صفحة جزء
[ ص: 192 ] باب ذوي الأرحام وهم كل قرابة ليس بذي فرض ولا عصبة ، وهم أحد عشر صنفا : ولد البنات ، وولد الأخوات ، وبنات الإخوة ، وبنات الأعمام ، وبنو الإخوة من الأم ، والعم من الأم ، والعمات ، والأخوال ، والخالات ، وأبو الأم ، وكل جدة أدلت بأب بين أمين أو بأب أعلى من الجد ، ومن أدلى بهم ، ويرثون بالتنزيل ، وهو أن تجعل كل شخص بمنزلة من أدلى به ، فتجعل ولد البنات والأخوات كأمهاتهم ، وبنات الإخوة والأعمام ، وولد الإخوة من الأم كآبائهم ، والأخوال والخالات وأبا الأم كالأم ، والعمات والعم من الأم كالأب ، وعنه : كالعم . ثم تجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به ، فإن أدلى جماعة منهم بواحد ، واستوت منازلهم منه ، فنصيبه بينهم بالسوية ، ذكرهم وأنثاهم سواء وعنه : للذكر مثل حظ الأنثيين إلا ولد الأم ، وقال الخرقي : يسوى بينهم إلا الخال والخالة وإذا كان ابن وبنت أخت وبنت أخت أخرى ، فلبنت الأخت وحدها النصف ، وللأخرى وأخيها النصف بينهما ، وإن اختلفت منازلهم من المدلى به ، جعلته كالميت ، وقسمت نصيبه بينهم على ذلك ، كثلاث خالات مفترقات ، وثلاث عمات مفترقات ، فالثلث بين الخالات على خمسة أسهم ، والثلثان بين العمات كذلك ، فاجتزئ بإحداهما ، واضربها في ثلاثة ، تكن خمسة عشر ، للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة أسهم ، وللتي من قبل الأب سهم ، وللتي من قبل الأم سهم ، وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة أسهم ، وللتي من قبل الأب سهمان ، وللتي من قبل الأم سهمان ، فإن خلف ثلاثة أخوال مفترقين ، فللخال من الأم السدس ، والباقي للخال من الأبوين ، وإن كان معهم أبو أم ، أسقطهم ، كما يسقط الأب الإخوة . وإن خلف ثلاث بنات عمومة مفترقين ، فالمال لبنت العم من الأبوين وحدها وإن أدلى جماعة منهم بجماعة ، قسمت المال بين المدلى بهم كأنهم أحياء ، فما صار لكل وارث ، فهو لمن أدلى به ، وإن أسقط بعضهم بعضا ، عملت على ذلك ، وإن كان بعضهم أقرب من بعض ، فمن سبق إلى الوارث ورث وأسقط غيره إلا أن يكونا من جهتين ، فتنزل البعيد حتى يلحق بوارثه ، سواء سقط به القريب أو لا ، كبنت بنت بنت ، وبنت أخ لأم ، المال لبنت بنت البنت . والجهات أربع : الأبوة ، والأمومة ، والبنوة ، والأخوة ، وذكر أبو الخطاب العمومة جهة خامسة ، وهو مفض إلى إسقاط بنت العم من الأبوين ببنت العم من الأم وبنت العمة ، وما نعلم به قائلا ، ومن أمت بقرابتين ، ورث بهما ، فإن كان معهم أحد الزوجين أعطيته فرضه غير محجوب ولا معاول ، وقسمت الباقي بينهم ، كما لو انفردوا ، ويحتمل أن يقسم الفاضل عن الزوج بينهم ، كما يقسم بين من أدلوا به ، فإذا خلفت زوجا وبنت بنت وبنت أخت ، فللزوج النصف ، والباقي بينهما نصفين على الوجه الأول ، وعلى الآخر يقسم بينهما على ثلاثة ، لبنت البنت سهمان ، ولبنت الأخت سهم ، ولا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة واحدة وشبهها ، وهي خالة وست بنات : ست أخوات متفرقات تعول إلى سبعة .


باب ذوي الأرحام

هذا الباب معقود لبيان ذوي الأرحام ، وبيان ميراثهم ، والأرحام جمع رحم بوزن كتف ، وفيه اللغات الأربع في الفخذ ، وهو بيت منبت الولد ، ووعاؤه في البطن ، وقال الجوهري : الرحم رحم الأنثى ، وهي مؤنثة ، والرحم : القرابة ، وقال صاحب المطالع : هي معنى من المعاني ، وهو النسب والاتصال الذي يجمع والده ، فسمي المعنى باسم ذلك المحل تقريبا للأفهام ، ثم يطلق الرحم على كل قرابة ، والمراد هنا قرابة مخصوصة ، بدليل قوله :

