صفحة جزء
فصل وإحياء الأرض أن يحوزها بحائط أو يجري لها ماء ، وإن حفر بئرا عادية ، ملك حريمها خمسين ذراعا ، وإن لم تكن عادية فحريمها خمسة وعشرون ذراعا ، وعند القاضي حريمها قدر مد رشائها من كل جانب ، وقيل : قدر ما يحتاج إليه في ترقية مائها ، وقيل : إحياء الأرض ما عدا إحياء وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها من زرع أو بناء ، وقيل : ما يتكرر كل عام كالسقي ، والحرث ، فليس بإحياء ، وما لا يتكرر فهو إحياء


فصل

( وإحياء الأرض أن يحوزها بحائط ) منيع ، نص عليه ، جزم به القاضي ، وأكثر أصحابه ، واقتصر عليه الخرقي لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : من أحاط حائطا على أرض فهي له ، رواه أحمد ، وأبو داود ، ويشترط فيه أن يكون بما جرت العادة بمثله ، ويختلف باختلاف البلدان ، وعنه : يشترط معه إجراء ماء ، وهو مقتضى كلام المؤلف ، ومقتضاه أن الإحياء يحصل بالتحويط عليها ، سواء أرادها للبناء ، أو للزرع ، أو حظيرة للدواب ( أو يجري لها ماء ) من عين ونحوه ، نص عليه ; لأن نفع الأرض بالماء أكثر من الحائط ، ويملكه بغرس ، أو منع ماء ليزرع لا بحرث وزرع .

( وإن حفر بئرا عادية ) بتشديد الياء القديمة ، منسوبة إلى عاد ، ولم يرد عادا بعينه ( ملك حريمها خمسين ذراعا ، وإن لم تكن عادية ) أي : قديمة ( فحريمها خمسة وعشرون ذراعا ) من كل جانب منها ، وعلم منه أنه يملك البئر مع الحريم ، وهو ما ذكره ، نص عليه ، واختاره القاضي في " التعليق " ، وأكثر أصحابه والشيخان ، لما روى أبو عبيد في " الأموال " عن سعيد بن المسيب قال : السنة [ ص: 255 ] في حريم القليب العادي خمسون ذراعا ، والبديء خمسة وعشرون ذراعا ، وروى الخلال ، والدارقطني نحوه مرفوعا ، ولا بد أن يكون البئر فيها ماء ، فإن لم يصل إلى الماء فهو كالمتحجر الشارع ، وقوله : حفر بئرا عادية ، محمول على البئر التي انطمت ، وذهب ماؤها ، فجدد حفرها وعمارتها ، أو انقطع ماؤها ، فاستخرجه ، ليكون ذلك إحياء لها ، فأما البئر التي لها ماء ينتفع به الناس فليس لأحد احتجاره كالمعادن الظاهرة .

فرع : إذا حفر بئرا بموات للسابلة فهو كغيره في شرب وسقي ، ويقدم آدمي ثم حيوان ، وإن حفرها فيه لارتفاقه كعادة من انتجع أرضا فهو أحق ما أقام ، وقال جماعة : يلزمه بذل فاضله لشاربه فقط ، وإن رحل فسابلة ، فإن عاد ففي اختصاصه وجهان ، وإن حفرها تملكا ، أو يملكه الحي ملكها ، وفي " الأحكام السلطانية " لو احتاجت طيا فبعده ، وتبعه في " المستوعب " ، و " البلغة " ، وكره أحمد الشرب من الآبار التي في الطريق ، قال ابن حمدان : إن كره حفرها ( وعند القاضي ) وجماعة من الأصحاب ( حريمها قدر مد رشائها من كل جانب ) لما روي أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : حريم البئر مد رشائها ، رواه ابن ماجه ; لأن ذلك ثبت لدفع الضرر فقدر بمد الرشاء من كل جانب ; لأن الحاجة تندفع به ( وقيل : قدر ما يحتاج إليه في ترقية مائها ) وهو محكي عن القاضي ، اختاره أبو الخطاب في " الهداية " فإن كان بدولاب فقدر مدار الثور ، وإن كان بسانية فبقدر طول البئر ، وإن كان يستقي منها بيده فبقدر ما يحتاج إليه الواقف [ ص: 256 ] لأنه ثبت للحاجة فتقدر بقدرها ، ولهذا قال القاضي وأبو الخطاب : التحديد الوارد في الخبر وكلام أحمد محمول على المجاز ، وفيه نظر ; لأنه خلاف الظاهر ، فإنه قد يحتاج إلى حريمها لغير ترقية الماء لموقف الماشية وعطن الإبل ونحوه ، وقال في " الأحكام السلطانية " له أبعد الأمرين من الحاجة ، أو قدر الأذرع ، مع أن أحمد توقف في التقدير في رواية حرب ، فأما حريم العين المستخرجة فهو خمسمائة ذراع ، نص عليه ، وظاهر كلامه في " الكافي " واختاره القاضي وأبو الخطاب قدر الحاجة ، وحريم النهر : ما يحتاج إليه لطرح كرايته ، وطريق شاويه ، وما يستضر صاحبه بتملكه عليه وإن كثر ( وقيل : إحياء الأرض ما عدا إحياء ) وحكاه القاضي رواية ; لأن الشارع أطلق الإحياء ولم يبين صفته ، فوجب أن يرجع فيه إلى العرف كالقبض والحرز ( وهو عمارتها بما تتهيأ به لما يراد منها من زرع أو بناء ) هذا بيان لما يعد إحياء في العرف ، فإن الأرض تحيى دارا للسكنى ، وحظيرة ، ومزرعة ، فإحياء كل منها بما يناسبه ، فإن كانت للسكنى ، فإحياؤها ببناء حيطانها ، وتسقيف بعضها بما يليق به ، وعنه : وقسم بيوته ، وعلو أبوابه ، وفي " المغني " ، و " الشرح " لا يعتبر نصب أبواب على البيوت ، وإن كانت حظيرة فبناء حائط جرت العادة به ، وإن كانت للزرع فبأن يسوق إليها ماء إن كانت تسقى ، ويقلع ما بها من الأحجار إن احتاجت إلى ذلك ، ويقلع ما بها من الأشجار كأرض الشعرى ، ويزيل عروقها المانعة من الزرع ، أو يحبس الماء عنها كأرض البطائح ; لأن بذلك يتمكن من الانتفاع بها ، ولا يعتبر أن يزرعها ، ويسقيها ، ولا أن يحرثها في الأصح ، وجمع بينهما في " المحرر " ، فقال : أن يحوطها بحائط [ ص: 257 ] أو يعمرها العمارة العرفية ( وقيل : ما يتكرر كل عام كالسقي ، والحرث ، فليس بإحياء ، وما لا يتكرر فهو إحياء ) لأن العرف جار بذلك ، لكن إن كانت الأرض كثيرة الدغل والحشيش التي لا يمكن زرعها إلا بتكرار حرثها ، وتنقية دغلها وحشيشها المانع من زرعها كان إحياء .

تنبيه : حريم شجر قدر مد أغصانها ، فإن غرسها في موات فهي له وحريمها ، وإن سبق إلى شجر مباح كزيتون وخروب ، فسقاه وأصلحه فهو له كالمتحجر الشارع ، فإن ركبه ملكه بذلك ، وحريمه وحريم دار من موات حولها مطرح تراب ، وكناسة ، وثلج ، وماء ميزاب ، ولا حريم لدار محفوفة بملك ، ويتصرف كل منهم بحسب العادة .

التالي السابق


الخدمات العلمية