صفحة جزء
فصل

والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم ، فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا ، فإن مات قبل ذلك ثبت للمعطى ، وعنه : لا يثبت ، وللباقين الرجوع ، اختاره أبو عبد الله بن بطة ، وإن سوى بينهم في الوقف أو وقف ثلثه في مرضه على بعضهم جاز ، نص عليه ، وقياس المذهب لا يجوز


فصل

( والمشروع في عطية الأولاد القسمة بينهم على قدر ميراثهم ) أي يجب التعديل في عطية أولاده للذكر مثل حظ الأنثيين اقتداء بقسمة الله تعالى ، وقياسا لحال الحياة على حال الموت ، قال عطاء : ما كانوا يقتسمون إلا على كتاب الله تعالى ، وقاله عطاء ، وشريح ، وإسحاق ، وقيل : لصلبه ، وذكره الحارثي ، لا ولد بنيه وبناته للحقيقة ، وعنه : يستحب ذكر كأنثى ، وقاله أكثر العلماء ؛ لقوله عليه السلام لبشير بن سعد : سو بينهم ، وكالنفقة ، وجوابه أن الذكر أحوج منها من جهة أن الصداق والنفقة عليه بخلافها ، وحديث بشير قضية في عين ، وحكاية حال لا عموم لها إنما يثبت حكمها في مثلها ، ولا يعلم حال أولاد بشير هل كان فيهم أنثى أو لا ، ثم تحمل التسوية على القسمة على كتاب الله تعالى ، ويحتمل أنه أراد التسوية في أصل العطاء ، وعنه : لا يجب التعديل في النفقة كشيء تافه ، نص عليه ، وقال أبو يعلى الصغير : كشيء يسير ، وعنه : بلى ، مع تساوي فقر [ ص: 372 ] أو غنى ، نقل أبو طالب : لا ينبغي أن يفضل أحدا من ولده في طعام وغيره ، قال إبراهيم : كانوا يستحبون التسوية بينهم حتى في القبل ، فدخل فيه نظر وقف ، وظاهره أنه لا يجب التعديل بين غيرهم ، بل ذلك مخصوص بالأولاد فقط ، جزم به المؤلف في كتبه ، وزعم الحارثي أنه المذهب ، وأن عليه المتقدمين من أصحابنا ، قال في " الفروع " وهو سهو ؛ إذ الأصل تصرف الإنسان في ماله كيف شاء ، خرج منه الأولاد للخبر ، مع أنه عليه السلام لم يسأل بشيرا هل لك وارث غير ولدك أم لا ، واختار الأكثر أن بقية الأقارب كالأولاد ، نص عليه ، وهو المذهب ; لأن المنع من ذلك كان خوف قطيعة الرحم والتباغض ، وهو موجود في الأقارب ، والأم كالأب فيما ذكرنا ; لأنها أحد الأبوين أشبهت الأب ، ولوجود المعنى المقتضي للمنع ( فإن خص بعضهم أو فضله فعليه التسوية بالرجوع أو إعطاء الآخر حتى يستووا ) ، نص عليه ، وجزم به الأصحاب ؛ لما روى النعمان بن بشير ، قال : تصدق علي أبي ببعض ماله ، فقالت أمي عمرة بنت رواحة : لا أرضى حتى تشهد عليها رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فجاء أبي إلى رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ليشهده ، فقال : أكل ولدك أعطيت مثله ، قال : لا ، قال : اتقوا الله واعدلوا بين