صفحة جزء
ويمنع عشرة أشياء : فعل الصلاة ، ووجوبها ، وفعل الصيام وقراءة القرآن ، ومس المصحف ، واللبث في المسجد ، والطواف والوطء في الفرج ، وسنة الطلاق ، والاعتداد بالأشهر ، ويوجب الغسل والبلوغ والاعتداد به ، والنفاس مثله إلا في الاعتداد ، وإذا انقطع الدم ، أبيح فعل الصيام والطلاق ، ولم يبح غيرهما حتى تغتسل .


( ويمنع عشرة أشياء : فعل الصلاة ) فرضا كانت أو نفلا ( و ) يمنع ( وجوبها ) قال ابن المنذر : أجمع أهل العلم على إسقاط فرض الصلاة عنها في أيام حيضها ، وعلى أن قضاء ما فات منها في أيام حيضها ليس بواجب لقوله عليه السلام لفاطمة بنت أبي حبيش : إذا أقبلت الحيضة فدعي الصلاة ، ولما روت معاذة قالت : سألت عائشة : ما بال الحائض تقضي الصوم ، ولا تقضي الصلاة ؛ فقالت : أحرورية أنت ؛ فقلت : لست بحرورية ، ولكني أسأل ، فقالت : كنا نحيض على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنؤمر بقضاء الصوم ، ولا نؤمر بقضاء الصلاة متفق عليهما . ومعنى قولها : أحرورية ؛ الإنكار عليها أن تكون من أهل حروراء ، وهي مكان ينسب إليه الخوارج ، لأنهم يرون على الحائض قضاء الصلاة كالصوم ، ولفرط تعمقهم حتى مرقوا منه ، ولأنه يشق لتكرره وطول مدته ، فإن أحبت القضاء فظاهر نقل الأثرم المنع ، قال في " الفروع " : ويتوجه احتمال : يكره ، لكنه بدعة ، كما رواه الأثرم عن عكرمة ، ولعل المراد إلا ركعتي الطواف ، لأنها نسك لا آخر لوقته ، فيعايا بها ، وما اعترض به شيخنا ابن نصر الله عليه ليس بلازم ، وعلم منه أنه يمنع صحة الطهارة ، وحكاه بعضهم اتفاقا ، لأنه حدث يوجب الطهارة ، واستمراره يمنع صحتها كالبول ، ولا يمنع غسلها كجنابة ، نص عليه ، بل يسن .

( وفعل الصيام ) لقوله عليه السلام في حديث أبي سعيد : أليس إذا حاضت [ ص: 260 ] لم تصم ، ولم تصل ، قلن : بلى ، قال : فذلك من نقصان دينها رواه البخاري ، وظاهره يقتضي وجوب الصوم ، وهو كذلك إجماعا ، لأنه واجب في ذمتها ، وكذا كل من لزمته عبادة وجبت في ذمته ، كالدين المؤجل ، لكنه مشروط بالتمكن منها ، فإن مات قبل التمكن منها لم يكن عاصيا ، وتقضيه هي ، وكل معذور بالأمر السابق ، لا بأمر جديد على الأشهر ، وفي " الرعاية " يقضيه مسافر بالأمر الأول : على الأصح ، وحائض ونفساء بأمر جديد على الأصح ، وفيه نظر .

( وقراءة القرآن ) لقوله عليه السلام : لا تقرأ الحائض ولا الجنب شيئا من القرآن وقد سبق ونقل الشالنجي كراهتها لها ، وقال الشيخ تقي الدين : إذا ظنت نسيانه ، وجبت .

( ومس المصحف ) للنص .

( واللبث في المسجد ) لقوله عليه السلام : لا أحل المسجد لحائض ، ولا جنب رواه أبو داود ، وقيل : لا بوضوء ، وقيل : ويمنع دخوله ، وحكى رواية لخوفها تلويثه في الأشهر ، ونصه في رواية ابن إبراهيم : تمر ولا تقعد ، والمذهب حيث أمنت تلويثه .

( والطواف ) لقوله عليه السلام لعائشة : افعلي ما يفعل الحاج غير أن لا تطوفي بالبيت حتى تطهري متفق عليه . ولأنه صلاة ، وهي ممنوعة منها ، ومن [ ص: 261 ] لوازمه اللبث في المسجد ، وهي ممنوعة منه ، وعند الشيخ تقي الدين : بلا عذر ، وعن أحمد : يصح منها ، ويجبره بدم .

( و ) يمنع ( الوطء في الفرج ) لقوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض ولا تقربوهن حتى يطهرن [ البقرة 222 ] ، ولقوله عليه السلام : اصنعوا كل شيء إلا النكاح رواه مسلم . ويستثنى منه من به شبق بشرطه .

( وسنة الطلاق ) لما روي عن ابن عمر : أنه طلق امرأته وهي حائض ، فذكر عمر ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : مره فليراجعها ، ثم ليطلقها طاهرا أو حاملا متفق عليه ، ولم يقل البخاري : " أو حاملا " ولأنه إذا طلقها فيه كان محرما ، وهو طلاق بدعة لما فيه من تطويل العدة ، وسيأتي ، وهذا ما لم تسأله الطلاق بعوض أو الخلع ، وفيه وجه .

