صفحة جزء
[ ص: 100 ] باب الموصى إليه تصح وصية المسلم إلى كل مسلم عاقل عدل وإن كان عبدا أو مراهقا أو امرأة أو أم ولد ، ولا تصح إلى غيرهم ، وعنه : تصح إلى الفاسق ، ويضم الحاكم إليه أمينا ، وإن كانوا على غير هذه الصفات ، ثم وجدت عند الموت ، فهل تصح ؛ على وجهين وإذا أوصى إلى واحد ، وبعده إلى آخر ، فهما وصيان إلا أن يقول : قد أفرجت الأول ، وليس لأحدهما الانفراد بالتصرف إلا أن يجعل ذلك إليه وإن مات أحدهما ، أقام الحاكم مكانه أمينا ، وكذلك إن فسق ، وعنه : يضم إليه أمين ويصح قبوله للوصية في حياة الموصي ، وبعد موته ، وله عزل نفسه متى شاء ، وعنه : ليس له ذلك بعد موته ، وللموصى عزله متى شاء ، وليس للوصي أن يوصي إلا أن يجعل ذلك إليه ، وعنه له ذلك ولا تصح الوصية إلا في معلوم يملك الموصي فعله كقضاء الدين ، وتفريق الوصية ، والنظر في أمر الأطفال وإذا أوصى إليه في شيء لم يصر وصيا في غيره ، وإذا أوصى بتفريق ثلثه ، فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم ، أخرجه كله مما في يده ، وعنه : يخرج ثلث ما في يده ، وعنه : يخرج ويحبس باقيه حتى يخرجوا وإن أوصاه بقضاء دين معين فأبى الورثة ذلك ، قضاه بغير علمهم ، وعنه : فيمن عليه دين لميت وعلى الميت دين أنه يقضي دين الميت إن لم يخف تبعة .


باب الموصى إليه

لا بأس بالدخول في الوصية لفعل الصحابة ، فروي عن أبي عبيدة أنه لما عبر الفرات ، أوصى إلى عمر ، وأوصى إلى الزبير ستة من الصحابة ، منهم : عثمان وابن مسعود وعبد الرحمن بن عوف ، ولأنها وكالة أشبهت الوديعة ، وقياس قول أحمد أن عدم الدخول فيها أولى لما فيها من الخطر ، وهو لا يعدل بالسلام شيئا ، كما كان يرى عدم الالتقاط ، وترك الإحرام قبل الميقات ، وحديث أبي ذر شاهد بذلك .

( تصح وصية المسلم إلى كل مسلم عاقل عدل ) مكلف رشيد إجماعا ، ولو مستورا أو عاجزا ، ويضم إليه أمين ( وإن كان عبدا ) لأنه يصح استنابته في الحياة ، فصح أن يوصى إليه كالحر ، وظاهره : لا فرق بين أن يكون عبدا للموصي أو لغيره ، ذكره ابن حامد ، لكن إن كان لغيره ، اشترط إذن سيده ، وخصه الأوزاعي ، والنخعي بعبده ، وقال أبو يوسف ، ومحمد ، وفاقا للشافعي : لا تصح إلى عبد بحال ; لأنه لا يكون وليا على ابنه بالكسب ، فلا يجوز أن يلي الوصية كالمجنون .

