صفحة جزء
فصل . الثالث : المطالبة بها على الفور ساعة يعلم ، نص عليه ، وقال القاضي : له طلبها في المجلس وإن طال ، فإن أخره سقطت شفعته إلا أن يعلم وهو غائب فيشهد على الطلب بها ، ثم إن أخر الطلب بعد الإشهاد عند إمكانه أو لم يشهد ، ولكن سار في طلبها فعلى وجهين ، وإن ترك الطلب والإشهاد لعجزه عنهما كالمريض والمحبوس ، ومن لا يجد من يشهده ، أو لإظهارهم زيادة في الثمن أو نقصا في المبيع ، أو أنه موهوب له ، أو أن المشتري غيره ، أو أخبره من لا يقبل خبره ، فلم يصدقه ، فهو على شفعته ، وإن أخبره من يقبل خبره فلم يصدقه ، أو قال للمشتري : بعني ما اشتريت ، أو صالحني سقطت شفعته ، وإن دل في البيع ، أو توكل لأحد المتبايعين ، أو جعل له الخيار فاختار إمضاء البيع فهو على شفعته ، وإن أسقط شفعته قبل البيع لم تسقط ، ويحتمل أن تسقط ، وإن ترك الولي شفعة للصبي فيها حظ لم تسقط ، وله الأخذ بها إذا كبر ، وإن تركها لعدم الحظ فيها سقطت ، ذكره ابن حامد ، وقال القاضي : يحتمل أن لا تسقط .


( الثالث المطالبة بها على الفور ) لقوله - عليه السلام : الشفعة لمن واثبها ، في رواية " الشفعة كحل العقال " رواه ابن ماجه ، ولأن ثبوتها على التراخي ربما أضر بالمشتري لعدم استقرار ملكه ، وحينئذ يشهد ( ساعة يعلم ، نص عليه ) وهو المختار لعامة الأصحاب لظاهر ما سبق ، واحترز بالعلم عما إذا لم يعلم ، فإنه على شفعته ، ولو مضى عليه سنوات ( وقال القاضي ) وأصحابه ، واختاره ابن حامد ، وحكاه ابن الزاغوني رواية ( له طلبها في المجلس وإن طال ) لأن [ ص: 209 ] المجلس في حكم حالة العقد ، بدليل صحته بوجود القبض فيما يشترط قبضه فيه ، وعنه واختارها القاضي يعقوب : أنها على التراخي ; لأنها خيار لدفع ضرر محقق ، فكانت على التراخي كخيار العيب ، ما لم يوجد منه ما يدل على الرضى ، كقوله : بعني ، أو صالحني ، أو قاسمني ; لأنه حق لا ضرر في تأخيره ، أشبه القصاص ( فإن أخره ) عن ساعة العلم ، أو المجلس - على الخلاف - بلا عذر ( سقطت شفعته ) فلو أخره لعذر مثل أن يعلم ليلا ، فيؤخره إلى الصباح ، أو لحاجة أكل ، أو شرب ، أو طهارة ، أو إغلاق باب ، أو خروج من حمام ، أو ليأتي بالصلاة وسنتها ، فهو على شفعته في الأصح ، ونقل ابن منصور : لا بد من طلبه ، ثم له أن يخاصم ولو بعد أيام ( إلا أن يعلم وهو غائب فيشهد على الطلب بها ) إذا قدر عليه ، فيعلم منه أنه مطالب غير تارك ( ثم إن أخر الطلب بعد الإشهاد عند إمكانه ) وفيه وجهان ، أحدهما تبطل ; لأنه تارك للطلب ، أشبه ما لو كان حاضرا ولم يشهد ، والثاني لا يسقط ; لأن عليه في السفر عقيب الإشهاد ضررا لالتزامه كلفته وانقطاع حوائجه ، وفي " المغني " : إن أخر القدوم بعد الإشهاد والطلب وهو صحيح ; لأنه لا وجه لإسقاط الشفعة بتأخير الطلب بعد الإشهاد وهو غائب ; لأن الطلب حينئذ لا يمكن بخلاف القدوم فإنه ممكن ، وتأخير ما يمكن لإسقاطه وجه ، بخلاف تأخير ما لا يمكن ( أو لم يشهد ولكن سار في طلبها فعلى وجهين ) أحدهما تبطل ، وهو ظاهر كلام أحمد ، والخرقي ; لأن السير قد يكون لطلبها ، أو لغيره ، فوجب بيان ذلك بالإشهاد كما لو لم يسر ، والثاني لا تسقط ; لأن سيره عقيب علمه ظاهر في طلبها ، فاكتفي به كالذي في البلد ، قال الزركشي : وينبغي [ ص: 210 ] أن يكون حكم سير وكيله حكم سيره ، وكذلك الوجهان إن أخر الطلب بعد القدوم والإشهاد ، أو نسي المطالبة ، أو البيع ، أو جهلها ، أو ظن المشتري زيدا فبان غيره ، ولفظ الطلب : أنا طالب ، أو مطالب ، أو آخذ بالشفعة ، أو قائم عليها ، ونحوه .

