صفحة جزء
وإن استحيضت المعتادة رجعت إلى عادتها ، وإن كانت ، وعنه : يقدم التمييز ، وهو اختيار الخرقي ، وإن نسيت العادة ، عملت بالتمييز ، فإن لم يكن لها تمييز ، جلست غالب الحيض ، وعنه : أقله . وقيل : فيها الروايات الأربع ، وإن علمت عدد أيامها ونسيت موضعها ، جلستها من أول كل شهر في أحد الوجهين ، وفي الآخر تجلسها بالتحري ، وكذلك الحكم في كل موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز ، وإن علمت أيامها في وقت من الشهر ، كنصفه الأول ، جلستها فيه إما من أوله أو بالتحري على اختلاف الوجهين ، وإن علمت موضع حيضها ، ونسيت عدده جلست فيه غالب الحيض أو أقله على اختلاف الروايتين ،


( وإن استحيضت المعتادة ) وهي التي تعرف شهرها ووقت حيضها منه ، وطهرها ، وشهرها عبارة عن المدة التي ترى فيه حيضا ، وطهرا ، وأقله أربعة عشر يوما على المذهب ، وغالبه الشهر المعروف ( رجعت إلى عادتها ) إلى القسم الأول ، وهي ما إذا كانت ذاكرة لعادتها ، وهي غير متميزة ، أو يكون الدم الذي يصلح للحيض ينقص عن أقله ، أو يزيد على أكثره ، فهذه تجلس قدر عادتها ، ثم تغتسل بعدها ، وتتوضأ لوقت كل صلاة ، وتصلي لقول النبي - صلى الله عليه وسلم - دعي الصلاة قدر الأيام التي كنت تحيضين فيها ، ثم اغتسلي ، وصلي متفق عليه .

واعلم أن العادة على ضربين : متفقة ، ومختلفة ، فالمتفقة : أن تكون أياما [ ص: 278 ] متساوية ، كسبعة في كل شهر ، فإذا استحيضت جلستها فقط ، والمختلفة قسمان : إما أن تكون على ترتيب ، مثل أن ترى في شهر ثلاثة ، وفي الثاني أربعة ، وفي الثالث خمسة ، ثم تعود إلى مثل ذلك ، فهذه إذا استحيضت في شهر ، فعرفت نوبته عملت عليه ، وإن نسيت نوبته جلست الأول ، وهو ثلاثة ، ثم تغتسل ، وتصلي بقية الشهر ، وإن علمت أنه غير الأول ، وشكت هل هو الثاني أو الثالث جلست أربعة ، لأنها اليقين ، ثم تجلس في الشهرين الأخيرين ثلاثة ثلاثة ، وفي الرابع ، ثم تعود إلى الثلاثة كذلك أبدا ، ويكفيها غسل واحد ، عند قضاء المدة التي جلستها كالناسية ، وصحح في " المغني " و " الشرح " أنه يجب عليها الغسل أيضا عند مضي أكثر عادتها ، وإما أن يكون على غير ترتيب ، مثل أن تحيض في شهر ثلاثة ، وفي الثاني خمسة ، وفي الثالث أربعة ، فإن أمكن ضبطه بحيث لا يختلف فهو كالأول ، وإن لم يمكن ضبطه جلست الأقل من كل شهر ، واغتسلت عقيبه ، وذكر ابن عقيل أنها تجلس أكثر عادتها في كل شهر كالناسية للعدد ، وبعده المؤلف رحمه الله إذ فيه أمرها بترك الصلاة ، وإسقاطها عنها مع يقين الوجوب ، بخلاف الناسية لا نعلم عليها صلاة واجبة يقينا ، والأصل بقاء الحيض ، ثم أشار إلى الثاني ، وهو إذا اجتمعت العادة ، والتمييز بقوله : ( وإن كانت ) أي : تقدم العادة عليه في ظاهر كلام أحمد ، وأكثر الأصحاب ، وجزم به في " الوجيز " لما روت أم حبيبة : أنها سألت النبي - صلى الله عليه وسلم - عن الدم فقال لها : امكثي قدر ما كانت تحبسك حيضتك ، ثم اغتسلي ، وصلي [ ص: 279 ] رواه مسلم . وهو عام في كل مستحاضة ، ولأن العادة أقوى لكونها لا تبطل دلالتها بخلاف اللون ، فإنه إذا زاد على أكثر الحيض فإنه تبطل دلالته .

( وعنه : يقدم التمييز ) على العادة بشرطه ( وهو اختيار الخرقي ) وقدمه في " الرعاية " لقوله عليه السلام لفاطمة : فإنه أسود يعرف ، فإذا كان كذلك فأمسكي عن الصلاة ولأن صفة الدم أمارة قائمة به ، والعادة بخلافه ، ولأنه خارج يوجب الغسل ، فرجع إلى صفته عند الاشتباه كالمني ، وغيره ، وظاهره لا فرق بين أن يكون أكثر من العادة أو أقل ، ويصلح أن يكون حيضا فلو اتفقت العادة ، والتمييز عمل بهما .

ويتفرع على الخلاف مسائل :

منها : إذا كان حيضها خمسة أيام في كل شهر ، فاستحيضت ، وصارت ترى ثلاثة أيام دما أسود في أول كل شهر ، فمن قدم العادة ، قال : تجلس الخمسة كما كانت قبل الاستحاضة ، ومن قدم التمييز قال : تجلس الثلاثة التي فيها الأسود في الشهر الثاني .

ومنها : إذا كان حيضها سبعا من أول كل شهر فاستحيضت ، وصارت ترى سبعة أسود ، ثم يصير أحمر ، ويتصل ، فالأسود حيض عليهما ، لموافقته العادة ، والتمييز ، وإن رأت مكان الأسود أحمر ، ثم صار أسود ، وعبر ، سقط حكم الأسود لعبوره أكثر الحيض ، وحيضها الأحمر لموافقته العادة ، وإن رأت [ ص: 280 ] مكان العادة أحمر ، ثم رأت خمسة أسود ، ثم صار أحمر ، واتصل ، فمن قدم العادة أجلسها أيامها ، ومن قدم التمييز جعل الأسود وحده حيضا .

( وإن نسيت العادة ) هذا هو القسم الثالث من أقسام المستحاضة ، وهي التي لها تمييز وعادة ، وقد أنسيتها ( عملت بالتمييز ) بشرطه لما سبق من حديث فاطمة ، وظاهره لا فرق بين أن يكون المتميز متفقا مثل أن ترى في كل شهر ثلاثة أسود ، ثم يصير أحمر ، ويعبر أكثر الحيض ، أو مختلفا ، مثل أن ترى في كل شهر ثلاثة أسود ، ثم يصير أحمر ، ويعبر أكثر الحيض أو مختلفا مثل أن ترى في الأول خمسة أسود ، وفي الثاني أربعة ، وفي الثالث ثلاثة ، أو بالزيادة فيهما ، فالأسود حيض على كل حال ، وظاهره لا يعتبر فيه تكرار ، وهو كذلك على المذهب ، وذكر في " الرعاية " : فيها الروايات الأربع .

( فإن لم يكن لها تمييز جلست غالب الحيض ) هذا هو القسم الرابع من أقسام المستحاضة ، وهي الناسية للعادة ولا تمييز لها ، ولها ثلاثة أحوال ، أحدها : أن تكون ناسية لوقتها وعددها ، وهذه تسمى المتحيرة ، لأنها قد تحيرت في حيضها ، وحكمها أن تجلس غالب الحيض في ظاهر المذهب ، اختاره الخرقي ، وجزم به في " الوجيز " وقدمه غير واحد لحديث حمنة بنت جحش ، ولأنه لم يستفصلها : هل هي مبتدأة أو ناسية ؛ ولو افترق الحال لسألها ، وكونها ناسية أكثر ، فإن حمنة امرأة كبيرة ، قاله أحمد ، ولم يسألها عن تمييزها ولا عادتها ، فلم يبق إلا أن تكون ناسية - فعلى هذا إن كانت تعرف شهرها جلست ذلك منه ، لأنه عادتها فترد إليها كما ترد المعتادة إلى عادتها ، إلا أنه متى كان شهرها أقل من عشرين يوما ، لم تجلس منه أكثر من الفاضل عن ثلاثة عشر يوما أو خمسة عشر لئلا [ ص: 281 ] ينقص الطهر عن أقله ، وإن لم تعرف شهرها جلست من الشهر المعتاد للخبر ، ولأنه غالب عادات النساء ، فالظاهر أنه حيضها ، وتجتهد في الست والسبع ، فما غلب على ظنها جلسته ، صححه في " المغني " وغيره ، وذكر القاضي في موضع : أنها تخير بينهما ، كالوطء فيه يتخير في التكفير بين دينار ونصفه ، لأن " أو " للتخيير ، وأجيب عنه : بأنها قد تكون للاجتهاد لقوله تعالى فإما منا بعد وإما فداء [ محمد 4 ] ، و " إما " كـ " أو " ، ولم يعرض لوقت إجلاسها ، وفيه وجهان ، والأشهر أنه من أول كل شهر ( وعنه : أقله ) لأنه اليقين ، وما زاد مشكوك فيه ، فلا تدع العبادة لأجله ، وجعله في " الكافي " مخرجا ، وليس كذلك ، بل هو منصوص عليه .

( وقيل : فيها الروايات الأربع ) لو اقتصر في حكاية هذا القول على الروايتين الأخريين لكان أولى ، ولهذا قال القاضي : يتخرج فيها الروايتان الأخريان كالمبتدأة ، لأن بنسيان العادة صارت عادمة لها ، فهي كمن عدمت العادة ، وهي تجلس عادة نسائها ، والأكثر والمشهور انتفاؤهما ، وظاهره أن استحاضتها لا تحتاج إلى تكرار ، وهو الأصح ، وحكى القاضي وجها أنها لا تجلس شيئا ، بل تغتسل لكل صلاة ، وتصلي ، وتصوم ، ويمنع الزوج من وطئها ، وتقضي الصوم الواجب .

( وإن علمت عدد أيامها ، ونسيت موضعها ) هذا هو الحال الثاني من أحوال الناسية ، وهي تنقسم إلى قسمين : أحدهما أن تعلم العدد ، ولا تعلم الوقت أصلا ، مثل أن تعلم أن حيضها خمسة أيام مثلا من النصف الأول ( جلستها من أول كل شهر ) هلالي ( في أحد الوجهين ) اختاره الأكثر ، وجزم به في " الوجيز " ولم يفرقوا ، لأنه عليه السلام جعل حيض حمنة من أول الشهر ، والصلاة في بقيته ، [ ص: 282 ] ولأن دم الحيض جبلة ، والاستحاضة عارضة ، فإذا رأته وجب تغليب دم الحيض ، وقيل : تجلس في تمييز لا يعتد به إن كان ، لأنه أشبه بدم الحيض ، وهو ظاهر كلام ابن تميم ( وفي الآخر : تجلسها بالتحري ) قيل : هو الصواب ، وفيه نظر ، لأنه عليه السلام ردها إلى الاجتهاد في العدد فكذا في الوقت ، ولأنه لا أثر للهلال في أمر الحيض بوجه ، وذكر المجد وغيره : إن ذكرت أول الدم ، كمعتادة انقطع حيضها أشهرا ، ثم جاء الدم خامس يوم من الشهر مثلا ، واستمر ، وقد أنسيت العادة ، فالوجهان الأخيران . والثالث : تجلس مجيء الدم من خامس كل شهر ، وهو ظاهر كلام أحمد ، لأنه عليه السلام أمر حمنة ابتداء بجلوس ست أو سبع ، ثم تصوم ، وتصلي ثلاثا وعشرين أو أربعا وعشرين ، وقال : فافعلي في كل شهر كما تحيض النساء ، وكما يطهرن وليس حيض النساء عند رءوس الأهلة غالبا ، ومتى تعذر التحري بأن يتساوى عندها الحال ، ولم تظن شيئا ، أو تعذر الأولية ، عملت بالآخر ، وقال ابن حامد ، والقاضي : إذا علمت قدر عادتها وجهلت موضعها بأن قالت : حيضتي أحد أعشار الشهر ، فإنها لا تترك الصوم ولا الصلاة ، وعليها أن تغتسل كلما مضى قدر عادتها ويمنع وطؤها ، وتقضي من الصوم الواجب بقدرها ، وكذا الطواف ، وعنه : لا تجلس شيئا .

( وكذلك الحكم في كل موضع حيض من لا عادة لها ولا تمييز ) يعني أن فيهما الوجهين اللذين ذكرهما من لا عادة لها ولا تمييز تشارك من نسيت موضع حيضها في تعذر الجلوس في زمن محقق ، فوجب أن يثبت لها حكمها ، لأن الاشتراك يوجب المساواة ، وفيها وجه آخر ، والمذهب كما جزم به في " الوجيز " أنها تجلس في [ ص: 283 ] أول الشهر ( وإن علمت أيامها في وقت من الشهر كنصفه الأول ) هذا هو القسم الثاني ، وهي أن تعلم أنها كانت تحيض أياما معلومة من العشر الأول ( جلستها ) أي : الأيام ( فيه ) أي : من ذلك الوقت دون غيره ، لأن ما عداه طهر بيقين ( إما من أوله ) وصححه جمع ( أو بالتحري على اختلاف الوجهين ) المتقدم ذكرهما فيمن نسيت موضع حيضها .

ثم اعلم أنه لا يخلو عدد أيامها ، إما أن يكون زائدا على نصف ذلك الوقت ، أو يكون نصف المدة فأقل ، أما الأول : فإنك تضم الزائد إلى مثله مما قبله ، فهو حيض بيقين ، فإذا قالت : حيضتي سبعة أيام من العشر الأول ، فقد زادت يومين على نصف الوقت ، فتضمها إلى مثلها ، فيصير لها أربعة أيام حيضا بيقين ، وهي من أول الرابع إلى آخر السابع ، ويبقى لها ثلاثة أيام تجلسها من أول العشر ، أو بالتحري ، فيكون ذلك حيضا مشكوكا فيه ، وحكمه كالمتيقن في ترك العبادات ، ويبقى لها ثلاثة أيام طهرا مشكوكا فيه ، حكمه كالمتيقن في وجوب العبادات ، وسائر الشهر طهر . وأما الثاني : فليس لها حيض بيقين ، لأنها متى كانت تحيض خمسة أيام ، احتمل أن يكون الخمسة الأولى ، وأن تكون الثانية ، وأن يكون بعضها من الأولى ، وباقيها من الثانية ، فحينئذ تجلسها على الخلاف ، ولا يعتبر التكرار في الناسية ، صرح به في " المغني " و " الشرح " لأنها عرفت استحاضتها في الشهر الأول ، فلا معنى للتكرار .

[ ص: 284 ] ( وإن علمت موضع حيضها ، ونسيت عدده ) هذا هو الحال الثالث من أحوال الناسية ، وهي الناسية لعددها دون وقتها ( جلست فيه ) أي : في ذلك الموضع دون غيره ، كمن تعلم أن حيضها في العشر الأول ، فهي في قدر ما تجلسه كالمتحيرة ، فإنها تجلس ( غالب الحيض أو أقله على اختلاف الروايتين ) المنصوصتين ، والأكثر ، وعادة نسائها على المخرجتين ، والصحيح أنها تجلس الغالب من العشر ، وهل هو من أوله أو بالتحري ؛ على الخلاف ، فإذا علمت ابتداءه بأن قالت : حيضي كان من أول يوم من الشهر ، فذلك اليوم حيض يقينا ، فإن قلنا برواية الأقل ، لم يزد عليه ، وإن قلنا بالغالب جلست تمامه من النصف الأول ، فيكون حيضا مشكوكا فيه ، وبقية النصف طهر مشكوك فيه ، قال القاضي في شرحه : تغتسل عقيب اليوم ، ثم تغتسل لكل صلاة إلى الخامس عشر ، ولا يأتيها زوجها ، ثم تتوضأ لكل صلاة إلى آخر الشهر ، وإن علمت آخره ، بأن قالت : كان آخر حيضتي مع آخر الشهر ، ولا أعلم أوله ، فاليوم الأخير حيض بيقين ، ويكتفى به على الأقل ، وعلى الغالب تضيف إليه من النصف الأخير تمام ست أو سبع ، فيكون حيضا مشكوكا فيه ، وبقية النصف طهرا مشكوكا فيه ، وقال القاضي : من أول النصف الثاني إلى التاسع والعشرين طهر مشكوك فيه ، تصوم ، وتصلي ، وتقضي الصوم ، وتتوضأ لكل صلاة من غير غسل ، ولا يقربها زوجها ، وإن جهلت طرفي حيضها بأن قالت : كنت أول يوم من الشهر حائضا لا أعلم هل هو طرف الحيضة أو وسطها ، ولا أعلم هل هو كلها أو بعضها ، فاليوم الأول حيض يقينا ، والسادس عشر طهر يقينا ، وبقية النصف مشكوك فيه . فعلى الأقل تجلسه فقط ، [ ص: 285 ] وعلى الغالب تضيف إليه تمام ست أو سبع ، إن قلنا : تجلس من أول الشهر أو بالتحري .

مسألة : إذا ذكرت الناسية عادتها ردت إليها ، والمعتادة كما تقدم من علمت أيام حيضها وطهرها ، فإن جهلتهما ، أو الطهر وحده ردت إلى الشهر الهلالي عملا بالغالب ، ولأن تركها لعارض النسيان ، وقد زال ، وإن تبين أنها تركت الصلاة في غير عادتها لزمها إعادتها ، وقضاء ما فعلته من الصوم الواجب ، ونحوه في عادتها .

التالي السابق


الخدمات العلمية