، وتنفيرها ، ويعتبر في الركب أن يكون متصرفا فيها ، فلو كان عليها اثنان ، فالضمان على الأول ; لأنه قادر على كفها إلا أن يكون صغيرا ، أو مريضا ، وإن كان الثاني متوليا تدبيرها فعليه الضمان ، وإن اشتركا في التصرف ، أو كان معها سائق وقائد اشتركا في الضمان ، وإن كان معهما ، أو مع أحدهما راكب شارك ، وقيل : راكب ; لأنه أقوى ، وقيل : قائد ; لأنه لا حكم للراكب معه ، ولا ضمان بذنبها في الأصح ، ويضمن جناية ولدها .

فرع : الإبل والبغال المقطرة كالواحدة ، على قائدها الضمان ، وإن كان معه سائق شاركه في ضمان الأخير فقط إن كان في آخرها ، فإن كان في أولها شارك في الكل ، وإن كان في ما عدا الأول شارك في ضمان ما باشر سوقه دون ما قبله ، وشارك فيما بعد ، وإن انفرد راكب بالقطار وكان على أوله ضمن جناية الجميع ، قاله الحارثي .

[ ص: 199 ] ( ويضمن ما أفسدت من الزرع والشجر ليلا ، ولا يضمن ما أفسدت من ذلك نهارا ) في قول أكثرهم لما روى مالك عن الزهري عن حرام بن سعد أن ناقة للبراء دخلت حائط قوم فأفسدت ، فقضى رسول الله صلى الله عليه وسلم أن على أهل الأموال حفظها بالنهار ، وما أفسدت بالليل فهو مضمون عليهم ، قال ابن عبد البر : هذا وإن كان مرسلا فهو مشهور ، وحدث به الأئمة الثقات ، وتلقاه فقهاء الحجاز بالقبول ، ولأن العادة من أهل المواشي إرسالها نهارا للرعي وحفظها ليلا ، عكس أهل الحوائط ، ولهذا فرق بينهما ، وقضى على كل ما يحفظ في وقت عادته ، وهذا رواية ، واقتصر في " الوجيز " على الزرع فقط ، وظاهره أنها إذا أتلفت غير الزرع والشجر ليلا أنه لا ضمان على مالكها صرح به في " المغني " ، و " الشرح " ، والمنصوص أنه يضمن ما أتلفت ليلا ، وجزم به جماعة ولو انفلتت بغير اختياره ، وقيل : لا لعدم تفريطه ، ولا يضمن نهارا ، قال القاضي : هذه المسألة محمولة على المواضع التي فيها مزارع ، ومراع ، فأما القرى العامرة التي لا مرعى فيها إلا بين فراجين كساقية وطرف زرع ، فليس له إرسالها بغير حافظ ، فإن فعل لزمه الضمان لتفريطه ، فأما الغاصب فيضمن ما أفسدت مطلقا .

فرع : إذا طرد دابة من زرعه لم يضمن ، إلا أن يدخلها مزرعة غيره ، فإن اتصلت المزارع صبر لترجع على ربها ، ولو قدر أن يخرجها وله منصرف غير المزارع فتركها ؛ فهدر .

التالي السابق


الخدمات العلمية