( وإن ترك الطلب والإشهاد لعجزه عنهما كالمريض ) فهو على شفعته ; لأنه معذور ، أشبه ما لو لم يعلم ، لكن إن كان المرض لا يمنع المطالبة كالمرض اليسير ، والألم القليل ، فهو كالصحيح ، فإن كان له عذر ، وقدر على التوكيل فلم يفعل فوجهان ، أحدهما : يبطل ; لأنه تارك للطلب مع إمكانه فهو كالحاضر ، والثاني : لا يسقط ; لأنه إن كان بجعل ففيه غرم ، وإن كان بغيره ففيه منة ، وقد لا يثق به ( والمحبوس ) لكن إن كان حبسه بحق يمكنه أداؤه ؛ فأبى سقطت شفعته ( ومن لا يجد من يشهده ) بأن لا يجد شاهدي عدل ، ولا مستوري الحال ، فإن وجد واحدا حرا عدلا فوجهان ، أحدهما : هو على شفعته ، إذ لا يثبت البيع بقول واحد ، والثاني : يسقط ; لأنه حجة مع اليمين كالعدلين ، أو رجل وامرأتين ، أو لم يجد من يشهده فهو على شفعته للعذر ( أو لإظهارهم زيادة في الثمن ) ليس ذلك شرطا فيه ، بل لو أظهر المشتري زيادة في الثمن لم تبطل ، وعكسه لو أظهر أن الثمن قليل ، فترك الشفعة ، وكان الثمن كثيرا سقطت ; لأن من لا يرضى بالقليل لا يرضى بأكثر منه ، قاله في " الكافي " ( أو نقصا في المبيع ) أو أنهما تبايعا بدنانير ، فبانت دراهم ، أو بالعكس لأنهما جنسان ( أو أنه موهوب له ) لأن من شرطه العوض ( أو أن المشتري غيره ) أو كان كاذبا [ ص: 211 ] ( أو أخبره من لا يقبل خبره ) كالفاسق ( فلم يصدقه فهو على شفعته ) في الصور السابقة ; لأنه لم يعلم الحال على وجهه كما لو لم يعلم ، ولأن خبر من لا يقبل خبره مع عدم تصديق الشفيع له ، يكون وجوده كعدمه ، ومقتضاه أنه إذا صدقه تسقط شفعته ; لأن تصديقه اعتراف بوقوع ، وهو غير مطالب بها ؛ فوجب سقوطها كما لو أخبره ثقة .

