صفحة جزء
الثاني : أن يكون شقصا مشاعا من عقار ، ولا شفعة فيما لا تجب قسمته فيه كالحمام الصغير ، والبئر ، والطرق ، والعراص الضيقة ، وما ليس بعقار كالشجر ، والحيوان ، والبناء المفرد في إحدى الروايتين ، إلا أن البناء والغراس يؤخذ تبعا للأرض ، ولا تؤخذ الثمرة والزرع تبعا في أحد الوجهين .


فصل

( الثاني أن يكون ) المبيع ( شقصا ) بكسر أوله ، قال أهل اللغة : هو من الأرض ، والطائفة من الشيء ( مشاعا من عقار ) مرادهم بالعقار هنا الأرض [ ص: 206 ] دون الغراس والبناء لما يأتي ، وظاهر كلام أهل اللغة بل صريحه أن النخل عقار ( ينقسم ) أي تجب قسمته ، وعنه : مطلقا ، اختاره ابن عقيل ، وأبو محمد الجوزي ، والشيخ تقي الدين ، وعنه : وغيره إلا في منقول ينقسم ، فالشقص يحترز به عن الكل ; لأن الأخذ به أخذ بالجوار ، وبالإشاعة عن المقسوم ، وبالعقار عن غيره ; لأنه لا نص فيه ولا هو في معنى المنصوص ( فأما المقسوم المحدد فلا شفعة لجاره فيه ) في قول عمر ، وعثمان ، وخلق لحديث جابر ، ولقوله " الشفعة فيما لم يقسم " معناه أن الشفعة حاصلة ، أو ثابتة ، أو مستقرة في كل ما لم يقسم ، فما قسم لا تحصل فيه ، ولا تثبت ، ويؤكد هذا رواية الحصر ، والراوي ثقة عالم باللغة ، فينقل اللفظ بمعناه ، وعنه : أنها تثبت للجار ، حكاها القاضي يعقوب في " التبصرة " ، وصححها ابن الصيرفي ، والحارثي ، وكذا اختاره الشيخ تقي الدين مع الشركة في الطريق لما روى جابر مرفوعا أنه قال : الجار أحق بشفعة جاره ينتظر بها وإن كان غائبا إذا كان طريقهما واحدا ، رواه الخمسة ، وحسنه الترمذي ، وروى أبو رافع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : الجار أحق بصقبه ، رواه النسائي ، ولأنه اتصال ملك يدوم ويتأبد ، فتثبت فيه كالشركة ، والأول أولى ; لأن حديث أبي رافع ليس بصريح فيها ، فإن الصقب القرب ، فيحتمل أنه أحق بإحسان جاره وصلته مع أن خبرنا صريح ، فيقدم على غيره ، وأحاديثهم فيها مقال ، ويحتمل أنه أراد بالجار الشريك كما تسمى الضرتان جارتين لاشتراكهما في الزوج ، ولأن الشفعة ثبتت في موضع الوفاق على خلاف الأصل لمعنى معدوم في محل النزاع ، فلا تثبت فيه ، فعلى هذا لا فرق بين كون الطريق مفردة ، أو مشتركة ، وسأله أبو طالب : الشفعة لمن هي ؛ قال : إذا كان [ ص: 207 ] طريقهما واحدا مشتركا لم يقتسموا ، فإذا صرفت الطرق ، وعرفت الحدود فلا شفعة ، وإن بيعت دار لها طريق في درب لا ينفذ فوجهان ، والأشهر يجب إن كان للمشتري طريق غيره ، أو أمكن فتح بابه إلى شارع ، وإن كان نصيب مشتر فوق حاجته ، ففي زائد وجهان ، وكذا دهليز جاره وصحنه .

فرع : إذا قدم من لا يراها لجار إلى حاكم ، فأنكر ، لم يحلف ، وإن أخرجه خرج ، نص عليه ، وقال : لا يعجبني الحلف على أمر اختلف فيه ، قال القاضي : لأن يمينه هنا على القطع والبت ، ومسائل الاجتهاد ظنية ، فلا يقطع ببطلان مذهب المخالف ، وحمل في " المغني " ، و " الشرح " على الورع ، وإن حكم حنفي لشافعي بها فله الأخذ عند ابن عقيل ، ومنعه القاضي .

( ولا شفعة فيما لا تجب قسمته كالحمام الصغير ، والبئر ، والطرق ، والعراص الضيقة ) في ظاهر المذهب لقوله عليه السلام " لا شفعة في فناء ولا طريق ولا منقبة " رواه أبو عبيد في " الغريب " المنقبة الطريق الضيق بين دارين لا يمكن أن يسلكه أحد ، والثانية : بلى لما روى ابن عباس مرفوعا " الشريك شفيع والشفعة في كل شيء " رواه الترمذي ، والنسائي متصلا ومرسلا ، وهو أصح ، قاله الدارقطني ، والذي وصله أبو حمزة السكري وهو مخرج عنه في " الصحيحين " ولأنها وضعت لإزالة الضرر ، ووجوده فيما لا يقسم أبلغ منه فيما يقسم ، والأول أشهر ; لأن إثبات الشفعة في هذا تضر بالبائع ; لأنه لا يمكنه أن يتخلص من إثبات الشفعة في نصيبه بالقيمة ، وقد يمنع المشتري لأجل الشفيع ؛ فيتضرر البائع ، وقد يمتنع البيع فيسقط ، فيؤدي إثباتها إلى نفيها ، وظاهره أن الحمام الكبير [ ص: 208 ] حيث قسم ، وانتفع به حماما ، والبئر ، والعضائد متى أمكن أن يحصل من ذلك شيئان ، ثبت فيه كالرحا ( وما ليس بعقار كالشجر ، والحيوان ، والبناء المفرد في إحدى الروايتين ) هي ظاهر المذهب ; لأن من شرط وجوبها أن يكون المبيع أرضا ; لأنها هي التي تبقى على الدوام ، ويدوم ضررها ، والثانية : بلى ، وقد سبق ( إلا أن البناء والغراس يؤخذ تبعا للأرض ) إذا بيع مع الأرض بغير خلاف في المذهب ، ولا نعرف فيه خلافا بين من أثبت الشفعة ، قاله في " الشرح " ( ولا تؤخذ الثمرة ) وقيدها في " المغني " ، و " الشرح " بالظاهرة ( والزرع تبعا ) أي : إذا بيع مع الأرض ( في أحد الوجهين ) وهو المذهب ; لأن ذلك لا يدخل في البيع فلا يدخل في الشفعة كقماش الدار ، والثاني : بلى يؤخذ تبعا كالغراس ، ومقتضاه أن غيرهما مما يدخل ، مع أنه ذكر في " المغني " إن اشتراه ، وفيه طلع لم يؤبر فأبره ، لم يأخذ الثمرة ، بل الأرض ، والنخل بحصته كشقص وسيف ، وكذا ذكر غيره : إذا لم يدخل أخذ الأصل بحصته .

التالي السابق


الخدمات العلمية