صفحة جزء
فصل والوصية مستحبة لمن ترك خيرا ، وهو المال الكثير بخمس ماله ، ويكره لغيره إن كان له ورثة ، فأما من لا وارث له فتجوز وصيته بجميع ماله ، وعنه : لا يجوز إلا الثلث ولا تجوز لمن له وارث بزيادة على الثلث لأجنبي ، ولا لوارثه بشيء إلا بإجازة الورثة ، إلا أن يوصي لكل وارث بمعين بقدر ميراثه ، فهل تصح ؛ على وجهين . وإن لم يف الثلث بالوصايا ، تحاصوا فيه ، وأدخل النقص على كل واحد بقدر وصيته ، وعنه : يقدم العتق وإن أجاز الورثة الوصية ، وإجازتهم تنفيذ في الصحيح من المذهب ، ولا تفتقر إلى شروط الهبة ، ولا تثبت أحكامها فيها ، فلو كان المجيز أبا للمجاز له ، لم يكن له الرجوع فيه ، ولو كان المجاز عتقا ، كان الولاء للموصي ، يختص به عصبته ، ولو كان وقفا على المجيزين ، صح ، وعنه : ما يدل على أن الإجازة هبة ، فتنعكس هذه الأحكام ومن أوصى له ، وهو في الظاهر وارث ، فصار عند الموت غير وارث ، صحت الوصية له ، وإن أوصى له ، وهو غير وارث فصار عند الموت وارثا ، بطلت ; لأن اعتبار الوصية بالموت ولا تصح إجازتهم وردهم إلا بعد موت الموصي ، وما قبل ذلك فلا عبرة به ، ومن أجاز الوصية ، ثم قال : إنما أجزت لأنني ظننت المال قليلا ، فالقول قوله مع يمينه ، وله الرجوع بما زاد على ظنه في أظهر الوجهين . إلا أن تقوم به بينة ، وإن كان المجاز عينا ، فقال : ظننت باقي المال كثيرا ، لم يقبل قوله في أظهر الوجهين .


فصل

( والوصية ) لا فرق فيها بين الصحة والمرض ، وعنه في الصحة من رأس المال ، وفي المرض من الثلث ، وعلى الأول هي العطية المنجزة ، تنفذ من جميع المال ، وذكر ابن أبي موسى أن المدبر في الصحة يقدم على المدبر في المرض إذا لم يحملهما الثلث ، وذكر القاضي أن الوصية عطية بعد الموت ، فلا يجوز فيها إلا [ ص: 9 ] الثلث على كل حال ، وهي ( مستحبة لمن ترك خيرا ) لقوله تعالى كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيرا الوصية [ البقرة 108 ] نسخ الوجوب ، وهو المنع من الترك بقي الرجحان ، وهو الاستحباب ، يؤيده ما روى ابن ماجه ، عن ابن عمر مرفوعا يقول الله : يابن آدم جعلت لك نصيبا من مالك حين أخذت بكظمك لأطهرك وأزكيك لكنها تجب على من عليه دين ، أو واجب غيره ، وعنه تجب لكل قريب غير وارث ، وهذا قول أبي بكر ، وفي التبصرة عنه : وللمساكين ، ووجه البر ، وظاهره أنها لا تستحب لمن لم يترك خيرا ; لأنه تعالى شرط ترك الخير ، والمعلق بشرط ينتفي عند انتفائه ، ولقوله : إنك إن تذر ورثتك أغنياء . الخبر ( وهو المال الكثير ) واختلف في مقداره ، فعن أحمد : إذا ترك دون الألف لا تستحب له الوصية ، فعلم أنه إذا ترك دون الألف لا تستحب له الوصية ، فعلم أنه إذا ترك ألف درهم فصاعدا أنها تسن ، وجزم بها في الوجيز ، وعنه : على أربعمائة دينار ، وعن ابن عباس : إذا ترك سبعمائة درهم لا يوصي ، وقال : من ترك ستين دينارا ما ترك خيرا ، وعن طاوس : هو ثمانون دينارا ، وعن النخعي : ألف إلى خمسمائة ، وفي المغني ، والشرح : أنه متى كان المتروك لا يفضل عن غنى الورثة لم تستحب الوصية ، لما علل به النبي صلى الله عليه وسلم ، فعليه يختلف الحال باختلاف الورثة في كثرتهم وقلتهم وغناهم وحاجتهم ، فلا يتقيد بقدر من المال ، والأشهر أنها تستحب مع غناه عرفا ، وقيل : الغني عرفا : من له أكثر من ثلاثة آلاف درهم ، والمتوسط [ ص: 10 ] من له ثلاثة آلاف درهم ، والأدنى من له دونها ( بخمس ماله ) روي عن أبي بكر وعلي ، وهو ظاهر قول السلف ، قال أبو بكر : وهو ظاهر السلف ، قال أبو بكر : رضيت بما رضي الله به لنفسه يعني في قوله تعالى واعلموا أنما غنمتم من شيء فأن لله خمسه [ الأنفال 41 ] وقال العلاء بن زياد : أوصي إلى أن أسأل العلماء : أي الوصية أعدل ، فما تتابعوا عليه ، فهو وصية فتتابعوا على الخمس ، وقيل : بالثلث للخبر ، وفي الإفصاح : يستحب بدونه ، وذكر جماعة بخمسه المتوسط ، وذكر آخرون أن من ملك فوق ألف إلى ثلاثة ، ونقل أبو طالب : إن لم يكن له مال كثير ألفان أو ثلاثة أوصى بالخمس ، ولم يضيق على ورثته ، وإن كان له مال كثير فبالربع والثلث ، والأفضل أن وصيته لأقاربه الذين لا يرثون إذا كانوا فقراء بلا خلاف ، قاله ابن عبد البر ، فإن وصى لغيرهم وتركهم ، صحت في قول الجماهير ( ويكره لغيره ) أي لغير من ترك خيرا ، وهو الفقير ( إن كان له ورثة ) محاويج ، كذا قيده جماعة . قال في التبصرة : رواه ابن منصور ; لأنه عدل عن أقاربه المحاويج إلى الأجانب .

قال الشعبي : ما من مال أعظم أجرا من مال يتركه الرجل لولده يغنيهم به عن الناس ، وأطلق في الغنية استحباب الوصية بالثلث لقريب ، فهو لا يرث ، فإن كان غنيا فلمسكين ، وعالم ، ودين قطعه عن السبب ، وكذا قيد في المغني استحبابها لقريب بفقره ، ( فأما من لا وارث له فتجوز وصيته بجميع ماله ) وروى عن ابن مسعود ، وقاله أهل العراق ; لأن المنع من الزيادة على الثلث لحق الوارث ، فإذا عدم ، وجب أن يزول المنع لزوال علته أشبه حال الصحة ( وعنه : لا يجوز إلا الثلث ) وهو قول الأوزاعي ; لأن له من يعقل عنه ، فلم تنفذ بأكثر من الثلث ، كما لو كان له وارث مع أن [ ص: 11 ] المسلمين يرثونه ، وهو بيت المال فعلى الأول لو ورثه زوج ، أو زوجة ورد ، بطلت بقدر فرضه من ثلثيه ، فيأخذ الوصي الثلث ، ثم ذو الفرض من ثلثيه ، ثم تتمم الوصية منهما ، وقيل : لا تتمم كوارث بفرض ورد ، وعليها بيت المال جهة مصلحة لا وارث ، ولو وصى أحدهما لآخر فعلى الأولى كله إرثا ووصية ، وقيل لا تصح ، وعلى الثانية ثلثه وصية ، ثم فرضه ، والبقية لبيت المال .

تنبيه : ظاهر كلام أحمد : أنه إذا خلف ذا رحم ، أنه لا يمنع الوصية بجميع ماله ; لقوله : ومن أوصى بجميع ماله ، ولا عصبة ولا مولى ، فجائز ، وذلك ; لأن ذا الرحم إرثه كالفضلة أو الصلة بدليل أنها لا تجب نفقتهم على الصحيح ، وظاهر كلام المؤلف : أنها لا تنفذ فيما زاد على الثلث ; لأن له وارثا في الجملة فيدخل في عموم النص كذي الفرض الذي يحجب بعضهم بعضا .

