صفحة جزء
فصل وإن تصرف المشتري قبل الطلب بوقف أو هبة سقطت الشفعة نص عليه ، وقال أبو بكر : لا تسقط ، وإن باع فللشفيع الأخذ بأي البيعين شاء ، فإن أخذ بالأول رجع الثاني على الأول ، وإن فسخ البيع بعيب ، أو إقالة ، أو تحالف ، فللشفيع أخذه ، ويأخذه في التحالف بما حلف عليه البائع ، وإن أجره أخذه الشفيع ، وله الأجرة من يوم أخذه ، وإن استغله فالغلة له ، وإن أخذه وفيه زرع أو ثمرة ظاهرة فهي للمشتري مبقاة إلى الحصاد والجداد ، وإن قاسم المشتري وكيل الشفيع ، أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو نحوه ، وغرس أو بنى فللشفيع أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء ؛ فيملكه أو يقلعه ، ويضمن النقص ، فإن اختار أخذه فأراد المشتري قلعه فله ذلك ، إذا لم يكن فيه ضرر ، وإن باع الشفيع ملكه قبل العلم لم تسقط شفعته في أحد الوجهين ، وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع في أصح الوجهين ، وإن مات الشفيع بطلت شفعته ، إلا أن يموت بعد طلبها فتكون لوارثه .


فصل

( وإن تصرف المشتري قبل الطلب بوقف أو هبة سقطت الشفعة ، نص عليه ) [ ص: 218 ] في رواية علي بن سعيد ، وبكر بن محمد ; لأن الشفعة إنما تثبت في الملك ، وقد خرج هذا عن كونه مملوكا ، ولأن فيها هاهنا إضرارا بالموقوف عليه والموهوب له ; لأن ملكه قد زال عنه بغير عوض ، والضرر لا يزال بالضرر ، قال ابن أبي موسى : من اشترى دارا فجعلها مسجدا ، فقد استهلكها ولا شفعة فيها ، وكذا إذا تصرف فيها برهن ، أو صدقة ، أو إجارة لما ذكرنا ( وقال أبو بكر : لا تسقط ) بل للشفيع فسخ ذلك وأخذه بالثمن الذي وقع به البيع ، حتى لو جعله مسجدا ، وفي " الفصول " : عنه لا ; لأنه شفيع ، ولأن الشفيع يملك فسخ البيع الثاني والثالث مع إمكان الأخذ بهما ، فلأن يملك فسخ عقد الأخذ به أولى ، ولأن حق الشفيع أسبق ، وجنبته أقوى فلم يملك المشتري تصرفا يبطل حقه ، وفي " الفروع " توجيه ، أن المستأجر إذا وقف ما غرسه أو بناه لم يبطل الوقف ، وهو ظاهر ، وقد يفرق بينهما من حيث إن رب الأرض يأخذه من الموقوف عليه ، ولا يفسخ عقد الوقف ، فيصير بمنزلة بيع الوقف بشرطه ، فيشتري بثمنه ما يقوم مقامه ، وهنا يؤخذ من المشتري الذي وجبت له الشفعة ، فيفسخ عقد الوقف ، ويؤخذ حال كونه ملكا له أو وقفا ، فصار كأنه لم يوجد ، ويكون الثمن لمن وجبت عليه الشفعة ، وعلم منه أنه إذا تصرف المشتري بعد الطلب أنه لا يصح ; لأنه يملكه بمطالبته ، وقيل : وقبضه .

( وإن باع ) المشتري ( فللشفيع الأخذ بأي البيعين شاء ) لأن سبب الشفعة الشراء ، وقد وجد من كل واحد منهما ، ولأنه شفيع في العقدين ، واقتضى ذلك صحة تصرف المشتري ; لأنه ملكه ، وصح قبضه ، وإن كان الشفيع له أن يتملكه ، لا يمنع من تصرفه ، كما لو كان أحد العوضين في المبيع معيبا ، فإنه لا يمنع [ ص: 219 ] التصرف في الآخر ، وكالابن يتصرف في العين الموهوبة له ، وإن جاز لأبيه الرجوع فيها ( فإن أخذ بالأول رجع الثاني على الأول ) لأنه لم يسلم له العوض ، فإن لم يعلم حتى تبايع ثلاثة أو أكثر ، فله أن يأخذ بالأول ، وينفسخ العقدان الآخران ، وله أن يأخذ بالثاني ، وينفسخ الثالث ، وله أن يأخذ بالثالث ، ولا ينفسخ بشيء من العقود ، وجعل ابن أبي موسى هذا الحكم إذا لم يكن الشقص في يد واحد منهم بعينه ، أما إذا كان في يد أحدهم ، فالمطالبة له وحده ( وإن فسخ البيع بعيب ) أي : في الشقص المشفوع ( أو إقالة ، أو تحالف ، فللشفيع أخذه ) لأن حقه سابق على ذلك كله ; لأنه ثبت بالبيع ، وعنه : إن استقاله قبل المطالبة بها ، لم تكن له شفعة ، وكذا إن ترادا بعيب ، وظاهره أنها تثبت في صورة الإقالة مطلقا ; لأن الأخذ بالبيع لا بالإقالة ، وصورته أن شخصا حصل له نصيب في عقار ، بعد أن باع بعض الشركة نصيبه ، ثم تقايل هو والمشتري بعد أن ملك الشخص النصيب ، فهنا يملك الشخص الشفعة ، وأما الشريك فملكه سابق على البيع ، فبنفس البيع استحق الشفعة ، لكن إذا فسخ البائع لعيب في ثمنه المعين ، فإن كان قبل الأخذ بالشفعة فلا شفعة ، وإلا استقرت ، وللبائع إلزام المشتري بقيمة شقصه ، ويتراجع المشتري والشفيع في الأصح بما بين القيمة والثمن ، فيرجع دافع الأكثر منهما بالفضل ( ويأخذه في التحالف بما حلف عليه البائع ) لأن البائع مقر بالبيع بالثمن الذي حلف عليه ، ومقر للشفيع باستحقاق الشفعة بذلك ، فإذا بطل حق المشتري بإنكاره ، لم يبطل حق الشفيع بذلك ، وله أن يبطل فسخهما ويأخذ ; لأن حقه أسبق .

