صفحة جزء
[ ص: 335 ] باب الكتابة وهي بيع العبد نفسه بمال في ذمته ، وهي مستحبة لمن يعلم فيه خيرا ، وهو الكسب والأمانة ، وعنه : أنها واجبة إذا ابتغاها من سيده ، أجبر عليها ، وهل تكره كتابة من لا كسب له ؛ على روايتين ، ولا تصح إلا من جائز التصرف ، وإن كاتب المميز عبده بإذن وليه ، صح ، ويحتمل أن لا يصح ، وإن كاتب السيد عبده المميز ، ولا تصح إلا بالقول ، وتنعقد بقوله : كاتبتك على كذا ، وإن لم يقل ، فإذا أديت إلي ، فأنت حر ، ويحتمل أن يشترط قوله أو نيته ، ولا تصح إلا على عوض معلوم منجم نجمين فصاعدا ، يعلم قدر ما يؤدى في كل نجم ، وقيل : تصح على نجم واحد وقال القاضي : تصح على عبد مطلق ، وله الوسط ، وتصح على مال وخدمة ، سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت ، وإذا أدى ما كوتب عليه أو أبرئ منه ، عتق ، وما فضل في يده ، فهو له ، وعنه : أنه إذا ملك ما يؤدي صار حرا ، ويجبر على أدائه ، فلو مات قبل الأداء ، كان ما في يده لسيده في الصحيح عنه ، وعلى الرواية الأخرى : لسيده بقية كتابته ، والباقي لورثته ، وإذا عجلت الكتابة قبل محلها ، لزم السيد الأخذ ، وعتق ، ويحتمل أن لا يلزمه إذا كان في قبضه ضرر ، ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ، ويضع عنه بعض كتابته وإذا أدى وعتق ، فوجد السيد بالعوض عيبا ، فله أرشه أو قيمته ، ولا يرتفع العتق .


باب الكتابة

سميت به ; لأن السيد يكتب بينه وبينه كتابا بما اتفقا عليه ، وقيل : سميت به من الكتب ، وهو الضم ; لأن المكاتب يضم بعض النجوم إلى بعض ، ومنه سمي الحرز كتبا ، والكتيبة كتيبة ; لانضمام بعضها إلى بعض .

وهو في الاصطلاح : عتق على مال منجم نجمين فصاعدا إلى أوقات معلومة ; لأن النجوم هي الأوقات المختلفة ، إذ العرب كانت لا تعرف الحساب ، وإنما تعرف الأوقات بطلوع النجوم ، فسميت الأوقات نجوما ، كما قال بعضهم :


إذا سهيل أول الليل طلع فابن اللبون الحق والحق الجذع

( وهي بيع العبد ) لو قال : الرقيق لعم ( نفسه بمال في ذمته ) هذا بيان لمعنى الكتابة شرعا ، ويشترط فيه أن يكون مباحا معلوما ، يصح السلم فيه ، منجما يعلم قسط كل نجم ومدته أو منفعته مؤجلة ، والإجماع على مشروعيتها ، وسنده قوله تعالى والذين يبتغون الكتاب مما ملكت أيمانكم فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا [ النور 33 ] وقوله عليه السلام : من أعان غارما أو غازيا أو مكاتبا في كتابته ، أظله الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله ] رواه سهل بن حنيف ، فإذا كاتب رقيقه وله مال ، فهو لسيده ، إلا أن يشترطه المكاتب ، في قول أكثر العلماء ، وعنه للرقيق ( وهي [ ص: 336 ] مستحبة لمن يعلم فيه خيرا ) للنص ( وهو الكسب والأمانة ) في ظاهر المذهب ، وأسقط الأمانة في الواضح والموجز والتبصرة ( وعنه : أنها واجبة إذا ابتغاها بقيمته من سيده ) ( أجبر عليها ) اختاره أبو بكر لقوله تعالى فكاتبوهم إن علمتم فيهم خيرا والأمر للوجوب ، وقد روى محمد بن سيرين : أن أباه سيرين كان عبدا لأنس بن مالك ، فسأله أن يكاتبه ، فأبى عليه ، فأخبر سيرين عمر بن الخطاب ، فرفع الدرة عليه ، وقرأ الآية ، فكاتبه أنس ، وقدم في الروضة الإباحة ، والمشهور الأول ; لأنه إعتاق بعوض ، فلم يجب عليه كالاستسعاء ، والآية محمولة على الندب ، وقول عمر يخالفه فعل أنس ، قال أحمد : الخير صدق وصلاح ووفاء بمال الكتابة ونحو هذا قول جماعة ، وقال الشافعي : هو قوة على الكسب والأمانة ، وفسره به المؤلف وغيره ، وهو بمعنى الأول ، وقال ابن عباس : غناء وإعطاء للمال ، ولا خلاف بينهم في أن من لا خير فيه لا تجب إجابته ( وهل تكره كتابة من لا كسب له ؛ على روايتين ، إحداهما ، وهي ظاهر كلام أحمد والمذهب : أنها تكره ، وهو قول ابن عمر ومسروق والأوزاعي ; لأن فيها إضرارا بالمسلمين ، وجعله كلا وعيالا عليهم ، مع تفويت نفقته الواجبة على سيده .