( ولا تجوز لمن له وارث بزيادة على الثلث لأجنبي ، ولا لوارثه بشيء إلا بإجازة الورثة ) وجملته أن الوصية لغير وارث تلزم في الثلث من غير إجازة ، وما زاد عليه يتوقف على إجازة الورثة في قول أكثر العلماء يقول النبي صلى الله عليه وسلم لسعد حين قال : أوصي بمالي كله ؛ قال : لا ، قال : فالشطر ؛ قال : لا ، قال : الثلث ، والثلث كثير ، إنك إن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس . متفق عليه . وحديث عمران في المملوكين الستة الذين أعتقهم المريض ، وليس له مال سواهم يدل على أنه لا يصح تصرفه فيما زاد على الثلث إذا لم يجز الورثة ، وتجوز بإجازتهم ; لأن الحق لهم ، وأما الوصية للوارث فكالوصية لغيره بزيادة على الثلث في أنها تصح بالإجازة ، وتبطل بالرد بغير خلاف ، قاله ابن المنذر [ ص: 12 ] وابن عبد البر ، لما روى أبو أمامة ، قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول إن الله قد أعطى كل ذي حق حقه ، فلا وصية لوارث رواه داود ، والترمذي ، وحسنه . وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ، قال : لا وصية لوارث إلا أن يجيز الورثة . رواه الدارقطني .

وقال بعض أصحابنا : الوصية باطلة ، وإن أجازها الوارث ، إلا أن يعطوه عطية مبتدأة أخذا من ظاهر قول أحمد في رواية حنبل : لا وصية لوارث ، وقاله المزني وغيره لظاهر خبر أبي أمامة : والأكثر على صحتها في نفسها ; لأنه تصرف صدر من أهله في محله ، فصح كالأجنبي ، والخبر قد خص بخبر عمر ، وإن الاستثناء من النفي إثبات ، فيكون دليلا على الصحة عند الإجازة ، ولو خلا من الاستثناء جاز أن يكون معناه لا وصية نافذة ، أو لازمة ، ونحوهما ، أو يقدر : لا وصية لوارث عند عدم الإجازة ، وفائدة الخلاف أنها إن كانت صحيحة ، فإجازتهم تنفيذ ، وإلا هبة مبتدأة ، ويستثنى من ذلك إذا أوصى بوقف ثلثه على بعض الورثة ، فإنه يصح ، نص عليه ، وحاصله أنها تكره لغير وارث بأكثر من الثلث ، وتصح وتلزم بالإجازة ، وعنه : تحرم الزيادة عليه ، فتبطل وحدها ، ولا يجوز لوارث بثلثه نص عليه ، وفي التبصرة : تكره وتصح على الأصح بالإجازة ( إلا أن يوصي لكل وارث بمعين بقدر ميراثه ) كمن خلف ابنا وبنتا وعبدا قيمته مائة ، وأمة قيمتها خمسون ، فأوصى للابن بالعبد ، وللبنت بالأمة ( فهل تصح ؛ على وجهين ) كذا أطلقهما جماعة أشهرهما أنها تصح ; لأن حق الوارث في القدر لا في العين بدليل ما لو عارض المريض بعض ورثته ، أو أجنبيا ، فإنه يصح إذا كان بثمن المثل ، وإن تضمن فوات عين المال ، والثاني : لا يصح إلا بإجازة كل منهما للآخر ; [ ص: 13 ] لأن في الأعيان غرضا صحيحا ، فلا يجوز إبطال حقه منها ، كما لا يجوز إبطاله من القدر ، وكذا ، وقفه بالإجارة ، ولو كان الوارث واحدا .

( وإن لم يف الثلث بالوصايا ، تحاصوا فيه ، وأدخل النقص على كل واحد بقدر وصيته ) لأنهم تساووا في الأصل ، وتفاوتوا في المقدار ، فوجب أن يكون كذلك كمسائل العول ، ولا فرق فيه بين العتق وغيره ، فلو وصى لرجل بثلث ماله ، ولآخر بمائة ، والثالث بمعين قيمته خمسون ، ولفداء أسير بثلاثين ، ولعمارة مسجد بعشرين ، وثلث ماله مائة ، فجمعت الوصايا كلها فبلغت ثلاثمائة ، فنسبت منها الثلث فكان ثلثها ، فيعطى كل واحد ( وعنه : يقدم العتق ) وما فضل يقسم بين سائر الوصايا على قدرها ، وهي قول عمر ، وشريح ، والثوري ; لأن فيه حقا لله تعالى وللآدمي ، فكان آكد ; لأنه لا يلحقه فسخ ، وهو أقوى بدليل سرايته ، ونفوذه من المراهق المفلس ، والعطايا المعلقة بالموت كالوصايا في هذا .