[ ص: 220 ] فرع : إذا وجبت له الشفعة ، وقضى الحاكم بها ، والشقص في يد البائع ، ودفع الثمن إلى المشتري ، فقال البائع للشفيع : أقلني ، فأقاله ، لم يصح ; لأنها تكون بين المتبايعين ، وليس بينهما بيع ، وإنما هو مشتر من المشتري ، فإن باعه إياه صح ; لأن العقار يجوز التصرف فيه قبل قبضه .

( وإن أجره أخذه الشفيع ) لأن إجارة المشتري لا تمنع نقل الملك ، بدليل أنه يصح بيع المؤجر ، وانفسخت الإجارة من حين أخذها ( وله الأجرة من يوم أخذه ) لأنه صار ملكه بأخذه ، وفيها في " الكافي " الخلاف في هبة ( وإن استغله ) المشتري ( فالغلة له ) لأنها نماء ملكه ، إذ الخراج بالضمان ، بدليل أنه لو تلف كان من ضمانه ، فكذا إذا استغله ( وإن أخذه ) الشفيع ( وفيه زرع ، أو ثمرة ظاهرة ) أو أبرت ، وما في معناه ( فهي للمشتري ) لأنه ملكه ( مبقاة إلى الحصاد والجداد ) لأن ضرره لا يبقى ، ولا أجرة عليه ; لأنه زرعه في ملكه ، ولأن أخذه بمنزلة شراء ثان ، وقيل : يجب في الزرع إلى حصاده ، فيخرج في الثمرة مثله ، وعلم أن النماء المتصل كالشجر إذا كبر ، والطلع إذا لم يؤبر ، فإنه يتبعه في العقد والفسخ كما لو رد بعيب ، لا يقال : فلم لا يكون حكمه حكم الزوج إذا طلق قبل الدخول ; لأن الزوج يقدر على الرجوع بالقيمة إذا فاته الرجوع في العين ، وهنا يسقط حقه منها إذا لم يرجع في الشقص فافترقا .

( وإن قاسم المشتري وكيل الشفيع ) في القسمة ، أو رفع الأمر إلى الحاكم فقاسمه لغيبة الشفيع فله ذلك في وجه ، جزم به في " الكافي " وغيره ( أو قاسم الشفيع لكونه أظهر له زيادة في الثمن أو نحوه ) بأن الشقص موهوب أو أن [ ص: 221 ] الشراء لفلان ، فترك الشفعة لذلك ، وكذا إن جهل الشفيع ثبوت الشفعة له ، قاله ابن الزاغوني ( وغرس أو بنى ) ثم أخذ الشفيع بها ، فله ذلك للعمومات ، وعلم منه أنه لا يتصور بناء المشتري وغرسه على القول بالفورية إلا فيما ذكر ( فللشفيع ) الخيار بين ( أن يدفع إليه قيمة الغراس والبناء فيملكه ) مع الأرض ، نص عليه دفعا للضرر المنفي شرعا ( أو يقلعه ، ويضمن النقص ) أي : نقصه من القيمة ، قاله القاضي وأصحابه ، وهو المذهب ، لزوال الضرر به ، وهذا التخيير هو قول أكثر العلماء ، زاد في " الانتصار " : أو أقره بأجرة ، فإن أبى فلا شفعة ، ونقل الجماعة : له قيمة البناء ولا يقلعه ، ونقل سندي : أله قيمة البناء أم قيمة النقص ؛ قال : لا ، قيمة البناء ، قال : إنهم يقولون : قيمة النقص ، فأنكره ورده ، وقال : ليس هذا كغاصب .

