صفحة جزء
فصل وللأم أربعة أحوال : حال لها السدس ، وهي مع وجود الولد ، أو ولد الابن ، أو الاثنين من الإخوة والأخوات ، وحال لها الثلث ، وهي مع عدم هؤلاء ، وحال لها ثلث الباقي ، وهي من زوج وأبوين ، وامرأة وأبوين لها ثلث الباقي بعد فرض الزوجين ، وحال رابع ، وهي إذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنى ، أو منفيا بلعان ، فإنه ينقطع تعصيبه من جهة من نفاه ، فلا يرثه هو ، ولا أحد من عصباته ، وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم ، وعصبته عصبة أمه ، وعنه : أنها هي عصبته ، فإن لم تكن ، فعصبتها عصبته ، فإذا خلف أما وخالا ، فلأمه الثلث وباقيه للخال ، وعلى الرواية الأخرى الكل للأم ، فإن كان معهم أخ لأم ، فله السدس ، والباقي له ، أو للأم على الرواية الثانية ، وإذا مات ابن ابن ملاعنة ، وخلف أمه وجدته ، فلأمه الثلث ، وباقيه للجدة على إحدى الروايتين ، وهذه جدة ورثت مع أم أكثر منها .


فصل

( وللأم أربعة أحوال : حال لها السدس ، وهي مع وجود الولد أو ولد الابن ) لقوله تعالى ولأبويه لكل واحد منهما السدس مما ترك إن كان له ولد [ النساء 11 ] وولد الولد ولد حقيقة أو مجازا ، قال الماوردي : انعقد الإجماع في ولد الولد ، ولم يخالف فيه إلا مجاهد ( أو الاثنين من الإخوة والأخوات ) كاملي الحرية في قول الجمهور ، وقال ابن عباس : لا يحجبها عن الثلث إلى السدس إلا ثلاثة ، وحكي عن معاذ : لقوله تعالى فإن كان له إخوة فلأمه السدس وأقل الجمع ثلاثة ، وجوابه : بأن الجمع قد يعبر عن الاثنين ، قال الزمخشري : لفظ الإخوة هنا يتناول الأخوين ; لأن المقصود الجمعية المطلقة من غير كمية . وفي صحيح الحاكم - وقال : صحيح الإسناد - إن ابن عباس احتج على عثمان ، وقال : كيف نردها إلى السدس بالأخوين ، وليسا بإخوة ؛ فقال عثمان : لا أستطيع رد شيء كان قبلي ، ومضى في البلدان ، وتوارث الناس به ، فهذا يدل على الإجماع قبل مخالفة ابن عباس ، وروي أنه قال : حجبها قومك يا غلام ، ولأنه حجب يتعلق بتعدد ، فكان الاثنان أوله ، كحجب البنات لبنات الابن ، يؤيده قوله تعالى وإن كانوا إخوة رجالا ونساء الآية ، وهذا الحكم ثابت في أخ وأخت ، وقد أكد ذلك بأن جماعة من أهل اللغة جعلوا الاثنين جمعا حقيقة [ ص: 128 ] وقد أغرب الحسن البصري ، فقال : لا يحجبها إلا ثلاثة إخوة ذكور ، وعندنا لا فرق في حجبها بين الذكر والأنثى ، ولو كانا غير وارثين ، لسقوطهما بالأب ، لا بمانع قام بهما .

( وحال لها الثلث وهي مع عدم هؤلاء ) أي : مع عدم من ذكر من الولد أو ولد ابنه أو اثنين من الإخوة والأخوات من أي الجهات كانوا ، لا نعلم فيه خلافا ، وسنده قوله تعالى فإن لم يكن له ولد وورثه أبواه فلأمه الثلث [ النساء 11 ] ( وحال لها ثلث الباقي ، وهي من زوج وأبوين ، وامرأة وأبوين لها ثلث الباقي بعد فرض الزوجين ) وهاتان المسألتان تسميان العمريتين ; لأن عمر رضي الله عنه قضى بذلك ، ووافقه عثمان ، وزيد بن ثابت ، وابن مسعود ، وروي عن علي ، وقاله الحسن والثوري ، وقال ابن عباس : لها ثلث المال كله فيهما ; لأن الله فرض لها الثلث عند عدم الولد والإخوة ، ويروى عن علي ، قال أحمد : وهو ظاهر القرآن ، واختاره ابن اللبان ، وقاله ابن سريج ، في زوج وأبوين ، وفصل ابن سيرين ، فقال كقول الجماعة في زوج وأبوين ، وكقول ابن عباس في امرأة وأبوين ، وقاله أبو ثور ; لأنا لو فرضنا لها ثلث المال في الأولى ، لفضلناها على الأب ، وهو ممتنع ، وفي مسألة الزوجة لا يتأتى ذلك .