( وهم كل قرابة ليس بذي فرض ، ولا عصبة ) وهم أحد الأقسام المذكورين في آخر كتاب الفرائض ، ثم شرع في بيان تعدادهم ، فقال ( وهم أحد عشر صنفا : ولد البنات ، وولد الأخوات ، وبنات الإخوة ، وبنات الأعمام ، وبنو الإخوة من الأم ، والعم من الأم ، والعمات ، والأخوال ، والخالات ، وأبو الأم ، وكل جدة أدلت بأب بين أمين ، أو بأب أعلى من الجد ، ومن أدلى بهم ) فهؤلاء يسمون ذوي الأرحام ، وهم وارثون ، حيث لم تكن عصبة ، ولا ذو فرض من أهل الرد ، روي ذلك عن عمر ، وعلي ، وأبي [ ص: 193 ] عبيدة ، ومعاذ ، وأبي الدرداء ، وقاله شريح ، وطاوس ، وعطاء ، وعلقمة ، ومسروق ، وعمر بن عبد العزيز ، وحكاه الخبري عن أبي هريرة ، وعائشة ، وسائر الفقهاء ، وكان زيد لا يورثهم ، ويجعل الباقي لبيت المال ، وعن أبي بكر ، وابن عباس ، وغيرهما نحوه ، وقاله الزهري ، والأوزاعي ، ومالك ، والشافعي ، لما روى عطاء بن يسار : أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ركب إلى قباء يستخير الله تعالى في العمة والخالة ، فأنزل الله : أن لا ميراث لهما رواه سعيد في سننه والدارقطني ، ولأن العمة ، وبنت الأخ لا يرثان مع إخوتهما ، فلا يرثان منفردتين كالأجنبيات ، ولأن انضمام الأخ إليهما يقويهما ، بدليل أن بنات الابن والأخوات من الأب يعصبهن أخوهن ، فإذا لم ترث هاتان مع أخيهما ، فمع عدمه أولى ، ولأن المواريث إنما ثبتت بالنص ، وهو منتف هنا ، وجوابه قوله تعالى وأولو الأرحام بعضهم أولى ببعض في كتاب الله أي : أحق بالتوارث في حكم الله تعالى ، قال العلماء : كان التوارث في ابتداء الإسلام بالحلف ، فكان الرجل يقول للرجل : دمي دمك ، ومالي مالك تنصرني وأنصرك ، وترثني وأرثك ، فيتعاقدان الحلف بينهما على ذلك ، فيتوارثان به دون القرابة ; لقوله تعالى والذين عقدت أيمانكم فآتوهم نصيبهم ثم نسخ ذلك ، وصار التوارث بالإسلام والهجرة ، فإذا كان له ولد ، ولم يهاجر ، ورثه المهاجرون دونه ; لقوله تعالى والذين آمنوا ولم يهاجروا ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ثم نسخ بقوله تعالى وأولو الأرحام الآية ، وعن المقداد ، أن النبي صلى الله عليه وسلم ، قال : الخال وارث من لا وارث له ، يعقل عنه ويرثه .

[ ص: 194 ] رواه الشافعي ، وأحمد ، وغيرهما ، ورجاله ثقات ، وروى أحمد ، وابن ماجه ، والترمذي ، وحسنه نحو هذا من حديث أبي أمامة ، قال الترمذي : وإلى هذا الحديث ذهب أكثر أهل العلم ، وروى الترمذي ، والدارقطني من حديث عائشة نحوه ، ورجاله ثقات ، وتكلم فيه بعضهم ، لا يقال : المراد أن من ليس له إلا خال ، فلا وارث له ، كما يقال : الجوع زاد من لا زاد له ، والماء طيب من لا طيب له ، والصبر حيلة من لا حيلة له ، أو أنه أراد بالخال السلطان ; لأنه قال : يرث ماله ويرثه ، وأن الصحابة فهموا ذلك ، وأنه سماه وارثا ، والأصل الحقيقة ، وما ذكر من أنه يستعمل النفي معارض بأنه يستعمل للإثبات ، كقولهم : يا عماد من لا عماد له ، ويا سند من لا سند له ، ولأنه ذو قرابة فيرث ، كذوي الفرض ، ولأنه ساوى الناس في الإسلام ، وزاد عليهم بالقرابة ، فكان أولى بماله منهم ، ولهذا كان أحق في الحياة بصدقته وصلته ، وبعد الموت بوصيته مع أن حديثهم مرسل ، ثم يحتمل أنه لا ميراث له مع ذوي الفرض والعصبات ، وقوله : لا يرثان مع إخوتهما ، لأنهما أقوى ، وقولهم : إنه إنما يثبت بالنص ، ولا نص هنا ، مردود بالنصوص الواردة فيه ، والإرث بالرد مقدم عليهم ، قال الخبري : لم يختلفوا فيه إلا ما روي عن سعيد بن المسيب ، وعمر بن عبد العزيز ، أنهما ورثا الخال مع البنت ، فيحتمل أنه عصبة ، أو مولى ; لئلا يخالف الإجماع .

( ويرثون بالتنزيل ) في قول الأكثر ، وعنه : أنهم يرثون على ترتيب العصبات ، وهو قول أبي حنيفة ، وأصحابه ، فجعلوا أولادهم أولاد البنات ، [ ص: 195 ] ثم أولاد الأخوات ، ثم الأخوال ، والخالات ، والعمات ، وأولاهم من كان لأبوين ، ثم لأب ، ثم لأم ، واختلفوا في تفصيله ، نبه على ذلك الخبري ، ثم قال : ويسمى مذهبهم قول أهل القرابة ، وأما باقي المورثين لهم ، فيسمون بالمنزلين ، وهم فيه على مذاهب ، وإنما القول على قول الجم الغفير من المنزلين ، وبه يفتي أكثر أصحابنا اليوم لعدم بيت المال .

( وهو أن يجعل كل شخص بمنزلة من أدلى به ) لأنهم نزلوا كل فريق منهم منزلة الوارث الذي يدلي به ، وقسموا نصيب الوارث بين المدلين به على قدر ميراثهم منه ، فإن بعدوا ، نزلوا درجة درجة حتى يصلوا إلى من يمتون به ، فيأخذون ميراثه . ( فيجعل ولد البنات والأخوات ، كأمهاتهم ، وبنات الإخوة والأعمام ، وولد الإخوة من الأم كآبائهم ، والأخوال ، والخالات ، وأبا الأم كالأم ، والعمات ، والعم من الأم كالأب ) روي عن عمر ، وعلي ، وابن مسعود ، وهذا هو الصحيح في تنزيل العمة أبا ، والخالة أما ، لما روى الزهري ، وفي ابن المنجا عن أنس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : العمة بمنزلة الأب ، إذا لم يكن بينهما أب ، والخالة بمنزلة الأم إذا لم يكن بينهما أم رواه أحمد ، ولأن الأب أقوى جهات العمة ، والأم أقوى جهات الخالة ، فتعين تنزيلهما بهما دون غيرهما ، كبنت الأخ ، وبنت العم ، فإنهما ينزلان منزلة أبويهما دون أخويهما ، ولأنه إذا اجتمع لهما قرابات ، ولم يمكن توريثهما بجميعها ، ورثناها بالأقوى ، كالمجوس عند من لا يورثهم بجميع قراباتهم ، وكالأخ من الأبوين ، فإنا نورثه بالتعصيب ، وهي جهة أبيه دون قرابة أمه ( وعنه ) أن العمة والعم من الأم ( كالعم ) [ ص: 196 ] روي عن علي ، وقاله علقمة ، ومسروق ، فعلى هذه يجعلهن كلهن بمنزلة العم من الأبوين ; لأنه أقواهم ، وعنه : العمة لأبوين أو لأب كجد ، فعلى هذه العمة لأم ، والعم لأم ، كالجدة أمهما ، وهل عمة الأب لأبوين ، أو لأب كالجد أو كعم الأب من الأبوين ، أو كأبي الجد ؛ مبني على الروايات ; لأنها تدلي بالجد ، أو بأخيه ، أو بأمه ، وهل عم الأب من الأم ، وعمة الأب لأم كالجد ، أو كعم الأب من أبوين ، أو كأم الجد ؛ مبني على الخلاف ، وليسا كأبي الجد ; لأنه أجنبي منهما .

مسائل : بنت بنت ، وبنت بنت ابن المال بينهما على أربعة ، فإن كان معهما بنت أخ ، فالباقي لها ، وتصح من ستة ، فإن كان معهما خالة ، فلبنت البنت النصف ، ولبنت بنت الابن السدس تكملة الثلثين ، وللخالة السدس ، والباقي لبنت الأخ ، فإن كان مكان الخالة عمة ، حجبت بنت الأخ ، وأخذت الباقي ; لأن العمة كالأب ، فيسقط من هو بمنزلة الأخ ، ومن نزلها عما ، جعل الباقي لبنت الأخ ، وأسقط بها العمة ، ومن نزلها جدا ، قاسم بها ابنة الأخ الثلث الباقي بينهما نصفين ، ومن نزلها جدة ، جعل لها السدس ، ولبنت الأخ الباقي ، وفي قول أهل القرابة : لا ترث بنت الأخ مع بنت البنت ، ولا مع بنت بنت البنت شيئا .

