صفحة جزء
وإن وقف على ولده ثم على المساكين فهو لولده الذكور والإناث بالسوية ، ولا يدخل فيه ولد البنات ، وهل يدخل فيه ولد البنين ؛ على روايتين ، وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين ، ونقل عنه : لا يدخل فيه ولد البنات ، ونقل عنه في الوصية : يدخلون فيه . وذهب إليه بعض أصحابنا ، وهذا مثله ، وقال أبو بكر وابن حامد : يدخلون فيه إلا أن يقول على ولد ولدي لصلبي ، فلا يدخلون ، وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة ، إلا أن يكونوا قبيلة ، فيدخل فيه النساء دون أولادهن من غيرهم


( وإن وقف على ولده ) أو أولاده أو على أولاد فلان ( ثم على المساكين ، فهو لولده الذكور والإناث ) والخناثى ; لأن اللفظ يشملهم ( بالسوية ) ؛ لأنه شرك بينهم ، وإطلاقها يقتضي التسوية ، كما لو أقر لهم بشيء ، وكولد الأم في الميراث ، ولا يدخل فيه الولد المنفي باللعان ; لأنه لا يسمى ولدا ، ولا يستحق منه حمل إلا بعد انفصاله ; لأنه لا يسمى ولدا قبل انفصاله ، فيستحق من ثمر وزرع ، كمشتر ، نقله المروذي ، وقطع به في " المغني " وغيره ، ونقل جعفر : يستحق من زرع قبل بلوغه الحصاد ، قطع به في " المبهج " . وقال الشيخ تقي الدين : الثمرة للموجود عند التأبير وبدو الصلاح ، ويشبه الحمل إن قدم إلى ثغر موقوف عليه فيه ، أو خرج منه إلى بلد موقوف عليه فيه ، نقله يعقوب ، وقياسه من نزل في مدرسة ونحوه ، واختار شيخنا يستحق بحصته من مغلة ، وأن من جعله كالولد فقد أخطأ ، ذكره في " الفروع " ، ( ولا يدخل فيه ولد البنات ) بغير خلاف ، قاله في " المغني " [ ص: 339 ] و " الشرح " ؛ لعدم دخولهم في قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم [ النساء : 11 ] ، ولقول الشاعر :


بنونا بنوا أبنائنا وبناتنا بنوهن أبناء الرجال الأباعد

لأن ولد الهاشمية ليس بهاشمي ، ولا ينسب إلى أبيها شرعا ولا عرفا ، وبهذا علل أحمد ، فقال : لأنهم من رجل آخر ، وقيل : شملهم لدخولهم في مسمى الأولاد ( وهل يدخل ولد البنين ، على روايتين ) ، كذا في " المحرر " و " الفروع " ، أحدهما ، وجزم بها في " الوجيز " يدخلون لدخولهم في قوله تعالى : يوصيكم الله في أولادكم وحينئذ يشمل ولد البنين وإن سفلوا ; لأنه ولد ؛ لقوله تعالى : يا بني آدم [ الأعراف : 26 ] يا بني إسرائيل [ البقرة : 40 ] ، ولقوله عليه السلام : ارموا بني إسماعيل ، فإن أباكم كان راميا ، ولأنه لو وقف على ولد فلان وهم قبيلة دخل فيه ولد البنين ، فكذا إذا لم يكونوا قبيلة ، وحينئذ يستحقون في الوقف بعد آبائهم مرتبا ، وظاهره يشمل الموجودين ومن سيوجد ، وفيه رواية ، وهذا ما لم تكن قرينة تصرفه عن ذلك ، والثانية لا يدخلون ، اختارها القاضي وأصحابه ; لأن ولده حقيقة ولد صلبه ، والكلام لحقيقته ، وإنما يسمى ولد الولد ولدا مجازا بدليل صحة النفي ، إلا أن يقترن به ما يدل على إدخالهم ، كقوله : وقفت على أولادي ؛ لولد الذكور الثلثان ، ولولد الإناث الثلث ، وآية الميراث دلت قرينة على إرادة الولد وإن سفل ، فحمل اللفظ على حقيقته ومجازه .

