صفحة جزء
فصل

وميراث اللقيط وديته إن قتل لبيت المال ، وإن قتل عمدا فوليه الإمام إن شاء اقتص ، وإن شاء أخذ الدية ، وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه ، إلا أن يكون اللقيط فقيرا أو مجنونا فللإمام العفو على مال ينفق عليه ، وإن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط ، وإن ادعى إنسان أنه مملوكه لم يقبل إلا ببينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه ، ويحتمل ألا يعتبر قولها في ملكه ، وإن أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل ، وعنه : يقبل ، رواية واحدة ، وقال القاضي : يقبل فيما عليه ، رواية واحدة ، وهل يقبل في غيره ؛ على روايتين ، وإن قال : إنه كافر ، لم يقبل قوله ، وحكمه حكم المرتد ، وقيل : يقبل قوله إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو يعقله .


فصل

( وميراث اللقيط وديته ) دية حر ( إن قتل لبيت المال ) إن لم يخلف وارثا ; لأنه مسلم ولا وارث له ، فكان ماله وديته لبيت المال كغير اللقيط ، وعنه : إن قتل خطأ فديته لملتقطه ، ذكره في " الرعاية " ، وإن جنى خطأ عقل عنه [ ص: 301 ] بيت المال ولا ولاء عليه ، وقال شريح وإسحاق : ولاؤه لملتقطه ؛ لقول عمر لأبي جميلة : فهو حر ولك ولاؤه ، ولما روى واثلة بن الأسقع مرفوعا : " تحوز المرأة ثلاثة مواريث : عتيقها ، ولقيطها ، وميراث ولدها الذي لاعنت عليه " رواه أبو داود ، وحسنه الترمذي ، وجوابه بأنه لم يثبت عليه رق ولا على آبائه ، فلم يثبت عليه ولاء كمعروف النسب ، وحديث واثلة لا يثبت ، قاله ابن المنذر ، وقال في خبر عمر : أبو جميلة رجل مجهول لا يقوم بحديثه حجة ، ولو أسلم فمعنى قوله : لك ولاؤه ، أي لك ولاية القيام به وحفظه ( وإن قتل عمدا فوليه الإمام ، إن شاء اقتص وإن شاء أخذ الدية ) ، نص عليه ، أي ذلك فعل جاز إذا رآه أصلح ؛ لقوله : " السلطان ولي من لا ولي له " ومتى عفي على مال أو صالح عليه كان لبيت المال كجناية الخطأ الموجبة للمال ( وإن قطع طرفه عمدا انتظر بلوغه ) ورشده - في الأشهر - ليقتص أو يعفو ; لأن مستحق الاستيفاء المجني عليه ، وهو حينئذ لا يصلح ، فانتظر أهليته ليستوفي حقه ، ويحبس الجاني إلى بلوغه حتى يستوفي حقه ، وعنه : للإمام القصاص قبل ذلك ; لأنه أحد نوعي القصاص ، فكان له استيفاؤه عن اللقيط كالنفس ، وجوابه أنه قصاص لم يتحتم استيفاؤه ، فوقف على مستحقه كما لو كان بالغا غائبا ، وفارق القصاص في النفس ; لأن القصاص ليس له بل لوارثه ، والإمام هو المتولي عليه ( إلا أن يكون اللقيط فقيرا أو مجنونا ، فللإمام ) - أي يجب عليه - ( العفو على مال ينفق عليه ) ؛ لأنه ليست له حالة معلومة [ ص: 302 ] تنتظر ; لأن ذلك قد يدوم بخلاف العاقل ، ولابد من اجتماع الوصفين ، فإن فقد أحدهما فوجهان .