( ثم يجعل نصيب كل وارث لمن أدلى به ) كما ذكرنا ( فإن أدلى جماعة بواحد ، واستوت منازلهم منه ) بأن كانوا في درجة واحدة ( فنصيبه بينهم بالسوية ) كإرثهم منه ( ذكرهم وأنثاهم سواء ) نقله الأثرم ، وحنبل ، وإبراهيم بن الحارث في الخال والخالة يعطون بالسوية ، وهذا قول أبي عبيد ، وإسحاق [ ص: 197 ] قال في " المستوعب " : وعليه جمهور أصحابنا ، وجزم به في الوجيز قدمه في الفروع ; لأنهم يرثون بالرحم المجردة ، فاستوى ذكرهم وأنثاهم ، كولد الأم ( وعنه : للذكر مثل حظ الأنثيين ) نقله المروذي ، وعليه أهل العراق ، وعامة المنزلين كالأولاد ، ولأن ميراثهم معتبر بغيرهم ، ولا يجوز حملهم على ذوي الفروض لاستيعابهم المال به ، ولا على العصبة البعيد ; لانفراد الذكر به ، فوجب اعتبارهم بالقرب من العصبات ( إلا ولد الأم ) وهذا متفق عليه بين الجميع ; لأن أباهم يسوي ذكرهم وأنثاهم ، وغايته أن يثبت للفرع ما للأصل ، إلا في قول من أمات السبب ، فإن عنده للذكر مثل حظ الأنثيين ( وقال الخرقي : يسوى بينهم ، إلا الخال ، والخالة ) هذا رواية ، واختارها الشيرازي ، وابن عقيل ، في التذكرة ، وقال : استحسانا ، يعني أن مقتضى الدليل التسوية ، خرج منه الخال والخالة ، على سبيل الاستحسان ، وذكر بعضهم أنه روي عن النبي صلى الله عليه وسلم قال : الخال والد إذا لم يكن دونه أم ، والخالة أم إذا لم يكن دونها أم فإن صح فيعكر عليه تنزيل الخال بمنزلة الأم ، لكن قال في " المغني " : لا أعلم له موافقا على هذا القول ، ولا علمت وجهه . قال القاضي : لم أجد هذا بعينه عن أحمد ، والخلاف إنما هو في ذكر وأنثى ، أبوهما وأمهما واحد ، فأما إذا اختلفت آباؤهم وأمهاتهم كالأخوال والخالات المفترقين والعمات المفترقات ، أو إذا أدلى كل واحد منهم بغير من أدلى به الآخر كابن بنت ، وبنت بنت أخرى ، فله موضع يذكر فيه ، مثاله : ابن أخت معه أخته ، أو ابن بنت معه أخته ، المال بينهما نصفان على المذهب ، وأثلاثا على الثانية ، بنت بنت ، [ ص: 198 ] وبنت بنت ابن ، هي من أربعة عند المنزلين جميعهم ، وعند أهل القرابة ، المال لبنت البنت ; لأنها أقرب ، فإن كان معهما بنتا بنت ابن أخرى ، فكأنهم بنتا ابن وبنت ، فمسألتهم من ثمانية ، وتصح من ستة عشر .

( وإذا كان ابن ، وبنت أخت ، وبنت أخت أخرى ، فلبنت الأخت وحدها النصف ) لأنه حق أمها ( وللأخرى وأخيها ، النصف بينهما ) يحتمل أن يكون بينهما نصفان ، وهو قول الجمهور ، فعلى هذا تصح من أربعة ، ويحتمل أن يكون بينهما أثلاثا ، وهو الرواية الأخرى ، فتصح من ستة ، والأول أظهر ، قال في الشرح : لا اختلاف بين المنزلين في أن لولد كل أخت ميراثها ، وهو النصف ، فمن سوى جعل النصف بينهما نصفين ، والنصف الآخر للأخرى ، ومن فصل جعله بينهما أثلاثا ، وقال أبو يوسف : للابن النصف ، ولكل بنت الربع ، وتصح من أربعة ، وقال محمد : لولد الأخت الأولى الثلثان ، بينهما على ثلاثة ، وللأخرى الثلث ، وتصح من تسعة .