فرع : إذا أوصى بعتق عبد بعينه لزم الوارث إعتاقه ، ولم يعتق إلا بإعتاقه ، فإن امتنع أجبره الحاكم ، فإن أعتقه ، أو الحاكم ، فهو حر من حين أعتقه ، وولاؤه للموصي ; لأنه السبب ، وكسبه بين الموت والعتق إرث ، وذكر جماعة له ، وفي الفروع : ويتوجه مثله في موصى بوقفه ، وفي الروضة : الموصى بعتقه ليس بمدبر ، وله حكم المدبر في كل أحكامه .

مسألة : إذا أسقط عن وارثه دينا ، أو وصى بقضاء دينه ، أو أسقطت صداقها عن زوجها ، أو عفا عن جناية موجبة للمال ، فهو كالوصية ، وإن [ ص: 14 ] وصى لغريم الوارث ، أو وهب له هبة : صح كما لو أوصى لولد الوارث ، فإن قصد نفع الوارث ، لم يجز فيما بينه وبين الله تعالى .

( وإن أجاز الورثة الوصية ) بعد موت الموصي ، وعنه ، وقبله في مرضه ، خرجها القاضي أبو حازم من إذن الشفيع في الشراء ، ذكره في النوادر ، واختاره ابن تقي الدين ( جازت ) بغير خلاف ; لأن الحق لهم فجازت بإجازتهم ، كما تبطل بردهم ، وسواء كانت الوصية لوارث ، أو بزيادة على الثلث لأجنبي ، وفيه رواية أنها لا تجوز لوارث ( وإجازتهم تنفيذ في الصحيح من المذهب ) لأنها إمضاء لقول الموروث ، ولا معنى للتنفيذ إلا ذلك فيكفي لفظها ، وهو أجزت ، وكذا أمضيت ، أو نفذت ، فإذا وجد شيء منها لزمت الوصية ، وإن لم يقبل الموصى له في المجلس ( لا تفتقر إلى شروط الهبة ، ولا تثبت أحكامها فيها ) أي : أحكام الهبة ; لأنها ليست بهبة ( فلو كان المجيز أبا للمجاز له ) كمن أوصى لولد ولده مع وجوده ( لم يكن له ) أي للأب ( الرجوع فيه ) لأن الأب إنما يرجع فيما وهب ، لا فيما وهبه غيره ( ولو كان المجاز عتقا ) بأن أعتق عبدا لا مال له سواه ، أو وصى بعتقه فأعتقوه نفذ العتق في ثلثه ، ووقف عتق الباقي على إجازتهم ، فإن أجازوه عتق جميعه ( وكان الولاء للموصى ) لأنه هو الذي هو أعتقه ( يختص به عصبته ) كما لو أعتقه في صحته ( ولو كان وقفا على المجيزين ) كالوقف على أولاده ( صح ) أي الوقف رواية واحدة ; لأن الواقف عليهم أبوهم .

( وعنه : ما يدل على أن الإجازة هبة ) أخذا من إطلاقه في رواية حنبل : [ ص: 15 ] لا وصية لوارث ، وظاهره نفي الوصية مطلقا ، فتكون إجازتهم ابتداء عطية ، وأطلقهما أبو الفرج ، وخصها في الانتصار بالوارث ( فتنعكس هذه الأحكام ) فيفتقر إلى شروط الهبة من القبض ونحوه ، وللأب الرجوع في جميع ما وصى به لابنه ، ويكون الولاء مشتركا بين العصبة وغيرهم من الورثة ، والوقف ينبني على صحة وقف الإنسان على نفسه ، وكلام القاضي يقتضي أن في صحتها بلفظ الإجازة إذا قلنا : هي هبة - وجهين ، قال المجد : والصحة ظاهر المذهب ، وهذا إنما يظهر في الزائد على الثلث ، ولهذا قيل : الخلاف مبني على أن الوصية بالزائد على الثلث هل هو باطل ، أو موقوف على الإجازة ؛ وقيل : الخلاف مبني على القول بالصحة ، وأما على البطلان ، فلا معنى للتنفيذ ، وهو أشبه ، وقرر الشيخ تقي الدين أن الوارث إذا أسقط حقه قبل القسمة ، فإنه يسقط ، وطرد هذا في الأعيان المشاعة ، كالغانم إذا أسقط حقه من الغنيمة ، والموقوف عليه إذا أسقط حقه في الوقف ، والمضارب إذا أسقط حقه في الربح .

