صفحة جزء
وللإمام أن يحمي أرضا من الموات ترعى فيها دواب المسلمين التي يقوم بحفظها ، ما لم يضيق على الناس ، وليس ذلك لغيره ، وما حماه النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس لأحد نقضه ، وما حماه غيره من الأئمة فهل يجوز نقضه ؛ على وجهين .


( وللإمام أن يحمي ) بفتح أوله وضمه ، أي يمنع ( أرضا من الموات ترعى فيها دواب المسلمين التي يقوم بحفظها ) كخيل المجاهدين ، وإبل الصدقة ، وضوال الناس لما روى عمر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - حمى النقيع لخيل المسلمين ، رواه أبو عبيد ، النقيع بالنون موضع ينتقع فيه ماء ، فيكثر فيه الخصب ، وروى أبو عبيد أن أعرابيا أتى عمر ، فقال يا أمير المؤمنين بلادنا قاتلنا عليها في [ ص: 265 ] الجاهلية ، وأسلمنا عليها في الإسلام علام نحميها ؛ قال : فأطرق عمر وجعل ينفخ ويفتل شاربيه ، فلما رأى الأعرابي ما به جعل يردد ذلك ، فقال عمر : المال مال الله ، والعباد عباد الله ، والله لولا ما أحمل عليه في سبيل الله ما حميت من الأرض شبرا في شبر ، قال مالك : بلغني أنه كان يحمل كل عام على أربعين ألفا من الظهر ، ولأن في ذلك مصلحة ، فجاز للإمام فعلها كسائر المصالح ( ما لم يضيق على الناس ) لأن الجاهلية كانوا يحمون لأنفسهم ، فكان منهم من إذا انتجع بلدا ، أقام كلبا على نشز ثم استعواه ، ووقف له من كل ناحية من يسمع صوته بالعواء ، فحيث انتهى صوته حماه من كل ناحية لنفسه ، ويرعى مع الناس فيما سواه ، فنهى النبي - صلى الله عليه وسلم - عنه لما فيه من الضيق على الناس ، ومنعهم من الانتفاع بشيء لهم فيه حق ( وليس ذلك لغيره ) أي لغير الإمام ، فأما النبي - صلى الله عليه وسلم - فقد كان يحمي لنفسه وللمسلمين ، ولم يحم لنفسه شيئا ، وإنما حمى للمسلمين ، وسائر أئمة المسلمين ليس لهم أن يحموا لأنفسهم شيئا إلا قدرا لا يضيق به على المسلمين ويضرهم .

( وما حماه النبي - صلى الله عليه وسلم - فليس لأحد نقضه ) أي : مع الحاجة إليه ; لأن ما حكم به النبي - صلى الله عليه وسلم - نص فلا يجوز نقضه بالاجتهاد ، فعليه من أحيا منه شيئا لم يملكه ( وما حماه غيره من الأئمة فهل يجوز نقضه ؛ على وجهين ) أصحهما لإمام غيره نقضه كهو ; لأن حمى الأئمة اجتهاد ، وملك الأرض بالإحياء نص ، والنص مقدم [ ص: 266 ] والثاني : لا يجوز نقضه كما لا يجوز نقض حكمه ، وينبني عليهما لو أحياه إنسان هل يملكه .

مسألة : قال في " الأحكام السلطانية " إذا كان الحمى لكافة الناس تساوى فيه جميعهم ، فإن خص به المسلمون اشترك فيه غنيهم وفقيرهم ، ومنع منه أهل الذمة ، وإن خص به الفقراء منع منه الأغنياء وأهل الذمة ، ولا يجوز أن يخص به الأغنياء دون الفقراء ولا أهل الذمة ، فلو اتسع الحمى المخصوص لعموم الناس جاز أن يشتركوا فيه لارتفاع الضرر على من يخص به ، ولو ضاق الحمى العام عن جميع الناس لم يجز أن يختص به أغنياؤهم ، وفي فقرائهم قول ، ولا يجوز لأحد أن يأخذ من أرباب الدواب عوضا من مرعى موات أو حمى ; لأنه - عليه السلام - شرك الناس فيه .

تذنيب : من جلس في مسجد أو جامع لفتوى ، أو لإقراء الناس فهو أحق به ما دام فيه ، أو غاب لعذر وعاد قريبا ، وإن جلس فيه لصلاة فهو أحق به فيها ، وإن غاب لعذر وعاد قريبا ، فوجهان ، ومن سبق إلى رباط ، أو نزل فقيه بمدرسة ، أو صوفي بخانقاه ، رجح به في الأقيس ، ولا يبطل حقه بخروجه منه لحاجة .

التالي السابق


الخدمات العلمية