والثانية : وهي قول أكثر العلماء : لا تكره ; لأن بريرة كاتبت ولا حرفة لها ، ولم ينكر ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم ، احتج به ابن المنذر ، وقال المؤلف : إن كان يجد من يكفيه مؤونته ، لم تكره ، وإلا كرهت ، لكن ذكر ابن هبيرة أن الأمة إذا كانت لا كسب لها ، فإنها تكره لها إجماعا ( ولا تصح إلا من جائز [ ص: 337 ] التصرف ) لأنها عقد معاوضة ، فلم يصح من غير جائز التصرف كالبيع ( وإن كاتب المميز عبده بإذن وليه ، صح ) لأن تصرف المميز بإذن وليه صحيح في غير الكتابة ، فكذا فيها ( ويحتمل ألا يصح ) لأنه غير مكلف ، كالمجنون ، وبناه في الشرح على أنه لا يصح بيعه بإذن وليه ، ولأنه عقد إعتاق ، فلم يصح منه ، كالعتق بغير مال ، وكما لو كان بغير إذن وليه ، وإن كاتب المكلف عبده الطفل أو المجنون ، لم يصح ، لكن إذا قال : إذا أديتما إلي فأنتما حران ، عتقا بالأداء صفة لا كتابة ، وما في أيديهما لسيدهما ، وإن لم يقل ، فوجهان ، واختار القاضي العتق ( وإن كاتب السيد عبده المميز ، صح ; لأنه مميز ، والمصلحة له في العتق بخلاصه من الرق ، كالبالغ .