وجوابه : بأنه ينتقض بالمرأة والمكاتب والمدبر والمعتق بعضه كالعبد ( أو مراهقا ) بكسر الهاء ، وهو القريب من الاحتلام ، فظاهره : أن البلوغ ليس بشرط في صحتها ; لأن المراهق كالبالغ في إمكان التصرف ، فصحت إليه كالبالغ ، وهذا رواية ، وفي أخرى تصح إلى مميز ، وقال القاضي : هو قياس المذهب ; لأن أحمد نص على [ ص: 101 ] صحة وكالته ، فيعتبر على هذا مجاوزة العشر ، وفي المغني : لا أعلم فيه نصا عن أحمد ، والمذهب اشتراط البلوغ ، جزم به الأكثر ; لأنه ليس من أهل الشهادة والإقرار ، وهو مولى عليه ، فلم يكن من أهل الولاية ، كالطفل ( أو امرأة ) ، في قول جمهور العلماء ، ولم يجزه عطاء ; لأنها لا تكون قاضية ، وجوابه : بأن عمر أوصى إلى حفصة ، ولأنها من أهل الشهادات ، أشبهت الرجل ، وتخالف القضاء ، فإنه يعتبر له الكمال في الخلقة والاجتهاد ( أو أم ولد ) نص عليه ; لأنها تكون حرة من أصل المال عند نفوذ الوصية ، ولا تصح إلى غيرهم كالطفل والمجنون ; لأنهما ليسا من أهل التصرف في أموالهما ، فلا يليان على غيرهما ، والكافر ; لأنه ليس من أهل الولاية على المسلم فلم تصح إليه بغير خلاف نعلمه ، والفاسق ; لأنه ليس بأمين ، ولا من أهل الشهادة كالمجنون ، وكذا لا تصح إلى من لا يهتدي إلى التصرف لسفه أو مرض أو هرم ، ونحوه ، ( وعنه : تصح إلى الفاسق ، ويضم الحاكم إليه أمينا ) اختاره الخرقي جمعا بين نظر الموصي وحفظ المال ، وشرطه إن أمكن الحفظ به ، صرح به في الفروع ، وغيره ، وعنه تصح إليه مطلقا ، أي : لا يفتقر إلى أمين ، حكاها أبو الخطاب في خلافه ، وأخذها في المغني من رواية ابن منصور إذا كان متهما لم يخرج من يده ، ولأنه أهل الائتمان في الجملة بدليل جواز إيداعه لكن تتمة رواية ابن منصور ، ويجعل معه آخر كرواية يوسف بن موسى ، إن كان متهما ، ضم إليه أمين يعلم ما جرى ، ولا تنزع الوصية منه ، وذكرها جماعة في فسق طارئ فقط ، وقيل : عكسه ، وترجمة الخلال : هل للورثة ضم أمين مع الوصي المتهم ، ثم إن ضمه بأجرة من الوصية ، توجه جوازه ومن الوصي ، فيه نظر بخلاف ضمه مع الفسق ، وعلم منه أنه لا نظر لحاكم مع وصي خاص كفء .

[ ص: 102 ] قال الشيخ تقي الدين فيمن أوصي إليه بإخراج حجة : ولاية الدفع ، والتعيين للناظر الخاص ، وإنما للولي العام الاعتراض لعدم أهليته أو فعله محرما فظاهره : أنه لا نظر ، ولا ضم مع وصي غير متهم ، وذكره جماعة ( وإن كانوا على غير هذه الصفات ثم وجدت بعد الموت ، فهل تصح على وجهين ؛ ) أحدهما - وهو الأصح - أنه يعتبر وجود هذه الشروط في الوصي عند الوصية والموت ; لأنها شروط العقد ، فيعتبر حال وجوده كسائر العقود ، والثاني : أنها تعتبر حالة الموت حسب ، كالوصية له ، ولأن شروط الشهادة تعتبر حالة التحمل ، لا الأداء ، ورد : بأن الوصية صحيحة ، وإن كانت لوارث ، وإنما يعتبر عدم الإرث وخروجها من الثلث للنفوذ واللزوم ، فاعتبر بحالته بخلاف مسألتنا ، فإنها شروط لصحة العقد ، فاعتبر بحالة العقد ، ولا ينفع وجودها بعده ، وقيل : يعتبر ما بينهما .

