صفحة جزء
[ ص: 233 ] وهي أمانة ولا ضمان عليه فيها إلا أن يتعدى ، وإن تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح الروايتين


باب الوديعة

الوديعة وهي فعيلة من ودع الشيء إذا تركه ، أي هي متروكة عند المودع ، وقيل : هي مشتقة من الدعة ، فكأنها عند المودع غير مبتذلة للانتفاع ، وقيل : من ودع الشيء يدع إذا سكن ، فكأنها ساكنة عند المودع ، وهي في الشرع اسم لعين توضع عند آخر ليحفظها ، فهي وكالة في الحفظ ، فيعتبر أركانها ، والأحسن أنها توكيل في حفظ مملوك ، أو محترم مختص على وجه مخصوص ، والإجماع في كل عصر على جوازها ، وسنده قوله تعالى إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها مع السنة الشهيرة ، منها قوله عليه السلام " أد الأمانة إلى من ائتمنك ، ولا تخن من خانك " رواه أبو داود ، والترمذي وحسنه ، والمعنى يقتضيها لحاجة الناس إليها ; لأنه يتعذر عليهم حفظ جميع أموالهم بأنفسهم .

ويستحب أخذها لمن علم أنه ثقة قادر على حفظها ، وتكره لغيره إلا برضى ربه ، وتنفسخ بموت ، وجنون ، وعزل مع علمه ، فإن بطلت بقي المال في يده أمانة يؤديه إلى مالكه ، فإن تلف قبل التمكن فهدر ، وإن تلف بعده فوجهان ، ولا يصح الإيداع والاستيداع إلا من جائز التصرف في ماله وتبرعه به .

( وهي أمانة ) لقوله تعالى فإن أمن بعضكم بعضا فليؤد الذي اؤتمن أمانته ( ولا ضمان عليه فيها ) لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أودع وديعة فلا ضمان عليه ، رواه ابن [ ص: 234 ] ماجه ، ولأن المستودع يحفظها لمالكها ، فلو ضمنت لامتنع الناس من الدخول فيها ، وذلك مضر لما فيه من مسيس الحاجة إليها ( إلا أن يتعدى ) فيضمنها بغير خلاف علمناه ; لأنه متلف لمال غيره ، فضمنه كما لو أتلفه من غير استيداع ( وإن تلفت من بين ماله لم يضمن في أصح الروايتين ) وهي قول أكثر العلماء لما ذكرنا ، ولأن المستودع مؤتمن فلم يضمن ما تلف من غير تعديه ولا تفريطه ، وسواء ذهب معها من ماله شيء أو لا ، والثانية : يضمن إذا تلفت من بين ماله لما روى سعيد حدثنا هشيم ، أنا حميد الطويل ، عن أنس أن عمر بن الخطاب ضمنه وديعة ذهبت من بين ماله ، والأولى أصح ، قاله القاضي ; لأن الضمان ينافي الأمانة ، وحديث عمر محمول على التفريط من أنس في حفظها فلا منافاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية