صفحة جزء
وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ، ولبس الثوب ، وأخرج الدراهم لينفقها ، ثم ردها أو جحدها ، ثم أقر بها ، أو كسر ختم كيسها ، أو خلطها بما لا تتميز منه ضمنها ، وإن خلطها بمتميز أو ركب الدابة ليسقيها ، وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده ، وعنه : يضمن الجميع ، وإن رد بدله متميزا فكذلك ، وإن كان غير متميز ضمن الجميع ، ويحتمل أن لا يضمن غيره .


( وإن تعدى فيها فركب الدابة لغير نفعها ، ولبس الثوب ، وأخرج الدراهم لينفقها ثم ردها ) بنية الأمانة ضمنها لتصرفه في مال غيره بغير إذنه ، وفيه وجه ; لأنه ممسك لها بإذن مالكها ، أشبه ما قبل التعدي ، وجوابه أنه ضمنها بعدوان ، فبطل الاستئمان ، كما لو جحدها ثم أقر بها [ ص: 240 ] ويخرج منه ما إذا استعملها لنفعها كلبس صوف ونحوه ، خوفا من عث ونحوه ( أو جحدها ثم أقر بها ) لأنه بجحدها خرج عن الاستئمان عنها ، فلم يزل عنه الضمان بالإقرار بها ; لأن يده صارت يد عدوان ( أو كسر ختم كيسها ) أو كانت مشدودة فأزال الشد ، أو مقفولة فأزاله ، وسواء أخرج منها شيئا أو لا لهتكه الحرز بفعل تعدى فيه ، وفيه رواية : لا يضمن ، فإن خرق الكيس فوق الشد فعليه ضمان ما خرق فقط ; لأنه لم يهتك الحرز ( أو خلطها بما لا تتميز منه ) كزيت بزيت ، ودراهم بدراهم ( ضمنها ) لأنه صيرها في حكم التالف وفوت على نفسه ردها ، أشبه ما لو ألقاها في لجة بحر ، وسواء خلطها بماله أو مال غيره بمثلها ، أو دونها ، أو أجود ، ونقل عبد الله بن محمد البغوي عن أحمد في رجل أعطى آخر درهما يشتري له به شيئا ، فخلطه مع دراهمه ، فضاعا ، قال : ليس عليه شيء ، وذكره القاضي ، ولم يتأوله في " النوادر " وذكره الحلواني ، ظاهر كلام الخرقي ، وجزم به في " المنثور " عن أحمد ، قال : لأنه خلطه بماله ، فإن لم يدر أيهما ضاع ضمن ، نقله البغوي ، وفي " الرعاية " إذا خلط إحدى وديعتي زيد بالأخرى بلا إذن وتعذر التمييز ، فوجهان .

فرع : إذا نوى التعدي فيها ولم يتعد لم يضمن ، وحكى القاضي قولا : بلى ، كملتقط في وجه .

( وإن خلطها بمتميز ) كدراهم بدنانير لم يضمن على الأصح ، وحكاه في " الشرح " بغير خلاف نعلمه ; لأنه لا يعجز بذلك عن ردها أشبه ما لو تركها في صندوق فيه أكياس له ، والثانية : يضمن للتصرف فيها ، وكذا الخلاف إن [ ص: 241 ] خلط بيضا بسود ، وصحاحا بمكسرة ، والثالثة : يضمن إن خلط بيضا بسود ، وحمله في " المغني " ، و " الشرح " على أنها تكتسب منها سوادا ، ويتغير لونها ( أو ركب الدابة ليسقيها ) أو ليعلفها لم يضمن ; لأنه مأذون فيه شرعا ، وعرفا ، ولهذا يضمن إذا تلفت بتركه ( وإن أخذ درهما ثم رده فضاع الكل ضمنه وحده ) في الأصح ; لأن الضمان تعلق بالأخذ فلم يضمن غير ما أخذه ، بدليل ما لو تلف في يده قبل رده ( وعنه : يضمن الجميع ) حكاها في " التلخيص " وغيره ; لأنها وديعة قد تعدي فيها فضمنها ، كما لو أخذ الجميع ( وإن رد بدله متميزا فكذلك ) أي : يجري فيه الخلاف السابق ( وإن كان غير متميز ضمن الجميع ) على المذهب ، وقاله القاضي لخلطه الوديعة بما لا تتميز ( ويحتمل أن لا يضمن غيره ) وهو مقتضى كلام الخرقي ، وقطع به القاضي في " التعليق " ، وحكي عنه في رواية الأثرم أنه أنكر القول بتضمين الجميع ، قال : وإنه قول سوء ; لأن الضمان منوط بالتعدي ، وهو مختص بالمأخوذ ، وكذا إن أذن في أخذه منها ، فرد بدله بلا إذنه ، وشرطها كما جزم به في " المغني " ، و " الشرح " إذا كانت غير مختومة ، ولا مشدودة ، فإن كانت كذلك ضمن الجميع لهتك الحرز ، وهذا هو الصحيح عند القاضي ، وقياس قول الأصحاب .

فرع : إذا منعها بعد طلب طالبها شرعا والتمكن ، ولو كان مستأجرا لها ضمن ، فإن ضمنها فجدد له صاحبها استئمانا ، أو أبرأه برئ في الأصح كرده إليه ، أو إن جئت ثم تركت ، فأنت أميني ، ذكره في " الانتصار " ، فإن ردها فهو ابتداء استئمان .

التالي السابق


الخدمات العلمية