صفحة جزء
[ ص: 57 ] فصل وتصح الوصية بالمنفعة المفردة ، فلو وصى لرجل بمنافع أمته أبدا أو مدة معينة ، صح ، فإذا أوصى بها أبدا ، فللورثة عتقها وبيعها ، وقيل : لا يصح بيعها إلا لمالك نفعها ، ولهم ولاية تزويجها وأخذ مهرها في كل موضع وجب ; لأن منافع البضع لا تصح الوصية بها ، وقال أصحابنا : ومهرها للوصي ، وإن وطئت بشبهة ، فالولد حر ، وللورثة قيمة ولدها عند الوضع على الواطئ ، وإن قتلت ، فلهم قيمتها في أحد الوجهين ، وفي الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها ، وللوصي استخدامها وإجارتها وإعارتها ، وليس لواحد منهم وطؤها ، وإن ولدت من زوج أو زنى ، فحكمه حكمها وفي نفقتها ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه في كسبها ، والثاني : على مالكها ، والثالث : على الوصي ، وفي اعتبارها من الثلث وجهان ، أحدهما : يعتبر جميعها من الثلث ، والثاني تقوم بمنفعتها ، ثم تقوم مسلوبة المنفعة ، فيعتبر ما بينهما وإن وصى لرجل برقبتها ، ولآخر بمنفعتها ، صح ، وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا ، وإن وصى لرجل بمكاتبه ، صح ، ويكون كما لو اشتراه ، وإن وصى له بمال الكتابة ، أو بنجم منها ، صح ، وإن وصى برقبته لرجل ، وبما عليه لآخر صح ، فإن أدى ، عتق ، وإن عجز فهو لصاحب الرقبة ، وبطلت وصية صاحب المال فيما بقي عليه .


فصل

( وتصح الوصية بالمنفعة المفردة ) في قول الأكثر ; لأنه يصح تمليكها بعقد المعاوضة ، فتصح الوصية بها كالأعيان ، ولأنها هبة المنفعة بعد الموت ، فصحت في الحياة كالمقارنة ، وسواء وصى بها أبدا ، أو مدة معينة ، لكن يعتبر خروج ذلك من ثلث المال ، نص عليه في سكنى الدار ، وهو قول من قال بصحة الوصية بها ، وإن لم يخرج من الثلث ، أجيز منها بقدر الثلث ، وقال : إذا أوصى بخدمة عبده سنة ، لم يخرج من الثلث خير الورثة بين تسليم خدمته سنة ، وبين ثلث المال ، وقال الحنفية : يخدم الموصى له يوما والورثة يومين ، حتى يستكمل منه ، فإن أراد الورثة بيعه بيع ، ولنا أنها وصية صحيحة ، فوجب تنفيذها على صفتها ، فإن أريد تقويمها ، وكانت الوصية مقيدة بمدة ، قوم الموصى بمنفعته مسلوب المنفعة تلك المدة ، ثم تقوم المنفعة في تلك المدة ، فينظر كم قيمتها .

فرع : للموصى له بنفع العبد أو الدار إجارتها تلك المدة ، وله إخراج العبد عن البلد ; لأنه مالك لنفعه ، فملك إخراجه ، وإجارته كالمستأجر .

( فلو وصى لرجل بمنافع أمته أبدا ، أو مدة معينة ، صح ) لأنها وصية بمنفعة ، وهي صحيحة بها ( فإذا أوصى بها أبدا فللورثة عتقها ) لأنها مملوكة لهم ، ومنافعها للموصى له ، ولا يرجع على المعتق بشيء ، وظاهره : أنه إذا أعتقها صاحب المنفعة لم تعتق ; لأن العتق للرقبة ، وهو لا يملكها ، فإن وهب صاحب المنفعة منافعه للعبد أو أسقطها عنه ، صح ، وللورثة الانتفاع به ; لأن ما يوهب للعبد يكون لسيده ، [ ص: 58 ] ( و ) لهم ( بيعها ) لأنها أمة مملوكة تصح الوصية بها ، فصح بيعها لغيرها ، وتباع مسلوبة المنفعة ، ويقوم المشتري مقام البائع فيما له وعليه ، وقيل : لا تباع ; لأن ما لا نفع فيه لا يصح بيعه كالحشرات ، ورد : بأنه يمكنه إعتاقها ، وتحصيل ولايتها ، وثواب عتقها بخلاف الحشرات .

