صفحة جزء
[ ص: 73 ] باب الوصية بالأنصباء والأجزاء إذا أوصى له بمثل نصيب وارث معين ، فله مثل نصيبه مضموما إلى المسألة ، فأوصى له بمثل نصيب ابنه ، وله ابنتان ، فله الثلث ، وإن كانوا ثلاثة ، فله الربع ، فإن كان معهم بنت ، فله التسعان وإن وصى له بنصيب ابنه ، فكذلك في الوجهين ، والثاني : لا تصح ، وإن وصى بضعف نصيبه أو بضعفيه ، فله مثله مرتين ، وإن وصى بثلاثة أضعافه فله ثلاثة أمثاله ، هذا هو الصحيح عندي ، وقال أصحابنا : ضعفاه ثلاثة أمثاله ، وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله ، كلما زاد ضعفا ، زاد مرة واحدة ، وإن وصى بمثل نصيب أحد ورثته ، ولم يسمه كان له مثل ما لأقلهم نصيبا ، فلو كانوا ابنا وأربع زوجات ، وجبت من اثنين وثلاثين ، لكل امرأة سهم ، وللوصي سهم يزاد عليها ، فتصير من ثلاثة وثلاثين ، وإن وصى له بمثل نصيب وارث لو كان ، فله مثل ماله لو كانت الوصية ، وهو موجود ، فإذا كان الوارث أربعة بنين فللوصي السدس ، ولو كانوا ثلاثة ، فله الخمس ، ولو كانوا أربعة فأوصى بمثل نصيب خامس لو كان إلا مثل نصيب سادس لو كان ، فقد أوصى بالخمس إلا السدس بعد الوصية ، فيكون له سهم يزاد على ثلاثين سهما ، وتصح من اثنين وستين ، له منها سهمان ، ولكل ابن خمسة عشر .


باب الوصية بالأنصباء والأجزاء .

الأنصباء جمع نصيب ، كصديق وأصدقاء ، والأجزاء جمع جزء ، والفرق بينهما ظاهر ( إذا أوصى له بمثل نصيب وارث معين ، فله مثل نصيبه ) من غير زيادة ، ولا نقصان ( مضموما إلى المسألة ) أي : يؤخذ مثل نصيب المعين ، ويزاد على ما تصح منه مسألة الورثة في قول أكثر العلماء ، وقال مالك ، وزفر : لا يعطى مثل نصيب المعين أو مثل نصيب أحدهم ، إن كانوا يتساوون في أصل المسألة غير مزيد ، ويقسم الباقي بين الورثة إلا أن نصيب الوارث قبل الوصية من أصل المال ، فلو وصى بمثل نصيب ابنه ، وله ابن ، فالوصية بجميع المال ، وإن كانوا اثنان فالوصية بالنصف ، ثم قال مالك : وإن كانوا يتفاضلون نظرا إلى عدد رءوسهم ، فأعطي سهما من عددهم ; لأنه لا يمكن اعتبار أنصبائهم لتفاضلهم ، وأجيب بأنه جعل وارثه أصلا وقاعدة ، حمل عليه نصيب الموصى له ، وجعل مثلا له ، وهذا يقتضي مساواتهما ، فلو أعطي من أصل المال لم يعط مثل نصيبه ، ولا حصلت التسوية ( فإن وصى بمثل نصيب ابنه ، وله ابنان ، فله الثلث ) لأن ذلك مثل ما يحصل لابنه ; لأن الثلث إذا خرج بقي ثلثا المال ، لكل ابن ثلث ( وإن كانوا ثلاثة ، فله الربع ) لما ذكرنا ( فإن كان معهم بنت ، فله التسعان ) لأن المسألة من سبعة لكل ابن سهمان ، وللأنثى سهم ، ويزاد عليها مثل نصيب ابن ، فتصير تسعة ، فالابنان منها تسعان ، وعلم منه أنه لا بد أن يكون الموصى له بمثل نصيبه وارثا ، فلو كان رقيقا ، أو قاتلا ، أو مخالفا [ ص: 74 ] لدينه ، أو محجوبا ، لم يصح ، وفي الفصول احتمال ( وإن وصى له بنصيب ابنه فكذلك في أحد الوجهين ) هذا هو المذهب ، وقاله أهل المدينة ، والبصرة ، والكوفة ; لأنه أمكن تصحيح كلامه بحمله على مجازه ، فصح كالطلاق والعتق بالكتابة ، ولأنه أوصى بجميع ماله صح مع تضمنه الوصية بنصيب ورثته كلهم ( والثاني : لا يصح ) ذكره القاضي ; لأنه أوصى بما هو حق للابن ، كما لو قال بدار ابني ، أو ما يأخذه من وارثه ، وإنما يصح في التولية نحو : بعتكه بما اشتريته للعرف ، قال في الفروع : فيتوجه الخلاف في : بعتكه بما باع به فلان عبده ، ويعلمانه ، فقالوا : يصح ، وظاهره يصح البيع ، ولو كان الثمن عرضا .

