صفحة جزء
[ ص: 269 ] باب الولاء

كل من أعتق عبدا ، أو عتق عليه برحم أو تدبير أو استيلاد أو وصية بعتقه ، فله عليه الولاء ، وعلى أولاده من زوجة معتقة أو من أمته ، وعلى معتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم ومعتقيهم أبدا ما تناسلوا ، ويرث به عند عدم العصبة من النسب ، ثم يرث به عصبته من بعده ، الأقرب فالأقرب وعنه في المكاتب إذا أدى إلى الورثة أن ولاءه لهم ، وإن أدى إليهما فولاؤه بينهما ، ومن كان أحد أبويه حر الأصل ، ولم يمسه رق ، فلا ولاء عليه ومن أعتق سائبة ، أو في زكاته ، أو نذره ، أو كفارته ، ففيه روايتان : إحداهما : له عليه الولاء ، والثانية : لا ولاء عليه ، وما رجع في ميراثه ، رد في مثله ، يشتري به رقابا يعتقهم ، ومن أعتق عبده عن ميت أو حي بلا أمره ، فولاؤه للمعتق ، وإن أعتقه عنه بأمره ، ولاؤه للمعتق عنه ، وإذا قال : أعتق عبدك عني وعلي ثمنه ، ففعل ، فالثمن عليه ، وولاؤه للمعتق عنه ، وإن قال : أعتقه ، والثمن علي ، ففعل ، فالثمن عليه ، والولاء للمعتق ، وإن قال الكافر لرجل : أعتق عبدك المسلم عني ، وعلي ثمنه ، ففعل ، فهل يصح ؛ على وجهين ، وإن أعتق عبدا يباينه في دينه ، فله ولاؤه ، وهل يرث به على روايتين ، إحداهما : لا يرث ، لكن إن كان له عصبة على دين المعتق ، ورثه ، وإن أسلم الكافر منهما ، ورث المعتق رواية واحدة .


باب

الولاء

أي : باب ميراث الولاء ; لأن الولاء لا يورث ، وإنما يورث به ، فهو من إضافة الشيء إلى سببه ; لأن سبب الميراث هنا الولاء ، ولا شك أنه من جملة الأسباب التي يتوارث بها ، والولاء بفتح الواو ممدود ، وهو ثبوت حكم شرعي بالعتق ، أو تعاطي سببه ، ومعناه : أنه إذا أعتق رقيقا على أي جهة صار له عصبة في جميع أحكام التعصيب عند عدم العصبة من النسب كالميراث ، وولاية النكاح والعقل ، والأصل فيه قوله تعالى فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم الآية ، يعني الأدعياء ، مع قوله عليه السلام الولاء لمن أعتق متفق عليه ، وإنما تأخر الولاء عن النسب ; لقوله عليه السلام في حديث عبد الله بن أبي أوفى الولاء لحمة كلحمة النسب رواه الخلال ، ورواه الشافعي ، وابن حبان من حديث ابن عمر مرفوعا ، وفيه لا يباع ولا يوهب شبهه بالنسب ، والمشبه دون المشبه به ، وأيضا فإن النسب أقوى منه ; لأنه تتعلق به المحرمية ، ووجوب النفقة ، وترد الشهادة ، ونحوها بخلاف الولاء .

( كل من أعتق عبدا ) وفي الفروع : رقيقا ، وهي أولى ، وسواء أعتقه كله أو بعضه ، فسرى إلى بقيته ، فله عليه الولاء إجماعا ، حيث لم يعتقه عن نذره أو كفارته ، وكلامه شامل للمسلم وغيره ، فلو أعتق الحربي حربيا ، فله عليه الولاء ، في قول عامتهم ، فإن جاء المعتق مسلما ، فالولاء بحاله ، وإن سبي مولي النعمة ، لم يرث ما دام عبدا ، فإن عتق فعليه الولاء لمعتقه ، وله الولاء على عتيقه ، وهل يثبت لمعتق السيد ، ولاء على معتقه ؛ فيه احتمالان : فإن كان الذي اشتراه مولاه ، فأعتقه ، [ ص: 270 ] فكل واحد منهما مولى صاحبه ، وإن أسره مولاه ، فكذلك ، وإن سبي المعتق ، فاشتراه رجل ، فأعتقه ، بطل ولاء الأول ، وصار للثاني على المشهور ، وإن أعتق ذمي عبدا ، فهرب إلى دار الحرب ، فاسترق ، فالحكم فيه كما لو أعتقه الحر سواء ، وإن أعتق مسلم كافرا ، فهرب إلى دار الحرب ، ثم سباه المسلمون ، لم يجز استرقاقه ، وقال المؤلف : والصحيح جوازه ، فعلى هذا إن استرق ، فالولاء للثاني ، وقيل : للأول ، وقيل : بينهما ، وإن أعتق مسلم مسلما ، أو أعتقه ذمي ، ثم ارتد ولحق بدار الحرب ، فسبي لم يجز استرقاقه ، وإن اشتري ، فهو باطل ، ولا تقبل منه إلا التوبة أو القتل ( أو عتق عليه برحم ) يعني : إذا ملكه يعتق عليه بالملك ، وكان ولاؤه له ، كما لو باشر عتقه ، وسواء ملكه بشراء أو وهبه أو إرث أو غنيمة ، بغير خلاف نعلمه ( أو كتابة ) يعني إذا كاتبه ، فأدى ما كوتب عليه ، عتق ، ولا فرق بين أن يؤدي إلى سيده أو إلى ورثته ; لأن عتقه بكتابته ، وهي من سيده ، وحكى ابن سراقة عن عمرو بن دينار ، وأبي ثور أنه لا ولاء على المكاتب ; لأنه اشترى نفسه ، فلم يكن عليه ولاء ، كما لو اشتراه أجنبي ، فأعتقه ، وهذا قويل عندنا ، ورد بالأحاديث المشهورة .

