صفحة جزء
[ ص: 264 ] باب ميراث المعتق بعضه

لا يرث العبد ولا يورث ، سواء كان قنا ، أو مدبرا ، أو مكاتبا ، أو أم ولد ، فأما المعتق بعضه ، فما كسبه بجزئه الحر فلورثته ، ويرث ويحجب بقدر ما فيه من الحرية ، فإذا كانت بنت وأم ، نصفهما حر ، وأب حر ، فللبنت بنصف حريتها نصف ميراثها ، وهو الربع ، وللأم مع حريتها ورق البنت الثلث ، والسدس مع حرية البنت ، فقد حجبتها حريتها عن السدس ، فبنصف حريتها تحجبها عن نصفه ، يبقى لها الربع لو كانت حرة ، فلها بنصف حريتها نصفه ، وهو الثمن ، والباقي للأب ، وإن شئت نزلتهم أحوالا كتنزيل الخناثى ، وإذا كان عصبتان ، نصف كل واحد منهما حر كالأخوين ، فهل تكمل الحرية فيهما ؛ يحتمل وجهين ، فإن كان أحدهما يحجب الآخر كابن وابن ابن ، فالصحيح أنها لا تكمل .


باب

ميراث المعتق بعضه

ذكر في هذا الباب المانع من الإرث ، وهو الرق مع ما تقدم من اختلاف الدين ، والقتل المضمون ، ومن يرث بعضه ( لا يرث العبد ) نص عليه ، قال في المغني : لا نعلم فيه خلافا ، إلا ما روي عن ابن مسعود في رجل مات ، وترك أبا مملوكا يشترى من ماله ويعتق ، ثم يرث ، وقاله الحسن ، وعن أحمد : يرث عند عدم وارث ، ذكره في المذهب ، وأبو البقاء في الناهض ، والأول قول الجمهور ، ولأن فيه نقصا يمنع كونه موروثا ، فمنع كونه وارثا كالمرتد ، ويفارق الوصية ، فإنها تصح ، وتكون لمولاه ، وقياسهم بالحمل ينتقض بمختلفي الدين ( ولا يورث ) إجماعا لأنه لا مال له فيورث عنه ، ولأنه لا يملك ، وإن قيل به ، فملكه ناقص غير مستقر ، ينتقل إلى سيده بزوال ملكه فيه ، يدل عليه قوله عليه السلام : من باع عبدا وله مال إلى آخره ، إذ السيد أحق بمنافعه وأكسابه ، فكذا بعد مماته ( سواء كان قنا ) قال ابن سيده وغيره : هو وأبوه مملوكان ، وفي اصطلاح الفقهاء : هو الرقيق الكامل الذي لم يحصل فيه شيء من أسباب العتق ومقدماته ، قال الجوهري : ويستوي فيه الواحد والاثنان والجمع والمؤنث ، وربما قالوا عبدان قنان ، ويجمع على أقنة ( أو مدبرا ) لأن فيه جميع أحكام العبودية بدليل أنه عليه السلام باعه ( أو مكاتبا ) لأنه عبد ما بقي عليه درهم ، وهذا ظاهر فيما إذا لم يملك قدر ما عليه ، وقال القاضي ، وأبو الخطاب : إذا أدى [ ص: 265 ] ثلاثة أرباع كتابته ، وعجز عن الربع عتق ; لأنه يجب إيتاؤه ذلك ، وفي رواية أخرى : أنه إذا ملك ما يؤدي ، صار حرا يرث ويورث ، فإذا مات له من يرثه ورث ، وإن مات ، فلسيده بقية كتابته ، والباقي لورثته ، لأثر سيأتي ( أو أم ولد ) لأنها رقيقة يجري فيها جميع أحكام الرق إلا ما استثني .

فرع : المعلق عتقه بصفة إذا لم توجد ، كذلك .