( وقيل : لا يصح بيعها إلا لمالك نفعها ) لأنه يجتمع له الرقبة والمنفعة ، فينتفع بذلك بخلاف غيره ، بدليل جواز بيع الثمرة قبل بدو صلاحها لمالك الشجر ، وبيع الزرع لمالك الأرض دون غيرهما ، وفي كتابتها الخلاف .

( ولهم ولاية تزويجها ) أي : بإذن صاحب المنفعة ، وليس لواحد منهما الانفراد بتزويجها ; لأن مالك المنفعة لا يملك رقبتها ، وصاحب المنفعة يتضرر به ، فإن اتفقا على ذلك ، جاز ، وإن طلبت التزويج ، وجب ; لأنه لحقها وهو مقدم عليها ، ووليها مالك الرقبة ، وقيل : هما ( و ) لهم ( أخذ مهرها في كل موضع وجب ) في اختيار المؤلف ، وصاحب الوجيز ( لأن منافع البضع لا تصح الوصية بها ) مفردة ، ولا مع غيرها ، وإنما هي تابعة للرقبة ، فتكون لصاحبها ( وقال أصحابنا : مهرها للوصي ) لأنه من منافعها .

( وإن وطئت بشبهة ، فالولد حر ) لأن وطء الشبهة ، يكون الولد حرا لاعتقاد الواطئ : أنه وطئ في ملك ، كالمغرور بأمة ( وللورثة قيمة ولدها ) لأنه امتنع رقه ، فوجب جبر ما فات من رقه ( عند الوضع ) لأنه حينئذ وجد ، ولأنه قبل الوضع لا تعلم قيمته ، فوجب اعتبار أول حالة يعلم بها ( على الواطئ ) لأنه يفوت رقه ( وإن قتلت فلهم قيمتها في أحد الوجهين ) لأن الإتلاف صادف [ ص: 59 ] الرقبة ، وهم مالكوها ، وفوات المنفعة حصل ضمنا .

وتبطل وصيته كالإجارة ( وفي الآخر يشتري بها ما يقوم مقامها ) لأن كل حق تعلق بالعين ، تعلق ببدلها إذا لم يبطل سبب استحقاقها ويفارق الزوجة والعين المستأجرة ; لأن سبب الاستحقاق يبطل بتلفها ، ويحتمل أن ذلك لمالك النفع ( وللوصي ) أي لمالك نفعها ( استخدامها ) حضرا وسفرا ( وإجارتها وإعارتها ) لأن الوصية له بنفعها ، وهذا منه ، فإن قتلها وارثها ، فعليه قيمة المنفعة ، قاله في الانتصار ، وفي التبصرة : إن قتلت ، فرقبة بثمنها مقامها ، وقيل : لمالك نفعها ، قال : وهو أولى ( وليس لواحد منهم وطؤها ) لأن مالك المنفعة ليس بزوج ، ولا مالك للرقبة ، والوطء لا يباح بغيرهما ، ومالك الرقبة لا يملكها ملكا تاما ، ولا يأمن أن تحمل منه ، وربما أفضى إلى هلاكها ، لكن أيهما وطئها ، فلا حد عليه ; لأنه وطء شبهة ; لوجود الملك لكل منهما ، فإن ولدت ، فهو حر ، فإن كان الواطئ صاحب المنفعة لم تصر أم ولد له ; لأنه لا يملكها ، وعليه قيمة ولدها عند الوضع ، كما تقدم ، وإن كان مالك الرقبة صارت أم ولد له ; لأنها علقت منه بحر في ملكه ، وفي وجوب قيمته عليه وجهان ، ولا مهر عليه في اختيار المؤلف ، وله المهر على صاحب المنفعة ، إن كان هو الواطئ ، وعند أصحابنا : تنعكس الأحكام ، وقيل : يجب الحد على صاحب المنفعة ، إذا وطئ كالمستأجر ، وعلى هذا يكون ولده مملوكا .