( والاعتداد بالأشهر ) لقوله تعالى والمطلقات يتربصن بأنفسهن ثلاثة قروء [ البقرة 228 ] فأوجب العدة بالقروء ، وشرطه في الآية عدم الحيض لقوله تعالى ، واللائي يئسن [ الطلاق 4 ] الآية ، ويستثنى منه المتوفى عنها زوجها .

( ويوجب الغسل ) عند انقطاعه لقوله - صلى الله عليه وسلم - : دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ، ثم اغتسلي ، وصلي متفق عليه . وقد سبق في الغسل الاختلاف فيه ، هل يجب بالخروج أو الانقطاع ؛

( والبلوغ ) لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : لا يقبل الله صلاة حائض إلا بخمار رواه أحمد ، وغيره من حديث عائشة ، وروي أيضا مرسلا وموقوفا ، فأوجب عليها [ ص: 262 ] أن تستتر لأجل الحيض ، فدل على أن التكليف حصل به ، وظاهره : أن أحكام البلوغ تثبت بابتدائه ، وصرح به في " التلخيص " و " البلغة " ( و ) يوجب ( الاعتداد به ) لما سبق قال في " المغني " و " الشرح " : وأكثر هذه الأحكام مجمع عليها ( والنفاس مثله ) فيما يجب به ويحرم ، وما يسقط عنها بغير خلاف نعلمه ، لأنه دم حيض احتبس لأجل الولد ، ثم خرج ، فثبت حكمه ، لكن لو ضربت الحامل بطنها ، أو شربت دواء فأسقطت ونفست لم تصل ، وفي وجوب القضاء وجهان ( إلا في الاعتداد ) لأن انقضاء العدة بالقروء ، والنفاس ليس بقرء ، ولأن العدة تنقضي بوضع الحمل ، ولا يدل على البلوغ ، لأنه لا يتصور لحصوله بالحمل قبله ، ولا يحتسب عليه به في مدة الإيلاء ، ويقطع تتابع صوم الظهار في قول .

( وإذا انقطع الدم ) انقطاعا يوجب الغسل والصلاة عليها ( أبيح ) لها ( فعل الصيام ) لأن وجوب الغسل لا يمنع فعله ، كالجنب ( و ) أبيح ( الطلاق ) لتطويل العدة بالحيض ، وقد زال ذلك .

والثاني : لا يباحان لمفهوم خبر ابن عمر . رواه الدارقطني ، والأول : أصح ، وألحق القاضي بهما القراءة ، وهو رواية عن أحمد ( ولم يبح غيرهما حتى تغتسل ) في قول أكثرهم ، وقال ابن المنذر : هو كالإجماع ، وحكاه إسحاق بن راهويه إجماع التابعين ، لأن الله تعالى شرط لحل الوطء شرطين : انقطاع الدم ، والغسل فقال ولا تقربوهن حتى يطهرن [ البقرة 222 ] أي : حتى ينقطع [ ص: 263 ] دمهن ( فإذا تطهرن ) أي : اغتسلن بالماء فأتوهن كذا فسره ابن عباس ، وهي قراءة الأكثر بالتخفيف في الأولى ، وأهل الكوفة بتشديدها ، واتفق الكل على تشديد الثانية ، والتطهر : تفعل إنما يكون فيما يتكلفه ، ويروم تحصيله ، فيقتضي اتخاذ الفعل منه لقوله تعالى وإن كنتم جنبا فاطهروا [ المائدة 6 ] وانقطاع الدم غير منسوب إليها ، ولا صنع لها فيه ، لا يقال : ينبغي على قراءة الأكثر أنه ينتهي النهي عن القربان بانقطاع الدم ، إذ الغاية تدخل في المغيا ، لكونها بحرف حتى ، لأنه قبل الانقطاع النهي عن القربان مطلق ، فلا يباح بحال ، وبعده يزول التحريم المطلق ، وتصير إباحة وطئها موقوفا على الغسل ، وظهر أن قراءة الأكثر أكثر فائدة ، وقيل : لا يحرم وطؤها بعد الانقطاع ، وقاله داود وفاقا لأبي حنيفة إذا انقطع دمها لأكثره ، وهو عشرة أيام ، حل وطؤها ، وإلا لم يبح حتى تطهر ، وعلى الأول : لو عدمت الماء تيممت وحل وطؤها ، وإن تيممت لها ، حل ، لأن ما أباح الصلاة أباح ما دونها ، ولو عبر بالطهر لكان أولى لشموله ما ذكرنا .

فرع : إذا أراد وطأها فادعت حيضا ، وأمكن قبل ، نص عليه ، لأنها مؤتمنة قال في " الفروع " : ويتوجه تخريج في الطلاق ، وأنه يحتمل أن يعمل بقرينة أو أمارة ، وقال ابن حزم : اتفقوا على قبول قول المرأة تزف العروس إلى زوجها فتقول : هذه زوجتك ، وعلى استباحة وطئها بذلك ، وعلى تصديقها في قولها : أنا حائض ، وفي قولها : قد طهرت .

مسألة : تغسل المسلمة الممتنعة قهرا ، ولا نية هنا للعذر ، كالممتنع من الزكاة [ ص: 264 ] وإذا فعلته لم تصل به على الصحيح ، ويغسل المجنونة وتنويه ، وقال ابن عقيل : يحتمل أن يغسلها ليطأها ، وينوي غسلها تخريجا على الكافرة .

التالي السابق


الخدمات العلمية