فرع : وإذا كاتب الذمي عبده ، ثم أسلما ، صح ; لأنه عقد معاوضة ، أو عتق بصفة ، وكلاهما صحيح ، وإن أسلم مكاتب الذمي ، لم تنفسخ الكتابة ، ولا يجبر على إزالة ملكه ، فإن عجز ، أجبر ، فإن اشترى مسلما وكاتبه ، لم تصح الكتابة ; لأنها لا تزيل الملك ، وقال القاضي : تصح ، وإن دبره لم يصح ، وإن كاتب الذمي عبده الذي أسلم في يده ، صح ، وإن كاتب الحربي عبده ، صح ، سواء كان في دار الحرب أو دار الإسلام ، وقال بعض الأئمة : لا ; لأن ملكه ناقص ، وجوابه قوله تعالى وأورثكم أرضهم وديارهم [ الأحزاب ] وهذه الإضافة تقتضي صحة أملاكهم ، فتقتضي صحة تصرفاتهم ( ولا تصح إلا بالقول ) لأنها إما بيع ، وإما تعليق للعتق على الأداء ، وكلاهما يشترط له القول ( وتنعقد بقوله : كاتبتك على كذا ) لأنه لفظها الموضوع لها ، فانعقدت به كلفظ النكاح ، ويشترط معه قبوله ، [ ص: 338 ] ذكره في الموجز والتبصرة والترغيب ، وغيرها ( وإن لم يقل ) ذلك ، بل قال ( فإذا أديت إلي ، فأنت حر ) لأنه صريح في الكتابة ، فانعقد به كصريح البيع ونحوه ( ويحتمل أن يشترط قوله ) هذا وجه في الترغيب ، وهو رواية في الموجز ، والتبصرة ، وقيل : ( أو نيته ) لأن الكتابة في المعنى تعليق العتق على الأداء ، فلا بد من التلفظ به أو نيته ، ويشترط أن تكون في الصحة ، فإن كاتبه في مرضه المخوف ، اعتبر من ثلثه ، وقال أبو الخطاب في رؤوس المسائل : من الكل ; لأنه عقد معاوضة كالبيع ، والأول أولى ( ولا تصح إلا على عوض ) مباح ( معلوم منجم نجمين ) لأنها عقد معاوضة كالبيع ، ومن شرطه أن يكون مؤجلا ; لأن جعله حالا يفضي إلى العجز عن أدائه ، وفسخ العقد ، مع أن جماعة الصحابة عقدوها كذلك ، ولو جازت حالة لفعل ( فصاعدا ) قال الإمام أحمد : من الناس من يقول : نجم واحد ، ومنهم من يقول : نجمان ، ونجمان أحب إلي ، فظاهره : أنه لا يجوز أقل من نجمين ; لأن الكتابة مشتقة من الضم ، فوجب افتقارها إلى نجمين ، ليحصل الضم ، وروي عن عثمان ، وعلي ( يعلم قدر ما يؤدي في كل نجم ) لئلا يؤدي إلى المنازعة ، وسواء ساوت المدة أو اختلفت ، وعليه في توقيتها بساعتين ، أم يعتبر ما له وقع في القدرة على الكسب ، فيه خلاف في الانتصار ( وقيل : تصح على نجم واحد ) قال ابن أبي موسى : وفي الشرح ، أنه قياس المذهب ; لأنه عقد يشترط فيه التأجيل ، فجاز إلى أجل واحد كالسلم ، ولأن القصد بالتأجيل إمكان التسليم عنده ، ويحصل ذلك بالنجم الواحد ، وفي الترغيب في كتابة من نصفه حر كتابة حالة وجهان ، وفي [ ص: 339 ] الكافي : والأحوط نجمان فصاعدا ، انتهى ، فإن قال : يؤدي إلي في كل عام مائة ، جاز ، ويكون أجل كل مائة عند انقضاء السنة ، وظاهر قول القاضي : أنه لا يصح ، ورد بقول بريرة : كاتبت أهلي على تسع أواق في كل عام أوقية ، فإن الأجل إذا تعلق بمدة تعلق بأحد طرفيها ، فإن كان بحرف إلى تعلق بأولها ، كقوله : إلى شهر رمضان ، وإن كان بحرف " في " كان إلى آخرها ; لأنه جعل جميعها وقتا لأدائها ( وقال القاضي ) وأصحابه ( تصح على عبد مطلق ) صححه ابن حمدان كمهر ; لأن العتق لا يلحقه الفسخ ، فجاز أن يكون الحيوان المطلق فيه عوضا كالعقل ، وذكر أبو بكر أنه لا يصح ; لأن ما لا يجوز أن يكون عوضا في البيع والإجارة لا يجوز أن يكون عوضا في الكتابة كالثواب المطلق ، ويفارق العقل ; لأنه بدل متلف مقدر في الشرع ، وهنا عوض مقدر في عقد أشبه البيع ، ولأن الحيوان المطلق لا تجوز الكتابة عليه بغير خلاف نعلمه ، إنما الخلاف في العبد المطلق ( وله الوسط ) وهو السندي ; لأنه كذلك عقده في النكاح والخلع ، فكذا هنا ( وتصح على مال وخدمة ) لأن كلا منهما يصح أن يكون عوضا في غير الكتابة ، فليكن فيها كذلك ( سواء تقدمت الخدمة أو تأخرت ) لأن تقدمها وتأخرها لا يخرجها عن كونها صالحة للعوض ، وظاهره أنها تصح على الخدمة الحالة لا المال ، فإن المنع منه في المال ، إنما كان لئلا يتحقق عجزه عن أداء العوض ، وهو مفقود في الخدمة ، فإن كاتبه في الشهر القابل ، صح ، كالمحرم في ذي الحجة ، ولو قدمها فأولها عقيب العقد مع الإطلاق ، ولو كاتبه على خدمة شهر ودينار ، ومحله سلخ الشهر ، أو في أثنائه أو عيناه وجهان ، لاتحاد المدة ، وإن شرطه بعد الشهر بيوم أو أكثر ، صح ، وإن [ ص: 340 ] شرطه حالا فلا ( وإذا أدى ما كوتب عليه ) فقبضه هو أو ولي مجنون ، ولو من مجنون قاله في الترغيب ( أو أبرئ منه ) والأصح : أو بعض ورثته الموسر من حقه ( عتق ) لأنه لم يبق لسيده عليه شيء ، ولا يعتق قبل أداء جميع الكتابة ، في ظاهر كلام الخرقي ، لما روى عمرو بن شعيب ، عن أبيه ، عن جده مرفوعا ، قال : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم رواه أبو داود ، دل بمنطوقه : أنه لا يعتق حتى يؤدي جميع كتابته ، وبمفهومه : أنه إذا أداها لا يبقى عبدا ( وما فضل في يده فهو له ) لأنه مالك له بدليل صحة تصرفه فيه قبل العتق ( وعنه : أنه إذا ملك ما يؤدي صار حرا ) لما روت أم سلمة أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : إذا كان لإحداكن مكاتب له ما يؤدي ، فلتحتجب منه رواه الخمسة ، وصححه الترمذي ، وهو من رواية نبهان مولى أم سلمة ، وثقه ابن حبان ، وتكلم فيه ابن عبد البر ، فأمرهن بالحجاب بمجرد ملكه لما يؤديه ، ولأنه مالك لمال الكتابة ، أشبه ما لو أداه ( ويجبر على أدائه ) أي : إذا امتنع من الأداء ، أجبره الحاكم كسائر الديون الحالة القادر عليها ، فإن هلك ما في يده قبل أدائه ، صار دينا في ذمته مع حريته ، والصحيح الأول ، هو قول أكثر أهل العلم ، ولأنه علق عتقه بعوض ، فلم يعتق قبل الأداء ، كما لو قال : إذا أديت إلي ألفا ، فعليها : إن أدى عتق ، وقيمته لسيده على قاتله ، وإن لم يؤد ، لم يعتق ، وإن امتنع من الأداء ، فقال أبو بكر : يؤديه الإمام عنه ، ولا يكون ذلك عجزا ، ولا يملك السيد الفسخ في الأصح ، ويملك تعجيز نفسه مع قدرته على الكسب ، ولا يملكه إن ملك وفاء على الأصح ( فلو مات قبل الأداء ) مات رقيقا وانفسخت الكتابة ( كان ما في يده لسيده في الصحيح عنه ) أي : إذا [ ص: 341 ] مات عن وفاء ، وقلنا لا يعتق بملكه ، انفسخت الكتابة في الصحيح عنه ، وإن أعتق وارث موسر حقه ، سرى في الأصح ، وضمن حق بقية الورثة ، وإن أبرئ من بعض النجوم ، لم يعتق منه شيء في الأصح ( وعلى الرواية الأخرى : لسيده بقية كتابته ، والباقي لورثته ) أي يعتق ويموت حرا ، فيكون لسيده بقية كتابته ، والباقي لورثته روي عن علي وابن مسعود ومعاوية ، وهو قول أكثر أهل العلم ، وقال القاضي : يكون حرا في آخر جزء من حياته ; لأنها عقد معاوضة ، فلم تنفسخ بالموت كالبيع ، والأول أولى ، وتفارق الكتابة البيع ; لأن كل واحد من غير معقود عليه ، ولا يتعلق بعينه ، فلم ينفسخ بتلفه بخلاف الكتابة ، فإن مات ولم يخلف وفاء ، فلا خلاف في المذهب بين أنها تنفسخ ويموت رقيقا ، وما في يده لسيده ، وهو قول أكثر أهل الفتوى ، إلا أن يموت بعد أداء ثلاثة أرباع مال الكتابة ، ففيه خلاف يأتي ( وإذا عجلت الكتابة قبل محلها لزم السيد الأخذ وعتق ) هذا هو المنصوص عن أحمد ( ويحتمل أن لا يلزمه ذلك إذا كان في قبضه ضرر ) هذا رواية أنه لا يلزمه قبول المال إلا عند نجومه ; لأن بقاء المكاتب في هذه المدة في ملكه حق له ، ولم يرض بزواله ، فلم يزل كما لو علق عتقه على شرط لم يعتق قبل وجوده ، والصحيح في المذهب الأول ، وأطلق أحمد والخرقي قولهما فيه ، وهو مقيد بما لا ضرر في قبضه قبل محله كالذي لا يختلف قديمه ولا حديثه ، ولا يحتاج إلى مؤنة ، وقال القاضي : المذهب عندي أن فيه تفصيلا ذكرناه في السلم ، واختار أبو بكر أنه يلزمه قبوله في غير تفصيل اعتمادا على إطلاق أحمد والخرقي ، رواه سعيد عن عمر وعثمان ، ولأن الأجل حق لمن عليه الدين ، فإذا [ ص: 342 ] قدمه ، فقد رضي بإسقاط حقه ، فسقط كسائر الحقوق ، لا يقال : إذا علق عتق رقيقه على فعل في وقت ، ففعله في غيره لا يعتق ; لأنه ملك صفة مجردة لا يعتق إلا بوجودها ، والكتابة معاوضة يبرأ فيها بأداء العوض ، فافترقا .

