صفحة جزء
ولا يعفى عن يسير شيء من النجاسات إلا الدم وما تولد منه من القيح والصديد وأثر الاستنجاء وعنه : في المذي والقيء ، وريق البغل والحمار وسباع البهائم والطير وعرقها ، وبول الخفاش والنبيذ والمني : أنه كالدم ، وعنه في المذي : أنه يجزئ فيه النضح .


( ولا يعفى عن يسير شيء من النجاسات ) لقوله تعالى وثيابك فطهر [ المدثر 4 ] والأحاديث مستفيضة بذلك ( إلا الدم ) فإنه يعفى عن يسيره في الصلاة دون المائعات [ ص: 247 ] والمطعومات ، فإن الإنسان غالبا لا يسلم منه ، وهو قول جماعة من الصحابة والتابعين فمن بعدهم ، ولقول عائشة : ما كان لإحدانا إلا ثوب تحيض فيه ، فإذا أصابه شيء من دم ، قالت بريقها ، فمصعته بظفرها ، وهذا يدل على العفو عنه ، لأن الريق لا يطهر ، ويتنجس به ظفرها ، وهو إخبار عن دوام الفعل ، ومثله لا يخفى عنه عليه السلام ، فلا يصدر إلا عن أمره ، وعن ابن عمر : أنه كان يخرج من يديه دم في الصلاة من شقاق كان بهما ، وعصر بثرة فخرج منها دم فمسحه ، ولم يغسله ، ولأنه يشق التحرز منه ، فعفي عنه كأثر الاستجمار ، وقيل : يختص بدم نفسه ، واليسير : الذي لم ينقض الوضوء ، والكثير : ما نقض الوضوء ، والدم المعفو عنه : ما كان من آدمي أو حيوان طاهر لا الكلب ، ولا الخنزير .

بقي هاهنا صور : منها دم ما لا نفس له سائلة كالبق ، والقمل ، والبراغيث في ظاهر المذهب ، وعنه : نجس ، ويعفى عن يسيره قال في دم البراغيث : إني لأفزع منه إذا كثر ، قال في " الشرح " : ليس فيه تصريح بنجاسته بل هو دليل التوقف .

ومنها : دم السمك فإنه طاهر ، لأنه لو كان نجسا لتوقفت إباحته على إراقته بالذبح كحيوان البر ، ولأنه يستحيل ماء ، وقيل : نجس .

ومنها : دم الشهيد فإنه نجس ، وقيل : طاهر ، وعليهما يستحب بقاؤه ، فيعايا بها ذكره ابن عقيل . وقيل : طاهر ما دام عليه ، صححه ابن تميم . [ ص: 248 ] ومنها : الدم الذي يبقى في اللحم وعروقه طاهر ، ولو غلبت حمرته في القدر ، لأنه لا يمكن التحرز ، فهو وارد على إطلاقه ، ويدفع بالعناية .

ومنها : العلقة التي يخلق منها الآدمي والحيوان الطاهر طاهر في رواية صححها ابن تميم ، لأنها بدء خلق آدمي ، وعنه : نجسة صححها في " المغني " كسائر الدماء .

( وما تولد منه من القيح والصديد ) بل العفو عنهما أولى لاختلاف العلماء في نجاستهما ، لذلك قال أحمد : وأسهل من الدم . قال في " الشرح " : فعلى هذا يعفى منه عن أكثر مما يعفى عن مثله في الدم ، لأن هذا لا نص فيه ، وإنما ثبتت نجاسته لاستحالته من الدم ، وعنه : طهارة قيح ومدة وصديد .

مسألتان : الأولى : ماء القروح نجس في ظاهر نقل الإمام ، وقال في " شرح العمدة " : إن كان متغيرا فهو كالقيح ، وإلا فهو طاهر كالعرق .

الثانية : إذا تفرق دم مسفوح في غير الصحراء ، فإذا اجتمع لم يكن قدر ما يعفى عنه فكثير حكما في الأشهر ، وإن نفذ من جانبي جبة أو ثوب صفيق ، فكدم واحد في الأصح ، كما لو نفذ من أحدهما ، وإن لم ينفذ ، ولم يتصل بالآخر فهما نجاستان إذا بلغا أو جمعا قدرا لا يعفى عنه ، لم يعف عنها كجانبي الثوب ( وأثر الاستنجاء ) أي : الاستجمار ، فإنه يعفى عنه بعد الإنقاء ، واستيفاء العدد بغير خلاف نعلمه ، قاله في " الشرح " واقتضى ذلك نجاسته ، وهو قول أكثر [ ص: 249 ] الأصحاب ، لأن الباقي عين النجاسة ، فعلى هذا عرقه نجس ، فينجس الماء اليسير بقعوده فيه ، واختار ابن حامد طهارته .