أولادكم ، قال : فرجع أبي ، فرد تلك الصدقة ، وفي لفظ : فاردده ، وفي لفظ : فأرجعه ، وفي لفظ : لا تشهدني على جور ، وفي لفظ : فأشهد على هذا غيري ، وفي لفظ : سو بينهم . متفق عليه ، وذلك يدل على التحريم ; لأنه سماه جورا أو أمر برده ، وامتنع من الشهادة عليه ، ولا شك أن الجور حرام ، والأمر يقتضي الوجوب ، وهو يورث [ ص: 373 ] العداوة ، والبغضاء ، وقطيعة الرحم ، فمنع منه ، كتزويج المرأة على عمتها ، وقيل : يجوز تفضيل أحدهم ، واختصاصه لمعنى فيه ، ويكره إن كان على سبيل الأثرة ، اختاره المؤلف ، ونصره في " الشرح " ، وقال الليث والثلاثة : يجوز ذلك مطلقا ; لأن أبا بكر نحل عائشة جداد عشرين وسقا دون سائر ولده ، واحتج الشافعي بقوله : أشهد على هذا غيري ، فأمره بتأكيدها دون الرجوع فيها ; لأنه عطية تلزم بموت المعطي كالتسوية ، وجوابه بأن فعل أبي بكر لا يعارض ما تقدم ، وبأنه نحلها لمعنى فيها لا يوجد في غيرها من أولاده ، أو كان قاصدا بأن ينحل غيرها فأدركته الوفاة ، وبأن قوله : أشهد ، إلى آخره ليس بأمر ; لأن أدنى أحواله الاستحباب ، ولا خلاف في كراهته مع أنه لو كان أمرا لبادر إلى امتثاله ، وإنما هو تهديد ، وظاهره أنه إذا خص بعضهم بإذن الباقي ، أو كان لمعنى كزمانة ، أو عمى ، أو طلب علم - جاز ، وأنه لا فرق في ذلك بين الصحة والمرض ، وعنه : لا ينفذ في مرضه ، ونقل الميموني معناه ، قال أبو الفرج : يؤمر برده ( فإن مات ) الواهب ( قبل ذلك ثبت للمعطي ) ولزم ، وليس لبقية الورثة الرجوع ، نص عليه ، واختاره الخلال وصاحبه والخرقي وأكثر العلماء ؛ لقول أبي بكر لعائشة - رضي الله عنها - : وددت أنك حزتيه ، فدل أنها لو كانت حازته لم يكن له الرجوع ، ولقول عمر ، ولأنها عطية لولده ، فلزمت بالموت كما لو انفرد ، فإن كان في المرض فقد خالف ، ويقف على إجازة بقية الورثة ، لكن إن كانت العطية في المرض ليسوي بينهم فقد توقف أحمد ، والأشهر الجواز ; لأنه طريق لفعل الواجب ، ( وعنه : لا يثبت وللباقين الرجوع ، اختاره أبو عبد الله بن بطة ) وأبو حفص والشيخ تقي الدين ، قال أحمد : عروة قد روى حديث عمر وعثمان [ ص: 374 ] وعائشة وتركها ، وذهب إلى حديث النبي - صلى الله عليه وسلم - : ترد في حياة الرجل وبعد موته ، ولأنه عليه السلام سمى ذلك جورا ، وفي رواية لمسلم : إني لا أشهد إلا على حق ، وغير الحق لا يجوز ، والجور لا يحل فعله ، ولا يختلف بالحياة والموت ، ولا يطيب أكله ، ويتعين رده ، وعنه : أنها باطلة ، واختارها الحارثي وقال أبو يعلى الصغير : قولهم لو حرم لفسد ، والتحريم يقتضي الفساد في رواية لا في أخرى ، بدليل قوله في الصلاة في دار غصب ، فدل على الخلاف .