قال المؤلف : والحجة مع ابن عباس لولا انعقاد الإجماع من الصحابة على خلافه ; لأن الفريضة إذا جمعت أبوين وذا فرض كان للأم ثلث الباقي ، كما لو كان معها بنت ، ويخالف الأب الجد ; لأن الأب في درجتها والجد أعلى منها ، ولأن ميراثها هو ما سوى ميراث الزوجين ، فلم يجز أن يزاد على ثلث ما ورثه الأبوان ، ولأن ما يأخذه أحد [ ص: 129 ] الزوجين إنما يأخذه بالسبب ، وما يؤخذ بالسبب 1 كالطارئ على التركة ، فإذا الباقي بعده يكون بين الأبوين ، فعلى هذا تكون المسألة الأولى من اثنين ، وتصح من ستة ، والثانية تصح من أربعة ، وإنما قالوا : لها ثلث الباقي ، ولم يقولوا : سدس المال من الأولى ، وربعه من الثانية ، محافظة على الأدب في موافقة القرآن ، وعبر به في " الوجيز " اعتبارا بالحاصل ، وما ذهب إليه ابن سيرين تفريق في موضع أجمع الصحابة على التسوية فيه ، ثم إنه مع الزوج يأخذ مثل ما أخذت الأم كذلك مع المرأة قياسا عليه .

( وحال رابع ، وهي إذا لم يكن لولدها أب لكونه ولد زنى ) لأنه لا ينسب إلى الزاني ( أو منفيا بلعان فإنه ينقطع تعصيبه من جهة من نفاه ) أي : إذا لاعن الرجل امرأته ، وانتفى من ولدها ، وفرق الحاكم بينهما ، انتفى ولدها عنه ، وانقطع تعصيبه من جهة الملاعن ( فلا يرثه هو ولا أحد من عصباته ، وترث أمه وذوو الفروض منه فروضهم ) وينقطع التوارث بين الزوجين ، لا نعلم فيه خلافا ، فإن مات أحدهما قبل تمام اللعان ورثه الآخر في قول الجمهور ، فإن تم اللعان بينهما ، فمات أحدهما قبل تفريق الحاكم ، لم يتوارثا في الأشهر ; لأن اللعان يقتضي التحريم المؤبد ، فلم يعتبر فيه التفريق كالرضاع ، والثانية : يتوارثان ; لأنه عليه السلام فرق بينهما ، ولو حصل التفريق باللعان ، لم يحتج إلى تفريقه ، لكن لو فرق بينهما قبل تمامه ، لم تقع الفرقة ، ولم ينقطع التوارث في قول الجماعة ، وهذا في توارث الزوجين ، فأما الولد ، فالأصح أنه ينتفي عن الملاعن إذا تم اللعان بينهما من غير اعتبار تفريق الحاكم ، فإن لم يكن ذكره في اللعان ، لم [ ص: 130 ] ينتف عن الملاعن ، ولم ينقطع التوارث بينهما . وقال أبو بكر : ينتفي بزوال الفراش ; لأنه عليه السلام نفى الولد عن الملاعن ، وألحقه بأمه ، ولم يذكره في لعانه ; لأنه كان حملا في البطن ، وفي " الرعاية " إن قذفها ، ولاعنها في مرض موته ، ورثته ، وقيل : لا ، وإن قذفها في صحته ، ولاعنها في مرض موته ، وافترقا فمات ، فروايتان ، وإن أكذب نفسه ، لم يرثه ، فإن نفى في لعانه ولدها ، انقطع نسبه عنه ، ولم يتوارثا ، فإن استلحقه بعد ، لحقه وتوارثا .

تنبيه : إذا ادعته امرأة دون زوجها ، وألحق بها ، فهو كولد الملاعنة ، وكذا لو ادعاه الزاني ، وقوة اللعان والزنى وفروعهما ولداه ، ولا يورثون بأخوة الأب على المذهب .