فرع : إذا اشترى العبد نفسه من سيده بعوض حال عتق ، والولاء لسيده ، نص عليه كالمكاتب ، وفيه قول ( أو تدبير ) أي : عتق عليه بالتدبير ، فولاؤه لسيده في قول عامة الفقهاء ( أو استيلاد ) يعني : إذا عتقت أم الولد بموت سيدها فولاؤها له يرثها أقرب عصبته في قول الجمهور ، وقال ابن مسعود : يعتق من نصيب ولدها ، فيكون الولاء له ، وقال علي : لا يعتق ما لم يعتقها ، وله [ ص: 271 ] بيعها ، واختاره ابن جابر بن زيد ، والأول أولى ; لأنها عتقت بفعله من ماله ، فكان ولاؤها له ، كما لو عتقت بقوله ( أو وصية بعتقه ) أي : إذا أوصى أن يعتق عنه بعد موته ، فأعتق ، فالولاء له ، وكذا إن وصى به ، ولم يقل عني ( فله عليه الولاء ) أي : ثبت للمعتق على المعتق ، إلا إذا أعتق قن قنا ملكه ، نص عليه ( وعلى أولاده من زوجة معتقة أو من أمته ) لأنه ولي نعمتهم وعتقهم بسببه ، ولأنهم فرع ، والفرع : يتبع أصله ، بشرط أن يكونوا من زوجة معتقة أو سرية ، فإن كانت أمهم حرة الأصل ، فلا ولاء على ولدها ; لأنهم يتبعونها في الحرية والرق ، فيتبعونها في عدم الولاء ، إذ ليس عليها ولاء ( وعلى معتقيه ومعتقي أولاده وأولادهم ومعتقيهم أبدا ما تناسلوا ) لأنه ولي نعمتهم ، وبسببه عتقوا ، أشبه ما لو باشرهم بالعتق ( ويرث به عند عدم العصبة من النسب ) أي : إذا لم يكن للمعتق عصبة ، ولا ذو فرض ، فهو للمولى ; لما روى الحسن مرفوعا الميراث للعصبة ، فإن لم يكن عصبة فللمولى ولأن النسب أقوى من الولاء بدليل أنه يتعلق به التحريم ، سقوط القصاص ، ورد الشهادة ، بخلاف الولاء ، وظاهره أنه إذا كان عصبة ، أو ذو فرض يستغرق فروضهم المال ، فلا شيء للمولى بغير خلاف نعلمه ، ولو كان ذو فرض لا تستغرق المال ، فالباقي للمولى .

( ثم يرث به عصبته من بعده ) سواء كان ابنا ، أو أخا ، أو أبا ، أو غيره من العصبات ، ولا فرق بين كون المعتق ذكرا أو أنثى ( الأقرب فالأقرب ) لما روى أحمد عن سعيد بن المسيب مرفوعا أنه قال المولى أخ في الدين ، ومولى نعمة ، يرثه أولى الناس بالمعتق ولأنه حق من حقوقه ، فوجب أن يرث به أقرب [ ص: 272 ] عصباته كالنسب ، فإن لم يكن له عصبة فلمولاه ( وعنه في المكاتب إذا أدى إلى الورثة أن ولاءه لهم ) لأنه انتقل إليهم ، أشبه ما لو اشتروه ( وإن أدى إليهما ، فولاؤه بينهما ) أي : بين السيد والورثة ; لأن العتق يتبع الأداء ، وفي التبصرة وجه : أنه للورثة ، وفي المبهج : إن أعتق كل الورثة المكاتب نفذ ، والولاء للرجال ، وفي النساء روايتان ( ومن كان أحد أبويه حر الأصل ، ولم يمسه رق ، فلا ولاء عليه ) أي : إذا كان أحد الزوجين حر الأصل ، فلا ولاء على ولدها ، سواء كان الآخر عربيا أو مولى ; لأن الأم إن كانت حرة الأصل ، فالولد يتبعها فيما إذا كان الأب رقيقا في انتفاء الرق والولاء ، فلأن يتبعها في نفي الولاء أولى ، وإن كان الأب حر الأصل ، فالولد يتبعه فيما إذا كان عليه ولاء ، بحيث يصير الولاء عليه لمولى أبيه ، فلأن يتبعه في سقوط الولاء عنه أولى ، وعلى هذا لا فرق بين أن يكون مسلما أو ذميا ، معلوم النسب أو مجهوله ، قال الأصحاب : هذا هو الأشبه بمذهب أحمد ، ونصره في الشرح ، وقال القاضي : إن كان مجهول النسب ، ثبت الولاء على ولده لمولى الأم ، إن كانت مولاة ، وعلله الخبري بأن مقتضى ثبوته لمولى الأم موجود ، وإنما امتنع في محل الوفاق لحرية الأب ، فإذا لم تكن معلومة ، فقد وقع الشك في المانع ، فيبقى على الأصل ، وجوابه بأن الأب حر محكوم بحريته ، أشبه معروف النسب ، إذ الأصل في الآدميين الحرية ، فإن كان الأب مولى ، والأم مجهولة النسب فعلى الخلاف ، والمذهب لا ولاء عليه ، وقد علم أن من أبوه حر الأصل وأمه عتيقة ، فلا ولاء عليه ، وعنه : يلي لمولى أمه .

[ ص: 273 ] ومن كانت أمه عتيقة ، وأبوه مجهول النسب ، فلا ولاء عليه ، وعنه : يلي كمولى أبيه .

مسألة : إذا تزوج عبد بمعتقة لقوم أو بحرة الأصل ، فأولدها ، ثم أعتقه مولاه ، قال ابن أبي موسى : لا يختلف قول أحمد أن ولاء أولاده لمولى أبيهم ، وجزم به في الوجيز ، وفي حر الأصل : إذا تزوج أمة ، فعتق ولدها على سيدها ، فله ولاؤه .

( ومن أعتق سائبة ) كقوله : أعتقتك سائبة ، كأنه يجعله لله ، أو أعتقتك ولا ولاء لي عليك ، وأصله من تسييب الدواب ، ولا نزاع في صحة العتق ، والخلاف إنما هو في ثبوت الولاء للمعتق ، وفيه روايتان ، حكاهما الشيخان ، فأشهرهما - واختاره أكثر الأصحاب ، حتى إن القاضي والشريف وأبا الخطاب في خلافيهما ، وابن عقيل في التذكرة لم يذكروا خلافا - أنه لا ولاء عليه ; لأن ابن عمر أعتق سائبة ، فمات ، فاشترى ابن عمر بماله رقابا ، فأعتقهم ، وعلله أحمد : بأنه جعله لله ، فلا يجوز أن يرجع إليه منه شيء ، ففي عقله لكونه معتقا ، وانتفاء الولاء عنه روايتان ، قاله أبو المعالي ، وماله لبيت المال ، والثانية : أنه يثبت الولاء للمعتق ، جزم بها في الوجيز ، وقدمها في الفروع ، قال المؤلف : وهو أصح في النظر لعموم الأخبار ، وعن هزيل بن شرحبيل ، قال : جاء رجل إلى عبد الله ، قال : إني أعتقت عبدا ، وجعلته سائبة فمات ، وترك مالا ، ولم يدع وارثا ، فقال عبد الله : إن أهل الإسلام لا يسيبون ، وإنما كان أهل الجاهلية يسيبون ، وأنت ولي نعمته ، وإن تأثمت وتحرجت في شيء ، فنحن نقبله ، ونجعله في بيت المال ، رواه مسلم ، وقال سعيد : ثنا هشيم ، عن منصور [ ص: 274 ] أن عمر ، وابن مسعود ، قالا في ميراث السائبة : هو الذي أعتقه ( أو في زكاته أو نذره أو كفارته ، ففيه روايتان إحداهما : له عليه الولاء ) للعموم ، ولأن عائشة اشترت بريرة بشرط العتق ، وهو يوجب العتق ، ولم يمنع ذلك ثبوت الولاء لها ، ( والثانية : لا ولاء عليه ) لأنه أعتقه في الزكاة من غير ماله ، فلم يكن له عليه الولاء ، كما لو دفعها إلى الساعي ، فاشترى بها وأعتق ، وكما لو دفع إلى المكاتب مالا ، فأداه في كتابته ، وفارق الذي اشترط عليه العتق ، فإنه أعتقه من ماله ، والعتق في الكفارة والنذر واجب عليه ، أشبه العتق في الزكاة ( وما رجع من ميراثه رد في مثله ، يشتري به رقابا يعتقهم ) هذا هو المعروف في السائبة ، لما روي عن ابن عمر ، ونظرا إلى أنه جعله محضا لله ، فيختص بهذه الجهة ، وهل ولاية الإعتاق للإمام ; لأنه النائب عن الله ، وهو أظهر ، أو للسيد ; لأنه المعتق ؛ فيه روايتان ، وقال أحمد في الذي يعتق من زكاته : إن ورث منه شيئا ، جعله في مثله ، وهو قول الحسن ، وإسحاق ، قال في الشرح : وعلى قياس ذلك العتق في الكفارة والنذر ; لأنه واجب عليه ، وعنه في السائبة والمعتق في الواجب : لا ولاء عليه ، بل ماله لبيت المال ; لأنه لا وارث له ، فعلى الأول إذا خلف السائبة ذا فرض ، لا يستغرق ماله ، أخذ فرضه ، واشترى بباقيه رقابا يعتقهم ، ولا يرد على أهل الفرض ، فلو ترك بنتا ومعتقا ، فللبنت النصف ، والباقي في العتق ، إذ جهة العتق هي المستحقة للولاء على القول بأن الولاء للسيد ، والمال بينهما نصفان ، وعلى الآخر : الجميع للبنت بالفرض والرد ، إذ الرد مقدم على بيت المال .

( ومن أعتق عبده عن ميت أو حي ، بلا أمره ، فولاؤه للمعتق ) للخبر ، [ ص: 275 ] ولأنه أعتقه بغير إذن الآخر ، فكان ولاؤه للمعتق ، كما لو لم ينوه ، لكن ذكر في المحرر والفروع والوجيز ، تبعا للقاضي : أنه إذا أعتق عن ميت في واجب عليه أن العتق يقع عن الميت لمكان الحاجة إلى ذلك ، وهو الاحتياج إلى براءة الذمة ، قال الشيخ تقي الدين : بناء على أن الكفارة ونحوها من شرطها الدخول في ملك المكفر عنه ، وحينئذ يصح العتق ، وقيل : لا يصح إلا بوصية ، قال في الترغيب : بناء على قولنا : الولاء للمعتق عنه ، وإن تبرع بعتقه عنه ، ولا تركة ، فهل يجزئه كإطعام وكسوة أم لا ؛ جزم به في الترغيب ; لأن مقصوده الولاء ، ولا يمكن إثباته بدون المعتق عنه ، فيه وجهان ، وإن تبرع عنه أجنبي ، فأوجه : ثالثها : يجزئه في إطعام وكسوة ( وإن أعتقه عنه بأمره ) صح ; لأنه نائب عنه فكان ( فولاؤه للمعتق عنه ) في قول أكثرهم ، كما لو باشره ، ولما ذكره حالات ، نبه عليها بقوله : ( وإذا قال : أعتق عبدك عني ، وعلي ثمنه ) ففعل قبل فراقه أو بعده ( فالثمن عليه ، والولاء للمعتق عنه ) لا نعلم فيه خلافا ، قاله في المغني ; لأنه أعتقه عنه بشرط العوض ، فيقدر ابتياعه منه ، ثم توكيله في عتقه ليصح ، أشبه ما لو ابتاعه منه ثم وكله في عتقه ، وكإطعامه طعامه عنه والكسوة ، وذكر ابن أبي موسى : لا يجزئه حتى يملكه إياه ، فيعتقه هو ، ونقله مهنا ، وعلى الأول : يجزئه عن واجب ما لم يكن قريبه ، ويلزمه عوضه بالتزامه ، وعنه : يلزمه ما لم ينفه ، وعنه : العتق والولاء للمسؤول لا للسائل ، إلا حيث التزم العوض ، وفي الترغيب : لو قال : أعتقه عن كفارتي ، ولك علي مائة ، فأعتقه ، عتق ، ولم يجزئه ، ويلزمه المائة والولاء له ، قال ابن عقيل : ثم قال : أعتقه عني بهذا الخمر والخنزير ، ملكه ، وعتق كالهبة ، والملك [ ص: 276 ] يقف على القبض في هبة بلفظها لا بلفظ العتق ، بدليل : أعتق عبدك عني ، ينتقل الملك قبل إعتاقه ، ويجوز جعله قابضا من طريق الحكم ، كقوله بعتك أو وهبتك هذا ، فقال المشتري : هو حر ، عتق وقدر القبول حكما .

( وإن قال : أعتقه ، والثمن علي ) أو أعتقه عنك ، وعلي ثمنه ( ففعل ، فالثمن عليه ) أي : على السائل ; لأنه جعل جعلا على الإعتاق فلزمه بالعمل ، أشبه ما لو قال : من بنى لي هذا حائطا ، فله كذا ، استحقه بعمله ( والولاء ) والعتق ( للمعتق ) أي : المسؤول على الأصح ; لأنه لم يأمره بإعتاقه عنه ، ولا قصد به المعتق ذلك ، فلم يوجد ما يقتضي صرفه إليه ، فيبقى للمسؤول عملا بالخبر ، ويجزئه عن واجب في الأصح ، وقال القاضي في موضع : لا يجزئ عن الواجب ، ويقع عن العتق ، والولاء للسائل ، قال في المحرر : وفيه بعد .

تنبيه : بقي هنا صورتان ، الأولى : إذا قال : أعتقه عني ، وأطلق ، فيحتمل أنه يلزمه العوض ، كما لو صرح به ، إذ الغالب في انتقال الملك العوض ، ويحتمل عدمه ; لأنه التزام ما لم يلتزمه ، الثاني : إذا قال : أعتقه عني مجانا ، لم يلزمه العوض بلا نزاع ، والولاء والعتق للسائل ، في ظاهر كلام الخرقي وجماعة .

فرع : لو قال : أعتق مكاتبك على ألف ، ففعل ، عتق ، ولزم القائل ألف ، وولاؤه للمعتق ، وقيل : للقائل ، فلو قال : اقبله على درهم ، فلغو ، ذكره في الانتصار ، قال في الفروع : ويتوجه وجه .

( وإن قال الكافر لرجل : أعتق عبدك المسلم عني ، وعلي ثمنه ، ففعل ، [ ص: 277 ] فهل يصح ؛ على وجهين ) كذا أطلقهما في المحرر والفروع ، أحدهما ، وقدمه في الرعاية ، وجزم به في الوجيز : أنه يصح ويعتق ; لأنه يملكه زمنا يسيرا ، فاغتفر هذا الضرر اليسير لأجل تحصيل الحرية للأبد ، وهو نفع عظيم ; لأنه يصير متهيئا للطاعات ، وإكمال القربات ، وحينئذ الولاء للكافر ، جزم به في الوجيز لظاهر الخبر ، والثاني : لا يصح ، ولا يعتق ; لأنه يلزم من الصحة ثبوت الملك المقدر ، وهو كالمحقق ، وثبوت المحقق منفي ; لما فيه من الصغار ، فكذلك ثبوت ما يشبهه ، وحكاهما في الرعاية روايتين .

( وإن أعتق عبدا يباينه في دينه ، فله ولاؤه ) بغير خلاف نعلمه ; لأنه معتق فيدخل في قوله عليه السلام الولاء لمن أعتق وحينئذ يثبت الولاء للأنثى على الذكر ، وبالعكس ، ( وهل يرث به ؛ على روايتين ، إحداهما : لا يرث ) وهو قول جمهور الفقهاء ، قال في المغني : وهو أصح في الأثر والنظر ; لخبر أسامة لا يرث المسلم الكافر ولا الكافر المسلم ولأنه ميراث ، فمنعه اختلاف الدين كميراث النسب ، والميراث بالنسب أقوى ، فإذا منع الأقوى ، فالأضعف أولى ، والثانية : يرثه ، روي عن عمر وعلي وغيرهما ، واحتج أحمد بقول علي : الولاء شعبة من الرق ، فلم يضر تباين الدين ، بخلاف الإرث بالنسب ( لكن ) أي : على الأولى ( إن كان له ) أي : للسيد ( عصبة على دين المعتق ) بفتح التاء ( ورثه ) أي : العصبة ، أشبه ما لو كان الأقرب من العصبة مخالفا لدين الميت ، والأبعد على دينه ( وإن أسلم الكافر منهما ) أي : [ ص: 278 ] من السيد والمعتق ( ورث المعتق ) بكسر التاء ( رواية واحدة ) لأنهما اجتمعا على الإسلام ، فتوارثا كالمتناسبين ; لزوال المانع .

التالي السابق


الخدمات العلمية