صفحة جزء
[ ص: 25 ] فصل ويجوز الرجوع في الوصية ، فإذا قال : قد رجعت في وصيتي ، أو أبطلتها ، ونحو ذلك ، بطلت ، فإن قال في الموصى به : هذا لورثتي أو ما أوصيت به لفلان كان رجوعا ، وإن وصى به لآخر ، ولم يقل ذلك ، فهو بينهما ، وإن باعه أو وهبه أو رهنه ، كان رجوعا ، وإن كاتبه أو دبره أو جحد الوصية ، فعلى وجهين ، وإن خلطه بغيره على وجه لا يتميز ، أو أزال اسمه ، فطحن الحنطة أو خبز الدقيق أو جعل الخبز فتيتا أو نسج الغزل أو نجر الخشبة بابا ونحوه ، أو انهدمت الدار ، وزال اسمها ، فقال القاضي : هو رجوع ، وذكر أبو الخطاب فيه وجهين وإن وصى له بقفيز من صبرة ، ثم خلط الصبرة بأخرى ، لم يكن رجوعا ، فإن زاد في الدار عمارة ، أو انهدم بعضها ، فهل يستحقه الموصى له على وجهين وإن وصى لرجل بمعين ، ثم قال : إن قدم فلان فهو له ، فقدم في حياة الموصي فهو له ، وإن قدم بعد موته ، فهو للأول في أحد الوجهين ، وفي الآخر : فهو للقادم .


( ويجوز الرجوع في الوصية ) لقول عمر : يغير الرجل ما شاء في وصيته ، وهو اتفاق في غير الوصية بالعتق ، ولأنها عطية تتنجز بالموت ، فجاز له الرجوع عنها قبل تنجيزها ، كهبة ما يفتقر إلى القبض قبل قبضه . وقال الشعبي وغيره : يغير ما شاء منها إلا العتق ; لأنه إعتاق بعد الموت ، فلم يملك تغييره كالتدبير . وجوابه بالمنع ، ولو سلم ، فالوصية تفارق للتدبير ، فإنه تعليق على شرط ، فلم يملك تغييره كتعليقه على صفة في الحياة ( فإذا قال : قد رجعت في وصيتي ، أو أبطلتها ، أو نحو ذلك ) كغيرتها ، أو فسختها ( بطلت ) لأنه صريح في الرجوع ( فإن قال في الموصى به : هذا لورثتي ) لأن ذلك ينافي كونه وصية ( أو ) قال ( ما أوصيت به لفلان كان رجوعا ) بغير خلاف نعلمه لرجوعه عن الأول وصرفه إلى الثاني أشبه ما لو صرح بالرجوع ( وإن وصى به لآخر ، ولم يقل ذلك ، فهو بينهما ) في قول الجمهور ; لتعلق حق كل واحد منهما على السواء ، فوجب أن يشتركا فيه ، كما لو قال : هو بينهما ، وقيل : للثاني ، ونقل الأثرم : يؤخذ بآخر الوصية ، وهو قول عطاء وطاوس ; لأن الثانية تنافي الأولى ، فإذا أتى بها كان رجوعا ، كما لو قال : هذا لورثتي ، ورد بالفرق ، وفي التبصرة للأول ، وأيهما مات ، فهو للآخر ; لأنه اشتراك تزاحم . فرع : لو وصى بثلثه لرجل ، ثم بثلثه لآخر ، فمتغايران ، وفي الرد يقسم بينهما ، ولو وصى بجميع ماله لرجل ، ثم وصى به لآخر ، فهو بينهما . [ ص: 26 ] ( وإن باعه أو وهبه أو رهنه ، كان رجوعا ) لأنه أزال ملكه عنه ، وذلك ينافي الوصية ، والرهن يراد للبيع ، أشبه ما لو باعه ، ولأن الوصية تنقل الملك حين الموت ، وذلك بقيمة القابلية له ، والقابلية للنقل غير موجودة فيما رهنه ، وكذا إن كان ثوبا ففصله ولبسه ، أو جارية فأحبلها أو أولدها ( وإن كاتبه أو دبره أو جحد الوصية ) أو أوجبه في بيع هبة ، فلم يقبل ، أو عرضه في بيع أو رهن أو وصى ببيعه أو هبته ( فعلى وجهين ) أصحهما : أنه رجوع ; لأن الكتابة والتدبير أقوى من الوصية ; لأنه يتنجز بالموت ، فيسبق أخذ الموصى له ، وجحدها ظاهر في الرجوع ، وفي الباقي يدل على اختياره الرجوع ، والثاني : لا يكون رجوعا ; لأن الكتابة والتدبير لا يخرج بهما عن ملكه ، والوصية عقد ، فلا تبطل بالجحود كسائر العقود ، وكإيجاره ، وتزويجه ، ولبسه ، وسكناه ، وهذا كله إذا كانت بمعين ، فإذا كانت بثلث ماله ، فيتلف أو يبيعه ، ثم يملك مالا آخر ، فهي باقية ، وليس برجوع . ( وإن خلطه بغيره على وجه لا يتميز ) ولا ينفصل عنه غالبا ، قاله في الرعاية ( أو أزال اسمه فطحن الحنطة ، أو خبز الدقيق ، أو جعل الخبز فتيتا ، أو نسج الغزل ، أو نجر الخشبة بابا ونحوه ، أو انهدمت الدار وزال اسمه ، فقال القاضي : هو رجوع ) صححه في المحرر ، وجزم به في الوجيز ; لأنه أزال اسمه ، وأخرجه عن دخوله في الاسم الدال على الموصى به ( وذكر أبو الخطاب فيه وجهين ) أحدهما : أنه رجوع ، وقاله أكثر العلماء ، ونصره في الشرح ، والثاني ، [ ص: 27 ] واختاره أبو الخطاب : إنه ليس برجوع ; لأن الموصى به باق أشبه غسل الثوب ، وهو لا يسمى غزلا ، كما لا يسمى الغزل كتانا ، وكذا الخلاف إذا ضرب البقرة ، أو ذبح الشاة ، أو بنى ، أو غرس ، ذكرهما ابن رزين في موطئه .