فرع : لو أحضر مال الكتابة أو بعضه ليسلمه ، فقال السيد : هو حرام ، وأنكره المكاتب ، قبل قوله ووجب قبضه ويعتق ، وإن أقام السيد بينة بتحريمه ، لم يجز له أخذه ، وإلا فله تحليف عبده أنه حلال ، فإن نكل ، حلف سيده ، وله قبضه من دين آخر عليه ، وتعجيزه ، وفي تعجيزه قبل أخذ ذلك عن جهة الدين وجهان ، وإن حلف العبد ، قيل لسيده : إما أن تأخذه ، أو تبرأ منه ، فإن أبى أخذه الحاكم ( ولا بأس أن يعجل المكاتب لسيده ويضع عنه بعض كتابته ) مثل أن يكاتبه على نجمين إلى سنة ، ثم قال : عجل لي خمسمائة حتى أضع عنك الباقي ، أو قال : صالحني على خمسمائة معجلة ، جاز ذلك ، وهو قول طاووس والزهري ; لأن مال الكتابة غير مستقر ، ولا هو من الديون الصحيحة ; لأنه لا يجبر على أدائه ، ولا تصح الكفالة به ، وإنما جعل الشرع هذا العقد وسيلة إلى العتق ، وأوجب فيه التأجيل مبالغة في تحصيل العتق وتخفيفا عن المكاتب ، وإذا أمكنه التعجيل على وجه ، يسقط عنه بعض ما عليه ، كان أبلغ في حصول العتق ، وإن اتفقا على الزيادة في الدين والأجل لم يجز ، وفيه احتمال ، فعلى هذا لو اتفقا على ذلك ثم رجع أحدهما قبل التعجيل ، صح رجوعه .

فرع : إذا صالح المكاتب سيده عما في ذمته بغير جنسه ، صح ، إلا أنه [ ص: 343 ] لا يجوز أن يصالحه على كل شيء مؤجل ; لأنه يكون بيع دين بدين ، وإن صالحه عن أحد النقدين بالآخر ، أو عن الحنطة بشعير ، لم يجز التفرق قبل القبض ; لأنه بيع في الحقيقة ، وقال القاضي : لا تصح هذه المصالحة مطلقا ; لأن هذا دين من شرطه التأجيل ، وقال ابن أبي موسى : لا يجري الربا بين المكاتب وسيده ، فعلى قوله تجوز المصالحة كيف ما كانت كعبده القن وسيده ، والأول أولى ( وإذا أدى وعتق ، فوجد السيد بالعوض عيبا ، فله أرشه أو قيمته ، ولا يرتفع العتق ) إذا بان بالعوض عيب فأمسكه ، استقر العتق ; لأن إمساكه المعيب راضيا به رضى منه بإسقاط حقه ، فجرى مجرى إبرائه ، إن اختار إمساكه ، وأخذ أرش العيب ، فله ذلك ، وإن رده ، أخذ عوضه ، وهو المراد بقوله : أو قيمته ، قال أبو بكر : وقياس قول أحمد : إنه لا يبطل العتق ; لأنه إتلاف ، فإذا حكم بوقوعه لم يبطل ، أشبه الخلع ، وقال القاضي : يتوجه أن له الرد ، ويحكم بارتفاع العتق ; لأن الكتابة عقد معاوضة يلحقه الفسخ بالتراضي كالمبيع ، أما إذا دفع مال الكتابة ، فبان مستحقا تبينا أن العتق لم يقع ; لأن وجود هذا الدفع كعدمه ; لأنه لم يؤد الواجب عليه .

التالي السابق


الخدمات العلمية