( وعنه : في المذي والقيء وريق البغل والحمار وسباع البهائم والطير وعرقها وبول الخفاش ، والنبيذ والمني أنه كالدم ، وعنه : في المذي أنه يجزئ فيه النضح ) نقول : المذي مختلف فيه لتردده بين البول ، لكونه لا يخلق منه الحيوان ، والمني لكونه ناشئا عن الشهوة ، والمذهب : نجاسته ، ويعفى عن يسيره في ردائه ، جزم بها في " الوجيز " وهو قول جماعة من التابعين وغيرهم ، لأنه يخرج من الشباب كثيرا فيشق التحرز منه ، وعنه : يكتفى فيه بالنضح لحديث سهل بن حنيف قال : قلت يا رسول الله ، كيف بما يصيب ثوبي ؛ قال : يكفيك أن تأخذ كفا من ماء فتنضح به ثوبك حيث ترى أنه قد أصاب منه رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي ، وصححه ، والمذهب : أنه لا يطهر بنضحه ، ولا يعفى عن يسيره ، لأنه عليه السلام أمر بغسل الذكر منه ، ولأنه نجاسة خارج من الذكر كالبول ، وهل يغسل ما أصابه أو جميع ذكره أو أنثييه ؛ فيه روايات ، وعنه : طاهر كالمني اختاره ، أبو الخطاب في خلافه ، لأنه خارج بسبب الشهوة ، وقيل : إن قلنا : مخرجه مخرج المني فله حكمه ، واقتضى ذلك أن الودي ، وهو ماء أبيض يخرج عقيب البول نجس ، وأنه لا يعفى عنه مطلقا ، وصرح به الأصحاب ، وعنه : هو كالمذي .

وأما القيء ، وهو طعام استحال في الجوف إلى نتن وفساد ، فقال أحمد : هو عندي بمنزلة الدم ، وذكره القاضي ، وجزم به في " الوجيز " لأنه خارج نجس من [ ص: 250 ] غير السبيل أشبه الدم ، والثانية عدم العفو عنه مطلقا ، قدمها في " الفروع " وهي أشهر ، لأن الأصل عدم العفو عن النجاسة إلا فيما خص ، وقيده في " الوجيز " بالنجس احترازا عن قيئ المأكول .

وأما ريق البغل ، والحمار ، وعرقهما فيعفى عن يسيره إذا قيل بالنجاسة ، لأنه يشق التحرز منه ، قال في " الشرح " : هو الظاهر عن أحمد ، قال الخلال : وعليه مذهبه ، قال أحمد : من يسلم من هذا ممن يركب الحمير إلا أني أرجو أن يكون ما جف منه أسهل ، والثانية : لا يعفى عنه لما تقدم ، وريق سباع البهائم كالأسد ، ونحوه ما عدا الكلب والخنزير ، وريق سباع الطير كالبازي ، ونحوه ، وعرقها ، فيعفى عن يسيره للاختلاف في نجاستها ، وبول الخفاش ، وهو واحد الخفافيش ، وهو الذي يطير ليلا يعفى عن يسيره في رواية ، جزم بها في " الوجيز " لأنه يشق التحرز منه ، لكونه في المساجد كثيرا ، فلو لم يعف عنه لم يقر في المساجد ، ولما أمكن الصلاة في بعضها ، وقدم في " الفروع " وغيره خلافها ، ونبيذ نجس ، وهو المختلف فيه ، ويعفى عن يسيره في رواية جزم بها في " الوجيز " لوقوع الخلاف في نجاسته ، والثانية : لا يعفى عنه مطلقا ، قدمها في " الفروع " وصححها في " شرح العمدة " ودل أن المجمع عليه لا يعفى عن شيء منه ، قال في " شرح العمدة " : رواية واحدة ، والمني سيأتي الكلام عليه .

مسائل ملحقة به ، منها : بول ما يؤكل لحمه إذا قيل بنجاسته ، فإنه يعفى عن يسيره في قول ، لأنه يشق التحرز منه .

[ ص: 251 ] ومنها : سؤر الجلالة إذا حبست ، وأكلت الطاهرات المدة المعتبرة فهو طاهر ، وقيل ذلك في العفو عن يسيره روايتان ، وكذا عرقها .

ومنها طين الشارع : فهو طاهر ما لم تعلم نجاسته ، وعنه : نجس فيعفى عن يسيره ، ويسير دخان نجاسة في وجه ، وأطلق أبو المعالي العفو عنه ، ولم يقيده باليسير ، لأن التحرز منه لا سبيل إليه ، قال في " الفروع " : هذا متوجه .

التالي السابق


الخدمات العلمية