( وإن ولدت من زوج أو زنى ، فحكمه حكمها ) لأن الولد يتبع الأم في حكمها كولد المكاتبة والمدبرة ، وقيل : هو لمالك الرقبة ; لأنه ليس من النفع [ ص: 60 ] الموصى به ، ولا هو من الرقبة الموصى بنفعها ( وفي نفقتها ثلاثة أوجه ، أحدها : أنه في كسبها ) لأنه يتعذر إيجابها على مالك الرقبة لكونه لا نفع له ، وعلى مالك المنفعة ; لكونه لا رقبة له ، فلم يبق إلا إيجابها في كسبها ، قال في الشرح : وهذا راجع إلى إيجابها على صاحب المنفعة ; لأن كسبها من منافعها ، فعليه : إن لم يكن لها كسب ، فقيل : تجب في بيت المال ( والثاني : على مالكها ) أي مالك الرقبة ، ذكره الشريف أبو جعفر مذهبا لأحمد ، وقاله أبو ثور ; لأن النفقة على الرقبة ، فكانت على مالكها كنفقة المستأجر ، وكما لو لم يكن له منفعة ، ولأن الفطرة تتبع النفقة ، ووجوب التابع يدل على وجوب المتبوع عليه ( والثالث : على الوصي ) أي صاحب المنفعة ، صححه في المغني والشرح وجزم به في الوجيز ; لأنه يملك نفعها فكانت النفقة عليه كالزوج ، وهذا ليس خاصا بالأمة ، بل حكم سائر الحيوانات الموصى بنفعها كذلك قياسا عليها ، ونفعها بعد الوصي لورثته قطع به في الانتصار ، وأنه يحتمل مثله في هبة نفع داره وسكناها شهرا وتسليمها ، وقيل لورثة الموصي .

( وفي اعتبارها من الثلث وجهان ) لأن المنفعة مجهولة لا يمكن تقويمها ، فوجب اعتبار جميعها ( أحدهما : يعتبر جميعها من الثلث ) يعني يقوم بمنفعتها ، ويعتبر خروج ثمنها من الثلث ; لأن أمة لا منفعة لها ، لا قيمة لها غالبا ( والثاني : تقوم بمنفعتها ، ثم تقوم مسلوبة المنفعة فيعتبر ما بينهما ) فإذا كانت قيمتها بمنفعتها مائة ، ومسلوبة المنفعة عشرة ، علمنا أن قيمة المنفعة تسعون ، وكذا إذا أوصى بنفعها وقتا مقدرا ، معرفا أو منكرا ، وقيل : يعتبر وحده من الثلث ; لإمكان تقويمه مفردا ، ويصح بيعها . وإن أطلق [ ص: 61 ] فمع الرقبة ، قال في المستوعب : وهو الصحيح عندي ، وقال ابن حمدان : بل يقسطه من التركة ، ولا يقوم على أحدهما .

( وإن وصى لرجل برقبتها ، ولآخر بمنفعتها ، صح ) لأن الأول ينتفع بعتقها وولائها وبيعها في الجملة ، والثاني : ظاهر ( وصاحب الرقبة كالوارث فيما ذكرنا ) لأن كل واحد منهما مالكها .

تنبيه : أوصى بثمر شجرة لزيد ، وبرقبتها لعمرو ، لم يملك أحدهما إجبار الآخر على سقيها ، ولا منعه منه ، إذا لم يضره ، وإن يبست الشجرة ، أو بعضها ، فهو لعمرو ، وإن وصى بثمرتها ، أو حمل أمته أو شاته ، فلم تحمل تلك المدة ، فلا شيء لزيد ، وإن قال : لك ثمرتها ، أو حمل الحيوان أول عام بثمر ، أو بحمل ، صح ، وإن وصى لزيد بلبن شاته وصوفها ، أو بأحدهما ، صح ، ويقوم الموصى به دون العين ، وإن وصى لرجل بحب زرعه ، ولآخر بنبته صح ، والنفقة بينهما ، وينبغي أن يكون على قدر قيمة حق كل واحد منهما ، فإن امتنع أحدهما من الإنفاق ، ففي إجباره وجهان مبنيان على الحائط المشترك ، إذا انهدم ، وإن وصى لرجل بخاتم ، ولآخر بفصه ، صح ، وليس لأحدهما الانتفاع به إلا بإذن الآخر ، وأيهما طلب قلع الفص منه ، أجيب إليه ، ويجبر الآخر على ذلك ، فإن اتفقا على بيعه أو لبسه ، جاز ( وإن وصى لرجل بمكاتبه ، صح ) إن صح بيعه ; لأنه مملوك كالقن ( ويكون كما لو اشتراه ) لأن الوصية تمليك ، أشبهت الشراء ، فإن أدى عتق ، والولاء له كالمشتري ، وإن عجز ، عاد رقيقا له ، فإن عجز في حياة الموصي ، لم تبطل الوصية ; لأن رقه لا ينافيها ، وإن أدى إليه بطلت ، [ ص: 62 ] فإن قال : إن عجز ورق ، فهو لك بعد موتي ، فعجز في حياة الموصي ، صحت ، وإن عجز بعد موته ، بطلت ، وإن قال : إن عجز بعد موتي ، فهو لك ، ففيه وجهان مبنيان على ما إذا قال : إن دخلت الدار بعد موتي ، فأنت حر .

