صفحة جزء
[ ص: 227 ] باب ميراث الغرقى ، ومن عمي موته . إذا مات متوارثان ، وجهل أولهما موتا كالغرقى والهدمى ، واختلف وراثهما في السابق منهما ، فقد نقل عن أحمد في امرأة وابنها ماتا ، فقال زوجها : ماتت فورثناها ، ثم مات ابني فورثته ، وقال أخوها : مات ابنها ، فورثته ، ثم ماتت فورثناها : أنه يحلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه ، ويكون ميراث الابن لأبيه ، وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين ، ذكرها الخرقي ، وهذا يدل على أنه يقسم ميراث كل ميت على الأحياء من ورثته دون من مات معه . وظاهر المذهب : أن كل واحد من الموتى يرث صاحبه من تلاد ماله دون ما ورثه من الميت معه ، ثم يقدر أحدهما مات أولا ، ويورث الآخر منه ، ثم يقسم ما ورثه منه على الأحياء من ورثته ، ثم يصنع بالثاني كذلك ، فعلى هذا لو غرق أخوان ، أحدهما مولى زيد ، والآخر مولى عمرو ، صار كل واحد منهما لمولى الآخر ، وعلى القول الأول : يصير مال كل واحد منهما لمولاه ، وهو أحسن إن شاء الله تعالى .


باب ميراث الغرقى ، ومن عمي موته

أي : خفي ، ولم يعلم ، وكان ينبغي للمؤلف أن يذكر هذا الباب عقب المفقود ; لأنه جهل يوجب التوقف في الإرث ، وهنا يوجب حرمانه في بعض الصور .

( إذا مات متوارثان فجهل أولهما موتا كالغرقى ) هو جمع غريق كقتيل وجريح ( والهدمى ) يجوز أن يكون جمع هديم بمعنى مهدوم ، كجريح بمعنى مجروح ، قال ابن أبي الفتح ، ولم أر هذا منقولا ( واختلف وراثهما في السابق منهما ) أي : ادعى ورثة كل ميت سبق الآخر ، ولا بينة ، أو تعارضت البينة ، ولم يتوارثا ، نص عليه واختاره الأكثر ، وقال جماعة : بلى ، وخرجوا منها المنع في جهلهم الحال ، اختاره الشيخ تقي الدين ( فقد نقل عن أحمد في امرأة وابنها ماتا ، فقال زوجها : ماتت فورثناها ، ثم مات ابني فورثته ، وقال أخوها : مات ابنها فورثته لما ماتت فورثناها : أنه يحلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه ) لأن كل واحد منهما ينكر ما ادعي به عليه ، والمنكر عليه اليمين ، وهذا إذا لم تكن بينة ( ويكون ميراث الابن لأبيه ) لأنه وارثه الحي المتيقن ، وغيره مشكوك فيه ( وميراث المرأة لأخيها وزوجها نصفين ) لأنهما اللذان يرثانها يقينا ، وغيرهما مشكوك فيه ( ذكرها الخرقي ) في الدعاوى ، وهو قول الصديق وزيد وابن عباس والحسن بن علي وعمر بن عبد العزيز والأوزاعي والزهري وأكثر العلماء ، وهو المنصوص ( وهذا يدل على أنه يقسم ميراث كل ميت على الأحياء من ورثته دون من مات معه ) وظاهره : أنه إذا مات المتوارثان معا ، وعلم الورثة ذلك ، فلا إرث ، صرح [ ص: 228 ] به في المحرر ، والفروع ; لأن من شرط توريثه كونه حيا حين موت الآخر ( وظاهر المذهب ) وقد نص عليه واختاره الأكثر ( أن كل واحد من الموتى يرث صاحبه من تلاد ماله ) أي : ماله القديم الأصل ( دون ما ورثه من الميت معه ) وهو المستحدث ، ويقال له : الطارف ، والطريف ، وسواء جهل الورثة كيف مات أو تحققوا السابق ، وجهلوا عينه ( ثم يقدر أحدهما مات أولا ، ويورث الآخر منه ، ثم يقسم ما ورثه منه على الأحياء من ورثته ، ثم يصنع بالثاني كذلك ) فيقدر أن المرأة ماتت أولا ، فورثها زوجها وابنها أرباعا ، ثم يأخذ ما ورثه الابن فيدفع لورثته الأحياء ، وهم الأب ، فيجتمع له جميع ماله ، ثم يقدر أن الابن مات أولا ، فورثه أبواه أثلاثا ، ثم يأخذ ثلث الأم فيقسمه بين ورثتها الأحياء ، وهم أخوها وزوجها نصفين ، فيحصل للأخ السدس من مال الابن ، قال أحمد : أذهب إلى قول عمر وعلي وشريح وإبراهيم والشعبي ، وحكاه في " المغني " و " الشرح " عن جمع من التابعين ومن بعدهم ، قال الشعبي : وقع الطاعون بالشام عام عمواس ، فجعل أهل البيت يموتون عن آخرهم ، فكتب في ذلك إلى عمر ، فأمر عمر أن يورثوا بعضهم من بعض ، وروي عن إياس المزني أن النبي صلى الله عليه وسلم سئل عن قوم وقع عليهم بيت ، فقال : يرث بعضهم بعضا . وحمل بعض الأصحاب نص أحمد الذي حكاه الخرقي اختصاصه بما إذا ادعى وارث كل ميت بأن موروثه كان آخرهما موتا ، فأما مع الجهل ، فيورث كل واحد منهما من الآخر ; لأن مع التداعي يتوجه اليمين على المدعى عليه ، بخلاف ما إذا اتفقوا على الجهل ، لكونها لا تشرع حينئذ ، واحتج في " المغني " ، و " الشرح " للرواية [ ص: 229 ] الأولى بما روى سعيد في سننه : وحدثنا إسماعيل بن عويس ، عن يحيى بن سعيد : أن قتلى اليمامة وصفين والحرة لم يرث بعضهم من بعض ، ورثوا عصبتهم الأحياء ، وقال : ثنا عبد العزيز بن محمد ، عن جعفر بن محمد ، عن أبيهم : أن أم كلثوم بنت علي توفيت هي وابنها زيد بن عمر ، فلم يدر أيهما مات قبل صاحبه ، فلم ترثه ولم يرثها . ولأن شرط التوارث حياة الوارث بعد موت الموروث ، وليس بمعلوم ، فلا يثبت مع الشك في شرطه ، ولأنه مشكوك في حياته حين يرث موروثه ، فلا يرثه كالحمل إذا وضعته ميتا ، ولا توريث كل واحد منهما خطأ قطعا ; لأنه لا يخلو من أن يكون موتهما معا ، أو يسبق أحدهما ، وتوريث السابق بالموت خطأ يقينا ، مخالف للإجماع ، فكيف يعمل به ، وقال أبو ثور وابن سريج وطائفة : يعطى كل وارث اليقين ، ويوقف المشكوك فيه حتى يتبين الأمر ، أو يصلحوا ، وحكاه في الرعاية قولا ، وقال أبو بكر : المال بينهما نصفان ، وأبطله في " المغني " بأنه يقتضي إلى أن يعطي الأخ ما لا يدعيه ولا يستحقه يقينا ; لأنه لا يدعي من مال الابن أكثر من سدسه ، ولا يمكن أن يستحق أكثر منه .

فرع : لو علم السابق ثم نسي ، فالحكم فيه كما لو جهل ، وقيل : بالقرعة ، قال الأزجي : وإنما لم تجر القرعة لعدم دخولها في النسب ، وقال الوني : يعمل باليقين ، ويوقف مع الشك .

( فعلى هذا لو غرق أخوان : أحدهما مولى زيد ، والآخر مولى عمرو ، وصار مال كل واحد منهما لمولى الآخر ) لأنه إذا قدر موت مولى زيد أولا استحق ميراثه أخوه ، ثم يدفع إلى ورثته الأحياء ، وهو مولاه ، صار مال مولى زيد لعمرو ، ثم [ ص: 230 ] هكذا يقدر في مولى عمرو ( وعلى القول الآخر ) وهو من لم يورث أحدهما من صاحبه ( يصير مال كل واحد منهما لمولاه ، وهو أحسن إن شاء الله تعالى ) لما تقدم ، ومن قال بالوقف ، وقف مالهما ، وإن ادعى كل واحد منهما أن مولاه آخرهما موتا ، حلف كل واحد منهما على إبطال دعوى صاحبه ، وأخذ مال مولاه على ما ذكره الخرقي ، وإن كان لهما أخت ، فمن ورث كل واحد منهما من صاحبه ، جعل لها الثلثين من مال كل واحد منهما ، والنصف على القول الآخر ، وإن خلف كل واحد منهما زوجة وبنتا ، فمن لم يورث بعضهم من بعض ، صححها من ثمانية : لامرأته الثمن ، ولابنته النصف ، والباقي لمولاه ، ومن ورثهم جعل الباقي لأخيه ، ثم قسمه بين ورثة أخيه على ثمانية ، ثم ضربها في الثمانية الأولى ، فصحت من أربعة وستين : لامرأته ثمانية ، ولابنته اثنان وثلاثون ، ولامرأة أخيه ثمن الباقي ثلاثة ، ولابنته اثنا عشر ، ولمولاه الباقي تسعة .

مسألة : لو عين الورثة وقت موت أحدهما ، وشكوا هل مات الآخر قبله أو بعده ؛ ورث من شك في موته من الآخر ; إذ الأصل بقاؤه ، وقيل : لا توارث بينهما بحال ، وهو بعيد ، ولو مات أخوان عند الزوال ، أحدهما بالمشرق ، والآخر بالمغرب ، ورث الذي مات بالمغرب من الذي مات بالمشرق لموته قبله ، بناء على اختلاف الزوال ، قاله في " الفائق " .

التالي السابق


الخدمات العلمية