صفحة جزء
ويجوز لمن أراد خطبة امرأة النظر إلى وجهها من غير خلوة بها ، وعنه : له النظر إلى ما يظهر غالبا ، كالرقبة واليدين والقدمين ، وله النظر إلى ذلك وإلى الرأس والساقين من الأمة المستامة ، ومن ذوات محارمه ، وعنه : لا ينظر من ذوات محارمه إلا الوجه والكفين ، وللعبد النظر إليهما من مولاته ، ولغير أولي الإربة من الرجال كالكبير والعنين ونحوهما النظر إلى ذلك ، وعنه : لا يباح ، وللشاهد والمبتاع النظر إلى وجه المشهود عليها ومن تعامله ، وللطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره .

وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة ، فإن كان ذا شهوة ، فهو كذي المحرم ، وعنه : كالأجنبي . وللمرأة مع المرأة ، والرجل مع الرجل النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة ، وعنه : أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي .


( ويجوز ) وجزم جماعة بالاستحباب ( لمن أراد خطبة امرأة النظر إلى وجهها ) فقط قدمه في " المستوعب " ، و " الرعاية " ; لأنه مجمع المحاسن ، ويكرر النظر إليها ، ويتأمل محاسنها مطلقا إذا غلب على ظنه إجابته ، لا نظر تلذذ وشهوة ولا لريبة ، ولا خلاف في إباحة النظر إلى الوجه ; لأنه ليس بعورة ( من غير خلوة بها ) ; لما روى ابن عباس مرفوعا ، قال : لا يخلون رجل بامرأة إلا مع ذي محرم متفق عليه ، ولفظه للبخاري ; ولأنه لا يؤمن مع الخلوة مواقعة المحظور ; لقوله عليه السلام : لا يخلون رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما رواه أحمد ( وعنه : له النظر إلى ما يظهر غالبا ، كالرقبة ، واليدين ، والقدمين ) قدمه في " المحرر " و " الفروع " ; لما روى جابر أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : إذا خطب أحدكم المرأة ، فإن استطاع أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها فليفعل رواه أحمد ، وأبو داود من رواية ابن إسحاق ، قال أحمد : لا بأس أن ينظر إلى ما يدعوه إلى نكاحها من يد أو جسم أو نحو ذلك ; لأنه عليه السلام لما أذن في النظر إليها من غير علمها ، علم أنه أذن في النظر إلى ما يظهر غالبا ; إذ لا يمكن إفراد الوجه بالنظر مع مشاركة غيره [ ص: 8 ] له في الظهور ، وقيل : ورأس وساق ، وعنه : وكف ، وقال أبو بكر : لا بأس أن ينظر إليها عند الخطبة حاسرة .

( وله النظر إلى ذلك ، وإلى الرأس ، والساقين من الأمة المستامة ) ; لأن الحاجة داعية إلى ذلك ; ولأن رؤية ما ذكر يحصل المقصود به ; لأنها تراد للاستمتاع وغيره من التجارة ، وحسنها يزيد في ثمنها ، وعنه : سوى عورة الصلاة ، وقيل : كمخطوبة ، نقل حنبل : لا بأس أن يقلبها - إذا أراد شراء - من فوق الثوب ; لأنه حرمة لها ، قال القاضي : أجاز تقليب الصدر والظهر ، بمعنى : لمسه من فوق الثياب ، وظاهره : أن الأمة إذا لم تكن مستامة ، أنه لا يجوز النظر إليها ، وهو وجه ( و ) له النظر إلى ذلك ( من ذوات محارمه ) أي : الصحيح إباحة النظر إلى ما يظهر غالبا منهن للحاجة ; ولأن امرأة أبي حذيفة قالت : إن سالما يراني ( وعنه : لا ينظر من ذوات محارمه إلا إلى الوجه والكفين ) ; لقول ابن عباس في قوله تعالى ولا يبدين زينتهن إلا ما ظهر منها [ النور : 31 ] يعني وجهها وكفيها مع الاختلاف في العورة ، وذوات المحارم : من حرم نكاحها على التأبيد ; بنسب أو رضاع أو تحريم مصاهرة ، فأما أم المزني وابنتها فلا يحل له النظر ، وإن حرم نكاحهن كالمحرمة باللعان ، وكذا بنت الموطوءة بشبهة وأمها ; فإنها ليست من ذوات محارمه .

فرع : ظاهر كلامهم : لا ينظر عبد مشترك ، ولا ينظر الرجل مشتركة ; لعموم النظر ، إلا من عبده وأمته ، ونصه : أنه يحرم نظر خصي ومجبوب إلى أجنبية .

( وللعبد النظر إليهما ) أي إلى الوجه والكفين ( من مولاته ) ; لقوله تعالى [ ص: 9 ] أو ما ملكت أيمانهم [ المؤمنون : 6 ] ; ولما روى أنس أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أتى فاطمة بعبد وهبه لها ، قال : وعلى فاطمة ثوب ، إذا قنعت به رأسها لم يبلغ رجليها ، وإذا غطت رجليها لم يبلغ رأسها ، فقال النبي - صلى الله عليه وسلم - إنه ليس عليك بأس ، إنما هو أبوك وغلامك رواه أبو داود ، وكره أحمد النظر إلى شعرها ، رواه أبو بكر ، عن جابر ، وأباحه ابن عباس ، ورجحه في " المغني " ، وجعله من ذوات المحارم ، وذكر السامري في النظر إلى الوجه والكفين للحاجة ، ولا يخلو بها ; لأنه ليس بمحرم لها على الأصح ( ولغير أولي الإربة من الرجال كالكبير والعنين ونحوهما - النظر إلى ذلك ) أي : إلى الوجه والكفين ; لقوله تعالى أو التابعين غير أولي الإربة [ النور : 31 ] أي غير أولي الحاجة ، وعن مجاهد وقتادة : هو الذي لا أرب له في النساء ، وعن ابن عباس نحوه ، ( وعنه : لا يباح ) كالذي له أرب ( وللشاهد والمبتاع النظر إلى وجه المشهود عليها ) ; لتكون الشهادة على عينها ، ( ومن تعامله ) ; ليعرفها بعينها ، فيرجع عليها بالدرك ، ونصه : وكفيها مع الحاجة ، وفي مختصر ابن رزين : ينظران إلى ما يظهر غالبا ، ونقل حرب وغيره : ينظر البائع إلى وجهها وكفيها إن كانت عجوزا ، وإن كانت شابة تشتهى أكره ذلك ، ( وللطبيب النظر إلى ما تدعو الحاجة إلى نظره ) ولمسه حتى داخل الفرج ; لأنه عليه السلام لما حكم سعدا في بني قريظة ، فكان يكشف عن مؤتزرهم ; لأنه موضع حاجة ، وظاهره ولو كان ذميا ، وفي " الفروع " : يجوز أن يستطب ذميا إذا لم يجد غيره ، ولم يجوزه صاحب " النظم " في وجه ، وكره أحمد أخذ الدواء من كافر لا يعرف مفرداته ، قال القاضي : لأنه لا يؤمن أن يخلطوه سما أو نجسا ، وإنما يرجع إليه في دواء مباح [ ص: 10 ] وكرهه في " الرعاية " ، وأن يستطبه بلا ضرورة .

خاتمة : من يلي خدمة مريض ومريضة في استنجاء ، ووضوء ، وغيرها كطبيب ، نص عليه ، وكذا حالق لمن لا يحسن حلق عانته نصا .

( وللصبي المميز غير ذي الشهوة النظر إلى ما فوق السرة وتحت الركبة ) ; لأنه لا شهوة له ، أشبه بالطفل ; ولأن المحرم للرؤية في حق البالغ كونه محلا للشهوة ، وهو معدوم هنا ، وقال في " الشرح " : الطفل غير المميز لا يجب الاستتار منه في شيء ( فإن كان ذا شهوة ، فهو كذي المحرم ) على المذهب ; لأن الله تعالى فرق بين البالغ وغيره بقوله : وإذا بلغ الأطفال منكم الحلم فليستأذنوا [ النور : 59 ] ولو لم يكن له النظر لما كان بينهما فرق ، ( وعنه : كالأجنبي ) ; لأنه في معنى البالغ في الشهوة ، ومثله بنت تسع ، وذكر أبو بكر قول أحمد رواية عن النبي - صلى الله عليه وسلم - : إذا بلغت الحيض ، فلا تكشف إلا وجهها ونقل جعفر في الرجل عنده الأرملة واليتيمة : لا ينظر ، وأنه لا بأس بنظر الوجه بلا شهوة ( وللمرأة مع المرأة والرجل مع الرجل النظر إلى ما عدا ما بين السرة والركبة ) ولو أمرد ينظر غير العورة ; لأن النساء الكوافر كن يدخلن على نساء النبي - صلى الله عليه وسلم - فلم يكن يحتجبن ، ولا أمرن بحجاب ; لأن الحجب بين الرجال والنساء لا يوجد بين المسلمة والذمية ; ولأن تخصيص العورة بالنهي دليل على إباحة النظر إلى غيرها ، ( وعنه : أن الكافرة مع المسلمة كالأجنبي ) ; لقوله تعالى أو نسائهن [ النور : 31 ] ينصرف إلى المسلمات ، فلو جاز للكافرة النظر لم يبق للتخصيص فائدة ، وعنه : منعها من مسلمة مما [ ص: 11 ] لا يظهر غالبا ، وعلى ذلك يقبلها لضرورة .

التالي السابق


الخدمات العلمية