صفحة جزء
[ ص: 220 ] باب ميراث الخنثى وهو الذي له ذكر وفرج امرأة ، فيعتبر بمباله ، فإن بال أو سبق بوله من ذكره ، فهو رجل ، وإن سبق من فرجه ، فهو امرأة ، وإن خرجا معا ، اعتبر أكثرهما ، فإن استويا ، فهو مشكل فإن كان يرجى انكشاف حاله ، وهو الصغير أعطي هو ومن معه اليقين ، ووقف الباقي حتى يبلغ فيظهر فيه علامات الرجال من نبات لحيته ، وخروج المني من ذكره ، أو علامات النساء من الحيض ونحوه ، وإن يئس من ذلك بموته أو عدم العلامات بعد بلوغه ، أعطي نصف ميراث ذكر ، ونصف ميراث أنثى ، فإذا كان مع الخنثى بنت وابن جعلت للبنت أقل عدد له نصف وهو سهمان ، وللذكر أربعة ، وللخنثى ثلاثة . وقال أصحابنا : تعمل المسألة على أنه ذكر ، ثم على أنه أنثى ، ثم تضرب إحداهما أو وفقها في الأخرى إن اتفقتا ، وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا ، أو بأكثرهما إن تناسبتا ، وتضربها في اثنين ، ثم من له شيء من إحدى المسألتين مضروب في الأخرى أو في وفقها ، أو تجمع ماله منهما إن تماثلتا وإن كانا خنثيين أو أكثر نزلتهم بعدد أحوالهم ، وقال أبو الخطاب : تنزلهم حالين ، مرة ذكورا ومرة إناثا ، والأول أولى .


باب ميراث الخنثى

وجمعه : الخناثى كالحبالى ( وهو الذي له ذكر وفرج امرأة ) وكذا قاله الجوهري ، وفي " المغني " ، و " الشرح " : أو له ثقب في مكان الفرج يخرج منه البول ( فيعتبر بمباله ) قال ابن المنذر : وهو إجماع من يحفظ عنه من أهل العلم ، فإن بال من حيث يبول الرجل ، فهو رجل ، وإن بال من حيث تبول المرأة ، فهو امرأة ، وفيه حديث مرفوع ، رواه الكلبي ، عن أبي صالح ، عن ابن عباس ، ولأن خروج البول أعم العلامات لوجودها في الصغير والكبير ، وسائر العلامات إنما توجد بعد الكبر كنبات اللحية ، وخروج المني والحيض ، وأول من قضى فيه بذلك عامر بن ظرب العدواني .

( فإن بال أو سبق بوله من ذكره فهو رجل ، وإن سبق من فرجه فهو امرأة ) نص عليه ، أي : إذا بال من أحدهما أو سبق بوله منه ، فالحكم له ( وإن خرجا معا ، اعتبر أكثرهما ) في الأصح ، قال ابن حمدان : قدرا وعددا ; لأن له تأثيرا ، والثاني : لا يعتبر أكثرهما ، ونقله ابن هانئ ، وهو ظاهر كلام أبي الفرج وغيره ; لأن الخرق الذي يكون في مجرى البول قد يكون متسعا بحيث لا يتجاوزه إلا يسيرا ، وهل يعتبر السبق في الانقطاع ؛ فيه روايتان ، وفي التبصرة : يعتبر أطولهما خروجا ، ونقله أبو طالب ; لأن بوله يمتد ، وبولها يسيل ، وقدم ابن عقيل : [ ص: 221 ] الكثرة على السبق ، وقال هو والقاضي : إن خرجا معا ، حكم للمتأخر أي لآخرهما انقطاعا ، وقال جابر بن زيد : يوقف إلى جانب حائط ، فإن بال عليه ، فهو رجل ، وإن سلسل بين فخذيه فهو امرأة ، والمذهب الأول ; لأن الكثرة مزية لإحدى العلامتين ، فيعتبر بها كالسبق .

