صفحة جزء
فصل ويخرج الواجبات من رأس المال أوصى بها أو لم يوص ، وإن وصى معها بتبرع ، اعتبر الثلث من الباقي ، فإن قال : أخرجوا الواجب من ثلثي ، فقال القاضي : يبدأ به ، فإن فضل من الثلث شيء ، فهو لصاحب التبرع ، وإلا بطلت الوصية ، وقال أبو الخطاب : تزاحم به أصحاب الوصايا ، ويحتمل أن يقسم الثلث بينهما ، ويتمم الواجب من رأس المال ، فيدخله الدور ، فلو كان المال ثلاثين والواجب عشرة والوصية عشرة ، جعلت تتمة الواجب شيئا يكن الثلث عشرة إلا ثلث شيء بينهما ، للواجب خمسة إلا سدس شيء فضم إليه شيئا ، تكن عشرة ، فتجبر الخمسة بسدس شيء ، يبقى خمسة أسداس شيء تعدل خمسة ، فالشيء ستة ، ويحصل للوصي الآخر أربعة .


( ويخرج الواجبات ) كقضاء الدين والزكاة والحج ( من رأس المال أوصى بها ، أو لم يوص ) لقوله تعالى من بعد وصية يوصى بها أو دين [ النساء 11 ] ، ولقول علي : قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم بالدين قبل الوصية . رواه [ ص: 29 ] الترمذي ، ولأن حق الورثة إنما هو بعد أداء الدين ، وقد حكى القرطبي الإجماع على تقديم الدين على الوصية إلا ما حكي عن أبي ثور : أنه قدمها عليه ، حكاه العبدري . والحكمة في تقديمها في الآية : أن الوصية لما أشبهت الميراث في كونها بلا عوض ، فكان إخراجها مشقة على الوارث ، فقدمت حثا على إخراجها ، قال الزمخشري : ولذلك جيء بكلمة " أو " التي للتسوية ، أي فيستويان في الاهتمام وعدم التضييع ، وإن كان مقدما عليها ، وقال السهيلي : لما كانت الوصية طاعة وخيرا والدين غالبا لمنفعة ، وهو مذموم في غالب أحواله ، وقد تعوذ منه عليه السلام ، فبدأ بالأفضل ، وقال ابن عطية : الوصية غالبا تكون للضعاف ، فقوي جانبها بالتقديم في الذكر ; لئلا يطمع ويتساهل فيها بخلاف الدين ، وحينئذ إن كان له وصي قام بإخراج ذلك ونفاذه ، وإلا فالوارث نص عليه ، وقيل : يتولاه الحاكم ، كما لو كان الوارث ولا وصي له .

فرع : إذا أخرج أجنبي عن ميت زكاة تلزمه بإذن وصيه ، أو وارثه أجزأت ، وإلا فوجهان ، وكذا لو أخرجها الوارث ، وثم أجنبي أخرجها ، ولم يعلمه ، وكذا الحج والكفارة . ( وإن وصى معها ) أي مع الواجبات ( بتبرع اعتبر الثلث من الباقي ) أي بعد إخراج الواجب ، فلو كانت تركته أربعين ، فيوصي بثلث ماله ، وعليه دين عشرة ، فتدفع أولا ، ويدفع إلى الموصى له بالثلث عشرة ، وهو ثلث الباقي بعد الدين ( فإن قال : أخرجوا الواجب من ثلثي ) [ ص: 30 ] أخرج الثلث ، وتمم من رأس المال على ما قال الموصي ، كأنه قصد إرفاق ورثته بذلك فإن كان وصى معها بتبرع ( فقال القاضي : يبدأ به ) قدمه في المحرر والفروع ، وجزم به في الوجيز ( فإن فضل من الثلث شيء ، فهو لصاحب التبرع ) لأن الدين تجب البداءة به قبل الميراث والتبرع ، فإن عينه في الثلث ، وجبت البداءة به ، وما فضل للتبرع ( وإلا بطلت الوصية ) أي : إن لم يفضل شيء للتبرع سقط ; لأنه لم يوص له بشيء إلا أن يجيز الورثة ، فيعطى ما أوصي له به ( وقال أبو الخطاب : تزاحم به أصحاب الوصايا ) فيحتمل ما قاله القاضي وغيره ( ويحتمل ) ما قاله المؤلف هنا وهو ( أن يقسم الثلث بينهما ) على قدر حقيهما كالموصى لهما ، ويتمم الواجب من رأس المال ; لأنه لا بد من وفائه ، ولم يبق من الثلث ما هو محل له فيدخله الدور ; لأنه لا يعلم قدر الثلث ، حتى يعلم ما هو الواجب ، ولا يعلم تتمته حتى يعلم ما يستحقه بالمزاحمة ، ولا يعلم ما يستحق بالمزاحمة حتى يعلم الثلث ، فعلى هذا يحتاج إلى العمل بطريق الجبر ( فلو كان المال ثلاثين والواجب عشرة والوصية عشرة ، جعلت تتمة الواجب شيئا ) ونكر ; لأنه معلوم حالا لا مآلا ( يكن الثلث عشرة إلا ثلث شيء ) لأنك إذا أسقطت شيئا من ثلثين يكن ثلثها ذلك ( بينهما ) أي : بين الواجب والوصية لتساويهما في القدر ( للواجب خمسة إلا سدس شيء ) لأنه نصف ما ذكر ( فضم إليه شيئا ) لأنه تتمته ( تكن عشرة ) لأن الشيء ستة خرج منه بينها سدس جبرا للخمسة ، وتبقى خمسة ، وخمسة أسداس تعدل عشرة ( فتجبر الخمسة بسدس شيء من الشيء ) ليخرج بلا كسر ( يبقى خمسة أسداس شيء تعدل خمسة ، فالشيء ستة ) لأن الخمسة [ ص: 31 ] إذا عدلت خمسة أسداس كان كل سدس يعدل واحدا ( ويحصل للوصي الآخر ) وهو صاحب التبرع ( أربعة ، وفي عملها طريق آخر ، وهو أن يقسم الثلث بكماله بين الوصايا بالقسط ) ثم ما بقي من الواجب أخذته من الورثة ، وصاحب التبرع بالقسط ، فيحصل للواجب خمسة ، ويبقى له خمسة ، يأخذ من صاحب التبرع دينارا ; لأنك نسبت ما لصاحب التبرع ، وهو خمسة من خمسة وعشرين ، فكانت الخمس ، ويأخذ من الورثة أربعة . فرع : إذا أوصى بالواجب ، وقرن به الوصية بتبرع مثل : حجوا عني ، وأدوا ديني ، وتصدقوا عني ، فوجهان أصحهما : أن الواجب من رأس المال ; لأن الاقتران في اللفظ لا يدل على التساوي في الحكم ; لقوله تعالى كلوا من ثمره . الآية . والثاني : أنه من الثلث ; لأنه قرن به ما يخرجه من الثلث ، ومن مات بطريق مكة ، لزمه أن يوصي بحجة الإسلام ، قاله في الروضة ، وكذا كل واجب عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية