صفحة جزء
ولا يجوز لواهب أن يرجع في هبته إلا الأب ، وعنه : ليس له الرجوع ، وعنه : له الرجوع إلا أن يتعلق به حق أو رغبة مثل أن يتزوج الولد أو يفلس ، وإن نقصت العين أو زادت زيادة منفصلة لم يمنع الرجوع ، والزيادة للابن ويحتمل أنها للأب ، وهل تمنع المتصلة الرجوع ؛ على روايتين ، وإن باعه المتهب ثم رجع إليه بفسخ أو إقالة فهل له الرجوع ؛ على وجهين ، وإن رجع إليه ببيع أو هبة لم يملك الرجوع ، وإن وهبه المتهب لابنه لم يملك أبوه الرجوع إلا أن يرجع هو ، وإن كاتبه أو رهنه لم يملك الرجوع إلا أن ينفك الرهن أو تنفسخ الكتابة ، وعن أحمد في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك : رده إليها رضيت أو كرهت ؛ لأنها لا تهب له إلا مخافة غضبه أو إضرارا بها بأن يتزوج عليها .


( ولا يجوز ) أي لا يحل ( لواهب أن يرجع في هبته ) اللازمة ، كذا في " الرعاية " و " الوجيز " ؛ لما روى ابن عباس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : العائد في هبته كالكلب يقيئ ثم يعود في قيئه ، متفق عليه ، ولأحمد والبخاري : " ليس لنا مثل السوء " وفي رواية لأحمد قال قتادة : ولا أعلم القيء إلا حراما ، وكالقيمة ، وظاهره وإن لم يثب عليها ، صرح به في " المحرر " ، وكذا حكم الهدية ( إلا الأب ) ، فله الرجوع في أظهر الروايات عنه ، وصححه ابن حمدان ، وهو المذهب عند الشيخين ؛ لما روى عمر ، وابن عباس مرفوعا : لا يحل للرجل أن يعطي العطية فيرجع فيها إلا الوالد فيما يعطي ولده ، رواه الخمسة ، وصححه الترمذي ، وسواء قصد برجوعه التسوية بين أولاده أو لا ، وظاهره لا فرق فيه بين المسلم والكافر في ظاهر كلامهم ، وفي " الاختيارات " منع الأب الكافر أن يرجع فيما أعطى ولده الكافر ثم أسلم ، فإن كان في حال إسلام الولد ففيه نظر ، ومقتضاه أن الأم لا رجوع لها ، وهو ظاهر كلام أحمد ، قال في رواية الأثرم : [ ص: 377 ] ليست هي عندي كالرجل ; لأن له أن يأخذ من مال ولده بخلاف الأم ؛ ولولايته وحيازته جميع المال ، وقيل : بلى ، وهو ظاهر الخرقي ، وصححه في " المغني " و " الشرح " ؛ لقوله عليه السلام : سووا بين أولادكم ، ولا للمرأة فيما تهب زوجها ، وهو إحدى الروايات ؛ لقوله تعالى : إلا أن يعفون الآية ، وعنه : لها الرجوع مطلقا ، نقلها الأثرم ، وحكاه الزهري عن القضاة ، وأطلقهما في " المحرر " و " الفروع " وقيداه بمسألته ، وسيأتي . ( وعنه : ليس له الرجوع ) كالجد لعموم ما سبق ، وفيه وجه ذكره ابن رزين ، وجوابه بأنه عليه السلام قال لبشير " فأرجعه " وفي رواية " فاردده " ، رواه مالك عن الزهري عن حميد عن النعمان ، وأقل أحوال الأمر الجواز ، ( وعنه : له الرجوع إلا أن يتعلق به حق أو رغبة ) لغير الولد مثل أن يهب ابنه شيئا فيرغب الناس في معاملته فيداينوه ، أو في مناكحته فيزوجوه ، أو يهب ابنته شيئا فتتزوج ، وقد نبه عليه بقوله : ( مثل أن يتزوج الولد أو يفلس ) ؛ لأنه تعلق بها حق غير الابن ، ففي الرجوع إبطال حقه ، يؤيده قوله عليه السلام : لا ضرر ولا إضرار ، والرجوع ضرر ، وفيه تحيل على إلحاق الضرر بالمسلمين ، زاد في " الفروع " تبعا لـ " الرعاية " و " الوجيز " : أو ما يمنع تصرف المتهب مؤبدا أو مؤقتا ، كالرهن ونحوه فلا رجوع .

فرع : إذا أسقط حقه من الرجوع فاحتمالان في " الانتصار " ، وإن علق الرجوع بشرط لم يصح .

تنبيه : يحصل الرجوع في الهبة بالألفاظ الدالة عليه ، علم الولد أو لا ، ولا [ ص: 378 ] يفتقر إلى حكم حاكم في الأصح ، فإن أخذ ما وهبه لولده ، ونوى به الرجوع - كان رجوعا ، ويقبل قوله في نيته ، فإن مات الأب ولم يعلم هل نوى الرجوع ولم توجد قرينة لم يحكم بأنه رجوع ، وإن حفت به قرائن دالة على الرجوع فوجهان ، وفي " المغني " ينبني هذا على نفس العقد ، فمن أوجب الإيجاب في القبول فليس برجوع ، وإلا فهو رجوع ، فإن نوى الرجوع من غير قول ولا فعل لم يحصل الرجوع وجها واحدا .

( وإن نقصت العين ) أو تلف بعضها لم يمنع الرجوع ، ولا ضمان على الولد فيما تلف منها ; لأنه تلف على ملكه ، سواء تلف بفعله أو لا ، وإن جنى العبد جناية تعلق أرشها برقبته ، فهو كنقصانه بذهاب بعض أجزائه ، فإن رجع الأب فيه ضمن أرش الجناية ، وإن كانت على العبد فرجع الأب فأرش الجناية عليه للابن كالزيادة المنفصلة ، ( أو زادت زيادة منفصلة ) كالولد ، والثمرة ، وكسب العبد ( لم يمنع الرجوع ) بغير خلاف نعلمه ، قاله في " الشرح " ; لأن الرجوع في الأصل دون النماء ممكن ، وفيه في " الموجز " رواية ، ( والزيادة للابن ) ؛ لأنها حادثة في ملكه ، ولا يتبع في الفسوخ ، وكذا هنا ، وكولد الأمة منه ( ويحتمل أنها للأب ) ، ذكره القاضي كالرد بالعيب ؛ ولأنها زيادة في الموهوب ، فملكها الأب كالمتصلة ، لكن إن كانت الزيادة ولد أمة لا يجوز التفريق بينهما منع من الرجوع إلا أن يقول : المنفصلة للأب ، فيرجع فيهما جميعا ، أو يرجع في الأم ويتملك الولد من مال ولده ، قاله في " الشرح " ، وفيه شيء ، وإن اختلفا في حدوث زيادة ففي أيهما يقبل قوله ؛ وجهان ، ( وهل تمنع ) الزيادة ( المتصلة ) كالسمن في العين ، وتعلم صنعة [ ص: 379 ] في المعاني ( الرجوع ) إذا زادت بها القيمة ، قاله في " الشرح " ( على روايتين ) ، كذا في " الكافي " و " المحرر " إحداهما : لا تمنع ; لأنها زيادة في الموهوب ، فلم يمنع الرجوع ، كالزيادة قبل القبض والمنفصلة ، والثانية وهي أشهر ، ورجحها في " الشرح " يمنع ; لأن الزيادة للموهوب له لكونها نماء ملكه ، ولم ينتقل إليه من جهة أبيه ، فلم يملك الرجوع فيها ، وحينئذ يمتنع الرجوع في الأصل لئلا يفضي إلى سوء المشاركة وضرر التشقيص ; لأنه استرجاع للمال بفسخ عقد لغير عيب في عوضه ، فمنعه الزيادة المتصلة كاسترجاع الصداق بفسخ النكاح بخلاف الرد بالعيب من جهة أن الرد من المشتري وقد رضي ببذل الزيادة ، وعلى المنع فللأب أخذها بطريق التملك بشرطه ، وقصر العين وتفصيلها زيادة متصلة يجري فيها الخلاف .