( وإذا أوصى إلى واحد ، وبعده إلى آخر ، فهما وصيان ) نص عليه ، كما لو أوصى إليهما جميعا ( إلا أن يقول : قد أخرجت ) أو عزلت ( الأول ) فإنها تبطل وصيته ; لأنه قد صرح بعزله ، فانعزل كما لو وكله ، ثم عزله ( وليس لأحدهما ) أي : الوصيين سواء أوصى إليهما معا ، أو على التعاقب ( الانفراد بالتصرف ) لأنه لم يرض بنظره وحده كالوكيلين ( إلا أن يجعل ذلك إليه ) فإنه ينفرد بالتصرف نص عليه ، كما لو كان منفردا ، وعلى الأول متى تعذر اجتماعهما أقام الحاكم مكان الغائب أمينا ، ذكره في المغني والشرح ، فلو اختلفا في جعل المال عند من يكون منهما ، جعل في مكان ، يكون تحت أيديهما جميعا ، وقال مالك : يجعل عند أعدلهما ، وقال أصحاب الرأي : يقسم بينهما ، وهو المنصوص [ ص: 103 ] عند الشافعي ، ( وإن مات أحدهما ) ، أو وجد منه ما يوجب عزله ( أقام الحاكم مكانه أمينا ) لزوما ; لأن الموصى لم يرض بنظره وحده ، فلو أراد الحاكم أن يكتفي بالثاني لم يجز ، وإن وجد منهما ما يقتضي المنع ، فللحاكم أن ينصب مكانهما ، وفي الاكتفاء بواحد وجهان ، كذا في الشرح ، والفروع ، ومحل ما ذكره المؤلف ما إذا أطلق ، فإن جعل لكل منهما التصرف ، لم يجز للحاكم إقامة اثنين ، وفي الرعاية : إذا مات أحدهما أو جن ، وعجز الآخر عنها ، أو فسق أقام اثنين ، كما لو عجزا أو فسقا ، وقيل : يكفي واحد ، وكذلك إن فسق ، أي يقيم الحاكم مقامه أمينا ، وعنه : يضم إليه أمين ، تقدم الكلام في صحة الوصية إلى الفاسق والكلام الآن على الفسق الطارئ ، فعند المؤلف ، هو مبني على الروايتين في صحة الوصية إليه ابتداء ، واختار القاضي وغيره البطلان ، ويقيم الحاكم مقامه أمينا ، وهو قول الثوري ، وإسحاق ، وحمل كلام أحمد ، والخرقي على الفسق الطارئ بعد الموت ، وعند المجد يبدل بأمين ، بلا نزاع نظرا إلى أن الوصي في الابتداء قد رضيه واختاره ، والظاهر : أنه إنما فعل ذلك لمعنى رآه فيه ، إما لزيادة حفظه أو إحكام تصرفه ، ونحوه مما يربو على ما فيه من الخيانة ، بخلاف ما لو طرأ فسقه ، فحال الموصي يقتضي أنه إنما رضي بعدل ولا عدل ، وذكر في الشرح أن التفريق بين الفسق المقارن ، والطارئ بعيد ، فإن الشروط في الدوام كاعتبارها في الابتداء ، سيما إذا كانت لمعنى يحتاج إليه في الدوام ، وإذا لم يكن بد من التفريق ، فاعتبار العدالة في الدوام أولى من قبل أن الفسق إذا كان موجودا حال الوصية ، فقد رضي به الموصي مع علمه بحاله ، وأوصى إليه راضيا [ ص: 104 ] بتصرفه مع فسقه ، فيشعر ذلك أنه علم أن عنده من الشفقة على اليتيم ما يمنعه من التفريط فيه ، وخيانته في ماله ، بخلاف ما إذا طرأ فسقه ، فإنه لم يرض به على تلك الحال ، والاعتبار برضاه .

( ويصح قبوله للوصية في حياة الموصي ) لأنه إذن في التصرف ، فصح قبوله بعد العقد كالوكالة ، بخلاف الوصية له ، فإنها تمليك في وقت ، فلم يصح القبول ، قبل الوقت ( وبعد موته ) لأنها نوع وصية ، فصح قبولها كالوصية ، ومتى قبل صار وصيا .

