صفحة جزء
وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها ، وإن كان بعده ضمنها ، وإن وصفها اثنان قسمت بينهما في أحد الوجهين ، وفي الآخر يقرع بينهما فمن قرع صاحبه حلف وأخذها ، وإن أقام آخر بينة أنها له ، أخذها من الواصف ، وإن تلفت فله تضمين أيهما شاء ، إلا أن يدفعها بحكم حاكم فلا ضمان عليه ، ومتى ضمن الدافع رجع على الواصف .


( وإن تلفت أو نقصت قبل الحول لم يضمنها ) لأنها أمانة في يده فلم [ ص: 287 ] تضمن بغير تفريط كالوديعة ( وإن كان بعده ضمنها ) لأنها دخلت في ملكه بانقضاء الحول ، وتلفت من ماله ، ولا فرق بين التفريط وعدمه ، لكن اختار في " المغني " أن اللقطة بعد الحول تملك بغير عوض يثبت في ملكه ، وإنما يتجدد العوض بمجيء صاحبها ، وعند القاضي وغيره أنه لا يملكها إلا بعوض في ذمته لصاحبها ، وعليهما يزول ملك الملتقط عنها بوجود ربها إن كانت باقية ، ويرد بدلها وهو مثلها أو قيمتها إن كانت تالفة لأخبار ، ولأنه مال معصوم فلم يجز إسقاط حقه منه مطلقا كما لو اضطر إلى مال غيره ، وعنه : لا يضمن لحديث عياض المرفوع " فإن جاء ربها ، وإلا فهو مال الله يؤتيه من يشاء " وتعتبر القيمة وقت التملك ، قاله في " التلخيص " ، وهو ظاهر على رأي القاضي ، وقال الشيخان : حين وجود ربها ، وقيل : يوم تصرفه ، وقيل : يوم غرم بدلها ، وعنه : لا يضمن قيمتها بعد ملكها ، وقيل : ولا يردها ، والخلاف السابق على القول بملكها بمضي الحول ، فأما من قال : لا يملكها إلا بالاختيار لم يضمنها إلا به ، ومن قال : لا يملكها بحال لم يضمنها ، وهو قول الحسن ، والنخعي ، وغيرهما .

تنبيه : إذا تصرف فيها الملتقط بعد الحول ببيع ، أو هبة ، أو نحوهما صح ، فإن جاء ربها بعد خروجها عنه ، فليس له أخذها ، وله أخذ بدلها ، فإن عادت إلى الملتقط فله أخذها ، كالزوج إذا طلق قبل الدخول ، فوجد الصداق قد رجع إلى المرأة ، فإن كان بيع خيار فله أخذه ، فإن مات الملتقط بعد أن صارت ملكا له ثم جاء ربها فهو غريم بها يرجع ببدلها إن اتسعت التركة ، وإلا تحاص الغرماء ، أي : مع التلف ، ولا فرق بين أن يعلم تلفها بعد الحول أو لا [ ص: 288 ] وفي " المغني " احتمال لا يلزم عوضها إن لم يعلم تلفها بعد الحول ، لاحتمال تلفها في الحول ، وهي أمانة ( وإن وصفها اثنان ) معا ، أو وصفها الثاني قبل دفعها للأول ( قسمت بينهما في أحد الوجهين ) ذكره أبو الخطاب ، وقدمه في " المحرر " لأنهما استويا في السبب الموجب للدفع ، أشبه ما لو كانت في أيديهما ( وفي الآخر يقرع بينهما ) ذكره القاضي ، وجزم به في " الوجيز " ، وفي " المغني " ، و " الشرح " إنه أشبه بأصولنا فيما إذا تداعيا في يد غيرهما ، ولأنه لا مزية لأحدهما على الآخر ( فمن قرع صاحبه حلف وأخذها ) لأن ذلك فائدة القرعة ، ويحلف لاحتمال أنها ليست له ، وكذا إن أقاما بينتين ، فلو وصفها إنسان فأخذها ، ثم جاء آخر فوصفها لم يستحق شيئا ، وقال أبو يعلى الصغير : إن زاد في الصفة احتمل تخريجه على بينة التشاح .

( وإن أقام آخر بينة أنها له أخذها من الواصف ) لأن البينة أقوى من الوصف ( وإن تلفت فله تضمين أيهما شاء ) من الواصف والدافع إليه ، أما الأول فلأنه أخذ مال غيره بغير إذنه وتلف عنده ، وأما الثاني فلأنه دفع المال إلى غير مالكه اختيارا منه ؛ فضمنه كما لو دفع الوديعة إلى غير مالكها إذا على ظنه أنه مالكها ، وقيل : لا ضمان عليه إذا قلنا بوجوب الدفع عليه ; لأنه فعل ما أمر به ولم يفرط ، وكما لو أخذت منه كرها ( إلا أن يدفعها بحكم حاكم فلا ضمان عليه ) لأنها مأخوذة منه على سبيل القهر فلم يضمنها كما لو غصبت منه ( ومتى ضمن الدافع رجع على الواصف ) لأنه كان سبب تغريمه ، والتلف حصل في يده ، قال في " المغني " ، و " الشرح " إلا أن يكون الملتقط قد [ ص: 289 ] أقر الواصف أنها ملكه ; لأنه قد اعترف بأن الواصف هو المحق ، وصاحب البينة قد ظلمه ، وظاهره أن صاحب البينة إذا ضمن الواصف لا يرجع هو على الدافع ، وصرح به في " المغني " ، و " الشرح " ; لأن التلف حصل في يده ، والعدوان منه .

فرع : إذا مات الملتقط قام وارثه مقامه في التعريف أو إتمامه ، ويملكها بعد تمام التعريف ، فإن لم يعلم تلفها ، ولا وجدت في تركته فهو غريم بها ، وقيل : لا يلزم الملتقط شيء ، وقيل : يلزمه إن مات بعد الحول لا قبله .

التالي السابق


الخدمات العلمية