أصل في كيفية التقويم ، ذكر في " المغني " ، و " الشرح " أن الظاهر أن الأرض تقوم مغروسة أو مبنية ، ثم تقوم خالية منهما ، فما بينهما فهو قيمة الغراس أو البناء يدفع إلى المشتري إن أحب الشفيع ، أو ما نقص منه إن اختار القلع لا قيمته مستحقا للبقاء ; لأنه لا يستحق ذلك ، ولا قيمته مقلوعا ، ويحتمل أن يقوم الغرس والبناء مستحقا للترك بالأجرة ، أو لأخذه بالقيمة إذا امتنعا من قلعه ( فإن اختار أخذه ، فأراد المشتري قلعه فله ) أي : للمشتري ( ذلك ) لأنه ملكه ، فإذا قلعه فليس عليه تسوية الحفر ، ولا نقص الأرض ، قاله الأكثر ; لأن النقص حدث في ملكه فلا يقابل بعوض ، فعلى هذا يخير الشفيع بين أخذه ناقصا بكل الثمن ، أو تركه ، وظاهر الخرقي أن عليه ضمان النقص الحاصل [ ص: 222 ] بالقلع ، فأما نقص الأرض بالغرس والبناء فلا يضمنه ، ذكره في " المغني " ( إذا لم يكن فيه ضرر ) هذا اختيار الخرقي ، وابن عقيل ، والآدمي ، وجزم به في " الوجيز " ; لأن الضرر لا يزال بمثله ، واقتصر الأكثر على القلع ، أضر بالأرض أو لم يضر ; لأنه عين ماله .

فرع : إذا حفر فيها بئرا أخذها ، ولزمه أجرة مثلها .

( وإن باع الشفيع ملكه قبل العلم ) ببيع نصيب شريكه ( لم تسقط شفعته في أحد الوجهين ) اختاره أبو الخطاب ، وجزم به في " الوجيز " ; لأنها ثبتت له ، ولم يوجد منه رضى بتركها ، والأصل بقاؤها ، والثاني : تسقط ، قاله القاضي ; لأنه زال السبب الذي يستحق به الشفعة ، وهو الملك الذي يخاف الضرر بسببه ، أشبه ما لو اشترى معيبا لم يعلم عيبه حتى باعه ، ومقتضاه أنه إذا باعه بعد العلم بالحال فإنها تسقط ، وإن باع بعضه فوجهان ، أحدهما : تسقط لكونها لا تتبعض ، والثاني بقاؤها ; لأنه قد بقي من نصيبه ما يستحق به الشفعة في جميع المبيع لو انفرد ( وللمشتري الشفعة فيما باعه الشفيع في أصح الوجهين ) لأن له ملكا سابقا على بيع الشفيع ، فملك الأخذ به ، والثاني تسقط ; لأن ملكه ضعيف ، لكونه بعرضية الأخذ بالشفعة ( وإن مات الشفيع بطلت شفعته ) نص عليه ; لأنه نوع خيار للتمليك ، أشبه خيار القبول ، ولأنا لا نعلم بقاءه على الشفعة لاحتمال رغبته عنها ، ولا ينتقل إلى الورثة ما يشك في ثبوته ، وخرج أبو الخطاب أنها لا تبطل وتورث عنه بناء على رواية إرث الأجل ، وأجيب بأنه حق فسخ ثبت ، لا لفوات جزء ، فلم يورث كالرجوع في الهبة ( إلا أن يموت بعد [ ص: 223 ] طلبها فتكون لوارثه ) نص عليه ، وهو المذهب ، وحكاه أبو الخطاب قولا واحدا ; لأن الحق قد تقرر بالطلب ، ولذلك لا تسقط بتأخير الأخذ بعده ، أما على قول القاضي ، فلأن الشقص صار ملكا له بالمطالبة ، وفيه نظر ; لأنه لو كان كذلك لما صح العفو عنها بعد طلبها ، كما لا يصح العفو عنها بعد الأخذ بها ، وأما على رأي ابن عقيل والمؤلف ، فلأنه قد علم بمطالبته بقاءه على شفعته ، وهو ظاهر ، وقال في رواية أبي طالب : الشفعة لا تورث ، لعله لم يكن يطلبها ، فجعل العلة في إبطالها بالموت عدم العلم برغبة الميت ، قال القاضي في " التعليق " : فعلى هذا لو علم الوارث أنه راغب فيها كان له المطالبة ، وإن لم يطالب الميت ، قال الزركشي : وينبغي أن يكون القول قول الوارث مع يمينه ، فإذا تقرر ذلك انتقل الحق إلى جميع الورثة على قدر إرثهم مطلقا ، فإذا ترك بعضهم حقه توفر على الباقي ، ولم يكن لهم إلا أخذ الكل أو الترك كالشفعاء إذا عفا بعضهم عن حقه ، وقيل : من عفا عن بعض حقه أو لم يطلبه لم تسقط شفعته .

التالي السابق


الخدمات العلمية