( فأما المعتق بعضه فما كسبه بجزئه الحر ) مثل أن يكفر قد هايأ سيده على منفعته ، فاكتسب في أيامه ، أو ورث شيئا ، فإن الميراث إنما يستحقه بجزئه الحر ( فلورثته ، ويرث ) إذا مات له من يرثه ( ويحجب بقدر ما فيه من الحرية ) في قول علي وابن مسعود ، واختاره جمع ، لما روى عبد الله بن أحمد ، ثنا البرمكي ، عن يزيد بن هارون ، عن عطاء عن ابن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم قال في العبد يعتق بعضه : يرث ويورث على ما عتق منه وفيه انقطاع ، قال أحمد : إذا كان العبد نصفه حرا ونصفه رقيقا ، ورث بقدر الحرية ، وكذلك روي عن النبي صلى الله عليه وسلم ، ولأنه يجب أن يثبت لكل بعض حكمه ، كما لو كان الآخر مثله ، وقياسا لأحدهما على الآخر ، وقال زيد : لا يرث ولا يورث ، وأحكامه أحكام العبد ، وفاقا لمالك ، وجعل ماله لمالك باقيه ، قال ابن اللبان : وهو غلط ; لأنه ليس لمالك باقيه على ما عتق منه ملك ، ولا ولاء عليه ، ولا هو ذو رحم ( فإذا كانت بنت وأم ، نصفهما حر ، وأب حر ، فللبنت بنصف حريتها نصف ميراثها ) لأنها لو كانت كاملة الحرية ، لكان لها النصف ، فوجب أن يكون لها بنصف حريتها نصفه ( وهو الربع ) لأنه نصف النصف ( وللأم مع حريتها ورق البنت الثلث ) [ ص: 266 ] لأنه ميراثها حينئذ ( والسدس مع حرية البنت ، فقد حجبتها حريتها عن السدس ، فبنصف حريتها تحجبها عن نصفه ، يبقى لها الربع ) وهو نصف النصف ( لو كانت حرة ، فلها بنصف حريتها نصفه ، وهو الثمن ) لأنه نصف ما يستحقه بالحرية الكاملة ( والباقي للأب ) لأن له السدس بالفرض ، وما بقي بعده بالتعصيب ; لأنه أولى رجل ذكر ( وإن شئت نزلتهم أحوالا كتنزيل الخناثى ) فنقول : إن كانتا حرتين ، فالمسألة من ستة ، للبنت ثلاثة ، وللأم سهم ، والباقي للأب ، وإن كانا رقيقين ، فالمال للأب ، وإن كانت البنت وحدها حرة ، فلها النصف ، والباقي للأب ، فهي من اثنين ، وإن كانت الأم وحدها حرة ، فلها الثلث ، فهي من ثلاثة ، وكلها تدخل في الستة ، فتضربها في الأحوال الأربعة تكن أربعة وعشرين ، للبنت ستة ، وهي الربع ; لأن لها النصف في حالين ، وللأم ثلاثة ; لأن لها السدس في حال ، والثلث في حال ، والباقي للأب ; لأن المال له في حال ، والثلث في حال ، والنصف في حال ، والثلثان في حال ، صار ذلك خمسة عشر ، وترجع بالاختصار إلى ثمانية .

( وإذا كان عصبتان ) لا يحجب أحدهما الآخر ( نصف كل واحد منهما حر كالأخوين ، فهل تكمل الحرية فيهما ؛ يحتمل وجهين ) أصحهما تكمل ، قاله في المستوعب ، وهو قياس قول علي ، قاله الخبري ، فتضم الحرية من أحدهما إلى ما في الآخر منهما ، فإن كمل منهما واحد ، ورثا جميعا ميراث ابن حر ; لأن نصفي شيء شيء كامل ، ثم يقسم ما ورثاه بينهما على قدر ما في كل واحد منهما ، ففي مسألة الكتاب : يكمل ، وكذا إذا كان ثلثا أحدهم حرا ، وثلث الآخر كذلك ، فيقسم حينئذ ما ورثاه بينهما أثلاثا ، فإن نقص ما فيهما من الحرية عن جزء كامل ، ورثا بقدر [ ص: 267 ] ما فيهما ، وإن زاد على جزء واحد ، وكان الجزآن فيهما ، سواء قسم ما ورثاه بينهما بالسوية ، وإن اختلفا أعطي كل واحد منهما بقدر ما فيه ، والثاني : لا تكمل ، وهو أشهر ; لأنها لو كملت لم يظهر للرق فائدة ، وكانا في ميراثهما كالحرية ، وعليه فيه وجهان ، أحدهما : لكل واحد نصف ماله في حال حريتهما ، وهو هنا الربع ، والثاني : بطريق الخطاب ، ومعناه : لو خاطبتهما ، لقلت للحر : لك المال لو كان أخوك رقيقا ، ونصفه لو كان حرا ، فعلى هذا لكل واحد ربع وثمن ، ولو كان ابن وبنت ، نصفهما حر ، وعم ، فعلى الأول لهما ثلاثة أرباع المال ، ونصفه على الثاني ، وخمسة أثمانه على الثالث ، ولو كان معهم أم ، فلها السدس على الأوجه ، والابن والبنت ، هل لهما على الأول على ثلاثة وثلاثة أرباع المال الباقي بعد السدس ، أو ثلاثة أرباع المال ؛ فيه وجهان ، وعلى الثاني ، هل لها نصف المال ، أو نصف الباقي بعد السدس ؛ على وجهين ( فإن كان أحدهما يحجب الآخر ، كابن وابن ابن ) فوجهان ( فالصحيح أنها لا تكمل ) لأن الشيء لا يكمل مما يسقطه ، ولا يجمع بينه وبين ما ينافيه ، فإن كان نصف كل منهما حرا ، فللابن النصف ، ولا شيء لابنه على الأوسط ، وعلى الأول الربع ، وعلى الثالث النصف ، قال في الشرح : وورثهم بعضهم بالخطاب ، وتنزيل الأحوال ، وحجب بعضهم ببعض على مثال تنزيل الخناثى ، وهو قول أبي يوسف .

مسألة : أم وأخوان بأحدهما رق ، لها ثلث ، وحجبها أبو الخطاب بقدر حريته ، فبنصفها عن نصف سدس .

تنبيه : يرد على ذي فرض وعصبة لم يرث بقدر نسبة الحرية منهما ، فلبنت نصفها حر النصف بفرض ورد ، ولابن مكانها النصف بالعصوبة ، والبقية لبيت [ ص: 268 ] المال ، ولابنين نصفهما حران ، لم نورثها المال البقية ، مع عدم عصبة ، ولبنت وجدة نصفهما حر المال نصفين بفرض ورد ، ومع حريته ثلاثة أرباعهما ، المال بينهما أرباعا بقدر فرضيهما ، ومع حرية ثلثهما ، الثلثان بينهما ، والبقية لبيت المال ، ابن نصفه حر له نصف المال ، فإن كان معه آخر ، فلهما المال في وجه ، وفي آخر : لهما نصفه ، والباقي للعصبة أو لبيت المال ، وقيل : لكل منهما ثلاثة أثمان المال ; لأنهما لو كانا حرين ، لكان لكل منهما النصف ، ولو كانا رقيقين ، لم يكن لهما شيء ، ولو كان الأكبر حرا ، لكان المال له ، وبالعكس ، ولكل واحد منهما في الأحوال الأربعة مال ونصف ، فله ربع ذلك ، وهو ثلاثة أثمان ، فإن كان معهما ابن آخر ثلثه حر ، فعلى الوجه الأول : يقسم المال بينهم على ثمانية ، كما تقسم مسألة المباهلة ، وعلى الثاني : يقسم النصف بينهم على ثمانية ، وفي وجه يقسم الثلث بينهم أثلاثا ، ثم يقسم السدس بين صاحبي النصفين نصفين .

التالي السابق


الخدمات العلمية