صفحة جزء
فصل وللبنت الواحدة النصف ، فإن كانتا اثنتين فصاعدا ، فلهن الثلثان ، وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات ، فإن كانت بنت وبنات ابن ، فللبنت النصف ، ولبنات الابن - واحدة كانت أو أكثر من ذلك - السدس تكملة الثلثين ، إلا أن يكون معهن ذكر ، فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين ، وإن استكمل البنات الثلثين ، سقط بنات الابن إلا أن يكون معهن أو أنزل منهن ذكرا فيعصبهن فيما بقي .


[ ص: 137 ] فصل

( وللبنت الواحدة ) من الصلب ( النصف ) بغير خلاف ، وسنده قوله تعالى وإن كانت واحدة فلها النصف [ النساء 11 ] وقضاؤه عليه الصلاة والسلام : ( فإن كانتا اثنتين فصاعدا فلهن الثلثان ) لقوله تعالى فإن كن نساء فوق اثنتين فلهن ثلثا ما ترك وهو إجماع إلا رواية شذت عن ابن عباس : أن الاثنتين فرضهما النصف أخذا بالمفهوم ، والآية ظاهرة الدلالة على ما زاد على اثنتين ، ووجه دلالتها عليهما أن الآية وردت على سبب خاص ، وهو ما رواه جابر ، قال : جاءت امرأة سعد بن الربيع بابنتيها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقالت : هاتان ابنتا سعد ، قتل أبوهما معك يوم أحد ، وابن عمهما أخذ مالهما ، فلم يدع لهما شيئا من مال ، قال : يقضي الله في ذلك ، فنزلت آية المواريث ، فدعا النبي صلى الله عليه وسلم ابن عمهما ، فقال : أعط ابنتي سعد الثلثين ، وأعط أمهما الثمن ، وما بقي فهو لك . رواه أبو داود وصححه الترمذي ، والحاكم ، ووقع في " المغني " ، و " الشرح " أنه قال لأخي سعد ، فدلت الآية على فرض ما زاد على الاثنتين ، ودلت السنة على فرض الاثنتين ، فهذا من السنة بيان ونسخ لما كان عليه أمر الجاهلية من توريث الذكور دون الإناث ، و " فوق " في الآية الكريمة ، ادعي زيادتها ، كقوله تعالى ( فاضربوا فوق الأعناق ) أي : اضربوا الأعناق ، ورده ابن عطية وجماعة ، إذ الأسماء لا تجوز زيادتها لغير معنى ، وفوق في قوله تعالى ( فاضربوا فوق الأعناق غير زائدة ; لأن الضرب يكون في أعلى العنق في المفصل ، وقيل : المعنى اثنتين فما [ ص: 138 ] فوق ، ولأن الأخوات أضعف من البنات ، وقد جعل للأختين الثلثين أيضا مع بعد الدرجة ، فللبنتين الثلثان مع قرب الدرجة من باب أولى ، واختلف فيما ثبت به فرض الاثنتين ، فقيل : بالقرآن ; لأنه تعالى ذكر حكم البنت وحكم الثلاث بنات دون حكم البنتين ، وذكر حكم الأخت والأختين دون ما زاد ، فوجب حمل كل من الآيتين على الأخرى لظهور المعنى ، ورد بأن ذلك لا يخرجه عن القياس ، وقيل : بالسنة ، وقيل : بالبينة ، وقيل : بالإجماع ، وقيل : بالقياس ، وما روي عن ابن عباس رجحه ابن حزم في بعض كتبه ، لكن قال الشريف الأموي : صح عن ابن عباس رجوعه عن ذلك ، وصار إجماعا ، إذ الإجماع بعد الاختلاف حجة . ومما يؤكد أن للبنتين الثلثين ، أن الله تعالى ( قال للذكر مثل حظ الأنثيين ) وهو لو كان مع واحدة كان حظها الثلث ، فأولى وأحرى أن يجب لها مع أختها .

( وبنات الابن بمنزلة البنات إذا لم يكن بنات بالإجماع ) لأن بنت الابن بنته ، كما أن ابن الابن ابنه ، ولدخوله في المنصوص ، سواء كانت بنات الابن من أب واحد أو آباء ، فإنهن يشتركن في الثلثين ، وكان ينبغي أن يقول : إذا لم يكن بنتان ; لأن بنات الابن لا يرثن مع البنتين شيئا ، ( فإن كانت بنت وبنات ابن ، فللبنت النصف ، ولبنات الابن واحدة كانت أو أكثر من ذلك السدس تكملة الثلثين ) ، وبالإجماع ، واختصت البنت بالنصف ; لأنه مفروض لها ، والاسم يتناولها حقيقة فبقي السدس لبنات الابن تمام الثلثين . وعن هزيل بن شرحبيل ، قال : سئل أبو موسى عن ابنة ، وابنة ابن ، وأخت ، فقال : للبنت النصف ، وللأخت [ ص: 139 ] النصف ، وائت ابن مسعود فسيتابعني ، فسأل ابن مسعود ، وأخبر بقول أبي موسى ، فقال : لقد ضللت إذن ، وما أنا من المهتدين ، أقضي فيها بما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم للابنة النصف ، ولابنة الابن السدس تكملة الثلثين ، وما بقي ، فللأخت ، فأتينا أبا موسى ، فأخبرناه بقول ابن مسعود ، فقال : لا تسألوني ما دام هذا الحبر فيكم ، رواه البخاري ( إلا أن يكون معهن ) أي : مع بنات الابن ( ذكر ) في درجتهن ( فيعصبهن فيما بقي للذكر مثل حظ الأنثيين ) في قول جمهور الفقهاء من الصحابة ، ومن بعدهم لقوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم الآية ، وانفرد ابن مسعود ، فقال : لبنات الابن الأضر بهن من المقاسمة أو السدس ، وذلك مبني على أصله ، وهو أن بنت الابن لا يعصبها أخوها ، إذا استكمل البنات الثلثين ، وقد ناقض في المقاسمة إذا كان يضر بهن ، وكان ينبغي أن يعطيهن السدس على كل حال .

( وإن استكمل البنات الثلثين سقط بنات الابن ) بالإجماع ; لأنه تعالى لم يفرض للأولاد إذا كانوا نساء إلا الثلثين ، قليلات كن أو كثيرات ، وهؤلاء لم يخرجن عن كونهن نساء من الأولاد ، وقد ذهب الثلثان ، والمشاركة ممتنعة ; لأنهن دون درجتهن ( إلا أن يكون معهن ) كأخيهن أو ابن عمهن ، ( أو أنزل منهن ذكرا ) كابن أخيهن أو ابن عمهن أو ابن ابن عمهن ( فيعصبهن فيما بقي ) للذكر مثل حظ الأنثيين ، هذا قول علي ، وزيد ، وسائر الفقهاء غير ابن مسعود ، ومن وافقه ، فإنه خالف الصحابة في ست مسائل هذه إحداهن فجعل الباقي للذكر دون أخواته ، وقاله أبو ثور ; لأن النساء لا يرثن أكثر من الثلثين بدليل ما لو انفردن .

[ ص: 140 ] وجوابه : بأنه قد دخلن في عموم قوله تعالى ( يوصيكم الله في أولادكم ) بدليل تناول اللفظ لهن ، لو لم يكن بنات ، وعدم البنات لا يوجب لهن هذا الاسم ، ولأن كل ذكر وأنثى يقتسمون المال إذا لم يكن معهم ذو فرض يجب أن يقسمها الفاضل عنه كأولاد الصلب ، والإخوة مع الأخوات .

التالي السابق


الخدمات العلمية