فوائد أخر منها : إذا أوصى بمجهول ، فأجازه الوارث ، فإن قلنا : هي تنفيذ صحت ، وإلا فوجهان .

ومنها : لو حلف لا يهب ، فأجاز ، فإن قلنا : هي عطية حنث ، وإلا فلا .

ومنها : إجازة المفلس ، فقال في المغني : إنها نافذة وهو منزل على القول بالتنفيذ ، ويخرج على قول القاضي خلافه ; لأنه ليس من أهل التبرع .

[ ص: 16 ] ومنها : أن ما جاوز الثلث من الوصايا إذا أجيز هل يزاحم بالزائد ما لم يجاوزه هو مبني على هذا الاختلاف ، ذكره المجد ، قال الشيخ زين الدين ابن رجب : وأشكل توجيهه على الأصحاب ، وهو واضح ، فإنه إذا كانت معنا وصيتان ، إحداهما مجاوزة للثلث ، والأخرى لا تجاوزه ، كنصف وثلث ، فأجاز الورثة الوصية المجاوزة للثلث خاصة ، فإن قلنا : الإجازة تنفيذ ، زاحم صاحب النصف صاحب الثلث بنصف كامل ، فيقسم الثلث بينهما على خمسة ؛ لصاحب النصف ثلاثة أخماسه ، وللآخر خمساه ، ثم يكمل لصاحب النصف نصفه بالإجازة ، وإن قلنا : هي عطية ، فإنما يزاحمه بثلث خاصة إذ الزيادة عليه عطية محضة من الورثة ، لم تتلق من الميت ، فلا تزاحم به الوصايا ، فيقسم الثلث بينهما نصفين ، ثم يكمل لصاحب النصف ثلثه بالإجازة .

( ومن أوصى له ، وهو في الظاهر وارث ) كمن أوصى لأحد أخوته ( فصار عند الموت غير وارث ) بسبب تجدد ابن للموصي ( صحت الوصية له ) لأن الأخ عند الموت ليس بوارث ، والاعتبار في الوصية بالموت ; لأنه الحال الذي يحصل به الانتقال إلى الوارث ، والموصى له ، ومعناه أنها صحيحة في الثلث ، وما زاد عليه موقوف على الإجازة ( وإن أوصى له وهو غير وارث ) كمن أوصى لأخيه مع وجود ابنه ( فصار عند الموت وارثا بطلت ) وحكاه في الرعاية قولا ، والمذهب : أنها لا تصح إلا بإجازة بقية الورثة ( لأن اعتبار الوصية بالموت ) بغير خلاف نعلمه ، فلو وصى لثلاثة إخوة له مفترقين ، ولا ولد له ، ومات لم تصح الوصية لغير الأخ من الأب إلا بإجازة الورثة ، وإن ولد له ابن ، صحت الوصية للجميع [ ص: 17 ] من غير إجازة إذا لم تتجاوز الثلث ، وإن ولد له بنت ، جازت الوصية بغير الأخ من الأبوين ، فيكون لهما ثلثا الموصى بينهما .

فرع : لو وصى لامرأة أجنبية ، وأوصت له ، ثم تزوجها لم تجز وصيتها إلا بالإجازة ، وإن أوصى أحدهما للآخر ، ثم طلقها جازت الوصية ; لأنه صار غير وارث ، إلا أنه إن طلقها في مرض موته ، فقياس المذهب : أنها لا تعطى أكثر من ميراثها ; لأنه متهم أنه طلقها ليوصل إليها ماله بالوصية ، فلم ينفذ ، كما لو طلقها في مرض موته ، وأوصى لها بأكثر من ميراثها .

( ولا تصح إجازتهم وردهم إلا بعد موت الموصي ) نص عليه ; لأنه حق لهم حينئذ ، فتصح منهم الإجازة ، والرد كسائر الحقوق ( وما قبل ذلك لا عبرة به ) هذا زيادة إيضاح ، فدل على أن الحق لم يملكوه ، فلم يصح منهم ما ذكر كالمرأة تسقط مهرها قبل النكاح ، والشفيع يسقط شفعته قبل البيع ، وقد سبق .

