صفحة جزء
ويحصل العتق بالقول والملك ، فأما القول ، فصريحه لفظ العتق والحرية ، كيف صرفا ، وكنايته : خليتك ، والحق بأهلك ، واذهب حيث شئت ونحوها ، وفي قوله : لا سبيل لي عليك ، ولا سلطان ، ولا ملك لي عليك ، ولا رق لي عليك ، وفككت رقبتك ، وأنت مولاي ، وأنت لله ، وأنت سائبة ، روايتان ، إحداهما : أنه صريح ، والأخرى : كناية وفي قوله لأمته : أنت طالق ، أو أنت حرام ، روايتان : إحداهما : أنه كناية ، وإن قال لعبده ، وهو أكبر منه : أنت ابني ، لم يعتق ، ذكره القاضي ، ويحتمل أن يعتق وإذا أعتق حاملا ، عتق جنينها إلا أن يستثنيه ، وإن أعتق ما في بطنها دونها عتق وحده .


( ويحصل العتق بالقول ) فلو قال : أنت حر في هذا الزمان أو المكان ، عتق مطلقا ( والملك ) وسيأتي ، قال في الكافي : والاستيلاد ، ولا يحصل بالنية المجردة في ظاهر كلامه ; لأنه إزالة ملك ، فكان كالطلاق ( فأما القول ، فصريحه لفظ العتق والحرية ) لأنه إزالة ملك ، فانقسم إلى صريح وكناية كالطلاق ، ولأنهما لفظان وردا في الكتاب والسنة ، فوجب اعتبارهما ( كيف [ ص: 293 ] صرفا ) وكذا في المحرر والوجيز ، والمراد به غير مضارع ; لأنه وعد وأمر ; لأنه لا يصلح للإنشاء ، ولا هو خبر فيؤاخذ به ، وعنه : يعتبر مع ذلك نية وقوعه كالكناية ، فلو قال لامرأة لا يعرفها : تنحي يا حرة ، فإذا هي أمته ، عتقت . وعنه : لا ، قال السامري : وأصل ذلك الروايتان في اعتبار النية في صريح العتق ، وفي المغني والشرح والفروع : إن الرجل إذا قال : عبدي حر ، يريد عفته وكرم خلقه ، أنه لا يعتق في ظاهر المذهب ، ونقل حنبل : سئل أبو عبد الله ، عن رجل قال لعبده : أنت حر ، وهو يعاتبه ، قال : إذا كان لا يريد أن يعتق ، رجوت أن لا يعتق ، وأنا أهاب المسألة ; لأنه نوى بكلامه ما يحتمله ، فانصرف إليه ، وإن طلب استحلافه ، حلف ، وظاهر كلامهم : أنه يعتق ولو كان هازلا ، لا من نائم ونحوه .

( وكنايته : خليتك ، والحق بأهلك ، واذهب حيث شئت ، ونحوها ) كقوله : أطلقتك ، وحبلك على غاربك ، فهذا إن نوى به العتق ، عتق ، وإلا فلا ; لأنه يحتمل غيره ، فلم يرد به كتاب ولا سنة ولا عرف استعمال ، وفي التبصرة : أو دلالة حال ; لأن فيه معنى الإزالة ، فجاز أن يكنى به عن العتق كالطلاق ( وفي قوله : لا سبيل لي عليك ولا سلطان ولا ملك ) ، ولا خدمة ( لي عليك ، ولا رق لي عليك ، وفككت رقبتك ، وأنت مولاي ، وأنت لله ، وأنت سائبة ، روايتان ) كذا في الكافي والمحرر والفروع ( إحداهما : أنه صريح ) جزم به في الوجيز ; لأنه يتضمن العتق ، وقد ورد في قوله تعالى فك رقبة يعني العتق ، فكانت صريحة كالعتق ( والأخرى : كناية ) صححها السامري ، [ ص: 294 ] وهي الأشهر ; لأنه يحتمل غير العتق ، وقد ذكر القاضي ، وأبو الخطاب الروايتين في قوله لا سلطان لي عليك ، ولا سبيل لي عليك قال المؤلف : والصحيح أنهما كناية ، وظاهر الواضح : وهبتك لله صريح ، وسوى القاضي بينهما وبين أنت لله ، وفي الموجز : هي ورفعت يدي عنك إلى الله كناية ( وفي قوله لأمته : أنت طالق ، أو أنت حرام ) ليس بصريح اتفاقا ، وفي ( روايتان ، إحداهما : أنه كناية ) جزم بها في الوجيز ، وصححها في الشرح في : أنت حرام ، كقوله لا سبيل لي عليك ، والأخرى : لا يعتق به ، وإن نوى ; لأن الرق ملك لا يستدرك بالرجعة ، فلم يزل بما ذكر كملك بقية المال ، وحاصله أنه إذا قال لأمته : أنت طالق ، ينوي به العتق ، أنها لا تعتق ; لأن الطلاق لفظ وضع لإزالة الملك عن المنفعة ، فلم يزل به الملك عن الرقبة ، كفسخ الإجارة ، وكما لو قال : أنت علي كظهر أمي ، وعنه : كناية يعتق به إن نوى ; لأن الرق أحد الملكين على الآدمي ، فيزول بلفظ الطلاق كالآخر ، وكالحرية في إزالة النكاح ، وعنه لا تطلق إذا أضاف إليها الحرية .