( وإن وصى له بمال الكتابة ، أو بنجم منها ، صح ) لأنها تصح بما ليس مستقرا ، كما تصح بما لا يملكه في الحال كحمل الجارية ، وحينئذ للموصى له استيفاء المال عند حلوله والإبراء منه ، ويعتق بأحدهما ، والولاء لسيده ; لأنه المنعم عليه ، وفي الخلاف : لا تصح الوصية بمال الكتابة والعقل ; لأنه غير مستقر ، وعلى الأول إذا عجز فأراد الوارث تعجيزه ، وأراد الوصي إنظاره أو بالعكس ، قدم قول الوارث ، ومتى عجز فهو عبد للوارث ، وإن وصى بما يعجله المكاتب ، صح ، فإن عجل شيئا ، فهو للوصي ، وإن لم يعجل شيئا حتى حلت نجومه ، بطلت .

( وإن وصى برقبته لرجل ، وبما عليه لآخر ، صح ) لأن كلا من الرقبة والدين مملوك للموصي ، فصح كغيره ، ولا أثر لكونه غير مستقر ; لأنها تصح بالمعدوم ( فإن أدى ) أو أبرأه منه ( عتق ) لأن هذا شأن المكاتب ، وتبطل وصية صاحب الرقبة ، قاله الأصحاب ، وقيل : لا تبطل ، ويكون الولاء له ; لأنه أقامه مقام نفسه ( وإن عجز فهو ) قن ( لصاحب الرقبة ) حيث فسخها ; لأنه موصى له برقبته ، وإنما عتق بالأداء ; لأن العتق مقدم على حق الموصي ، فأولى أن يقدم على الموصى له ( وبطلت وصية صاحب المال فيما بقي عليه ) لأن الباقي لم يصادف محلا ، فإن كان صاحب المال قبض من مال الكتابة شيئا ، فهو له ، فإن اختلفا في فسخ الكتابة بعد العجز ، قدم قول صاحب الرقبة كالوارث ، فإن كانت [ ص: 63 ] الكتابة فاسدة ، فأوصى بما في ذمته ، لم يصح ; لأنه لا شيء في ذمته ، ويصح بما إذا قال : بما أقبضه من مال الكتابة ، ويصح فيها برقبة المكاتب كالصحيحة .

فرع : أوصى بعتق مكاتبه ، أو الإبراء من دينه ، اعتبر من الثلث أقل الأمرين من قيمته مكاتبا ، أو مال الكتابة ; لأن العتق إبراء ، وبالعكس ، فاعتبر أقلهما ، فإن احتمله الثلث ، عتق وبرئ ، وإن احتمل بعضه كنصفه ، عتق منه نصفه ، وبقي نصفه مكاتبا ، ويعتق ثلثه في الحال ، إن لم يكن له مال سواه ، والباقي على الكتابة ، فإن قال : ضعوا نجما بما شاء الورثة ، وإن قال : أكثر ما يكون عليه ، وضع فوق نصفه ، كضعوا عنه أكثر نجومه ، وأكبرها أكثرها مالا ، وأوسطها الثاني : إن كانت ثلاثة ، والثالث : إن كانت خمسة ، وإن قال : ما شاء فالكل ، وقيل : لا كما شاء من مالها .

مسألة : فإن قال : اشتروا بثلثي رقابا وأعتقوهم ، لم يصرف في المكاتبين ، فإن اتسع الثلث لثلاثة ، لم يجز أن يشتري أقل منها ، فإن قدر أن يشتري أكثر من ثلاثة ، فهو أفضل ، وإن أمكن أن يشتري ثلاثة رخيصة ، وحصة من أربع ، فالثلاثة الغالية أولى ، ويقدم من به ترجيح من عفة ودين وصلاح ، ولا يجزئ إلا رقبة مسلمة سالمة من العيوب كالكفارة ، وإن وصى بكفارة أيمان فأقله ثلاثة ، نقله حنبل .

التالي السابق


الخدمات العلمية