صفحة جزء
فصل

والكتابة عقد لازم من الطرفين ، لا يدخلها الخيار ، ولا يملك أحدهما فسخها ، ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل ، ولا تنفسخ بموت السيد ولا جنونه ولا الحجر عليه ، ويعتق بالأداء إلى سيده أو من يقوم مقامه من الورثة وغيرهم ، وإن حل نجم ولم يؤده ، فللسيد الفسخ ، وعنه : لا يعجز حتى يحل عليه نجمان ، وعنه : لا يعجز حتى يقول : قد عجزت ، وليس للعبد فسخها بحال ، وعنه : له ذلك ولو زوج ابنته من مكاتبه ثم مات انفسخ النكاح ، ويحتمل أن لا ينفسخ حتى يعجز ، ويجب على سيده أن يؤتيه بربع مال الكتابة إن شاء وضعه منه ، وإن شاء قبضه فدفعه إليه ، فإن أدى إليه ثلاثة أرباع المال وعجز عن الربع ، عتق ، ولم تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه ، وظاهر كلام الخرقي : أنه لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة .


فصل

( والكتابة عقد لازم من الطرفين لا يدخلها الخيار ) ولأنها عقد معاوضة أشبه البيع ( ولا يملك أحدهما فسخها ) كسائر العقود اللازمة ( ولا يجوز تعليقها على شرط مستقبل ) كسائر عقود المعاوضات ، وقيل : يصح العقد دون الشرط ، وكذا كل شرط فاسد فيها ( ولا تنفسخ بموت السيد ) لا نعلم فيه خلافا ( ولا جنونه ولا الحجر عليه ) لأنها عقد لازم ، فلم تنفسخ بشيء من ذلك كالبيع ، ونقل ابن هانئ : إن أدى بعض كتابته ثم مات السيد ، يحتسب من ثلثه ما بقي من العبد ويعتق ( ويعتق بالأداء إلى سيده أو من يقوم مقامه من الورثة وغيرهم ) لأن الكتابة موضوعها العتق بتقدير الأداء ، فإذا وجد ، وجب أن يترتب عليه ما يقتضيه ، ولأنه انتقل إلى الورثة مع بقاء الكتابة ، فهو كالأداء إلى مورثهم ، ويكون مقسوما بينهم على قدر مواريثهم كسائر ديونه ، وإذا عتق بالأداء إلى الورثة ، فولاؤه لسيده ، اختاره الخرقي ، وأبو بكر ، وهو قول أكثر الفقهاء ، ثم يختص به [ ص: 359 ] عصبته ، وعنه : للورثة ، فعلى الأول إن باعه الورثة ، أو وهبوه ، فاحتمالان ، وكذا يعتق بالإبراء ، وفي الاعتياض وجهان ، قاله في الرعاية .

( وإن حل نجم ، ولم يؤده فللسيد الفسخ ) أي : فسخ الكتابة ، قدمه في الفروع ، وجزم به في الوجيز ; لأنه حق له ، فكان له الفسخ ، كما لو أعسر المشتري ببعض ثمن المبيع قبل قبضه ( وعنه : لا يعجز حتى يحل عليه نجمان ) هذا ظاهر الخرقي ، وكلام كثير من الأصحاب ، لما روي عن علي ، قال : لا يرد المكاتب إلى الرق حتى يتوالى عليه نجمان ، ولأنه عقد اعتبر فيه التنجيم لإرقاق العبد ، فيعتبر فيه ما هو أرفق له ، وإذا قلنا : للسيد الفسخ ، لم تنفسخ الكتابة بالعجز ، بل له مطالبة المكاتب بما حل من نجومه والصبر عليه ، فإن اختار الصبر عليه ، لم يملك العبد الفسخ بغير خلاف ، وإن اختار الفسخ ، فله ذلك بغير حضور حاكم ، ولا يلزمه الاستنابة ، لفعل ابن عمر ، رواه سعيد ( وعنه : لا يعجز حتى يقول : قد عجزت ) حكاها ابن أبي موسى ; لأن فوات العوض لا يتحقق بذلك ، وعنه : إن أدى أكثر مال الكتابة لم يرد إلى الرق ، ويتبع بما بقي ، ويلزمه إنظاره ثلاثا كبيع عوض ، ومثله مال غائب دون مسافة قصر يرجو قدومه ، ودين حال على مليء ومودع ، وأطلق جمع : لا يلزم السيد استيفاؤه ، قال في الفروع : فيتوجه مثله في غيره ( وليس للعبد فسخها بحال ) بغير خلاف نعلمه ، قاله في المغني ; لأنها سبب الحرية ، وفيها حق لله تعالى ، وفي فسخها إبطال لذلك الحق ( وعنه : له ذلك ) لأن العقد لحظه ، فملك فسخه كمرتهن وكاتفاقهما ، وعلله ابن المنجا بأن معظم المقصود له ، فإذا رضي بإسقاط حقه سقط ، وليس بظاهر ( ولو زوج ابنته من مكاتبه ) برضاها ( ثم مات ) [ ص: 360 ] السيد أو ورث زوجته المكاتبة ( انفسخ النكاح ) على المذهب فيعايا بها ; لأن زوجته تملكه أو تملك سهما منه ، فانفسخ نكاحها كما لو اشترته ، ولا بد فيها من أمور أحدها : أن الحرية ليست من شروط صحة النكاح ، وثانيها : أن يزوجها بإذنها ، وثالثها : أن يكون وارثه ، فلو كان بينهما اختلاف دين أو كاتب قاتله ، فالنكاح بحاله ; لأنها ما ملكته ولا شيء منه ( ويحتمل أن لا ينفسخ حتى يعجز ) لأنها لا ترثه ، وإنما تملك نصيبها من الدين الذي في ذمته ، وفي الانتصار نص في رواية ابن منصور أن الدين يمنع انتقال ما يقابله إلى الورثة ، فعلى هذه الوصية بمعين ، والكتابة تمنع الانتقال ، فلا فسخ ، وعلى رواية أنه لا يمنع ، فتنعكس الأحكام ، والحكم في سائر النساء كالحكم في البنت ( ويجب على سيده أن يؤتيه ) شيئا مما كوتب عليه ، روي عن علي وابن عباس ; لقوله تعالى وآتوهم من مال الله الذي آتاكم [ النور 33 ] قال ابن عباس : المراد إعطاؤه من الصدقة ، واختلف موجبه ، فقدرها إمامنا ( بربع مال الكتابة ) رواه أبو بكر عن علي مرفوعا ، وروي موقوفا ، وأوجبه الشافعي من غير تقدير ، واختلف أصحابه ، فمنهم من أوجب ما اختاره السيد ، ومنهم من قال : يقدره الحاكم باجتهاده كالمتعة ( إن شاء وضعه عنه ، وإن شاء قبضه فدفعه إليه ) لأن الغرض التخفيف عن المكاتب ، ولأنه أبلغ في النصح وأعون على حصول العتق ، فيكون أفضل من الإيتاء ، والآية تدل عليه بطريق التنبيه ، وفي الروضة رواية وقدمها : لا يجب إيتاء الربع ، والأمر في الآية للاستحباب ، فعلى ما ذكره المؤلف إن أعطاه من جنس مال الكتابة من غيره ، جاز ، ويلزمه قبولها ، وقيل : لا ، وإن أعطاه من غير جنسه ، جاز له أخذه ، ولا [ ص: 361 ] يلزمه في الأشهر ، ووقت الوجوب حين العتق ، وإن مات السيد قبل إيتائه ، فهو دين في تركته ( فإن أدى ثلاثة أرباع المال ) وعنه : أو أكثر ( وعجز عن الربع عتق ) ولسيده الفسخ في أنص الروايتين فيهما ، وفي الترغيب في عتقه بالتقاص روايتان ، ولم يذكر العجز ، وقال : لو أبرأه من بعض النجوم أو أداه ، لم يعتق منه على الأصح ، وأنه لو كان على سيده بمثل النجوم ، عتق على الأصح ( ولم تنفسخ الكتابة في قول القاضي وأصحابه ) ونسبه في الكافي إلى الأصحاب ; لعجزه عن ما وجب دفعه إليه ، فوجب أن يعتق ، ولا تنفسخ الكتابة ، كما لو لم يبق عليه شيء أصلا ، ولأنه عجز عن حق له ، فلم تتوقف حريته على أدائه كأرش جناية سيده عليه ، وحينئذ يتبع بما بقي عليه ، اختاره أبو بكر ( وظاهر كلام الخرقي : أنه لا يعتق حتى يؤدي جميع الكتابة ) اختاره ابن أبي موسى ، ورجحه في الشرح ، وروى الأثرم عن عمر وابنه وزيد وعائشة ، أنهم قالوا : المكاتب عبد ما بقي عليه درهم ، ورواه أبو داود مرفوعا ، ويجوز أن يتوقف العتق على أداء الجميع ، وإن وجب رد البعض إليه ، كما لو قال : إذا أديت إلي ألفا فأنت حر ، ولله علي رد ربعها ، فإنه لا يعتق حتى يؤديها ، وإن وجب عليه رد بعضها ، وروي عن علي ، أنه قال : يعتق بقدر ما أدى ، لحديث ابن عباس ، رواه أبو داود والترمذي ، وحسنه .

تنبيه : إذا عجز المكاتب ، أو رد في الكتابة ، وكان في يده مال ، فهو لسيده إلا أن يكون من صدقة مفروضة ، ففيه روايتان ، إحداهما : هو لسيده ، والأخرى : يجعل في المكاتبين ، واختار أبو بكر والقاضي : يرد إلى أربابه ، [ ص: 362 ] وهو قول إسحاق ، ولو قال لمكاتبه : متى عجزت بعد موتي ، فأنت حر ، فهذا تعليق للحرية على صفة تحدث بعد الموت ، وفيه خلاف ، فعلى الصحة إن ادعى العجز قبل حلول النجوم ، لم يعتق ; لأنه لم يجب عليه شيء يعجز عنه .

فرع : إذا كاتبه ، ثم أسقط عنه مال الكتابة برئ وعتق ، ولم يرجع على سيده بالقدر الذي كان يجب عليه إيتاؤه ، وكذا لو أسقط عنه القدر الذي يلزمه إيتاؤه واستوفي الباقي ، لم يلزمه شيء ، وخرجه بعض أصحابنا على الخلاف في الصداق ، ولا يصح بدليل ما لو قبضه السيد منه ، ثم أتاه ولم يرجع عليه بشيء ، بخلاف الصداق .

مسألة : إذا كاتب ثلاثة عبدا فادعى الأداء إليهم ، فصدقه اثنان وأنكره الثالث ، شاركهما فيما أقرا بقبضه ، ونصه : تقبل شهادتهما عليه ، وفي المغني والمحرر قياس المذهب : لا ، واختاره ابن أبي موسى وغيره .

التالي السابق


الخدمات العلمية