صفحة جزء
[ ص: 203 ] باب الشفعة وهي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها ، ولا يحل الاحتيال لإسقاطها


باب الشفعة

هي بإسكان الفاء مأخوذة من الشفاعة ، أو الزيادة ، أو التقوية ، أو من الشفع ، وهو أحسنها ; لأن الشفع هو الزوج ، فإن الشفيع كان نصيبه منفردا في ملكه ، فبالشفعة ضم المبيع إلى ملكه ، وبالثاني جزم به بعض أهل اللغة ; لأن نصيبه كان وترا فصار شفعا ، والشافع هو الجاعل الوتر شفعا ، والشفيع فعيل بمعنى فاعل .

وهي ثابتة بالسنة ، فروى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قضى بالشفعة في كل ما لم يقسم ، فإذا وقعت الحدود ، وصرفت الطرق ، فلا شفعة رواه أحمد ، والبخاري ، وبالإجماع حكاه ابن المنذر ، قال في " المغني " : ولا نعلم أحدا خالف فيها إلا الأصم فإنه قال : لا يثبت لما فيه من الإضرار بأرباب الأملاك لتقاعس الناس عن الشراء حيث علموا انتزاع ما يشترونه ، وجوابه بأنه يندفع ذلك بالمقاسمة ، وأعقب الشفعة للغصب ، فإنها تؤخذ قهرا ، فكأنها مستثناة من تحريم أخذ مال الغير قهرا .

( وهي استحقاق الإنسان انتزاع حصة شريكه من يد مشتريها ) هذا بيان لمعناها ، ولا يخفى ما فيه من الاحتراز ، لكنه غير جامع لخروج الصلح بمعنى البيع والهبة بشرط الثواب ، ولا مانع ; لأنه يرد عليه الكافر ، ولا شفعة له ، وفي " المغني " استحقاق الشريك انتزاع حصة شريكه المنتقلة عنه من يد من انتقلت إليه وهو غير مانع لدخول ما انتقل بغير عوض كالإرث ، والوصية ، والهبة بغير ثواب ، أو [ ص: 204 ] بعوض غير مالي على المشهور كالخلع ونحوه ، والأحسن أن يقال : هي استحقاق الشريك أخذ حصة شريكه من يد من انتقلت عنه بعوض مالي مستقر ( ولا يحل الاحتيال لإسقاطها ) قال الإمام أحمد : لا يجوز شيء من الحيل في إبطالها ، ولا إبطال حق مسلم ، استدل الأصحاب بما روى أبو هريرة عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : " لا ترتكبوا ما ارتكبت اليهود ، فتستحلوا محارم الله " وقد حرم الله الحيل في مواضع من كتابه ، ولأن الشفعة وضعت لدفع الضرر ، فلو سقطت بالحيل للحق الضرر ؛ فلم تسقط كما لو أسقطها المشتري عنه بوقف ، أو بيع ، فعلى هذا لو احتال لم يسقط ، ومعنى الحيلة أن يظهر المتعاقدان في البيع شيئا لا يؤخذ بالشفعة معه ، ويتواطئون في الباطن على خلافه ، مثل أن يشتري بدنانير ، ويقضيه عنها بدراهم ، أو يشتري شقصا بثمن ثم يبرئه من بعضه ، أو يشتري جزءا من الشقص بمائة ثم يهب البائع باقيه ، ويأخذ الجزء المبيع من الشقص بقسطه من الثمن ، ويحتمل أن يأخذ الشقص كله بجميع الثمن .

التالي السابق


الخدمات العلمية