صفحة جزء
وإذا أعتق الكافر نصيبه من مسلم ، وهو موسر ، سرى إلى باقيه في أحد الوجهين ، وإذا ادعى كل واحد من الشريكين : أن شريكه أعتق نصيبه منه ، وهما موسران ، فقد صار العبد حرا لاعتراف كل واحد منهما بحريته ، وصار مدعيا على شريكه قيمة حقه منه ولا ولاء عليه لواحد منهما ، وإن كانا معسرين لم يعتق على واحد منهما ، فإن اشترى أحدهما نصيب صاحبه ، عتق حينئذ ، ولم يسر إلى نصيبه ، وقال أبو الخطاب : يعتق جميعهم وإن كان أحدهما موسرا ، والآخر معسرا ، أعتق نصيب المعسر وحده ، وإذا قال أحد الشريكين : إذا أعتقت نصيبك ، فنصيبي حر ، فأعتق الأول ، وهو موسر ، عتق كله عليه ، وإن كان معسرا ، عتق على كل واحد منهما نصيبه ، وإن قال : إذا أعتقت نصيبك ، فنصيبي حر مع نصيبك ، فأعتق نصيبه ، عتق عليهما ، موسرا كان أو معسرا .


( وإذا أعتق الكافر نصيبه من مسلم ، وهو موسر ، سرى إلى باقيه في آخر الوجهين ) ذكره القاضي ، واختاره في المغني والشرح ، لعموم من أعتق شركا له في عبد ولما علل به في حديث أبي المليح ، ولأنه تقويم متلف ، فاستوى فيه المسلم والكافر ، كتقويم المتلفات .

والثاني : لا يسري ، ذكره أبو الخطاب ; لأن فيه تقدير الملك ، والكافر لا يجوز أن يتملك المسلم ، ورد بأن هذا ليس بضمان تمليك ، إنما هو ضمان إتلاف ، وليس بجيد ، إذ لو صح ، لم يكن له ولاء ، والفرض أن له الولاء على ما عتق عليه ، فدل على أنه يدخل في ملكه ، ثم يعتق ، والمحذور مغمور بما حصل من مصلحة العتق .

( وإذا ادعى كل واحد من الشريكين أن شريكه أعتق نصيبه منه ، وهما موسران ، فقد صار العبد حرا ; لاعتراف كل واحد منهما بحريته ) أي : معترف بحرية نصيبه ، شاهد على شريكه بحرية نصفه الآخر ; لأنه يقول لشريكه : أعتقت نصيبك ، فسرى العتق إلى نصيبي ، فعتق كله عليك ، ولزمك قيمة نصيبي ، فقد صار العبد حرا لاعترافهما بحريته ( وصار مدعيا على شريكه قيمة حقه منه ) فإن كان لأحدهما بينة ، حكم بها ، وإن لم تكن بينة ، حلف كل واحد منهما لصاحبه ، وبرئا ، فإن [ ص: 305 ] نكل أحدهما ، قضى عليه ، وإن نكلا جميعا ، سقط حقهما لتماثلهما ( ولا ولاء عليه لواحد منهما ) لأنه لا يدعيه ; لأنه يقول لصاحبه : أنت المعتق ، وولاؤه لك ، لا حق لي فيه ، ولا فرق في هذه الحال بين المسلم والكافر ; لتساوي العدل والفاسق في الاعتراف والدعوى ، فإن اعترف به أحدهما ، ثبت له ; لأنه لا يستحق له سواه ، ولزمه قيمة نصيب شريكه ; لاعترافه بهما ، وله ولاؤه كله ، وإلا فلبيت المال ( وإن كانا معسرين ، لم يعتق على واحد منهما ) لأن عتق المعسر لا يسري إلى غيره ، بل هو شاهد على صاحبه ، بإعتاق نصيبه ، فإن كانا فاسقين ، فلا أثر لكلامهما ، وإن كانا عدلين ، عمل بشهادتهما ; لأن كل واحد منهما لا يجر إلى نفسه نفعا ، ولا يدفع عنها ضررا ، وقبل في العتق شاهد ويمين ، فإن حلف معهما ، عتق كله ، وإن حلف مع أحدهما ، عتق نصفه ، على الرواية الأخرى ، ويبقى نصفه رقيقا ، ذكره الخرقي ، وذكر ابن أبي موسى : لا يصدق أحدهما على الآخر ، وذكره في زاد المسافر ، وعلله بأنهما خصمان ، ولا شهادة لخصم على خصمه ( وإن اشترى أحدهما نصيب صاحبه ، عتق حينئذ ) لأنه معترف بحريته ( ولم يسر إلى نصيبه ) لأن السراية فرع الإعتاق ، ولم يوجد منه ذلك ، وإنما حكم عليه بالعتق ; لاعترافه أن شريكه أعتقه ، ولا يثبت له عليه ولاء ; لأنه لا يدعي إعتاقه ، بل يعترف بأن المعتق غيره ، وإنما هو مخلص له ممن يسترقه ، فهو كالأسير من أيدي الكفار ( وقال أبو الخطاب : يعتق جميعه ) لأنه شراء حصل به الإعتاق أشبه شراء بعض ولده ، وإن أكذب نفسه في شهادته ، لم يقبل في الأصح ، وهل يثبت الولاء عليه إن أعتقه ؛ فيه احتمالان ، فإن اشترى كل واحد منهما نصيب صاحبه ، فقد صار العبد حرا كله ، ولا ولاء عليه .