( وإن وقف على عقبه أو ولد ولده أو ذريته أو نسله دخل فيه ولد البنين ) [ ص: 340 ] بغير خلاف علمناه ; لأنه ولد ولده حقيقة وانتسابا ( ونقل عنه : لا يدخل فيه ولد البنات ) ؛ لأنه قال فيمن وقف على ولده : ما كان من ولد البنات فليس لهم شيء ، فهذا النص يحتمل تعديته إلى هذه المسألة ، ويحتمل أن يكون مقصورا على من وقف على ولده ولم يذكر ولد ولده ، والمنع اختاره القاضي في " التعليق " و " الجامع " ، والشيرازي ، وأبو الخطاب في " خلافه الصغير " وفي " الفروع " ، اختاره الأكثر ، كمن ينسب إلي ، ونص عليها في ولد ولدي لصلبي إلا بقرينة تدل على دخولهم ، ( ونقل عنه في الوصية : يدخلون فيه ، وذهب إليه بعض أصحابنا ، وهذا مثله ) ؛ لأن حكم الوقف والوصية واحد ، والقول بدخولهم هو رواية ثابتة عن أحمد ، قدمها في " المحرر " و " الرعاية " ، واختارها أبو الخطاب في " الهداية " ; لأن البنات أولاده ، فأولادهن أولاد أولاده حقيقة ؛ لقوله تعالى : ومن ذريته داود وإلى قوله : " وعيسى " [ الأنعام : 84 ، 85 ] وهو ولد بنته ، وقال النبي - صلى الله عليه وسلم - على المنبر : إن ابني هذا سيد ، ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين ، يعني الحسن ، رواه البخاري . قال في " الشرح " : والقول بدخولهم أصح وأقوى دليلا . ( وقال أبو بكر وابن حامد : يدخلون فيه ) ، هذا رواية ; لأن ولد البنت يدخل في التحريم الدال عليه قوله تعالى : حرمت عليكم أمهاتكم وبناتكم [ النساء : 23 ] ( إلا أن يقول : على ولد ولدي لصلبي ، فلا يدخلون ) لأنه ليس من صلبه ، وفي الروايتين للقاضي وتبعه في " المغني " أنهما اختارا الدخول مطلقا ، وفي " الخصال " لابن البنا أن ابن حامد اختار الدخول وأبا بكر ما ذكره هنا ، وهو في " المغني " ، القديم . وقيل : إن قال : ولد ولدي لصلبي ، شمل ولد بنيه لصلبه ، وفي " التبصرة " : يشمل في الذرية ، وأن [ ص: 341 ] الخلاف في ولد ولده ، ومحل الخلاف مع عدم القرينة ، أما مع القرينة فالعمل بها ؛ ولهذا قيل في عيسى والحسن إنهما إنما دخلا مع الذكر والكلام مع الإطلاق ، وأجاب في " المغني " و " الشرح " عن قضية عيسى بأنه لم يكن له نسب ينتسب إليه ، فنسب إلى أمه ، والحسن بأنه مجاز اتفاقا ؛ بدليل قوله تعالى : ما كان محمد أبا أحد من رجالكم [ الأحزاب : 40 ] .

مسألة : إذا قال : على ولدي ، ثم على ولد ولدي ، ثم الفقراء ، لم يشمل البطن الثالث ومن بعده ، في الأشهر ، فإن قال : على ولدي ، فإذا انقرض ولد ولدي فعلى الفقراء - شمل ولد ولده ، وقيل : لا كما لو قال : على ولدي لصلبي ، فلو وقف على ولده فلان وفلان ثم على ولد ولده ، منع ، جزم به في " المغني " وغيره ، وقال القاضي : لا ، ونقله حرب ; لأن قوله : على ولدي يستغرق الجنس ، فيعم ، والتخصيص بقوله : فلان وفلان تأكيد للبعض ، فلا يوجب إخراج البقية ، كالعطف في قوله تعالى : من كان عدوا [ البقرة : 97 ] الآية ، وعلى الأول فيقصر الوقف على المسلمين وأولادهما وأولاد الثالث ، جعلا لتسميتهما بدلا للبعض من الكل ، فاختص الحكم به ، ويجوز أن يكون بدل الكل من الكل ؛ لانطلاق لفظ الولد على الاثنين كانطلاقه على الجميع .

فرع : إذا قال : على أولادي ثم أولادهم ثم الفقراء ، فترتب جملة ، وقيل : إفراد ، وفي " الانتصار " إذا قوبل جمع بجمع اقتضى مقابلة الفرد منه بالفرد من مقابلة لغة ، فعلى هذا قال في " الفروع " : الأظهر استحقاق الولد وإن لم يستحق أبوه شيئا ، قاله شيخنا . ومن ظن أن الوقف كالإرث لم يدري ما يقول [ ص: 342 ] ولهذا لو انتفت الشروط في الطبقة الأولى أو بعضهم لم تحرم الثانية مع وجود الشروط فيه إجماعا ، وقول الواقف : من مات فنصيبه لولده يعم ما استحقه ، وما يستحقه مع صفة الاستحقاق استحقه أولا تكثيرا للفائدة ، ولصدق الإضافة بأدنى ملابسة .

تنبيه : إذا قال : من مات عن غير ولد فنصيبه لمن في درجته ، والوقف مرتب ، فهو لأهل البطن الذي هو منهم من أهل الوقف ، وكذا إن كان مشتركا بين البطون ، فإن لم يوجد في درجته أحد بطل هذا الشرط ، وكان الحكم فيه كما لو لم يذكره ، وإن كان الوقف على البطن الأول على أن نصيب من مات منهم عن غير ولد في درجته فخلاف ، والأشهر أنه يستوي في ذلك إخوته وبنو عمه وبنو بني عم أبيه ، ونحوهم إلا أن يقول : يقدم الأقرب فالأقرب إلى المتوفى ونحوه ، فيختص بهم ، وليس من الدرجة من هو أعلى منه أو أنزل ، وإن شرط أن نصيب المتوفى عن غير ولد لمن في درجته استحقه أهل الدرجة وقت وفاته ، وكذا من سيولد منهم ، أفتى به الشارح ، وصاحب " الفائق " ، وابن رجب قال : وعلى هذا لو حدث من هو أعلى من الموجودين ، وكان في الوقف استحقاق الأعلى فالأعلى أخذه منهم ، وقوله : من مات فنصيبه لولده ، يشمل الأصل والعائد ، واختار الشيخ تقي الدين الأصل فقط .

تتمة : لو قال : هو وقف على أولادي ، ثم أولادهم الذكور والإناث ، ثم أولادهم الذكور من ولد الظهر فقط ، ثم نسلهم وعقبهم ، ثم الفقراء على أنه من مات منهم وترك ولدا وإن سفل فنصيبه له ، فمات أحد الطبقة الأولى [ ص: 343 ] وترك بنتا ، فماتت ولها أولاد ، فقال شيخنا : ما استحقته قبل موتها لهم ، ويتوجه لا ، ولو قال : من مات عن غير ولد وإن سفل ، فنصيبه لإخوته ثم نسلهم وعقبهم ، عم من أعقب ومن لم يعقب ، ومن أعقب ثم انقطع عقبه ; لأنه لا يقصد غيره ، واللفظ يحتمل ، فوجب الحمل عليه قطعا ، ذكره شيخنا ، ويتوجه نفوذ حكم بخلافه ، ذكره في " الفروع " .

( وإن وقف على بنيه أو بني فلان فهو للذكور خاصة ) في قول الجمهور ; لأن لفظ البنين وضع لذلك حقيقة ؛ لقوله تعالى : أاصطفى البنات على البنين [ الصافات : 53 ] و : زين للناس حب الشهوات من النساء والبنين [ آل عمران : 14 ] و : المال والبنون زينة الحياة الدنيا [ الكهف : 46 ] ولا يدخل فيه الخنثى ; لأنه لا يعلم كونه ذكرا ، وعكسه لو وقف على بناته اختص بهن ، ولا شيء للذكور ولا للخناثى ; لأنه لا يعلم كونه أنثى ، لا نعلم فيه خلافا ، ( إلا أن يكونوا قبيلة ) كبيرة ، قاله في " الرعاية " كبني هاشم ، وتميم ، وقضاعة ( فيدخل فيه النساء ) ؛ لقوله تعالى : ولقد كرمنا بني آدم [ الإسراء : 70 ] ؛ ولأن اسم القبيلة يشمل ذكرها وأنثاها ، وروي أن جواري من بني النجار قلن :


نحن جوار من بني النجار     يا حبذا محمد من جار

ويقال : امرأة من بني هاشم . ( دون أولادهن من غيرهم ) ، وحكاه في " الرعاية " قولا ; لأنهم لا ينتسبون إلى القبيلة الموقوف عليها بل إلى غيرها ، وكما لو قال : المنتسبين إلي ، واقتضى ذلك دخول أولادهن منهم ، وهو ظاهر لدخول الانتساب حقيقة ، ولا يشمل مواليهم ، وعلى الأول يكفي واحد منهم ، وقيل : بل ثلاثة ، ويأخذ كل واحد ما رآه الناظر ، وقيل : بل قدر حقه من [ ص: 344 ] الزكاة مع فقره ، كالوقف على الفقراء .

التالي السابق


الخدمات العلمية