فرع : يجوز أن يجعل للوصي جعلا كالوكالة ، ومقاسمة الوصي الموصى له جائزة على الورثة ; لأنه نائب عنهم ، فمقاسمته للورثة على الموصى له غير جائزة ; لأنه ليس بنائب عنهم ، ( وله عزل نفسه متى شاء ) لأنه متصرف بالإذن كالوكيل ، وظاهره مع القدرة في حياة الموصي ، وضدها ( وعنه : ليس له ذلك بعد موته ) ذكرها ابن أبي موسى ، وقاله أبو حنيفة ، وزاد : وعنه لا يجوز في حياته إلا بحضرته ; لأنه غره بالتزام وصيته ومنعه بذلك الإيصاء إلى غيره ، ونقل الأثرم ، وحنبل : له عزل نفسه إن وجد حاكما ، قدمه في المحرر ، وعنه : ليس له ذلك قبل موته إذا لم يعلمه ، قيل لأحمد : إن قبلها ، ثم غير الوصية فيها ، قال : لا يلزمه قبولها إذا غير فيها .

مسألة : ما أنفقه وصي متبرع بمعروف في ثبوتها ، فمن مال يتيم ذكره الشيخ تقي الدين .

[ ص: 105 ] ( وللوصي عزله متى شاء ) كالموكل ( وليس للوصي أن يوصي ) أي : إذا أطلق على المذهب ; لأنه قصر في توليته فلم يكن له التفويض كالوكيل ( إلا أن يجعل ذلك إليه ) بأن يقول : أذنت لك أن توصي إلى ما شئت ، أو كل من أوصيت إليه ، فقد أوصيت إليه ، أو هو وصي ، فإنه يصح في قول أكثر العلماء كالوكيل إذا أمر بالتوكيل ( وعنه : له ذلك ) مطلقا ; لأن الأب أقامه مقام نفسه ، فملك الوصية كالأب ، والفرق واضح ، فإن الأب يلي من غير تولية أحد ، وحكى في الرعاية قولا : أن الروايتين فيما يتولى مثله ، ويصح فيما لا يتولاه مثله ، وقيل : إن أذن له في الوصية إلى شخص معين ، جاز وإلا فلا .

تنبيه : إذا قال : أوصيت إلى زيد ، فإن مات ، فعمرو ، صح رواية واحدة ، ويكون كل منهما وصيا إلا أن عمرا بعد زيد ، ومثله : أوصى إليه ، ثم قال : إن تاب ابني عن فسقه ، أو قدم من غيبته ، أو صح من مرضه ، أو رشد ، صار الثاني وصيا عند الشرط ، ذكره الأصحاب ، أو هو وصيي سنة ، ثم عمرو للخبر : " أميركم زيد " ، والوصية كالتأمير ، قال في الفروع : ويتوجه لا ; لأن الوصية استنابة بعد الموت ، فهي كالوكالة في الحياة ، ولهذا هل للوصي أن يوصي ، ويعزل من وصى إليه ، ولا يصح إلا في معلوم ، وللموصي عزله ، وغير ذلك كالوكيل ، فلهذا لا يعارض ذلك ما ذكره القاضي وجماعة إذا قال الخليفة : الإمام بعدي فلان ، فإن مات فلان في حياتي أو تغير حاله ، فالخليفة فلان ، صح ، وكذا في الثالث والرابع ، وإن قال : فلان ولي عهدي ، فإن ولي ثم مات ففلان بعده ، لم يصح للثاني ، وعللوه بأنه إذا ولي صار إماما ، وصار [ ص: 106 ] التصرف ، والنظر ، والاختيار إليه ، فكان العهد إليه فيمن يراه ، وفي التي قبلها جعل العهد إلى غيره عند موته ، وتعتبر صفاته في الحالة التي لم تثبت للمعهود إليه إمامة ، وظاهر هذا أنه لو علق ولي الأمر ولاية الحكم أو وظيفة بشرط شغورها ، أو بشرط فوجد الشرط بعد موت ولي الأمر والقيام مقامه ، أن ولايته تبطل ، وأن النظر والاختيار لمن قام مقامه ، يؤيده أن الأصحاب اعتبروا ولاية الحكم بالوكالة في مسائل ، فإنه لو علق عتقا أو غيره بشرط ، بطل بموته لزوال ملكه ، فتبطل تصرفاته انتهى ، وذكر بعض المحققين أن في اعتبار الولاية بالوكالة نظرا ; لأن تعليق الوكالة بالموت لا تصح بخلاف الولاية ، كما إذا عهد الإمام لآخر بعده ، فإنه يصح ، فالأولى اعتبار الولاية بالوصية ; لأنها تتعلق بالموت لا الحياة ، بخلاف الوكالة ، فإنها لا تتعلق بالموت إجماعا ، وتبطل به ، فهي ضد الوكالة بصحتها بعد الموت خاصة ، والوكالة لا تصح إلا في الحياة ، فهما متضادتان ، فلا يلزم من صحتها بعد الموت صحتها في الحياة ، فإذا انقطعت ولاية العاهد قبل موته بعزله أو جنونه ، ينبغي أن يبطل عهده ، كما لو زال ملك الموصي عن العين الموصى بها قبل موته .

( ولا تصح الوصية إلا في ) تصرف ( معلوم ) ليعلم الموصى إليه ما وصي به إليه ليحفظه ، ويتصرف فيه ( يملك الموصى فعله كقضاء الدين وتفريق الوصية والنظر في أمر الأطفال ) لأن الوصي يتصرف بالإذن ، فلم يجز إلا في معلوم يملكه الموصي كالوكالة ، وليس هذا خاصا بالأطفال بل ذو الولاية إذا أوصى إلى من ينظر في أمر أولاده المجانين ومن لم يؤنس منهم رشد ، صح بأن يحفظ [ ص: 107 ] مالهم ، ويتصرف فيه بالأحظ ، فأما من لا ولاية له عليهم كالعقلاء الراشدين ، وغير أولاده من الإخوة والأعمام ، فلا تصح الوصية لعدم الولاية في الحياة .

فرع : تصح الوصية بحد ، يستوفيه له لا للموصى له ( وإذا أوصى إليه في شيء ، لم يصر وصيا في غيره ) لأنه استفاد التصرف بالإذن من جهته ، فكان مقصورا على ما أذن فيه كالوكيل ، وقال أبو حنيفة : يملك الكل ; لأنها ، ولاية تنتقل من الأب ، فلا تتبعض كولاية الحد ، وأجيب بمنع ولايته ، ولو سلم فاستفادها بالقرابة ، وهي لا تتبعض ، والإذن يتبعض ، فافترقا ، فإن وصى إليه في تركته ، وأن يقوم مقامه ، فهذا وصي في جميع أموره ، يبيع ويشتري إذا كان نظرا لهم .