( وإن ادعى الجاني عليه أو قاذفه رقه وكذبه اللقيط بعد بلوغه فالقول قول اللقيط ) ؛ لأنه محكوم بحريته ، فقوله موافق للظاهر ؛ بدليل أنه يجب عليه حد الحر إذا كان قاذفا - في الأصح - وحينئذ يجب القصاص ، وإن كان الجاني حرا ، وقيل : يقبل قول القاذف ; لأنه يحتمل صحة قوله بأن يكون ابن أمة ، فيكون ذلك شبهة في إسقاط الحد ، وعلم منه أنه إذا صدقه اللقيط أنه رقيق سقط الحد ؛ لإقرار المستحق بسقوطه ، ووجب على القاذف التعزير ؛ لقذفه من ليس بمحصن ، والقصاص ليس بحد ، وإنما وجب حقا لآدمي ؛ ولذلك جازت المصالحة عنه وأخذ بدله ، وإن مات البالغ ممسكا عنهما ، فكسائر المسلمين في سائر أحكامه ( وإن ادعى إنسان أنه مملوكه لم يقبل ) ؛ لأن مجرد الدعوى لا تكفي في انتزاع المدعي للخبر ، وفي " الشرح " أنها تسمع الدعوى ; لأنها ممكنة وإن كانت مخالفة لظاهر الدار ، وإن لم تكن له بينة فلا شيء له ; لأنها تخالف الظاهر ، وتفارق دعوى النسب من وجهين ، أحدهما : أن دعوى النسب لا تخالف الظاهر بخلاف دعوى الرق ، الثاني : أن دعوى النسب يثبت بها حقا للقيط ، ودعوى الرق يثبت بها حقا عليه ، فلم تقبل بمجردها ( إلا ببينة تشهد أن أمته ولدته في ملكه ) ؛ لأنها لا تلد في ملكه إلا ملكه ، يحترز به عما ولدته قبل ملكه ، وهذا ليس بشرط ، فإنها لو شهدت بأنه عبده أو مملوكه حكم له به ، وإن لم يذكر سبب الملك كما لو شهدت بملك دار ، ذكره في " المغني " و " الشرح " [ ص: 303 ] ( ويحتمل ألا يعتبر قولها في ملكه ) ؛ لأن أمته ملكه ، فنماؤها ملكه كسمنها ، ومتى شهدت البينة باليد فإن كانت للملتقط لم يثبت بها ملك ، وإن كانت لأجنبي حكم له باليد ، والقول قوله مع يمينه في الملك ، وفي " الفروع " : وإن ادعى رقه وهو طفل ، أو مجنون ، وليس بيد غيره بل بيده ، وليس واجده - فهو له وإن أنكر بعد بلوغه ، وفي " الشرح " : إن كانت الدعوى بعد بلوغ اللقيط كلف إجابته ، فإن أنكر وثم بينة حكم بها ، فإن كان اللقيط تصرف قبل ذلك ببيع أو شراء نقضت تصرفاته ، ( وإن أقر بالرق بعد بلوغه لم يقبل ) على المذهب ; لأنه يبطل حق الله من الحرية المحكوم بها ، وهذا ظاهر فيما إذا كان قد اعترف بالحرية لنفسه قبل ذلك ، وكذا إذا لم يعترف في الأصح ، ( وعنه : يقبل ) ؛ لأنه مجهول الحال ، فيقبل إقراره كالحد والقصاص ، وإن تضمن فوات نفسه ، وشرط في " المغني " عليها ألا يكون أقر بالحرية ، فإن كان قد أقر بها لم يقبل ; لأنه يكون مكذبا لقوله كما لو أقر بدين ثم جحده . ( وقال القاضي : يقبل فيما عليه رواية واحدة ) ، وهو قول المزني ; لأنه أقر بما يوجب حقا عليه وحقا له ، فوجب أن يثبت ما عليه فقط ، كما لو قال : لفلان عندي ألف ولي عنده رهن ، ( وهل يقبل في غيره ؛ على روايتين ) ، إحداهما يقبل إقراره في الجميع ; لأن هذه الأحكام تتبع الرق ، فإذا ثبت الأصل بقوله ، ثبت التبع ، كما لو شهدت امرأة بالولادة ، فإنها تثبت ويثبت النسب تبعا ، فإذا قلنا يقبل إقراره بالرق بعد نكاحه وهو ذكر ، وكان قبل الدخول - فسد النكاح في حقه ، ولها عليه نصف المهر ، وإن كان بعد الدخول فسد نكاحه وعليه المهر ، وولده حر [ ص: 304 ] تابع لأمه ، فإن كان متزوجا بأمة فولده لسيدها ، ويتعلق المهر برقبته ، وإذا قلنا : يقبل قوله في جميع الأحكام فالنكاح فاسد ، ويفرق بينهما ولا مهر لها قبل الدخول وبعده على الخلاف ، وإن كان أنثى وقلنا : يقبل فيما عليه ، فالنكاح صحيح في حقه ، ولا مهر قبل الدخول ، وبعده لا يسقط مهرها ، ولسيدها الأقل من المسمى أو مهر المثل ، والولد حر .

فرع : إذا أقر بالرق ابتداء لإنسان فصدقه فهو كما لو أقر به جوابا ، وإن كذبه بطل إقراره ، فإن أقر به بعد ذلك لآخر ، جاز ، وقيل : لا يسمع إقراره الثاني ; لأن إقراره الأول يتضمن الاعتراف بنفي مالك له سوى المقر له ، وكما لو اعترف بالحرية ثم أقر بالرق .

( وإن قال : إنه كافر ) بعد البلوغ ( لم يقبل قوله ) ، وهو مسلم سواء كان حكم بإسلامه أو كفره ، فلا يقبل إقراره بالكفر بعد ذلك ; لأنه إنكار بعد إقرار ، فلا يقبل كغيره ، وإن وصف الكفر وهو ممن حكم بإسلامه بالدار لم يقر على كفره ، ( وحكمه حكم المرتد ) أي إذا بلغ استتيب ثلاثا ، فإن تاب وإلا قتل ، ( وقيل : يقبل قوله ) ، حكاه القاضي ، أي يقر على كفره ; لأن قوله أقوى من الظاهر ، فيقر بجزية ، ورد بأن دليل الإسلام وجد من غير معارض ، فثبت حكمه واستقر ، فلا تجوز إزالة حكمه ، كما لو كان ولد مسلم ، ( إلا أن يكون قد نطق بالإسلام وهو يعقله ) ؛ لأن إسلامه ثبت يقينا ، فلا يقبل إقراره بمنافيه ، وقال القاضي : إن وصف كفرا يقر عليه بالجزية عقدت له الذمة ، فإن امتنع من [ ص: 305 ] التزامها ، أو وصف كفرا لا يقر عليه ألحق بمأمنه ، وبعده في " المغني " ; لأنه لا يخلو إما أن يكون ابن حربي فهو حاصل في أيدي المسلمين بغير عهد ولا عقد ، فيكون لواجده ، ويكون مسلما تبعا لسابيه ، أو يكون ولد ذميين أو أحدهما فلا يقر على الانتقال إلى غير دين أهل الكتاب ، أو يكون ولد مسلم أو مسلمين فيكون مسلما ، قال أحمد في نصرانية ولدت من فجور : ولدها مسلم ; لأن أبويه يهودانه أو ينصرانه ، وهذا ليس معه إلا أمه .

التالي السابق


الخدمات العلمية