( وعصبته ) بعد ذكور ولده ، وإن نزل ( عصبة أمه ) في الإرث ، نقله الأثرم وحنبل ، وروي عن علي ، وابن عباس ، وابن عمر ، وقاله جمع لقوله عليه السلام : ألحقوا الفرائض بأهلها الخبر ، وأولى الرجال به أقارب أمه ، ولو كانت عصبة كأبيه لحجبت الإخوة ، ولأن مولاها مولى أولادها ، فيجب أن يكون عصبتها عصبته كالأب ، فإن كانت أمه مولاة ، فما بقي فلمولاها ، وإلا جعل لبيت المال ، وروي عن ابن عباس نحوه ، وقاله جمع من التابعين وأهل المدينة ( وعنه : أنها هي عصبته ، فإن لم تكن ، فعصبتها عصبته ) نقلها أبو الحارث ومهنا ، وهو قول ابن مسعود ، اختارها أبو بكر ، والشيخ تقي الدين ، لما روى عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا أنه جعل ميراث ابن الملاعنة لأمه ولورثتها من بعدها رواه أبو داود ، وعن ، واثلة بن الأسقع عن النبي صلى الله عليه وسلم [ ص: 131 ] قال : تحوز المرأة ثلاثة مواريث : عتيقها ، ولقيطها ، وميراث ولدها التي لاعنت عليه رواه أبو داود ، والترمذي ، وقال : حسن غريب ، ولأنها قامت مقام الأب في انتسابه إليها ، فقامت مقامه في حيازة ميراثه ، ولأنهم عصبات أدلوا بها ، فلم يرثوا معها كأقارب الأب معه ، وعنه : إن كان لهما ذو فرض رد عليهم ، فإن عدم فعصبتها عصبته ، فعلى الأولى يرث أخوه لأمه مع بنته لا أخته ، ويعايا بها ، ولو خلف خالا وخالة ، أو خالا ومولى أم ، فالمال للخال رواية واحدة ، فإذا مات عتيق ابن الملاعنة عن الملاعنة وعصبتها ، فقيل : المال لعصبتها على الروايات ، والأصح أنه مبني على القول بتعصيبها ، فإن لم يترك ابن الملاعنة ذا سهم ، فالمال لعصبة أمه في قول الجماعة ، ونقل الخلال في جامعه : أنهم يعقلون عنه .

( فإذا خلف أما وخالا ، فلأمه الثلث ) لأنه فرضها ( وباقيه للخال ) أي : على الرواية الأولى ; لأنه عصبتها ( وعلى الرواية الأخرى الكل للأم ) لأنها عصبته ، وعلى الثالثة يستوعب المال بالفرض والرد ، وهي قول ابن مسعود ، ومذهب زيد الباقي لبيت المال ( فإن كان معهم أخ لأم ، فله السدس ) لأنه فرضه ( والباقي له ) أي : للأخ من الأم ; لأنه عصبتها دون الخال ; لأنه محجوب ( أو للأم على الرواية الثانية ) وهذا كله بعد أخذ الأم الثلث ، والأخ السدس ; لأنه لو لم يكن كذلك ، لما كان للأم شيء ، على الرواية الأولى ، وليس كذلك وفاقا ، فإن كان معهما مولى أم ، فلا شيء له عندنا ، وقال زيد وموافقوه : له الباقي ، وإن لم يكن لأمه عصبة إلا مولاها ، فالباقي له إذا قلنا : عصبتها عصبته ، وعلى الأخرى : هو للأم ، وقاله ابن مسعود ; لأنها عصبة ابنها ( وإذا مات ابن ابن ملاعنة ، وخلف [ ص: 132 ] أمه وجدته ) أم أبيه الملاعنة ( فلأمه الثلث ) لأنه فرضها ( وباقيه للجدة على إحدى الروايتين ) وهي قول ابن مسعود ; لأنها هي الملاعنة ، فهي عصبته ، فيكون لها الباقي ( وهذه جدة ورثت مع أم أكثر منها ) فيعايا بها ; لأنها ورثت الثلثين مع إرث الأم الثلث ، فهو مثلا نصيبها ; لأنها عصبة على رواية ، فيكون لها الباقي ، وعلى الأخرى : الكل للأم ، الثلث بالفرض ، والباقي بالرد ، وهو قول علي ، فإذا مات ابن ابن الملاعنة عن عمه وعم أبيه ، فالمال لعمه ، وقال بعض العلماء : عم الأب أولى ; لأنه ابن الملاعنة ، ورد بأن العصبات إنما يعتبر أقربهم من الميت ، لا من آبائه ، فأما ولد بنت الملاعنة ، فليست الملاعنة عصبة لهم في قول الجميع ، وإن مات ابن الملاعنة ، وخلف ابنه ، وإن نزل وأمه ، فلأمه السدس ، والباقي للابن على الروايات كلها .

التالي السابق


الخدمات العلمية