صفحة جزء
وإن وقف على مواليه وله موال من فوقه ومن أسفل تناول جميعهم ، وقال ابن حامد : يختص الموالي من فوق ، وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم وجب تعميمهم والتسوية بينهم وإلا جاز تفضيل بعضهم على بعض والاقتصار على واحد منهم ، ويحتمل أن لا يجزئه أقل من ثلاثة ، ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر من القدر الذي يدفع إليه في الزكاة ، والوصية كالوقف في هذا الفصل .


( وإن وقف على مواليه ، وله موال من فوقه ومن أسفل تناول جميعهم ) ويستوون فيه ; لأن الاسم يشملهم جميعا ، قال ابن أبي موسى : من وقف على مواليه المعتقين جاز ، وكان بينهم على ما شرط ، فإن ماتوا ولهم أولاد صار ما كان وقفا عليهم ، وقفا على أولادهم . ( وقال ابن حامد : يختص الموالي من فوق ) ؛ لأنهم أقوى عصبة بدليل ثبوت الميراث لهم ، ولا يستحق مولى أبيه مع وجود مواليه ، فإن لم يكن له موال ، فقال الشريف : هو لمولى أمه ; لأن الاسم يتناوله مجازا ، وقد تعذرت الحقيقة ، فإن كان له موالي أب حين الوقف ثم انقرض مواليه لم يكن لموالي الأب في ظاهر ما ذكروا ; لأن الاسم تناول غيرهم فلا يعود إليهم إلا بعقد ، ولم يوجد .

[ ص: 351 ] ( وإن وقف على جماعة يمكن حصرهم واستيعابهم ) كبني فلان الذين ليسوا بقبيلة ( وجب تعميمهم والتسوية بينهم ) ؛ لأن اللفظ يقتضي ذلك ، وقد أمكن الوفاء به فوجب العمل بمقتضاه ، أشبه ما لو أقر لهم ، وقوله تعالى : فهم شركاء في الثلث [ النساء : 12 ] يوضحه ، فإن كان الوقف في ابتدائه على من يمكن استيعابه فصار مما لا يمكن استيعابه ، كوقف علي - رضي الله عنه - وجب تعميم من أمكن منهم والتسوية بينهم ; لأن التعميم والتسوية كان واجبا ، فإذا تعذر وجب ما أمكن كالواجب الذي يعجز عن بعضه ( وإلا ) أي وإن لم يمكن حصرهم واستيعابهم كبني هاشم وبني تميم لم يجب تعميمهم إجماعا ؛ لأنه غير ممكن و ( جاز تفضيل بعضهم على بعض ) ؛ لأنه إذا جاز حرمانه جاز تفضيل غيره عليه ( والاقتصار على واحد منهم ) ، على المذهب ; لأن مقصود الواقف مجاوزة الجنس ، وذلك يحصل بالدفع إلى واحد منهم ( ويحتمل أن لا يجزئه أقل من ثلاثة ) ، هذا رواية عن أحمد ; لأنها أقل الجمع ، قال في " الخلاف " وقد سئل أحمد عن رجل أوصى بثلثه في أبواب البر ، قال : يجزأ ثلاثة أجزاء ، فعلى هذا الفرق أن الوصية يعتبر فيها لفظ الموصي ، وأمر الله يعتبر فيها المقصود بدلالة أن الموصي للمساكين لا يعدل إلى غيرهم ، والإطعام في الكفارة يجوز صرفها إلى غير المساكين ، وإن كان منصوصا عليهم ، ومقتضى ذلك صحة الوقف على من لا يمكن حصرهم ولا استيعابهم كالمساكين .

( ولا يدفع إلى واحد منهم أكثر من القدر الذي يدفع إليه في الزكاة ) ، أي إذا كان الوقف على الأصناف الذين يأخذون الصدقات أو بعضهم صرف إليهم [ ص: 352 ] ويعطى كل واحد منهم من الوقف مثل القدر الذي يعطى من الزكاة ; لأن المطلق من كلام الآدمي يحمل على المعهود في الشرع ، فعلى هذا إذا كان الموقوف عليه الفقراء لم يدفع إلى واحد منهم زيادة على خمسين درهما أو قيمتها من الذهب ; لأنه القدر الذي يحصل به الغنى ، واختار أبو الخطاب وابن عقيل زيادة المسكين على الخمسين ، وقد أومأ إليه أحمد ، وقيل : لكل صنف ثمن ، وإن وقف على الفقراء أو المساكين أعطي الآخر ، وفيه وجه ( والوصية كالوقف في هذا الفصل ) ؛ لأن مبناها على لفظ الموصي أشبهت الوقف ، فإن وصى أن يفرق في فقراء مكة فقال أحمد في رواية أحمد بن الحسين بن حسان هل يفرق على قوم دون قوم ؛ فقال : ينظر إلى أحوجهم ، قال القاضي : فظاهره أنه يعتبر العدد .

تذنيب : إذا وقف مدرسة أو رباطا أو خانقاة أو نحو ذلك على طائفة ، اختصت بهم ، وإن وقف عليها مسجدا أو مقبرة فوجهان ، والأشبه اختصاص من عينهم ، ولا يختص أحد بالصلاة اتفاقا ، وإن عين إماما أو ناظرا تعين ، وقيل : إن وقف مسجدا على الفقراء وشرطه لهم اختصوا به إمامة ونظرا ، وعنه : على ما جرت به العادة ، وكذا إن وقفه على أهل مذهب في الأشبه .

التالي السابق


الخدمات العلمية