[ ص: 306 ] ( وإن كان أحدهما موسرا ، والآخر معسرا ، أعتق نصيب المعسر وحده ) لأنه قد صار حرا بإعتاق شريكه الموسر ، الذي يسري عتقه ، ولم يعتق نصيب الموسر ; لأنه يدعي أن المعسر الذي لا يسري عتقه أعتق نصيبه ، فعتق وحده ، ولا تقبل شهادة المعسر ; لأنه يجر نفعا بها ; لكونه يوجب عليه بشهادته قيمة حصته ، فعلى هذا إن لم يكن للعبد بينة سواه ، فحلف الموسر ، وبرئ من القيمة والعتق معا ، ولا ولاء للمعتق في نصيبه ; لأنه لا يدعيه ، ولا للموسر كذلك ، فإن عاد المعسر ، فأعتقه وادعاه ، ثبت له .

( وإذا قال أحد الشريكين : إذا أعتقت نصيبك ، فنصيبي حر ، فأعتق الأول وهو موسر ، عتق كله عليه ) نصيبه بالعتق ، ونصيب شريكه بالسراية ، هذا اختيار الأصحاب ، ويقوم عليه نصيب شريكه ، ولا يقع عتقه ; لأن السراية سبقت ، فمنعت عتق الشريك ، قال المؤلف : ويحتمل أن يعتق عليهما جميعا ، وله ولاؤه كله ، وقيل : يعتق على القائل كله بالشرط ، ويكون ولاؤه لهما ( وإن كان معسرا ، عتق على كل واحد منهما نصيبه ) لأن عتق المعسر لا يسري إلى نصيب الشريك ، فوقع عتق الشريك ; لأنه وجد بشرط عتقه ، ولم يوجد ما يمنع وقوعه ، ويكون الولاء لهما ( وإن قال : إن أعتقت نصيبك ، فنصيبي حر مع نصيبك ، فأعتق نصيبه ، عتق عليهما ) في الأصح ( موسرا كان أو معسرا ) ولم يلزم المعتق شيء ; لأن عتق شريكه وقع مقارنا للعتق المعلق ضرورة قوله : فنصيبي حر مع نصيبك ، فلم تجد السراية محلا ; لأنها لا توجد إلا بعد عتق الأول لنصيبه ، وقيل : يعتق كله على المعتق ; لأن إعتاق نصيبه شرط عتق نصيب [ ص: 307 ] شريكه ، فيلزم أن يكون سابقا عليه ، والأول أولى ; لأنه أمكن العمل بمقتضى شرطه ، فوجب العمل به .

مسائل : الأولى : إذا قال إذا أعتقت نصيبك ، فنصيبي حر قبل إعتاقك ، وقعا معا إذا أعتق نصيبه ، هذا مقتضى قول أبي بكر ، والقاضي ، وقال ابن عقيل : يعتق كله على المعتق ، ولا يقع إعتاق شريكه ; لأنه إعتاق في زمن ماض ، وقال السامري : يعتق جميعه على القائل ، ويضمن لشريكه قيمة نصيبه منه .

الثانية : إذا كان نصف عبدين متساويي القيمة ، لا يملك غيرهما ، فأعتق أحدهما في صحته ، عتق وسرى إلى نصيب شريكه ، فإن أعتق النصف الآخر ، عتق ; لأن وجوب القيمة في ذمته لا تمنع صحة عتقه ، ولم يسر ; لأنه معسر .

الثالثة : إذا قال لعبده : أنت حر متى شئت ، أو حيث شئت ، لم يعتق حتى يشاء فورا ، أو تراخيا ، وكذا : أنت حر إن شئت ، وقيل : يتوقف على المجلس ; لأنه بمنزلة التخيير ، فإن قال : أنت حر كيف شئت ، احتمل أن يعتق في الحال ، واحتمل أن لا يعتق حتى يشاء ، وإن قال : جعلت عتقك إليك ، أو خيرتك ، ونوى تفويض العتق إليه ، فأعتق نفسه في المجلس ، عتق ، ويتوجه كطلاق ، قاله في الفروع .

التالي السابق


الخدمات العلمية