فرع إذا حدث بالموصى به ما يزيل اسمه من غير فعل الموصي ، كالحب إذا سقط وصار زرعا ، والدار إذا انهدمت وصارت فضاء ، فوجهان أشهرهما : البطلان ; لأن الباقي لا يتناوله الاسم . ( وإن وصى له بقفيز من صبرة ، ثم خلط الصبرة بأخرى لم يكن رجوعا ) لأنه كان مشاعا ، وبقي على إشاعته ، وسواء خلطها بمثلها ، أو دونها ، أو خير منها ، وقيل : إن خلطها بخير منها ، كان رجوعا ، وقدمه في الفروع ; لأنه لا يمكنه تسليم الموصى به إلا بتسليم خير منه ، ولا يجب على الوارث تسليم خير منه ، فصار متعذر التسليم ( فإن زاد ) الموصي ( في الدار عمارة ، أو انهدم بعضها ) في حياة الموصي ( فهل يستحقه الموصى له ؛ على وجهين ) كذا أطلقهما في الفروع في الزيادة ، أحدهما : لا يستحقه ; لأن الزيادة لم تتناولها الوصية ، والأنقاض لا تدخل في مسمى الدار ، وإنما يتبع الدار في الوصية ما يتبعها في البيع ، والثاني : يستحقها قدمه في الحاشية ; لأن الزيادة تابعة كالسمن ، والمنهدم قد دخل في الوصية ، فتبقى الوصية ببقائها ، والمذهب أن زيادة الموصى فيها للورثة دون المنهدم ، وقال ابن حمدان : الأنقاض ، أو العمارة إرث ، وقيل إن صارت فضاء في حياة الموصي بطلت الوصية ، وإن بقي اسمها أخذها لا ما انفصل منها .

فرع : إذا بنى فيها الوارث ، وقد خرجت من الثلث ، رجع على الموصى [ ص: 28 ] له بقيمة البناء ، وقيل : لا يرجع ، وعليه أرش ما نقص من الدار عما كانت عليه قبل عمارته ، وإن جهل الوصية ، فله قيمة بنائه غير مقلوع . فائدة : نقل الحسن بن ثواب عن أحمد في رجل قال : ثلثي لفلان ، ويعطى فلان منه مائة في كل شهر إلى أن يموت ، فهو للآخر منهما ، ويعطى هذا مائة في كل شهر ، فإن مات وفضل شيء ، رد إلى صاحب الثلث فحكم بصحة الوصية وإنفاذها على ما أمر به الموصي .

( وإن وصى لرجل بمعين ، ثم قال : إن قدم فلان ، فهو له ، فقدم في حياة الموصى ، فهو له ) لأنه جعله له بشرط قدومه ، وقد وجد ، وإن قدم بعد موته ، فهو للأول في أحد الوجهين ، جزم به في الوجيز ، وهو ظاهر الفروع ، وصححه ابن المنجا ; لأنه لما مات قبل قدومه ، انتقل إلى الأول لعدم الشرط في الثاني وقدوم الثاني بعد ملك الأول له وانقطاع حق الموصى منه ، فبقي للأول ، وفي الآخر فهو للقادم ; لأنه مشروط له بقدومه ، وقد وجد أشبه ما لو قال : إن حملت نخلتي بعد موتي ، فهو لفلان ، فحملت بعد موته ، فإنه يستحق حملها بعد ملك الورثة لأصلها . فصل

التالي السابق


الخدمات العلمية