فرع : لا تصح الإجازة والرد إلا من جائز التصرف ، وتقدم الخلاف في المفلس ، والسفيه ( ومن أجاز الوصية ) كما إذا كانت بجزء مشاع زائد على الثلث ( ثم قال : إنما أجزت ; لأنني ظننت المال قليلا ) كما إذا أوصى بنصف ماله ، فأجازه الوارث ، وكان المال ستة آلاف ، فقال : ظننته ثلاثة آلاف ( فالقول قوله ) لأن الإجازة إما تنفيذ أو هبة ، وكلاهما لا يجوز في المجهول ( مع يمينه ) لأنه يحتمل كذبه ( وله الرجوع بما زاد على ظنه في أظهر الوجهين ) جزم به في الوجيز ، [ ص: 18 ] فعلى هذا يرجع بخمسمائة ; لأنه رضي بإجازة الوصية على الزائد على الثلث خمسمائة ، فكانت ألفا ، فيرجع بخمسمائة فيحصل للموصى له ألفان وخمسمائة ، والثاني : أنه لا يقبل قوله ; لأنه أجاز عقدا له الخيار في فسخه فبطل خياره كما لو أجاز البيع من له الخيار في فسخه بعيب أو خيار ( إلا أن تقوم به بينة ) تشهد باعترافه بقدره ، أو يكون المال ظاهرا لا يخفى عليه لم يقبل قوله إذا قلنا : الإجازة تنفيذ ، وإن قلنا : هي هبة ، فله الرجوع فيما يجوز الرجوع في الهبة في مثله ، ومن الأصحاب كالقاضي ، والمجد ، بنى هذه المسألة على أنه يعتبر أن يكون المجاز معلوما للمجيز أم لا ، فذكر المجد : أنه لو أجاز قدرا مستويا من المال ، ثم قال : ظننت المال قليلا ، أنه لا يقبل قوله ، ولا تنافي بينهما لوجهين ، أحدهما : أن صحة إجازة المجهول لا تنافي ثبوت الرجوع فيه إذا تبين فيه ضرر على المجيز ، لم يعلم استدراكا لظلامته ، كما نقول فيمن أسقط شفعته لمعنى ، ثم بان بخلافه ، فإن له العود إليها ، فكذلك هنا إذا أجاز الجزء الموصى به يظنه قليلا فبان كثيرا ، فله الرجوع بما زاد على ظنه ، والثاني : أنه إذا اعتقد أن النصف الموصى به مثلا مائة وخمسون درهما ، ثم بان ألفا ، فهو إنما أجاز خمسين لم يجز أكثر منها ، فلا يجوز أكثر منها ، فلا تنفذ إجازته في غيرها ، وهذا بخلاف ما إذا جاز النصف ( وإن كان المجاز عينا ) كعبد تزيد قيمته على الثلث ( فقال : ظننت باقي المال كثيرا ، لم يقبل قوله في أظهر الوجهين ) لأن العبد معلوم ، لا جهالة فيه ، والثاني : أنه يملك الفسخ ; لأنه قد يسمح بذلك ظنا منه أنه يبقى له من المال ما يكفيه فإذا بان خلاف ذلك لحقه الضرر في الإجازة ، فملك الفسخ كالأولى ، وقيل : يصح وجها واحدا ; لأن المجاز [ ص: 19 ] معلوم ، وكذا الخلاف فيما إذا كان المجاز مبلغا معلوما ، فلو كان العبد قيمته ستمائة ، فيجيز الوصية بناء على أن المال ألف مثلا ، ثم تبين أنه ستمائة ، فيدعي أنه إنما أجاز بناء على ذلك ، فعلى الأول والثالث جميع العبد للموصى له ، وعلى الثاني : ثلثا العبد وتسعه ; لأن له ثلث المال بالأصل ، وهو أربعمائة ، وقد أجاز له ستة وستين وثلثين ; لأن ذلك هو ما بين الألف وستمائة المظنونة قيمة العبد .

قال الشيخ تقي الدين : فإن قال : ظننت أن قيمته ألف ، فبان أكثر ، قبل ، وليس نقضا لصحة الإجازة ببينة ، أو إقرار ، قال : وإن أجاز ، وقال : أردت أصل الوصية ، قبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية