صفحة جزء
ويجوز أن يستمتع من الحائض بما دون الفرج ، فإن وطئها في الفرج ، فعليه نصف دينار كفارة ، وعنه : ليس عليه إلا التوبة ،


( ويجوز أن يستمتع من الحائض بما دون الفرج ) من القبلة ، واللمس ، والوطء بما دون الفرج في قول جماعة ، لقوله تعالى فاعتزلوا النساء في المحيض [ البقرة 222 ] قال ابن عباس : فاعتزلوا نكاح فروجهن ، رواه عبد بن حميد ، وابن جرير ، ولأن المحيض هو اسم لمكان الحيض في ظاهر كلام أحمد ، وقاله ابن عقيل ، كالمقيل ، والمبيت ، فيختص التحريم بمكان الحيض ، وهو الفرج ، ولهذا لما نزلت هذه الآية قال النبي - صلى الله عليه وسلم - : اصنعوا كل شيء إلا النكاح رواه مسلم . وفي لفظ " الجماع " رواه أحمد وغيره ، ولأنه وطء منع للأذى ، فاختص بمحله كالدبر ، وقيل : المحيض زمن الحيض قاله في " الرعاية " وغيرها ، فالاعتزال على هذا اعتزالهن مطلقا كاعتزال المحرمة والصائمة ، ويحتمل اعتزال ما يراد منهن في الغالب ، وهو الوطء في الفرج ، قال الشيخ تقي الدين : هذا هو المراد ، لأنه قال : هو أذى فاعتزلوا ، فذكر الحكم بعد الوصف بالفاء ، فدل على أن الوصف هو العلة ، لا سيما وهو مناسب للحكم كآية السرقة ، والأمر بالاعتزال في الدم للضرر والتنجيس ، وهو مخصوص بالفرج ، فيختص الحكم بمحل سببه ، وقال ابن قتيبة : المحيض : الحيض نفسه لقوله تعالى : قل هو أذى ولا شك أن الاستمتاع بما فوق السرة ، وتحت الركبة جائز إجماعا ، فكذا ما بينهما ، وعلى هذا يسن ستر فرجها عند مباشرة غيره ، وقال ابن حامد : يجب ، وعن أحمد : لا يجوز أن يستمتع بما بينهما ، وجزم به في " النهاية " لخوفه مواقعة المحظور ، لما روى عبد الله بن سعد : أنه سأل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ما يحل لي من امرأتي ، وهي حائض ؛ قال : لك ما فوق الإزار [ ص: 265 ] رواه أبو داود ، وأجيب بأنه من رواية حزام بن حكيم ، وقد ضعفه ابن حزم وغيره . سلمنا صحته ، فإنه يدل بالمفهوم ، والمنطوق راجح عليه ، وما روى البخاري عن عائشة : أن النبي - صلى الله عليه وسلم - كان يأمرني أن أتزر ، فيباشرني وأنا حائض لأنه كان يترك بعض المباح تقذرا كتركه أكل الضب .

( فإن وطئها ) من يجامع مثله ، ولو بلف خرقة قبل انقطاعه ( في الفرج فعليه نصف دينار كفارة ) كذا في " المحرر " وهو رواية لما روي : أن عمر بن الخطاب وقع على جارية له ، فوجدها حائضا ، فأتى النبي - صلى الله عليه وسلم - فذكر ذلك له ، فقال : يغفر الله لك يا أبا حفص ، تصدق بنصف دينار رواه حرب ، وظاهر المذهب أن الكفارة دينار أو نصفه على وجه التخيير ، لما روى ابن عباس عن النبي - صلى الله عليه وسلم - في الذي يأتي امرأته وهي حائض قال : يتصدق بدينار أو نصفه رواه أحمد ، والترمذي ، وأبو داود ، وقال : هكذا الرواية الصحيحة ، وعنه : نصفه ، وعنه : نصفه في إدباره ، وعنه : بل في أصفر ، وما ذكرناه هو المشهور ، لأنه معنى تجب فيه الكفارة ، فاستوى الحال فيه بين إقباله وإدباره ، وصفاته كالإحرام ، لا يقال : كيف يخير بين الشيء ونصفه ؛ لأنه كتخيير المسافر بين الإتمام والقصر ، وظاهره لا فرق بين كونه ذهبا مضروبا أو تبرا ، نقله الجماعة ، واعتبر الشيخ تقي الدين كونه مضروبا ، قال في " الفروع " : هو أظهر ، لأن الدينار اسم له كما في الدية ، وذكر في " الرعاية " هل الدينار هنا عشرة أو اثنا عشر ؛ يحتمل وجهين ، ومراده : إذا أخرج دراهم كم يخرج ؛ وإلا فلو أخرج ذهبا لم تعتبر قيمته بلا شك ، وأنه لا فرق بين الناسي ، والمكره ، والجاهل [ ص: 266 ] بالحيض أو التحريم أو هما للعموم ، وعنه : لا كفارة ، قال القاضي ، وابن عقيل : بناء على الصوم والإحرام ، وبان بهذا أن من كرر الوطء في حيضة أو حيضتين ، أنه في تكرار الكفارة كالصوم ، فإن وطئها طاهرا ثم حاضت ، فإن استدام لزمته الكفارة ، وإن نزع انبنى على الخلاف هل هو جماع أم لا ؛ والمنصوص أنها تلزمه الكفارة ، لأنه وإن كان معذورا ، فهي واجبة بالشرع كالصوم ، وأن المرأة لا كفارة عليها ، وهو وجه ، لأن الإيجاب بالشرع لم يرد ، والمنصوص أن عليها الكفارة ككفارة الوطء في الإحرام ، ومقتضاه أنها إذا كانت مكرهة عالمة لا شيء عليها ، كالصبي لعدم تكليفه ، وظاهر كلامه ، واختاره ابن حامد أنها تلزمه للعموم ، وهما في القيمة ، والكفارة للفقراء ، وتجزئ إلى مسكين واحد كنذر مطلق ، وتسقط بالعجز عنها على الأصح ، وعنه : تلزمه بوطء دبر ، وهو غريب .

فرع : الوطء في الحيض ليس بكبيرة خلافا للشافعي ، وإنما شرعت الكفارة زجرا عن معاودته ، ولهذا أغنى وجوبها عن التعزير في وجه ( وعنه : ليس عليه إلا التوبة ) قدمه ابن تميم ، وجزم به في " الوجيز " وهو قول أكثر العلماء لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - : من أتى حائضا أو امرأة في دبرها ، أو كاهنا فصدقه بما يقول ، فقد كفر بما أنزل على محمد رواه ابن ماجه ، وضعفه البخاري ، ولأنه وطء نهي عنه ، لأجل الأذى أشبه الوطء في الدبر ، وكما لو وطئ بعد انقطاعه قبل غسلها في المنصوص ، وحديث الكفارة مداره على عبد الحميد بن زيد [ ص: 267 ] بن الخطاب قيل لأحمد : في نفسك منه شيء ؛ قال : نعم ، قال : ولو صح ذلك لكنا نرى عليه الكفارة .

تذنيب : بدن الحائض ، وعرقها ، وسؤرها طاهر ، ولا يكره طبخها وعجينها ، وغير ذلك ، ولا وضع يديها على شيء من المائعات ، ذكره ابن جرير إجماعا ، ولعل المراد ما لم يفسد من المائعات بملاقاة بدنها ، وإلا توجه المنع فيها ، وفي المرأة الجنب قاله في " الفروع " .

التالي السابق


الخدمات العلمية