صفحة جزء
فصل

ويملك المكاتب أكسابه ، ومنافعه ، والبيع ، والشراء ، والإجارة ، والاستئجار ، والسفر ، وأخذ الصدقة ، والإنفاق على نفسه وولده ورقيقه ، وكل ما فيه صلاح المال ، وإن شرط عليه أن لا يسافر ، ولا يأخذ الصدقة ، فهل يصح الشرط ؛ على وجهين وليس له أن يتزوج ، ولا يتسرى ، ولا يتبرع ، ولا يقرض ، ولا يحابي ، ولا يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه ، ولا يعتق ، ولا يكاتب إلا بإذن سيده ، وولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده ، ولا يكفر بالمال ، وعنه : له ذلك بإذن سيده ، وهل له أن يرهن أو يضارب بماله ؛ يحتمل وجهين ، وليس له شراء ذوي رحمه إلا بإذن سيده ، وقال القاضي : له ذلك ، وله أن يقبلهم إذا وهبوا له ، أو وصي له بهم إذا لم يكن فيه ضرر بماله ، ومتى ملكهم لم يكن له بيعهم ، وله كسبهم وحكمهم حكمه ، فإن عتق ، عتقوا ، وإن رق ، صاروا رقيقا للسيد ، وكذا الحكم في ولده من أمته ، وولد المكاتبة الذي ولدته في الكتابة يتبعها ، وإن اشترى المكاتب زوجته ، انفسخ نكاحها ، وإن استولد أمته ، فهل تصير أم ولد ؛ على وجهين .


فصل

( ويملك المكاتب أكسابه ومنافعه والبيع والشراء ) بالإجماع ; لأن عقد الكتابة لتحصيل العتق ، ولا يحصل إلا بأداء عوضه ، وهو متعذر إلا بالاكتساب والبيع والشراء من أقوى جهات الاكتساب ، فإنه قد جاء في الأثر : أن تسعة [ ص: 344 ] أعشار الرزق في التجارة ( والإجارة ، والاستئجار ) كالبيع ( والسفر ) قريبا كان أو بعيدا ; لأنه من أسباب الكسب ، وقد أطلق القول فيه ، وقياس المذهب أن له منعه من سفر تحل نجوم كتابته قبل قدومه ، كالغريم الذي يحل الدين عليه قبل مدة سفره ( وأخذ الصدقة ) واجبة كانت أو مستحبة ; لأن الله تعالى أذن للمكاتبين الأخذ من الواجبة ، فالمستحبة أولى ( والإنفاق على نفسه وولده ورقيقه ) لأن ذلك مما لا غنى عنه ، والمراد بالولد ، أي : التابع له كولده من أمته ، فإن عجز ، ولم يفسخ سيده كتابته ، فتلزم النفقة لسيده ، وللمكاتب النفقة على ولده من أمه لسيده ، وفيه من مكاتبه لسيده احتمالان ( وكل ما فيه صلاح المال ) أي : يملك كل تصرف فيه صلاح المال كأداء أرش الجناية ، وجريان الربا بينهما ; لأنه صار لما بذله من العوض كالحر ، وله المطالبة بالشفعة ، والأخذ بها من سيده ومن غيره ، وعكسه لو اشترى المكاتب شقصا لسيده فيه شركة ، فله الأخذ من المكاتب .

( وإن شرط أن لا يسافر ، ولا يأخذ الصدقة ، فهل يصح الشرط على وجهين ) أحدهما : إذا شرط عليه أن لا يسافر ، فهو شرط باطل ، قاله القاضي وجمع ; لأنه ينافي مقتضى العقد ، فلم يصح شرطه كشرط ترك الاكتساب .

والثاني ، وقاله أبو الخطاب ، وهو الأصح : أنه يصح شرطه ; لأن له فيه فائدة ، فلزم كما لو شرط نقدا معلوما ، فعليه لسيده منعه منه ، فإن سافر ، فله رده إن أمكنه ، وإلا ملك تعجيزه ، ورده إلى الرق ; لأنه لم يف بشرطه ، وقيل : [ ص: 345 ] لا يملك ذلك كإمكانه رده ، وأما إذا شرط عليه أن لا يسأل الناس ، فقال أحمد : قال جابر بن عبد الله : هم على شروطهم ، فظاهره أن الشرط لازم ، وهو الأصح ، وأنه إن خالف مرة لم يعجزه بخلاف المرتين فأكثر ، قال أبو بكر : إذا رآه يسأل الناس مرة في مرة ، عجزه ، كما إذا حل نجم في نجم ، ولأن فيه غرضا صحيحا ، وهو أن لا يكون كلا على الناس ، ولا يطعمه من صدقتهم وأوساخهم ، وذكر أبو الخطاب أنه لا يصح الشرط ; لأنه تعالى جعل لهم سهما من الصدقة ، فلا يصح الاشتراط حينئذ ، كما لا يصح شرط نوع من التجارة .

فرع : إقرار المكاتب بالبيع والشراء والعيب والدين صحيح ; لأن من ملك شيئا ملك الإقرار به ، ويتعلق دينه بذمته ; لأنه في يد نفسه ، فليس من السيد غرور بخلاف المأذون له .

( وليس له أن يتزوج ، ولا يتسرى ، ولا يتبرع ، ولا يقرض ، ولا يحابي ، ولا يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه ، ولا يعتق ، ولا يكاتب إلا بإذن سيده ) وفيه مسائل :

الأولى : ليس للمكاتب أن يتزوج إلا بإذن السيد في قول عامتهم ، وقيل : له ذلك بخلاف المكاتبة ; لأنه عقد معاوضة كالبيع ، ورد بأنه يدخل في قوله عليه السلام أيما عبد تزوج بغير إذن سيده فهو عاهر ولأن على السيد في ذلك ضررا ; لأنه يحتاج أن يؤدي المهر والنفقة من كسبه ، وربما عجز فيرق ويرجع إليه ناقص القيمة ، أما إذا أذن سيده ، جاز لمفهوم الخبر ، ولأن المنع لحقه ، فإذا أذن ، فقد أسقط حقه ، مع أنه لو أذن للقن ، لصح ، فالمكاتب [ ص: 346 ] أولى ، وعلم منه أنه لا يزوج عبده ولا أمته إلا بإذن سيده على الأصح ، وعن القاضي : له تزويج الأمة فقط ; لأنه يأخذ عوضا في تزويجها ، ولنا أن على السيد فيه ضررا ، ويلزمه نفقة امرأته ومهرها ، وهي تملك الزوج بضعها وينقص قيمتها ، وتسلم نفسها ليلا وكسبها لسيدها .

الثانية : إذا أذن له في التسري ، جاز ; لأن ملكه ناقص ، قال الزهري : لا ينبغي لأهله أن يمنعوه من التسري ، وعن أحمد : المنع ، وعنه : عكسه ، ورد بأن على السيد ضررا ، فمنع منه كالتزويج ، لكن لا يعتق عليه ; لأن ملكه غير تام ، وليس له بيعه ; لأنه ولده ، ويكون موقوفا على كتابته ، فإن أدى عتق ، وعتق الولد ; لأنه يملك ، أشبه الجزء ، وإن عجز ، عاد إلى الرق .

الثالثة : ليس له استهلاك ماله ، ولا هبته بغير خلاف نعلمه ; لأن حق السيد لم ينقطع عنه ; لأنه قد يعجز فيعود إليه ، ويجوز بإذن سيده دفعا لضرره .

الرابعة : أنه لا يقرض إلا بإذن سيده ; لأنه بفرضية أن لا يعود إليه بفلس أو موت المقترض ، ولا شيء معه ، ولم يذكروا قرضه برهن .

الخامسة : أن لا يحابي المال إلا بإذن سيده ; لأنه تبرع ، فمنع منه كالهبة ، ولأن في ذلك ضررا على السيد .

السادسة : ليس له أن يقتص من عبده الجاني على بعض رقيقه إلا بإذن سيده ; لأنه إتلاف لماله باختياره ، ولما في ذلك من الضرر ، وقال القاضي : له ذلك ; لأنه من مصالح ملكه ; لأنه إذا لم يستوف منه ، صار وسيلة إلى إقدام بعضهم على بعض .

[ ص: 347 ] السابعة : ليس له أن يكاتب بعض رقيقه إلا بإذن سيده ; لأنه ليس له أن يعتق ، فلم يكن له أن يكاتب كالمأذون له في التجارة .

( وولاء من يعتقه ويكاتبه لسيده ) لأنه إذا ثبت له الولاء على المكاتب فلأن يثبت على من أنعم عليه المكاتب بطريق الأولى ، وقيل : له إن عتق ( ولا يكفر بالمال ) لأنه عبد لا يلزمه زكاة ولا نفقة قريبه ( وعنه : له ذلك بإذن السيد ) صححها في المغني ، وقدمها في الفروع ; لأن الحق للسيد ، وقد أذن فيه ، قال ابن المنجا : وهذا الخلاف في الجواز لا الوجوب ; لأنه لو وجب عليه التكفير بالمال ، لكان عليه في ذلك ضرر ، لما فيه من إفضائه إلى تفويت الحرية ، فلم يجب التكفير بالمال كالتبرع ( وهل له أن يرهن أو يضارب بماله ) أو يبيع نساء ، ولو يرهن وهبته بعوض وقوده من بعض رقيقه الجاني على بعضه إذا كفل بعض بعضا وحده ، وعتقه بمال في ذمته وقوده لنفسه ممن جنى على طرفه بلا إذن ( يحتمل وجهين ) كذا في المحرر والفروع ، أحدهما : لا يجوز ، وجزم به في الوجيز ، لما في ذلك من الضرر على السيد ، وربما فيه غرر من حيث إنه أسلم ماله لغيره .

والثاني : بلى ; لأن ذلك قد يكون سببا للربح ، أشبه الاستدانة من غير رهن .

مسائل : الأولى : ليس له أن يحج إن احتاج إلى إنفاق ماله فيه ، ونقل الميموني : له أن يحج ما لم يحل نجم ، وهو محمول على أنه لا يحج إلا بإذن سيده ، [ ص: 348 ] قاله في المغني ، فإن أمكنه الحج من غير إنفاق ماله ، فيجوز إذا لم يأت نجمه .

الثانية : لا تجوز هدية للمأكول وإعارة دوابه والتوسعة عليه في النفقة ، ويحتمل الجواز ، ولا يضمن ، قال الحلواني : له إطعام الطعام لضيفانه ، وإعارة أواني منزله مطلقا .

الثالثة : إذا شرط الخدمة ، فله ذلك ، وإلا فلا ، نقله الميموني ، وفي الانتصار : يستمتع بجاريته ويستخدمها ويتصرف بمشيئته إلا بتبرع ( وليس له شراء ذوي رحمه إلا بإذن سيده ) اختاره أبو الخطاب ، وجزم به في الوجيز ; لأنه تصرف يؤدي إلى إتلاف ماله ، فإنه يخرج من ثلثه ، فلم يجز كالهبة ( وقال القاضي : له ذلك ) رجحه في الشرح ، وصححه ابن حمدان كتملكهم بالوصية والهبة ، إذ لا ضرر في ذلك ، فإنه إن عجز ، فهم عبيد ، وإن عتق ، لم يضر السيد عتقهم ، ومثله الفداء ، قاله في المنتخب ، وفيه في الترغيب : يفديه بقيمته ، ويصح شراء من يعتق على سيده ، ذكره في الانتصار والترغيب ، فإن عجز عتقوا ( وله أن يقبلهم إذا وهبوا له ، أو وصي له بهم إذا لم يكن فيه ضرر بماله ) لأنه ليس في القبول إتلاف مال ولا ضرر ، مع أنه سبب لتحصيل الحرية بتقدير الأداء ، وذلك مطلوب شرعا ( ومتى ملكهم لم يكن له بيعهم ) ولا إخراجهم عن ملكه ; لأن من يعتق عليه ينزل منزلة جزئه ، فلم يجز ذلك كبعضه ( وله كسبهم ) لأنهم مماليكه ( وحكمهم حكمه ) لأنهم تبع له ( فإن عتق عتقوا ) أي : لأنه إذا أدى عتق وكمل ملكه فيهم ، فعتقوا حينئذ ، وولاؤهم له دون سيده ، واختار في المغني : أنهم يعتقون بإعتاق سيده لهم ، وإن أعتقهم المكاتب بإذن سيده عتقوا [ ص: 349 ] ( وإن رق صاروا رقيقا للسيد ) ونفقتهم على المكاتب ; لأنهم عبيده ، فإن أعتقهم السيد لم يعتقوا ; لأنهم ليسوا عبيدا له ( وكذا الحكم في ولده من أمته ) لأنه من ذوي رحمه ، فكان حكمه حكمه ( وولد المكاتبة الذي ولدته في الكتابة يتبعها ) لأن الكتابة سبب للعتق ، فسرى إلى الولد كالاستيلاد ، فإن عتقت بالأداء أو الإبراء ، عتق ، وسواء كان حملا حال الكتابة أو حدث بعدها ، فأما قبل الكتابة ، فلا يتبعها ; لأنه لو باشرها بالعتق ، لم يتبعها ولدها ، فلأن لا يتبعها في الكتابة بطريق الأولى .

فرع : قيمة الولد إن تلف وكسبه وأرش الجناية عليه لأمه ، ونفقته عليها ، وإن ماتت أمه ، عاد رقيقا ، فإن خلف وفاء ، انبنى على فسخ الكتابة ، وإن عتقت بغير الأداء أو الإبراء ، لم يعتق ولدها في الأصح ، وإن أعتق السيد ولدها دونها ، صح ، نص عليه ، وقال القاضي : لا ، وولد بنتها كبنتها ، وولد ابنها حكمه حكم أمه .

( وإن اشترى المكاتب زوجته ) أو المكاتبة زوجها ، صح ; لأنه يملك التصرف فيه ، وإذا ملك أحدهما صاحبه ( انفسخ نكاحها ) لأنه لا يجتمع ملك اليمين وملك النكاح ، ولو زوج ابنته من مكاتبه ، فمات السيد قبل عتقه ، انفسخ النكاح .

( وإن استولد أمته ، فهل تصير أم ولد يمتنع عليه بيعها ؛ على وجهين ) المذهب : أنها تصير أم ولد له يمتنع عليه بيعها ; لأنها مستولدته ، أشبهت مستولدة الحر . والثاني : لا ; لأنها حملت بمملوك ملك تام .

التالي السابق


الخدمات العلمية