( وإن اختلفت منازلهم من المدلى به ، جعلته كالميت ) لأن جهة اختلاف المنازل تظهر بذلك ( وقسمت نصيبه بينهم على ذلك ) لأنه يجعل كالميت ، والميت يقسم نصيبه على ورثته ، بحسب منازلهم منه ، ثم بين ذلك ، بقوله ( كثلاث خالات مفترقات ، وثلاث عمات مفترقات ، فالثلث بين الخالات على خمسة أسهم ) ; لأنهن يدلين بالأم ( والثلثان بين العمات كذلك ) لأنهن يدلين بالأب على المذهب ، ومنازلهم منه مختلفة ، فكأن الميت ظنه أبا وأما ، فما صار للأم بين [ ص: 199 ] إخوتها على خمسة ، وكذلك في العمات ، فصار الكسر في الموضعين على خمسة ( فاجتزئ بأحدهما ) أي : أحدهما يجزئ عن الآخر ( واضربها في ثلاثة ) لأن فيها ثلثا ، وكل من القبيلين مسألته من ستة ، فترجع بالرد إلى خمسة ، وسهم كل قبيل لا ينقسم على مسألة ، ولا يوافق ، فاكتف بأحدهما لتماثله ، ، واضربه ( تكن خمسة عشر ) فللخالات سهم في خمسة مقسومة بينهن ( للخالة التي من قبل الأب والأم ثلاثة أسهم ، وللتي من قبل الأب سهم ، وللتي من قبل الأم سهم ) لأن الثلث قد صار للأم ، فيقسم بين إخوتهم على ما ذكر ; لأنهن أخوات لها متفرقات ، فيقسم نصيبها بينهن بالفرض والرد ( وللعمة التي من قبل الأب والأم ستة أسهم ، وللتي من قبل الأب سهمان ، وللتي من قبل الأم سهمان ) وهذا قول عامة المنزلين ، وعند أهل القرابة ، للعمة من الأبوين الثلثان ، وللخالة من الأبوين الثلث ، وسقط سائرهم ، وقال نعيم ، وإسحاق : الخالات كلهن سواء ، فيكون نصيبهن بينهن على ثلاثة ، وكذلك نصيب العمات بينهن على ثلاثة ، يتساوون فيه ، فتكون المسألة من تسعة ، فعلى ما ذكره المؤلف إن كان مع الخالات خال من أم ، ومع العمات عم من أم ، فسهم كل واحد من الفريقين بينهم على ستة ، وتصح من ثمانية عشر عند المنزلين ( وإن خلف ثلاثة أخوال مفترقين ، فللخال من الأم السدس ، والباقي للخال من الأبوين ) كما لو خلف ثلاثة إخوة مفترقين ، فإنه يسقط الأخ من الأب بالأخ من الأبوين ، كسقوط الخال من الأب به ، فعلى هذا تصح المسألة من ستة ( فإن كان معهم ) أي : مع الأخوال ( أبو أم أسقطهم ، كما يسقط الأب الإخوة ) لأن حكم من يدلي [ ص: 200 ] مثل حكم المدلى به ، والأب المدلى به يسقط الإخوة ، فكذا أبو الأم المدلى به يسقطهم ، قال في الفنون : خالة الأب كأختها الجدة أم الأب ، وتقدم : هل العمة كأب ، أم لا ؛ ولما أسقطت الأم أمهات الأب كأمهاتها ، علم أن كلهن يدلين بالأمومة مع جهة الأبوة ، والعجب من هاتين المسألتين : أن قرابتي الأب من جانبي أبيه ، وأمه ، كجهتين ، وجهة الأمومة مع جهة الأبوة كجهة ، ذكره في الفروع .

مسألة : ثلاثة أخوال مفترقين ، معهم أخواتهم ، وعم ، وعمة من أم ، الثلث بين الأخوال والخالات على ستة ، للخال والخالة من الأم ، الثلث بينهما بالسوية ، وثلثاه للخال والخالة من الأبوين بينهما على ثلاثة عند من فصل ، وهو إحدى الروايتين ، وقول أكثر المنزلين ، والثانية بينهما سواء فيهما .

( وإن خلف ثلاث بنات عمومة مفترقين ، فالمال لبنت العم من الأبوين وحدها ) نص عليه ; لأنهن أقمن مقام آبائهن ، فبنت العم من الأبوين بمنزلة أبيها ، وبنت العم من الأب بمنزلة أبيها ، وبنت العم من الأم بمنزلة أمها ، ولو مات شخص وخلف ثلاثة أعمام مفترقين ، كان الميراث للعم من الأبوين ، لسقوط العم من الأب به ، والآخر من ذوي الأرحام ، وهذا قول أهل القرابة ، وأكثر أهل التنزيل ، وقال الثوري : المال بين بنت العم من الأبوين ، وبنت العم من الأم على أربعة ، وقال أبو عبيد : لبنت العم من الأم السدس ، والباقي لبنت العم من الأبوين ، كبنات الإخوة ، ورده في " المغني " بأنهن بمنزلة آبائهن ، وفارق بنات الإخوة ; لأن آباءهن يكون المال بينهم على ستة ، ويرث الأخ من الأم مع الأخ من الأبوين ، بخلاف العمومة ، وقيل : على قياس قول [ ص: 201 ] محمد بن سالم : المال لبنت العم من الأم ; لأنها بعد درجتين بمنزلة الأب ، فيسقط به العم ، قال الخبري : وليس بشيء ، وقال أبو الخطاب قولا من رأيه يفضي إلى هذا ، فإنه ذكر الأبوة جهة ، والعمومة جهة أخرى ، قال في " المغني " ، و " الشرح " : ولو علم إفضاء هذا القول إلى هذا ، لم يذهب إليه ; لما فيه من مخالفة الإجماع ، ومقتضى الدليل ، وإسقاط القوي بالضعيف ، والقريب بالبعيد ، قال في " المغني " : ولا يختلف المذهب ، أن الحكم في هذه المسألة على ما ذكرنا ، وهذا إيماء إلى أن العمومة ليست جهة منفردة ، وإنما هي من جهة الأب ، وكذا الخلاف إن كان معهن بنت عمه ، ولو كان مع الجميع بنت أخ الأبوين أو لأب ، فالكل لها على المذهب .