( فإن استويا ) في وجود البول منهما ، وعدم سبقه وكثرته في أحدهما ( فهو مشكل ) لأنه لا مزية لأحد أمريه على الآخر ( فإن كان يرجى انكشاف حاله ، وهو الصغير ) واحتيج إلى قسم تركة من يرثه ( أعطي هو ومن معه اليقين ) أي : يعطى من يرث على تقدير ذكوريته وأنوثيته الأقل مما يرث فيهما ، ولا يعطى من يسقطه في أحد الحالين شيئا ، ومن لا يختلف ميراثه منهما ، يعطى حقه كاملا ( ووقف الباقي حتى يبلغ ) في قول الجمهور ، فيعمل بما ظهر من علامة رجل أو امرأة ، وهو يحصل بالسن أو الإنبات ، وبه ينكشف الأمر ( فيظهر فيه علامات الرجال من نبات لحيته ، وخروج المني من ذكره أو علامات النساء من الحيض ، ونحوه ) كتفلك ثدييه أو سقوطهما ، قال في " الفروع " : وكذا إن حاض من فرجه ، وأنزل من ذكره ، فإن وجد أحدهما ، فوجهان ، وإن وجدا من مخرج واحد ، فلا ذكر ولا أنثى ، وفي " الجامع " : لا في إرث ودية ; لأن للغير حقا ، وقيل : أو انتشر بوله على كثيب رمل ، أو اشتهى النساء ، فذكر ، والعكس بالعكس ، وقال علي والحسن البصري : تعد أضلاعه ، فإن كانت ستة عشر ، فرجل ، وإن كانت سبعة عشر ، فأنثى ; لأن أضلاعها أكثر بواحد ، واختاره ابن أبي موسى قال [ ص: 222 ] ابن اللبان والأصحاب : لو صح هذا لما وقع في الخنثى إشكال ( وإن يئس منه ذلك بموته أو عدم العلامات بعد بلوغه ) أي : لم يظهر فيه شيء من العلامات المذكورة ، أو اختلطت ، فأمنى من كل من الفرجين ، فيسمى مشكلا ، وحينئذ (أعطي نصف ميراث ذكر ، ونصف ميراث أنثى ) نص عليه ، وهو قول ابن عباس ، ولم يعرف له في الصحابة منكر ، أو أهل مكة والمدينة واللؤلئي وخلق ; لأن حالتيه تساوتا ، فوجب التسوية بين حكمهما ، كما لو تداعى نفسان دارا بأيديهما ، ولا بينة لهما ، وليس نورثه بأسوأ حاله ، ولا سبيل إلى الوقف ; لأنه لا غاية له ينتظر ، وفيه تضييع مع تعين استحقاق الورثة له ، فيعطى هو نصف ميراث ذكر ونصف ميراث أنثى ، ويعطى من معه نصف ماله حالة الذكورية ، ونصف ماله حالة الأنوثية ، إلا أن يرث بأحدهما ، فيعطى نصفه ، وسواء كان الخنثى ومن معه يتزاحمان من جهتين مختلفتين ، كولد خنثى وعم ، يزاحم العم في تعصيبه ببنوته ، فيمنعه من أخذ الباقي ، والعم يزاحمه بعمومته في الزائد على فرض البنت ، أو كولد خنثى وأب ، أو من جهة واحدة ، كالأولاد والإخوة المتفقين .

( فإذا كان مع الخنثى بنت وابن ، جعلت للبنت أقل عدد له نصف ، وهو سهمان ، وللذكر أربعة ، وللخنثى ثلاثة ) وهذا قول الثوري واللؤلئي في هذه المسألة ، وفي كل مسألة فيها ولد إذا كان فيهم خنثى ، قال المؤلف : وهذا قول لا بأس به ، لكن قال في " المستوعب " : هذا لا يصح على أصلنا ، فإن كان مكان الابن أخ [ ص: 223 ] أو غيره من العصبات ، فله السدس ، والباقي بين الخنثى والبنت على خمسة ( وقال أصحابنا ) ويسمى مذهب المنزلين ( تعمل المسألة على أنه ذكر ، ثم على أنه أنثى ) لأن له حالين ، فلم يكن بد من اعتبارهما ( ثم تضرب إحداهما ) إن تباينتا ( أو وفقها في الأخرى إن اتفقتا ، وتجتزئ بإحداهما إن تماثلتا أو بأكثرهما إن تناسبتا ، وتضربها في اثنين ، ثم من له شيء من إحدى المسألتين مضروب في الأخرى أو في وفقها ) ففي المتباين ، وهي مسألة المتن .

مسألة : الذكورة من خمسة والأنوثة من أربعة ، فاضرب إحداهما في الأخرى تكن عشرين ، ثم في اثنين تكن أربعين ، للبنت سهم في خمسة ، وسهم في أربعة : تسعة ، وللذكر ثمانية عشر ، وللخنثى سهم في خمسة ، وسهمان في أربعة : ثلاث عشر ، وهي دون ثلث الأربعين ، وعلى قول الثوري ، وهو يوافق قول الأصحاب في بعض المواضع ، ويخالف في بعضها ، فعلى قوله ، تكون المسألة من تسعة ، للخنثى الثلث ، وهو ثلاثة ، وعلى قول من ورثه بالدعوى فيما بقي بعد اليقين ، فوافق قول المنزلين في أكثر المواضع ، فإنه يقول في هذه المسألة : للذكر الخمسان بيقين ، وذلك ستة عشر من أربعين ، وهو يدعي النصف عشرين ، وللبنت الخمس بيقين ثمانية ، وهي تدعي الربع ، وللخنثى الربع بيقين ، وهي يدعي الخمسين ستة عشر ، والمختلف فيه ستة أسهم يدعيها الخنثى كلها ، فيعطيه نصفها ثلاثة مع العشرة التي معه ، صار له ثلاثة عشر ، والابن يدعي أربعة ، فيعطيه نصفها اثنين ، صار له ثمانية عشر ، والبنت تدعي سهمين ، فتدفع إليها سهما صار لها تسعة ، ومن ورثه بالدعوى من أصل المال ، [ ص: 224 ] فعلى قولهم يكون الميراث في هذه المسألة من ثلاثة وعشرين ; لأن المدعى هنا نصف وربع وخمسان ، مخرجهما من عشرين ، يعطى الابن النصف عشرة ، والبنت خمسة ، والخنثى ثمانية ، تكن ثلاثة وعشرين ، وفي التوافق زوج ، وأم ، وولد أب خنثى ، فالذكورية من ستة ، والأنوثية من ثمانية ، وبينهما موافقة ، فاضرب نصف أحدهما في الآخر تكن أربعة وعشرين ، ثم في اثنين ، تكن ثمانية وأربعين ، وفي التماثل زوجة وولد خنثى وعم ، فالذكورية من ثمانية ، والأنوثية كذلك ، فاجتزئ بإحداهما ، واضربها في حالين تكن ستة عشر ، وفي التناسب أم وبنت وولد خنثى وعم ، فالذكورية من ستة ، وتصح من ثمانية عشر ، والأنوثة من ستة ، وتصح منها ، وهي تناسب الأولى بالثلث ، فاجتزئ بأكثرهما ، وهو ثمانية عشر ، فاضربها في حالين تكن ستة وثلاثين وتجمع .

( أو تجمع ماله منهما إن تماثلتا ) فإن كان الخنثى يرث في حال دون حال كزوج وأخت لأبوين وولد أب خنثى ، فمقتضى قول الثوري أن يجعل للخنثى نصف ما يرثه في حال إرثه ، وهو نصف سهم ، فتضمه إلى سهام الباقين ، وهي ستة ، ثم تبسطها أيضا ، ليزول الكسر ، فيصير له ثلاثة عشر له منها سهم ، والباقي بين الزوج والأخت نصفين ، وقد عملها أبو الخطاب في الهداية على ذلك ، وأما في التنزيل فتصح من ثمانية وعشرين : للخنثى سهمان ، وهي نصف سبع ، ولكل واحد من الآخرين ثلاثة عشر .

فائدة : الخناثى من الورثة ستة : مسألة الولد وولد الابن ، والأخ وولده ، والعم وولده ، فالزوجان ، والأبوان ، والجدان ، يتصور فيهم ذلك ، والخلاف يقع في ثلاثة : [ ص: 225 ] الولد ، وولد الابن ، فالأخ ، وأما الباقي فليس للإناث منهم ميراث ، فيكون للخنثى منهم نصف ميراث ذكر ، بلا خلاف ، قاله الخبري .

( وإن كانا خنثيين أو أكثر نزلتهم بعدد أحوالهم ) هذا هو المذهب ، وعليه أكثر الأصحاب ، وهو قول ابن أبي ليلى ، وضرار ، ويحيى بن آدم ، كإعطائهم اليقين قبل البلوغ ، فعلى هذا تجعل للاثنين أربعة أحوال ; لأنه يحتمل أن يكون كل منهم ذكرا ، وأن يكون كل منهم أنثى ، ويحتمل أن يكونوا ذكورا ، وأن يكونوا إناثا ، وللثلاثة ثمانية ، أو للأربعة ستة عشر ، وللخمسة اثنين وثلاثين ، ثم تجمع مالهم في الأحوال كلها ، فتقسمه على عدد أحوالهم ، فما خرج بالقسم فهو لهم إن كانوا من جهة واحدة ، وإن كانوا من جهات جمعت ما لكل واحد منهم في الأحوال ، وقسمته على عدد الأحوال كلها ، فالخارج بالقسم هو نصيبه ( وقال أبو الخطاب ) وفاقا لأبي يوسف ( تنزلهم حالين مرة ذكورا ومرة إناثا ) كما تصنع بالواحد ( والأول أولى ) لأنه يعطى كل واحد منهم بحسب ما فيه من الاحتمال ، فيعدل بينهم ، وعلى الثاني : يعطى ببعض الاحتمالات دون بعض ، وهذا تحكم لا دليل عليه .

ابن وخنثيان : مسألة الذكورية من ثلاثة ، والأنوثية من أربعة ، وذكورية أحدهما ، وأنوثية الآخر من خمسة : للمقدر ولورثته سهمان ، وللآخر سهم ، فاجتزئ بأحدهما لتماثلهما ، واضرب بقية الأحوال بعضها في بعض ، لتباينها تكن ستين ، ثم في الأحوال مائتين وأربعين ، فلهما في حال الذكورية ثلثا المال ، وهو أربعون ، وفي حال الأنوثة نصفه ، وهو ثلاثون ، وفي حال ذكورية أحدهما ، وأنوثية الآخر ثلاثة أخماسه ، وهو ستة وثلاثون ، وفي الحال الأخرى كذلك ، فإذا جمعت ذلك كان ما [ ص: 226 ] ذكرنا فاقسمه على أربعة تكن خمسة وثلاثين ونصفا ، لكل واحد سبعة عشر ونصف وربع ، ثم اضرب نصيب كل واحد في أربعة ، يصح لكل خنثى أحد وسبعون ، وللابن ثمانية وتسعون ، وعلى هذا فقس ، وإذا كان ولد خنثى وولد أخ خنثى وعم ، فإن كانا ذكرين ، فالمال للولد ، وإن كانا أنثيين ، فللبنت النصف ، والباقي للعم ، فهي من أربعة عند من نزلهم حالين : للولد ثلاثة أرباع المال ، وللعم ربعه ، ومن نزلهم أحوالا كانت من ثمانية : للولد المال في حالين ، والنصف في حالين ، فله ربع ذلك ، وهو ثلاثة أرباع المال ، ولولد الأخ نصف المال في حال ، فله ربعه ، وهو الثمن ، وللعم مثل ذلك ، وهذا أعدل ، ومن قال بالدعوى فيما زاد على اليقين ، قال : للولد النصف يقينا ، والنصف الآخر يتداعونه ، فيكون المال بينهم أثلاثا ، وتصح من ستة ، وقد ذكر في المحرر حكم الخنثى ، وبينه بأحسن طريق ، وفصله أبلغ تفصيل ، فليراجع هناك .

فصل

قال المؤلف : وجدنا في عصرنا شبيها بالخنثى لم يذكره الفرضيون ، شخصين ليس لهما في قبلهما مخرج ، ولا ذكر ، ولا فرج ، أما أحدهما : فذكروا أنه ليس له في قبله إلا لحمة نابتة كالربوة يرشح منها البول رشحا على الدوام ، وأرسل إلينا ، فسألنا عن الصلاة ، والتحرز من النجاسة ، والثاني : ليس له إلا مخرج واحد ، فيما بين المخرجين منه يتغوط ، ومنه يبول ، وأخبرت عنه أنه يلبس لباس النساء ويخالطهن ويغزل معهن ، ويعد نفسه امرأة ، قال : وحدثت أن في بعض بلاد العجم شخصا ليس له قبل ولا دبر ، وإنما يتقيأ ما يأكله ويشربه ، فهذا وما أشبهه في معنى الخنثى ; لأنه لا يمكن اعتباره بمباله ، وإن لم يكن له علامة أخرى ، فهو مشكل ، ينبغي أن يثبت له حكمه في ميراثه .

التالي السابق


الخدمات العلمية