( وإذا أوصى إليه بتفريق ثلثه فأبى الورثة إخراج ثلث ما في أيديهم أخرجه كله مما في يده ) نقله أبو طالب ; لأن حق الموصى له يتعلق بأجزاء التركة ، فجاز أن يدفع إليه مما في يده كما يدفع إلى بعض الورثة ( وعنه يخرج ثلث ما في يده ) لأنه موصى به ، ولا حق للورثة فيه ، وثلثاه ليس كذلك ( ويحبس باقيه حتى يخرجوا ) لأن إخراج بقية الثلث واجب ، وهذا وسيلة إليه ، وفي الفروع في جواز قضائه باطنا ، وتكميل ثلثه من بقية ماله روايتان ، وحملها في المغني والشرح على حالتين فالأولى : محمولة على ما إذا كان المال جنسا واحدا ; لأنه لا فائدة في انتظار إخراجهم ، والثانية : محمولة على ما إذا كان أجناسا ; لأنها تتعلق بثلث كل جنس ، فلم يجز أن يخرج عوضا عن ثلث ما في أيديهم مما في يده ; لأنها معاوضة تتعلق بتراضيهم ، وحكى ذلك في الرعاية قولا عن [ ص: 108 ] أحمد يرده إليهم ويطلبهم بالثلث ، فإن فرقه ، ثم ظهر دين مستغرق أو جهل موصى له ، فتصدق هو أو حاكم لم يضمن على الأصح ، وقال ابن حمدان : بل يرجع به كوفاء الدين .

( وإن أوصاه بقضاء دين معين فأبى الورثة ) أو جحدوا ، وتعذر ثبوت ( ذلك قضاه بغير علمهم ) أي : باطنا جزم به في الوجيز ، وهو المذهب ; لأنه واجب سواء رضوا به أو أبوه ، ولأنه لا حق لهم إلا بعد وفاء الدين ، والثانية : المنع ; لأنه لا يأمن رجوعهم عليه ، وقيل له في رواية أبي داود مع عدم البينة في الدين : أيحل له إن لم ينفذه ؛ قال : لا ، وعنه : إن أذن فيه حاكم جاز ، قيل لأحمد : فإن علم الوصي أن لرجل عليه حقا ، فجاء الغريم يطالب الوصي ، وقدمه إلى القاضي يستحلفه أن مالي في يديك حق ، قال : لا يحلف ، ويعلم القاضي بالقضية ، فإن أعطاه القاضي ، فهو أعلم ، أي : يقيم القاضي ثبوته ، ويشهد بما أمر به ، فلو صدقه وارث لزمه منه بقدر حقه ، نص عليه ، فإن كان ثم بينة ، ففي لزوم قضاءه نقلا حاكم ، ففي المغني والشرح في جوازه روايتان ، ما لا يصدقه وارثه المكلف ; لأنه إقرار منهم على أنفسهم .

مسألة : يسن الإيصاء بقضاء الدين ; لأنه إذا شرع له الوصية في حق غيره ، فحاجة نفسه أولى ، وهذا في الدين الذي لا يعجز عن وفائه في الحال ، فأما الذي يعجز عن وفائه في الحال ، فالوصاة به واجبة ، قاله بعضهم .

( وعنه : فيمن عليه دين لميت ، وعلى الميت دين أنه يقضي دين الميت إن لم يخف [ ص: 109 ] تبعة ) يعني إذا خاف أن يطلبه الورثة بما عليه ، وينكروا الدين على مورثهم فلا يقضيه ; لأنه لا يأمن رجوعهم عليه ، وإن لم يخف ذلك قضى دين الميت بما عليه من تبرئة ذمته وذمة الميت ، وفي براءة المدين باطنا بقضاء دين يعلمه على الميت الروايتان ، فإن كان عليه دين لميت ، ووصى به لزيد ، فله دفعه إليه ، أو إلى وصي الميت ، وإن لم يوص به ، ولا يقضيه عينا ، لم يبرأ بدفعه إلا إلى الوارث والوصي جميعا ، وقيل : يبرأ بدفعه إلى الوصي .

فرع : صرف أجنبي الموصى به لمعين ، وقيل : أو لغيره في جهته لم يضمنه ، وإن وصاه بإعطاء مدع دينا بيمينه ، نقده من رأس ماله ، قاله الشيخ تقي الدين ، ونقل ابن هانئ : ببينة ، ونقل عبد الله : يقبل مع صدق المدعي ، ونقل ابن هانئ : فيمن وصاه بدفع مهر امرأته لم يدفعه في غيبة الورثة .

التالي السابق


الخدمات العلمية