( وإن أدلى جماعة منهم بجماعة ، قسمت المال بين المدلى بهم ، كأنهم أحياء ) لأنهم أصل من أدلى بهم ( فما صار لك وارث ، فهو لمن أدلى به ) إذا لم يسبق بعضهم بعضا لأنهم وراثه ، فإذا خلف ثلاث بنات أخت لأبوين ، وثلاث بنات أخت لأب ، وثلاث بنات أخت لأم ، وثلاث بنات عم ، اقسم المال بين المدلى به ، فلبنات الأخت من الأبوين النصف ، ولبنات الأخت من الأب السدس ، وللآخرين كذلك ، والباقي هو سهم للعم ، ثم اقسم نصيب كل وارث على ورثته ، فنصيب الأخت للأبوين على بناتها ، صحيح عليهن ، ونصيب الأخت للأب على بناتها ، لا يصح ، ولا يوافق ، وكذا نصيب الأخت للأم ، والأعداد متماثلة ، فاجتزئ ببعضها ، واضربه في أصل المسألة ، تكن ثمانية عشر لبنات الأخت للأبوين تسعة ، لكل واحدة ثلاثة ، ولبنات الأخت للأب ثلاثة ، لكل واحدة سهم ، ولبنات الأخت للأم كذلك ، ولبنات العم مثلهن .

[ ص: 202 ] ( وإن أسقط بعضهم بعضا ، عملت على ذلك ) كأبي الأم ، والأخوال ، فأسقط الأخوال ; لأن الأب يسقط الإخوة والأخوات ، وثلاث بنات إخوة مفترقين ، لبنت الأخ للأم السدس ، والباقي للتي من الأبوين كآبائهن ( وإن كان بعضهم أقرب من بعض ، فمن سبق إلى الوارث ورث ) ولو بعد عن الميت ( وأسقط غيره ) إذا كانا من جهة واحدة كبنت بنت ، وبنت بنت بنت ، المال للأولى ; لأن القريب يرث ، ويسقط البعيد ، وكخالة ، وأم أبي أم ، الميراث للخالة ; لأنها تلقى الأم بأول درجة ( إلا أن يكونا من جهتين ، فينزل البعيد حتى يلحق بوارثه ) فيأخذ نصيبه ( سواء سقط به القريب أو لا ) عند المنزلين في ذلك ( كبنت بنت بنت ، وبنت أخ لأم ، المال لبنت بنت البنت ) لأن جدتها - وهي البنت - تسقط الأخ من الأم ، ومن ورث الأقرب ، جعله لبنت الأخ ، وحكى هذا في " الترغيب " رواية ، فقال : الإرث للجهة القربى مطلقا ، وفي " الروضة " : ابن بنت ، وابن أخت لأم ، له السدس ، ولابن البنت النصف ، والمال بينهما على أربعة ، والقول الأول ظاهر كلام أحمد ، نقل عنه جماعة في خالة ، وبنت خالة ، وبنت ابن عم ، للخالة الثلث ، ولابنة ابن العم الثلثان ، ولا تعطى بنت الخالة شيئا ، ونقل عنه حنبل أنه قال : قال سفيان قولا حسنا ، إذا كانت خالة ، وبنت ابن عم ، تعطى الخالة الثلث ، وبنت ابن العم الثلثين .

فرع : إذا انفرد واحد من ذوي الأرحام أخذ المال كله ، وإن كانوا جماعة ، فأدلوا بشخص واحد ، كخالة ، وأم أبي أم ، وابن خال ، فالمال للخالة ; لأنها [ ص: 203 ] تلقى الأم بأول درجة في قول عامة المنزلين ، إلا أنه حكي عن النخعي ، وشريك في قرابة الأم خاصة ، فإنهم أماتوا الأم ، وجعلوا نصيبها لورثتها ، ويسمى قولهم قول من أمات السبب ، واستعمله بعض الفرضيين في جميع ذوي الأرحام .