( وإن وصى بضعف نصيب ابنه ، أو بضعفيه ، فله مثله مرتين ، وإن وصى بثلاثة أضعافه ، فله ثلاثة أمثاله ، هذا هو الصحيح عندي ) وهو قول أبي عبيد ، والجوهري ، لقوله تعالى إذا لأذقناك ضعف الحياة وضعف الممات [ الإسراء 75 ] ، وقوله تعالى فأولئك لهم جزاء الضعف بما عملوا [ سبأ : 37 ] ، وقد صح أن عمر أضعف الزكاة على نصارى بني تغلب ، فكان يأخذ من المائتين عشرة ، فدل ما ذكرنا أن الضعف مثلان ، قال الأزهري : الضعف المثل ، فما فوقه ، فأما قوله : إن الضعفين المثلان ، فقد روى ابن الأنباري عن هشام بن معاوية النحوي ، قال : العرب تتكلم الضعف مثنى ، فتقول : إن أعطيتني درهما فلك ضعفاه ، أي : مثلاه ، وإفراده لا بأس به ; لأن التثنية أحسن ، يعني أن المفرد والمثنى هنا بمعنى واحد ، وكلاهما يراد به المثلان ، وإذا استعملوه على هذا الوجه وجب اتباعهم فيه ، وإن خالفنا القياس ( وقال أصحابنا ) وهو المذهب : ( ضعفاه ثلاثة [ ص: 75 ] أمثاله ، وثلاثة أضعافه أربعة أمثاله ) وهو قول أبي عبيدة معمر بن المثنى ( كلما زاد ضعفا زاد مرة واحدة ) لأن الزيادة لا بد لها من أثر ، وأقل الأعداد المرة ، وأجاب في المغني ، والشرح عن ذلك بقوله تعالى فآتت أكلها ضعفين [ البقرة 263 ] قال عكرمة : تحمل في كل عام مرتين ، وأنه لا خلاف بين المفسرين في قوله تعالى يضاعف لها العذاب ضعفين [ الأحزاب 30 ] أن المراد مرتين ، وقد دل عليه قوله تعالى نؤتها أجرها مرتين ومحال أن تجعل أجرها على العمل الصالح مرتين ، وعذابها على الفاحشة ثلاث مرات ، فإن الله تعالى إنما يريد تضعيف الحسنات على السيئات ، هذا هو المعهود من فضله وكرمه ، وقول أبي عبيدة خالفه غيره ، قال ابن عرفة : لا أحب قوله ، ورده بالآية الكريمة ، وحينئذ الضعف محال وفاق ( وإن وصى بمثل نصيب أحد ورثته ، ولم يسمه ، كان له مثل ما لأقلهم نصيبا ) في قول أكثر العلماء ; لأنه اليقين ، وما زاد مشكوك فيه ، ولو خصه به ، فهو له كما لو أطلق ، وكان تأكيدا ( فلو كانوا ابنا وأربع زوجات ، صحت من اثنين وثلاثين ) لأن أصل المسألة من ثمانية للزوجات سهم لا يصح عليهن ، ولا يوافق ، فاضرب عددهن في ثمانية ، تبلغ اثنين وثلاثين ( لكل امرأة سهم ) وللابن ثمانية وعشرون ( وللوصي سهم يزاد عليها ، فتصير من ثلاثة وثلاثين ) ولو وصى بمثل نصيب ولده ، وله ابن وبنت ، فله مثل نصيب البنت ، نص عليه ، ولو وصى بمثل أكثرهم ، أو أعظمهم نصيبا ، فله ذلك مضافا إلى المسألة ، فيكون له في مسألة المؤلف ثمانية وعشرون ، فتصير ستين سهما .

( وإن وصى له بمثل نصيب وارث لو كان ، فله مثل ماله لو كانت الوصية ، وهو [ ص: 76 ] موجود ) أي : يقدر الوارث موجودا ، وانظر ما للموصى له مع وجوده ، فهو له مع عدمه ، وطريقه أن تنظر : كم تصح مسألتهم مع عدم الوارث ، ثم كم تصح مع وجوده ، ثم تضرب إحداهما في الأخرى ، ثم تقسم ما ارتفع على مسألة الوجود ، فما خرج بالقسمة أضفته إلى ما ارتفع من الضرب ، وهو للموصى له ، واقسم ما ارتفع بين الورثة ( فإذا كان الوارث أربعة بنين ، فللوصي السدس ) لأن المسألة مع عدم الخامس المقدر وجوده من أربعة ، ومع وجوده من خمسة ، فتضرب إحداهما في الأخرى ، تكن عشرين تقسمها على خمسة يخرج لكل سهم أربعة ، فتضيفها إلى العشرين فتصير أربعة وعشرين ، للموصى له أربعة ، وهي السدس ، ولكل ابن خمسة ، وهي ثمن ونصف سدس ( ولو كانوا ثلاثة فله الخمس ) ولو كانوا اثنين ، فله الربع ، لما ذكرناه ، فلو خلفت امرأة زوجا وأختا ، وأوصت بمثل نصيب خامس لو كان ، فللموصى له الخمس ; لأن للأم الربع لو كانت ، فتجعل له سهما يضاف إلى أربعة يكن خمسا ( ولو كانوا أربعة فأوصى بمثل نصيب خامس لو كان الأمثل نصيب سادس لو كان فقد أوصى له بالخمس إلا السدس بعد الوصية ) لأنه استثنى السدس من الخمس ، وطريقها : أن تضرب إحداهما في الأخرى ، تكن ثلاثين ، خمسها ستة ، وسدسها خمسة ، فإذا استثنيت الخمسة من الستة بقي سهم للموصى له ، فرده على الثلاثين ، وهو المراد بقوله ( فيكون له سهم يزاد على الثلاثين سهما ) فتصير أحدا وثلاثين ، أعط الموصى له سهما يبقى ثلاثون على أربعة ، لا تنقسم ، وتوافق بالنصف ، فردها إلى خمسة عشر ، واضربها في أربعة تكن ستين ، رد عليها سهمين للموصى له ، وهو المراد بقوله ( وتصح من اثنين وستين ، له [ ص: 77 ] منها سهمان ، ولكل ابن خمسة عشر ) وبالجبر تجعل المال أربعة ، وشيئا تدفعه إلى الموصى له يبقى أربعة تقسمها على خمسة ، يخرج أربعة أخماس ، وتقسمها على ستة ، يخرج ثلثان ، فتسقط الثلثان من أربعة الأخماس يبقى سهمان من خمسة عشر ، ثم تضرب الأربعة في الخمسة عشر ; لأنها مخرج الثلث والخمس ، تكن ستين ، تزيد عليها السهمين للموصى له ، فقد حصل له خمس الستين إلا سدسها ، فخمسها اثنا عشر ، وسدسها عشرة ، وفي بعض النسخ المقروءة على المؤلف : ولو كانوا أربعة ، فأوصى بمثل نصيب أحدهم إلا مثل نصيب ابن خامس لو كان ، فقد أوصى بالخمس إلا السدس بعد الوصية ، وهذه هي الصحيحة المعتمدة في المذهب الموافقة لطريقة الأصحاب ، وعلى ما ذكره هنا هي مشكلة على طريقة الأصحاب ، ولكن معناها لأبي الخطاب ، والمجد ، وابن حمدان ، وأجاب الحارثي عنها بأن قولهم : أوصى له بالخمس إلا السدس ، صحيح باعتبار أن له نصيب الخامس المقدر غير مضموم ، وأن النصيب هو المستثنى ، انتهى . وقال الناظم : وقرئ عليه في نسخة أخرى ، وصى بمثل نصيب أحدهم إلا مثل نصيب ابن سادس ، لو كان ، فعلى هذا يصح أنه أوصى له بالخمس إلا السدس .

فرع : إذا خلف بنتا واحدة ، ووصى بمثل نصيبها ، فهو كما وصى بنصيب ابن عندنا ; لأنها تستوعب المال بالفرض والرد ، وعند من لا يرى الرد يقتضي أن يكون له الثلث ، ولها نصف الباقي ، والفاضل لبيت المال ، فإن خلف أختين ، ووصى بمثل نصيب إحداهما ، فهي من ثلثه ، وعند من لا يرى الرد من أربعة مقسومة بينهم ، فلو خلف له ثلاثة بنين ، ووصى لثلاثة بمثل أنصبائهم ، فالمال بينهم على ستة مع الإجازة ، وفي الرد على تسعة للموصى له ثلاثة ، والباقي لهم .

التالي السابق


الخدمات العلمية