( وإن أخبره من يقبل خبره ) كعدلين ( فلم يصدقه ) بطلت ; لأن ذلك يوجب ثبوت البيع ، صدق الشفيع أو لا ، وكذا إن أخبره عدل ، أو مستور الحال في الأصح ، والمرأة والعبد كضدهما ، وقال القاضي : هما كالفاسق ، والصبي ( أو قال للمشتري : بعني ما اشتريت أو صالحني سقطت شفعته ) لأنه يدل على رضاه ، فوجب أن يسقط لتأخير الطلب عن ثبوت البيع ، وكذا قوله : هبه لي ، أو ائتمني عليه ممن شئت ونحوه ( وإن دل في البيع ) أي : عمل دلالا بينهما ، أو رضي به ، أو ضمن ثمنه ( أو توكل لأحد المتبايعين ) فله الشفعة في الأصح ، وقال القاضي : إن كان وكيل البائع فلا شفعة له ، وقيل عكسه ، ومثله وصي وحاكم ، وقيل : إن باع شقصا ليتيم في شركته ، أو اشترى له شقصا في شركته فلهما الشفعة ، كما لو تولى العقد غيرهما ، وقيل : لهما الشفعة إذا اشترياه فقط ( أو جعل له الخيار ، فاختار إمضاء البيع فهو على شفعته ) لأن ذلك سبب ثبوت الشفعة فلم تسقط به ، كما لو أذن في البيع ، أو عفا عنها قبل تمام البيع ، ولأن المسقط لها الرضى بتركها ولم يوجد .

فرع : لو لقيه فسلم عليه لم تسقط ، وكذا إن قال له : بارك الله لك في صفقتك ، أو دعا له بالمغفرة في الأصح .

[ ص: 212 ] ( وإن أسقط شفعته قبل البيع لم تسقط ) في ظاهر المذهب ، وهو قول الجمهور ; لأنه إسقاط حق قبل وجوبه ، فلم يسقط كما لو أبرأه مما يجب له ( ويحتمل أن تسقط ) حكاه في " المغني " ، و " المحرر " ، وأطلقهما فيه لمفهوم قوله عليه السلام " فإن باع ولم يؤذنه فهو أحق به " ; لأنه إذا باع بإذنه لا حق له فيه ، وأجاب في " المغني " بأنه يحتمل أنه أراد العرض عليه ليبتاع ذلك إن أراد لتخف عليه المؤنة ، ويكفي أخذ المشتري الشقص لا أنه يسقط حقه بإذنه ( وإن ترك الولي شفعة للصبي فيها حظ لم تسقط ) وقاله جماعة ; لأنها وجبت بالبيع ، وإسقاط الولي لها لا يصح ; لأنه إسقاط حق للمولى عليه ، ولا حظ له في إسقاطه فلم يصح كالإبراء ، وإذا ثبت أنه لا يملك الإسقاط فتركه أولى ، وعلم منه أن الشفعة تثبت للصغير كالبائع ، وقال ابن أبي ليلى وجمع : لا شفعة له ، ورد بأن ثبوتها لدفع ضرر المال فاستويا ، وكخيار العيب ( وله الأخذ بها إذا كبر ) أي : بلغ ورشد ، نص عليه ; لأنه الوقت الذي يتمكن فيه من الأخذ ( وإن تركها لعدم الحظ فيها ) أو لإعسار الصغير ( سقطت ، ذكره ابن حامد ) وتبعه القاضي وعامة أصحابه ; لأنه فعل ما له فعله ، فلم يكن للصغير نقضه كالرد بالعيب ( وقال القاضي : يحتمل أن لا تسقط ) هذا ظاهر كلام أحمد في رواية ابن منصور ، والخرقي ، وقدمه في " المحرر " ، و " الفروع " ; لأن حق الأخذ ثبت فلا يسقط بترك غيره كوكيل الغائب ، فعلى هذا هي له ، سواء عفا عنها الولي أو لا ، وسواء كان فيها حظ أو لا ، وللولي الأخذ بها إذا كان فيها حظ ، وقال في " المغني " يجب ; لأنه مصلحة من غير مفسدة ، والولي عليه رعاية مصالح [ ص: 213 ] موليه ، وإن لم يكن فيها حظ فلا ، فإن فعل لم يصح على الأصح كمنعه من الشراء ، أشبه ما لو اشترى معيبا يعلم عيبه ، وقال ابن بطة : يسقط ; لأنه يملك الأخذ ، فملك الترك كالمالك .

فائدة : حكم المجنون المطبق والسفيه كالصغير ، والمغمى عليه كالغائب والمفلس له الأخذ بها والعفو عنها ، وليس لغرمائه إجباره على الأخذ بها ، وأما المكاتب فله الأخذ والترك ، وليس لسيده الاعتراض .

التالي السابق


الخدمات العلمية