( وإذا قال لعبده ، وهو أكبر منه أنت ابني ، لم يعتق ، ذكره القاضي ) كقوله لمن لا يمكن كونه منه : أنت ابني في الأصح كقوله : أعتقتك ، أو أنت حر من ألف سنة ، وفي الانتصار : إن قال لأمته أنت ابني ، ولعبده : أنت بنتي : لم يعتق ( ويحتمل أن يعتق ) هذا وجه ذكره أبو الخطاب ; لأنه اعترف بما تثبت به حريته ، أشبه ما لو أقر بها ، والأول : المذهب ; لأنه قول يتحقق كذبه فيه ، كما لو قال لطفل : هذا أبي ، ولطفلة : هذه أمي ، ولأنه لو قال لزوجته ، [ ص: 295 ] وهي أسن منه : هذه ابنتي ، أو قال لها وهو أسن منها : هذه أمي ، لم تطلق ، فكذا هنا ، أما إذا أمكن كونه منه ، ولو كان له نسب معروف ، فإنه يعتق ، لجواز كونه من وطء شبهة ، وقيل : لا لكذبه شرعا ، ومثله لأصغر : أنت أبي ، وفي الرعاية ، وقيل : إن كان مثله يولد لمثله مطلقا عتق ، وإلا فلا .

( وإذا أعتق حاملا ، عتق جنينها ) لأنه تابع لأمه ، بدليل دخوله في البيع ( إلا أن يستثنيه ) فإنه لا يعتق ، وقاله ابن عمر ، وأبو هريرة ، قال أحمد : أذهب إلى حديث ابن عمر في العتق ، ولا أذهب إليه في البيع ، ولقوله عليه السلام المسلمون على شروطهم وفيه وجه ، وذكره القاضي رواية أنه لا يصح استثناؤه كالبيع ، وبه قال أكثرهم ، وكما لو استثنى بعض أعضائها ، وجوابه : أن الحمل معلوم ، فصح استثناؤه للخبر ، بخلاف البيع ; لأنه عقد معاوضة ، فاعتبر فيه العلم بصفات العوض ، والعتق يعتبر فيه العلم بوجوده ، وقد وجد ، ولا يصح قياسه على بعض أعضائها ; لأنه لا يصح انفراده عنها ، بخلافه هنا .

( وإن أعتق ما في بطنها دونها ، عتق وحده ) لا نعلم فيه خلافا ; لأن حكمه حكم الإنسان المنفرد ، ولهذا يورث الجنين إذا ضرب بطن أمه ، فأسقطت جنينا ، فإنه يحجب موروثه عنه ، كأنه سقط حيا ، وكتدبير وكتابة ، وعنه : لا يصح حتى يوضع حيا ، فيكون كمن علق عتقه بشرط ، وإن أعتق من حملها لغيره ، كالموصى به ، ضمن قيمته ، ذكره القاضي ، وقدم في المستوعب : لا يعتق ، وجزم به في الترغيب ، واختاره في المحرر

التالي السابق


الخدمات العلمية