( والجهات ) التي يرث بها ذوو الأرحام ( أربع : الأبوة ، والأمومة ، والبنوة ، والأخوة ) لأن المدلى به لا يخرج عن ذلك ، والمجزوم به في الوجيز ، وقدمه في المحرر ، والفروع ، واختاره المؤلف آخرا أنها ثلاث ، وأن الأخوة ليست منها ، فعلى هذا يرث أسبقهم إلى الوارث ، قال في الشرح : وهو أولى إن شاء الله تعالى ، وما ذكره المؤلف هنا هو قول في المذهب ، فعلى هذا العم يدلي بالأبوة ، والخال يدلي بالأمومة ، وبنات الابن بالبنوة ، وبنات الأخت بالأخوة ، لكن يلزم عليه إسقاط بنت عمه ، مع بعدها كبنت أخ ، ويلزم على جهة البنوة إسقاطها لبنت بنت أخ ( وذكر أبو الخطاب : العمومة جهة خامسة ) قال المؤلف : لم أعلم أن أحدا من أصحابنا ولا من غيرهم عد الجهات ، وبينها إلا أبا الخطاب ، فإنه عدها خمس جهات ( وهو مفض إلى إسقاط بنت العم من الأبوين ببنت العم من الأم ، وبنت العمة ) لأن بنت العم من الأم وبنت العمة يدليان بالأب ، وبنت العم من الأبوين تدلي بأبيها ، وهو عم ، والأب يسقط العم ( وما نعلم به قائلا ) وهو خلاف نص أحمد مع أنه ذكر في " المغني " أن قوله قياس قول محمد بن سالم ; لأنها بعد درجتين بمنزلة الأب ، والأب يسقط العم ، فعلى المذهب البنوة كلها جهة واحدة ، [ ص: 204 ] وعنه : كل ولد للصلب جهة ، قال في المحرر : وهي الصحيحة عندي ، وعنه كل وارث جهة ، فإن كانت بنت بنت بنت ، وبنت بنت ابن ، فالمال بينهما على أربعة ، إن قلنا : كل ولد للصلب جهة ، وعلى المذهب : المال للثانية ، لسبقها إلى الوارث ، ولو كان معهما بنت بنت بنت أخرى ، فالمال لولد بنت الصلب على الأولى عمة وابن خال له الثلث ، ولها الباقي ، وإن كان معهما خالة أم ، سقط بها ابن الخال ، وكان لها السدس ، والباقي للعمة على المذهب ، وإن قلنا : كل وارث جهة ، فلا شيء للخالة ، وإذا كان خالة أم ، وخالة أب ، فالمال لهما بالسوية ، كجدتين ، فإن كان معهما أم أبي أم ، أسقطتهما عند من جعل كل وارث جهة ، وعلى المذهب ، تسقط هي دونهما ، وإذا كان ابن ابن أخت لأم ، وبنت ابن بنت أخ لأب ، فله السدس ، ولها الباقي ، ويلزم من جعل الأخوة جهة ، أن يجعل المال للبنت ، وهو بعيد جدا ، حيث يجعل أختين أهل جهة واحدة . بنت بنت بنت ، وبنت بنت بنت بنت ، وبنت أخ ، المال بين الأولى والثالثة ، وسقطت الثانية ، إلا عند محمد بن سالم ونعيم ، فإنها تشاركهما ، ومن ورث الأقرب جعله لبنت الأخ ; لأنها أسبق ، وعند أهل القرابة ، هو للأولى وحدها ; لأنها من ولد الميت ، وهي أقرب من الثانية .