فرع : إذا وهب حاملا من غيره فولدت في يده فهبة متصلة ، وقيل : منفصلة ، إن قلنا : لا حكم للحمل ، وإن رجع فيها حاملا جاز وإن لم تزد قيمتها ، وإن زادت قيمتها فمتصلة ، ولو وهبه نخلة فحملت فهي قبل التأبير زيادة متصلة وبعده منفصلة ، ( وإن باعه المتهب ) أو وهبه لم يملك الواهب الرجوع ، قولا واحدا ، ( ثم رجع إليه بفسخ أو إقالة ) أو فلس المشتري ( فهل له الرجوع ؛ على وجهين ) ، كذا أطلقهما في " المحرر " و " الفروع " واقتصر على ذكر الفسخ فقط ، وهو مغن ، أحدهما - وجزم به في " الوجيز " : لا يملك الرجوع ; لأن الملك عاد إليه بعد استقرار ملك من انتقل إليه عادة ، أشبه ما لو عاد إليه بالهبة ، أما لو عاد إليه بخيار المجلس أو الشرط فله الرجوع [ ص: 380 ] لأن الملك لم يستقر عليه ، والثاني يملكه ; لأن السبب المزيل ارتفع ، وعاد الملك بالسبب الأول ، أشبه فسخ البيع بالخيار ( وإن رجع إليه ببيع أو وهبه ، لم يملك الرجوع ) ؛ لأنه عاد إليه بملك جديد لم يستفده من قبل أبيه ، فلم يملك فسخه وإزالته ، كالذي لم يكن موهوبا .

( وإن وهبه المتهب لابنه لم يملك أبوه الرجوع ) ، كما لو وهبه لغير ابنه ، ولأن في رجوعه إبطالا لملك غير ابنه ، وقيل : له أن يرجع ، وإن لم يرجع ابنه ( إلا أن يرجع هو ) ؛ لأن المانع من الرجوع زوال ملك الابن وقد عاد إليه ، وقيل : لا يملكه ; لأنه عاد إليه بعد استقرار ملك غيره عليه ، أشبه ما لو وهبه ابن الابن لأبيه ( وإن كاتبه أو رهنه لم يملك الرجوع ) ؛ لأن حق المرتهن والمكاتب تعلق به ، والرجوع يبطله ، فلم يجز ؛ لما فيه من الضرر بالغير ، وهذا عند من لا يرى بيع المكاتب ، وقاله جماعة ، فأما من أجاز بيعه فحكمه عنده كالعين المستأجرة ( إلا أن ينفك الرهن أو تنفسخ الكتابة ) لزوال المانع ، والتزويج لا يمنع الرجوع ، والمعلق عتقه بصفة كذلك ، وإذا رجع وكان التصرف لازما كالإجارة والتزويج فهو باق بحاله ، وإن كان جائزا كالوصية بطل ، والصحيح في التدبير أنه لا يمنع الرجوع .

فرع : إذا قال أبوه : وهبتك هذا العبد وهو سمين أو كبير فلي الرجوع ، فقال ابنه : وهو مهزول فسمن أو صغير فكبر فلا رجوع لك - فوجهان ، فلو قال : وهبتك هذا الذهب مصوغا ، فقال ابنه : أنا صغته صدق الواهب ( وعن أحمد في المرأة تهب زوجها مهرها إن كان سألها ذلك : رده إليها ، رضيت [ ص: 381 ] أو كرهت ) . نقلها أبو طالب ، ثم ذكر العلة ، فقال : ( لأنها لا تهب له إلا مخافة غضبه ، أو إضرارا بها بأن يتزوج عليها ) ؛ لأن شاهد الحال يدل على أنها لم تطب به ، والله تعالى إنما أباحه عند طيب نفسها بقوله تعالى : فإن طبن لكم عن شيء منه نفسا فكلوه هنيئا مريئا [ النساء : 4 ] وظاهره إن لم يكن سألها فهو جائز ، وقيل : يرجع إن وهبته لدفع ضرر فلم يندفع ، أو عوض أو شرط فلم يحصل ، وعنه : يرد عليها الصداق مطلقا ، ولو قال : هي طالق ثلاثا إن لم تبرئني فأبرأته صح ، وهل ترجع ثالثها ؛ ترجع إن طلقها ، ذكره الشيخ تقي الدين وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية