صفحة جزء
فصل

ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن ، أو أعتق من أعتقن ، أو كاتبن ، أو كاتب من كاتبن ، وعنه : في بنت المعتق خاصة ترث ، والأول أصح ، ولا يرث منه ذو فرض ، إلا الأب والجد ، يرثان السدس مع الابن ، والجد يرث الثلث مع الأخوة ، إذا كان أحظ له ، والولاء لا يورث ، وإنما يورث به ، ولا يباع ، ولا يوهب ، وهو للكبر خاصة فإذا مات المعتق ، وخلف عتيقه وابنين ، فمات أحد الابنين بعده عن ابن ، ثم مات العتيق ، فالميراث لابن المعتق ، وإن مات الابنان بعده وقبل المولى ، وخلف أحدهما ابنا ، والآخر تسعة ، فولاؤه بينهم على عددهم ، لكل واحد عشرة ، وإذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما ، فعتق عليهما ، ثم اشترى عبدا ، فأعتقه ، ثم مات المعتق ، ثم مات مولاه ، ورثه الرجل دون أخته ، وإذا ماتت المرأة ، وخلفت ابنها ، وعصبتها غيره ومولاها ، فولاؤه لابنها ، وعقله على عصبتها .


فصل

( ولا يرث النساء من الولاء إلا ما أعتقن أو أعتق من أعتقن ) وأولادهما ومن جروا ولاءه ( أو كاتبن ، أو كاتب من كاتبن ) هذا ظاهر كلام أحمد ، واختاره الأكثر ، وروي عن عمر وعثمان وعلي وغيرهم ، ولم يعرف لهم مخالف في عصرهم ، فكان كالإجماع ، وسنده ما روي عن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده مرفوعا ، قال ميراث الولاء للكبر من الذكور ، ولا يرث النساء من الولاء إلا ولاء من أعتقن ، أو أعتق من أعتقن ولأن الولاء مشبه بالنسب ، والمولى المعتق من المولى المنعم بمنزلة أخيه أو عمه ، فولده من العتيق بمنزلة ولد أخيه أو عمه ، ولا يرث منهم إلا الذكور خاصة ، ويستثنى منه إلا عتيق ابن ملاعنة ، فإن الملاعنة ترثه على المنصوص إن عدم الابن ، وقلنا : هي العصبة وإلا عصبتها ( وعنه في بنت المعتق خاصة ترث ) نقلها أبو طالب ، ووهمه أبو بكر في حكايتها عنه ، واختارها القاضي وأصحابه ، وإليها ميل المجد في المنتقى ، واحتج الإمام أحمد بما روى ابن عباس أن مولى لحمزة توفي ، وترك ابنته ، وابنة حمزة ، فأعطى النبي صلى الله عليه وسلم ابنته النصف ، وابنة حمزة النصف ورواه الدارقطني ، وقد روى إبراهيم النخعي ، ويحيى بن آدم ، وإسحاق : أن المولى كان لحمزة ، واعترض عليه : بأن المولى كان لابنة حمزة ، قاله أحمد في رواية ابن القاسم ، وسأله : [ ص: 279 ] هل كان المولى لحمزة أو لابنته ؛ فقال : لابنته ، فقد نص على أن ابنة حمزة ورثت بولاء نفسها ; لأنها هي المعتقة ، وصححه في الكافي والشرح ، ويرشحه ما روى ابن ماجه ، عن محمد بن عبد الرحمن بن أبي ليلى ، عن الحكم ، عن عبد الله بن شداد ، عن بنت حمزة ، وهي أخت ابن شداد لأمه ، قالت : مات مولاي ، وترك ابنة ، فقسم النبي صلى الله عليه وسلم ماله بيني وبين ابنته ، فجعل لي النصف ، ولها النصف . ورد بأن ابن أبي ليلى ضعيف ، ثم يحتمل تعدد الواقعة ، فلا معارضة ، ولو سلم الاتحاد ، فيحتمل أنه أضيف مولى الوالد إلى الولد ، بناء على أن الولاء ينتقل إليه ، أو أنه يرث به ، وعنه : أنها ترث مع عدم عصبة ، وعنه : ترث مع أخيها ، فلو اشترى هو وأخته أباهما ، فعتق ، ثم اشترى عبدا وأعتقه ، ثم مات عتيقه بعد أبيه ، ورثه ابنه لابنته ، وعلى الثانية : يرثانه أثلاثا ، فلو نكحت عتيقها ، وأحبلها ، فهي القائلة : إن ألد أنثى ، فالنصف ، وذكرا ، فالثمن ، وإن لم ألد فالجميع ( والأول أصح ) لإجماع الصحابة ومن بعدهم عليه .

مسائل : إذا خلف بنت معتقه وابن عم معتقه ، فلا شيء للبنت ، وجميع المال لابن عم المعتق ، على الأولى ، وعلى الثانية : للبنت النصف ، والباقي لابن العم ، ولو خلف المعتق بنته وبنت معتقه ، فالمال كله لابنته على الأولى بالفرض والرد ، وعلى الثانية لابنته النصف ، ولابنة معتقه النصف ، ولو كان بدل بنت معتقه أخت معتقه ، فلا شيء لها قولا واحدا .

( ولا يرث منه ) بالولاء ( ذوا فرض ) كالأخ من الأم ، والزوج ، إذا لم [ ص: 280 ] يكونا ابني عم ( إلا الأب والجد ، يرثان السدس مع الابن ) نص عليه في رواية جماعة ; لأنهما يرثان ذلك في غير الولاء ، فكذا في الولاء ، واختار أبو إسحاق سقوطهما مع ابن ، وهو قول زيد ، وأكثر الفقهاء ; لأن الابن أقرب العصبة ، وهما يرثان معه بالفرض ، ولا يرث بالولاء ذو فرض ، وجوابه : بأنه عصبة وارث ، فاستحق من الولاء كالأخوين ، ولا نسلم أن الابن أقرب من الأب ، بل هما فيه سواء ، وكلاهما عصبة لا يسقط أحدهما الآخر ، بل يتفاضلان في الميراث ، وكذا في الإرث بالولاء ، وفي الانتصار ربما حملنا توريث أب سدسا بفرض مع ابن على رواية توريث بنت المولى ، فيجيء من هذا أنه يرث قرابة المولى بالولاء على نحو ميراثهم .

( والجد يرث الثلث مع الأخوة ، إذا كان أحظ له ) أي : إذا زاد عدد البنين على اثنين ; لأنه يرث ذلك معهم في غير الولاء ، فكذا في الولاء ، وإن خلف المعتق أخاه وجده ، فالولاء بينهما نصفان ، وعن زيد : المال للأخ ; لأنه ابن الأب ، والجد أبوه ، والابن أحق من الأب ، ومن جعل الجد أبا ، ورثه وجده ، وفي المحرر والفروع : إن الجد كأخ ، وإن كثروا ، قال في الترغيب : وهو أقيس ، ويعاد الإخوة من الأبوين الجد بالأخوة من الأب ، ثم يأخذوا ما حصل لهم كالميراث ، وقال ابن سريج : هو على عددهم ، ورد بالميراث ، ولا يعتد بالأخوات ; لأنهن لا يرثن منفردات ، وكالأخوة من الأم ، وولد الأب إذا انفردن مع الجد كولد الأبوين .

مسائل : إذا خلف جد مولاه ، وابن أخي مولاه ، فالمال للجد في قولهم [ ص: 281 ] جميعا ، وكما لو خلف جد مولاه وعم مولاه ، فلو ترك جد أبي مولاه ، وعم مولاه ، فهو للجد في قول أهل العراق ، وقال الشافعي : هو للعم وبنيه ، وإن سفلوا دون جد الأب .

فرع : لا يرث المولى من أسفل معتقه في قول عامتهم ، وحكي عن شريح وطاوس أنهما ورثاه ; لحديث ابن عباس ، حسنه الترمذي ، وروي ذلك عن عمر ، وعلى الأول : لا يعقل عنه .

( والولاء لا يورث وإنما يورث به ) في قول الأكثر ; لأنه عليه السلام شبهه بالنسب ، والنسب لا يورث ، وإنما يورث به ، ولأن الولاء إنما يحصل بإنعام السيد على رقيقه بالعتق ، وهذا المعنى لا ينتقل عن العتق فكذا الولاء ( ولا يباع ، ولا يوهب ) أي : لا يصح ; لأنه عليه السلام نهى عن بيع الولاء وهبته ، ولا يجوز شراؤه ، ولا وقفه ، ولا أن يأذن لمولاه ، فيوالي من شاء ، لكن روى سعيد عن سفيان عن عمرو بن دينار : أن ميمونة وهبت ولاء سليمان بن يسار لابن عباس ، وكان مكاتبا . وروي عنها أيضا : أنها وهبت ولاء مواليها للعباس ، وقال ابن جريج : قلت لعطاء : أذنت لمولاي أن يوالي من شاء ، فيجوز ؛ قال : نعم ، وجوابه ما سبق ، وبأنه عليه السلام ، قال : لعن الله من تولى غير مواليه ولأنه معنى يورث به ، فلا ينتقل عنه كالقرابة ، فعلى هذا لا ينتقل الولاء عن المعتق بموته ، ولا يرثه ورثته ، وإنما يرثون المال به مع بقائه ، وهو للمعتق ( وهو للكبر خاصة ) أي : أنه يرث بالولاء أقرب عصبات السيد إليه يوم مات عتيقه لا يوم مات السيد ، هذا هو المختار للأصحاب ، والمشهور من الروايتين ، [ ص: 282 ] قال أحمد في رواية صالح : حديث عمر ، عن النبي صلى الله عليه وسلم ما أحرز الوالد والولد ، فهو لعصبته من كان يرويه عمرو بن شعيب ، وقد روي عن عمر وعثمان وعلي وزيد وابن مسعود ، أنهم قالوا : الولاء للكبر ، فهذا الذي نذهب إليه ، وهو قول أكثر الناس قلت : وقد رواه سعيد ، ثنا هشيم ، ثنا ابن سوار ، عن الشعبي ، أن عمر وعليا وزيدا وابن مسعود جعلوا الولاء للكبر . والثانية ، ونقلها حنبل وابن الحكم : أن الولاء يورث كالمال ، وقاله جمع من الصحابة ، ومعناه أن من ملك شيئا في حياته ، فهو لورثته ، لكن يختص به العصبة ( فإذا ) هذا تفريع على المسألة وتوضيح لها ( مات المعتق ، وخلف عتيقه وابنين ، فمات أحد الابنين بعده عن ابن ، ثم مات العتيق ، فالميراث لابن المعتق ) نص عليه في رواية أبي طالب ; لأن ابن المعتق أقرب الناس إليه يوم مات المعتق ، قال أحمد : قوله عليه السلام أعطه أكبر خزاعة ليس أكبرهم سنا ، ولكن أقربهم إلى خزاعة ، وعلى الثانية : هو بينهما نصفان ; لأنه لما مات المولى المنعم ، ورث ابناه الولاء بينهما نصفين ، فإذا مات أحدهما انتقل نصيبه إلى ابنه ( وإن مات الابنان بعده وقبل المولى ، وخلف أحدهما ابنا ، والآخر تسعة ، فولاؤه بينهم على عددهم ) نص عليه ( لكل واحد عشرة ) لأن الجميع إلى القرب إلى السيد يوم مات العتيق سواء ، وعلى الأخرى ، ونص عليها هنا في رواية بكر بن محمد : لابن الابن النصف إرثا عن أبيه ، والنصف الآخر على بني الابن الآخر على تسعة ، وتصح من ثمانية عشر .

فرع : إذا لم يخلف عصبة من نسب مولاه ، فماله لمولى أمه ، ثم لأقرب [ ص: 283 ] عصباته ، فإذا انقرض العصبات ، وموالي عصباتهم ، فماله لبيت المال .

( وإذا اشترى رجل وأخته أباهما أو أخاهما ، فعتق عليهما ) يعني : بالملك ( ثم اشترى عبدا فأعتقه ، ثم مات المعتق ) فميراثه بينهما أثلاثا بالنسب ( ثم مات مولاه ، ورثه الرجل ) لأنه ابن المعتق أو أخوه ، فورثه بالنسب ( دون أخته ) لأنها مولاة المعتق ، وعصبة المعتق تقدم على مولاه ، وروي عن مالك أنه قال : سألت عنها سبعين قاضيا من قضاة العراق ، فأخطئوا فيها ، قال في المستوعب : وهذا مما لا خلاف فيه ، إلا على ما نقله الخرقي في بنت المعتق خاصة ، وحينئذ إذا اشتريا أباهما ، كان ميراث العبد بينهما أثلاثا .

مسألة : إذا خلف بنت مولاه ومولى أبيه ، فماله لبيت المال ; لأنه ثبت عليه الولاء من جهة مباشرته العتق ، فلم يثبت عليه بإعتاق أبيه .

فائدة : امرأة حرة لا ولاء عليها ، وأبواها رقيقان ، فيتصور إذا كانوا كفارا ، فتسلم هي ويسبى أبواها ، ويسترقان ، وإذا كان أبوها عبدا تزوج بأمة ، على أنها حرة ، فولدتها ثم ماتت .

( وإذا ماتت المرأة ، وخلفت ابنها ، وعصبتها غيره ومولاها ، فولاؤه لابنها ، وعقله على عصبتها ) لما روى إبراهيم ، قال : اختصم علي والزبير في مولى صفية ، فقال علي : مولى عمتي ، وأنا أعقل عنه ، وقال الزبير : مولى أمي وأنا أرثه ، فقضى عمر على علي بالعقل ، وقضى للزبير بالميراث ، رواه سعيد واحتج به أحمد ، وظاهره : أن الابن ليس من العصبة ، وهو مقتضى كلام الأكثرين ، ومنهم من [ ص: 284 ] يجعله منها كالرواية الأخرى ، يقول : الولاء له ، والعقل عليه ، فإن باد بنوها ، فولاؤه لعصبتها ، ونقل عنه جعفر بن محمد : ولاؤه لعصبة بنيها ، وهو موافق للولاء يورث ، ثم لعصبة بنتها ، وقيل : لبيت المال ، ولم يفرق الخرقي وابن حمدان بين الرجل والمرأة ، والأكثر كالمتن ، قال في الشرح : أما الرجل المعتق ، فإنه يعقل عن معتقه ; لأنه عصبة من أهل العقل ، ويعقل ابنه وأبوه ; لأنهما من عصباته وعشيرته ، فلا يلحق ابنه من نفي العقل بابن المرأة ; لأنها لا تعقل ابنها .

التالي السابق


الخدمات العلمية