صفحة جزء
فصل

ويجوز بيع المكاتب ، ومشتريه يقوم مقام المكاتب ، فإن أدى إليه ، عتق ، وولاؤه له ، وإن عجز ، عاد قنا له ، وإن لم يعلم أنه مكاتب ، فله الرد أو الأرش ، وعنه : لا يجوز بيعه ، وإن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخر ، صح شراء الأول ، وبطل شراء الثاني ، سواء كانا لواحد أو لاثنين ، وإن جهل الأول منهما فسد البيعان ، وإن أسر العدو المكاتب فاشتراه رجل ، فأحب سيده ، أخذه بما اشتراه ، وإلا فهو عند المشتري مبقى على ما بقي من كتابته .


فصل

( ويجوز بيع المكاتب ) نصره في الشرح ، وقدمه في الفروع ، وجزم به في الوجيز ، لما روت عائشة ، قالت : جاءت بريرة ، فقالت : إني كاتبت أهلي [ ص: 354 ] على تسع أواق في كل عام أوقية ، فأعينيني ، قالت عائشة : إن أحب أهلك أن أعدها لهم عدة ، ويكون ولاؤك لي ، فعلت فعرضت ذلك عليهم فأبوا ، فذكرت عائشة ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقال : لا يمنعك ذلك ، ابتاعي وأعتقي متفق عليه . قال ابن المنذر : بيعت بريرة بعلم النبي صلى الله عليه وسلم ، وهي مكاتبة ، ولم ينكر ذلك ، ولا وجه لمن أنكره ، ولا أعلم خبرا يعارضه ، ولا أعلم في شيء من الأخبار دليلا على عجزها ، وتأوله الشافعي على أنها كانت قد عجزت ، وليس في الخبر ما يدل عليه ، بل قولها : أعينيني ، دليل على بقائها على الكتابة ( ومشتريه يقوم مقام المكاتب ) لأنه بدل عنه ، وفيه إشعار بأن الكتابة لا تنفسخ بالبيع ، وهو كذلك بغير خلاف نعلمه ; لأنها عقد لازم ، فلم تنفسخ به كالنكاح ، وحكاه ابن المنذر إجماعا إذا كان ماضيا فيها ، مؤديا ما يجب عليه من نجومه في أوقاتها ( فإن أدى إليه ، عتق ) دون ولده ( وولاؤه له وإن عجز عاد قنا له ) لأن حكمه مع بائعه كذلك ( وإن لم يعلم أنه مكاتب فله الرد ) وأخذ الثمن ( أو ) الإمساك مع ( الأرش ) لأن الكتابة نقص ; لأنه لا يقدر على التصرف فيه ، وقد انعقد سبب الحرية فيه ، أشبه الأمة المزوجة ( وعنه : لا يجوز بيعه ) لأنه عقد يمنع استحقاق الكسب ، فمنع البيع كالذي لا نفع فيه ، وعنه : المنع بأكثر من كتابته لا بقدرها ، حكاها ابن أبي موسى ، وفي الواضح في مدبر كذلك ، أي : على الخلاف كعبد أوصى بمنفعته ، وحكم الوصية به وهبته كبيعه ، وعنه : المنع من هبته قصرا على المورد ، فأما وقفه ، فلا يجوز لانتفاء الاستقرار .

[ ص: 355 ] فرع : لا يصح بيع الدين على المكاتب من نجومه لدين السلم ، فإن سلم المكاتب إلى المشتري نجومه ، فقيل : يعتق ويبرأ المكاتب من مال الكتابة ، ويرجع السيد على المشتري بما قبضه ، وقيل : لا يعتق ، رجحه في الشرح ، ومال الكتابة باق في ذمة المكاتب ، ويرجع المكاتب على المشتري بما دفعه إليه ، ويرجع المشتري على البائع ، فإن سلم المشتري إلى البائع ، لم يصح تسليمه ; لأنه قبضه بغير إذن المكاتب ، أشبه ما لو أخذه من ماله بغير إذنه ( وإن اشترى كل واحد من المكاتبين الآخر ، صح شراء الأول ) لأن التصرف صدر من أهله في محله ( وبطل شراء الثاني ) لأن العبد لا يملك سيده ، لأنه يفضي إلى تناقض الأحكام ; لأن كل واحد يقول لصاحبه : أنا مولاك ، ولي ولاؤك ، وإن عجزت صرت لي رقيقا ( سواء كانا لواحد أو لاثنين ) لأن العلة كون العبد لا يملك سيده ، وهي موجودة هنا ( وإن جهل الأول منهما فسد البيعان ) اختاره أكثر الأصحاب كنكاح الوليين إذا أشكل الأول منهما ، ولا يحتاج ذلك إلى فسخ ، ولا إلى قرعة ، وأجراه القاضي مجرى الوليين ، فعلى هذا يفسخ الحاكم البيعين في رواية ، ويقرع بينهما في أخرى ( وإن أسر العدو المكاتب ، فاشتراه رجل فأحب سيده ، أخذه بما اشتراه ) أي : يأخذه سيده بما اشتراه الغير ، وهو مبني على ما إذا استولى الكفار على مال مسلم ، ثم استولى عليه المسلمون ، ثم وجده صاحبه بعد القسمة ، وفيه خلاف سبق ، وهل يحتسب على المكاتب بالمدة التي كان فيها عند الكافر ؛ فيها وجهان ، رجح في الشرح : أنه يحتسب بها ( وإلا ) أي : وإن لم يحب سيده أخذه ( فهو عند المشتري مبقى على ما بقي من كتابته ) لأن الكتابة عقد لازم لا تبطل بالبيع ، فلأن [ ص: 356 ] لا تبطل بالكسر بطريق الأولى ، يعتق بالأداء ; لأنه مكاتب قد أدى كتابته ، وولاؤه له ; لأنه معتقه .

فرع : إذا قال لسيده : أعتق مكاتبك على كذا ، ففعل ، عتق ولزمه ما التزم به ، وفي الرعاية : إذا أدى حربي عن مكاتب دين الكتابة بلا إذنه ، لم يرجع ، وإن قضى دينا آخر ، رجع به إن نواه .

التالي السابق


الخدمات العلمية