( ومن أمت ) أي : أدلى ( بقرابتين ) من ذوي الأرحام ( ورث بهما ) بإجماع من المورثين ، إلا ما يحكى عن أبي يوسف ، أنهم لا يورثون إلا بقرابة واحدة ، ولا يصح في نفسه ، ولا عنه ; لأنه شخص له جهتان لا يرجح بهما كالأخ إذا كان ابن عم ، وحسابه أن يجعل ذا القرابتين كشخصين ، [ ص: 205 ] وعنه : يرث بأقواهما ، فنقول في ابن بنت بنت هو ابن بنت أخرى ، وبنت بنت بنت أخرى : للابن الثلثان ، وللبنت الثلث ، فإن كانت أمهما واحدة ، فله ثلاثة أرباع المال عند من سوى ، ولأخته الربع ، ومن فضل ، جعل له النصف ، والثلث ، ولأخته السدس ، هذا قول أكثر المنزلين ، بنتا أخت من أم ، إحداهما بنت أخ من أب ، وبنت أخ من الأبوين ، هي من اثني عشر ، ستة لبنت الأخت من الأبوين ، وأربعة لذات القرابتين من جهة أبيها ، ولها سهم من جهة أمها ، وللأخرى سهم ، عمتان من أب ، إحداهما خالة من أم ، وخالة من أبوين ، هي من اثني عشر لذات القرابتين خمسة ، وللعمة الأخرى أربعة ، وللخالة من الأبوين ثلاثة ، فإن كان معهم عم من أم ، هو خال من أب ، صحت من تسعين ( فإن كان معهم أحد الزوجين ، أعطيته فرضه ) للآيتين السابقتين ( غير محجوب ، ولا معاول ) قال في " المغني " : لا أعلم خلافا بين من ورثهم أنهم يرثون مع أحد الزوجين ما فضل عن ميراثه من غير حجب ، ولا معاولة ; لأن الله تعالى فرض للزوج والزوجة ، ونص عليهما ، ولا يحجبان بذوي الأرحام ، وهو غير منصوص عليهم ، انتهى ، ولأن ذا الرحم لا يرث مع ذي فرض ، وإنما ورث معه هنا ; لكون أن الزوجين لا يرد عليه ( وقسمت الباقي بينهم ، كما لو انفردوا ) قاله إمامنا ، وأبو عبيد ، وعامة من ورثهم ; لأن صاحب الفرض أخذ فرضه ، كان الميت لم يخلف إلا ذلك ( ويحتمل أن يقسم الفاضل عن الزوج بينهم ، كما يقسم بين من أدلوا به ) وهو قول يحيى بن آدم وضرار وظاهر الخرقي ، وذكره في " التعليق " و " الواضح " ; لأنه الأصل الذي وقع به إرثهم .

[ ص: 206 ] وهذا الخلاف إنما يقع في مسألة ، فيها من يدلي بذي فرض ، ومن يدلي بعصبة ، فأما إن أدلى جميعهم بذي فرض ، أو عصبة ، فلا خلاف فيه ، قاله في " المغني " ، و " الشرح " ( فإذا خلفت زوجا ، وبنت بنت ، وبنت أخت ) لأبوين ، أو لأب ( فللزوج النصف ، والباقي بينهما نصفين على الوجه الأول ) وهو المذهب ، وتصح من أربعة ( وعلى الآخر يقسم بينهما على ثلاثة ، لبنت البنت سهمان ، ولبنت الأخت سهم ) وتصح من ستة ، فلو كان زوجة ، وبنت بنت ، وبنت أخت لأب ، فللزوجة الربع ، والباقي بينهما نصفين على المنصوص ، وتصح من ثمانية ، وعلى الثاني البقية بينهما على سبعة ، لبنت البنت أربعة ، وللأخرى ثلاثة ، وتصح من ثمانية وعشرين ، فتضرب سبعة في أربعة .

مسألة : زوجة ، وابنتا ابنتين ، وابنتا أختين ، للزوجة الربع ، ولبنتي البنتين ثلثا الباقي ، وهو النصف ، ولبنتي الأختين الباقي ، وهو الربع ، وتصح من ثمانية ، وعلى الآخر تفرض المسألة من ثمانية ، للزوجة الثمن ، وللبنتين الثلثان ، وليس لها ثلثان ، فتضربها في ثلاثة ، تكن أربعة وعشرين ، للزوجة الثمن ، وللبنتين ستة عشر ، ولبنتي الأختين الباقي ، وهو خمسة ، ثم تعطي الزوجة الربع ، وتقسم الباقي على أحد وعشرين سهما ، للبنتين ستة عشر ، ولبنتي الأختين خمسة ، والأحد وعشرون ثلاثة أرباع تكملها ، بأن تزيد عليها سبعة ، تكن ثمانية وعشرين ، للزوجة سبعة ، وللبنتين ستة عشر ، ولبنتي الأختين خمسة ، لا تنقسم عليها ، فتضربها في اثنين ، تكن ستة وخمسين ، ومنها تصح .

( ولا يعول من مسائل ذوي الأرحام إلا مسألة واحدة ، وشبهها ) وهي [ ص: 207 ] أصل ستة ( وهي خالة ، وست بنات : ست أخوات متفرقات ) للخالة السدس ; لأنها تدلي بالأم ، ولبنتي الأخت من الأم الثلث ، ولبنتي الأختين من الأبوين الثلثان أربعة ( تعول إلى سبعة ) لأن العول الزائد على هذا لا يكون إلا لأحد الزوجين ، وليس ذلك في ذوي الأرحام ، وقوله : وشبهها ، أي : ليس العول مختصا بعين هذه المسألة بل يجري فيها ، وفي كل مسألة فيها من يقوم مقام الأم أو الجدة ، ومن يقوم مقام الأخوات المفترقات ممن يأخذ المال كله بالفرض ، كخالة أو أبي أم ، وبنت أخ لأم ، وثلاث بنات ثلاث أخوات متفرقات .

التالي السابق


الخدمات العلمية