أصل : لا يكره للحي قسم ماله بين أولاده ، نقله الأكثر ، وعنه : بلى ، ونقل ابن الحكم : لا يعجبني ، فإن حدث له وارث سوى ندبا ، قدمه جماعة ، وقيل : وجوبا ، قال أحمد : أعجب إلي يسوي ، اقتصر عليه في " المغني " .

( وإن سوى بينهم في الوقف ) ذكر كأنثى ، جاز ، قاله القاضي ، وقدمه في " الفروع " ; لأن القصد القربة على وجه الدوام ، وقد استووا في القرابة ، نقل ابن الحكم : لا بأس ، قيل : فإن فضل ، قال : لا يعجبني على وجه الأثرة إلا لعيال بقدرهم أو حاجة ; لأن الزبير خص المردودة من بناته دون المستغنية منهن بصدقته ، واختار المؤلف أنه يستحب أن يقسم بينهم كقسمة الميراث ; لأنه إيصال المال إليهم ، فيكون على حسب الميراث ، وذكر أن قول القاضي لا أصل له ، وهو ملغى بالعطية والهبة ; لأن الوقف لا ينقل الرقبة ، أو ينقلها على وجه من القصور بخلاف الهبة ( أو وقف ثلثه في مرضه ) أو وصى بوقفه ( على بعضهم - جاز ، نص عليه ) اختاره القاضي والأكثر ، واحتج الإمام بأن عمر جعل أمر وقفه إلى حفصة تأكل منه وتشتري رقيقا ، ولأن الوقف ليس في معنى المال فهو كعتق الوارث [ ص: 375 ] وكالوقف على الأجانب ، وعلل في رواية الميموني بأن الوقف غير الوصية ; لأنه لا يباع ، ولا يورث ، ولا يصير ملكا للورثة ينتفعون بغلتها ( وقياس المذهب : لا يجوز ) ، ظاهره أنه لا نقل فيها عن الإمام ، لكن نص في رواية إسحاق بن إبراهيم فيمن وصى لأولاد بنته بأرض توقف ، فقال : إن لم يرثوه فجائز ، وظاهره أنه لا يجوز الوقف على وارث في المرض ، اختارها أبو حفص وابن عقيل ، ذكرها أبو الخطاب ، ورجحها في " المغني " و " الشرح " ; لأنه تخصيص لبعض ورثته بماله في مرضه ، فمنع منه كالوصية ، وإلحاقا له بالهبة ، وحديث عمر ليس فيه تخصيص لبعض الورثة بالوقف ; لأنه جعل الولاية إليها ، وليس ذلك وقفا عليها ، وكونه انتفاعا بالغلة لا يقتضي جواز التخصيص ، كما لو أوصى لوارث بمنفعة عبد ، وحمل كلامه على أنه وقف على الورثة ، فعنه : كهبة ، فتصح بالإجازة ، وعنه : لا إن قيل هبة ، وعنه : يلزم في ثلثه ، وهي أشهر .

تنبيه : إذا وقف داره في مرض موته وهي تخرج من ثلثه على ابنه وبنته نصفين جاز على المنصوص ولزم ; لأنه لما كان له تخصيص البنت بها فبنصفها أولى ، وعلى المنصور في " المغني " وغيره إن أجاز الابن جاز ، وإن رده بطل الوقف فيما زاد على نصيب الابن وهو السدس ، ويرجع إلى الابن ملكا فيكون له النصف وقفا والسدس ملكا ، والثلث للبنت جميعه وقفا ، وقيل : يبطل الوقف في نصف ما وقف على البنت وهو الربع ، ويبقى ثلاثة أرباعها وقفا ، نصفها للابن وربعها للبنت ، والربع الذي بطل الوقف فيه بينهما أثلاثا ، وتصح من اثني عشر ؛ للابن ستة أسهم وقف وسهمان ملك ، وللبنت ثلاثة أسهم وقف [ ص: 376 ] وسهم ملك ، ولو كان لا يملك غيرها وقلنا : يلزم في الثلث فردا ، فثلثها وقف بينهما بالسوية ، وثلثاها ميراثا ، وإن رد ابنه فله ثلثا الثلثين إرثا ولبنته ثلثها وقفا ، وإن ردت فلها ثلث الثلثين إرثا ، ولابنه نصفها وقفا وسدسها إرثا كرد الموقوف عليه .

فرع : لا يصح وقف زائد على الثلث على أجنبي ، جزم به المؤلف وجماعة ، وأطلق بعضهم وجهين ، وكذا على وارث ولو حيلة ؛ كوقف مريض ونحوه على نفسه ثم عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية