صفحة جزء
[ ص: 22 ] فصل

الثاني : رضى الزوجين ، فإن لم يرضيا أو أحدهما ، لم يصح إلا الأب له تزويج أولاده الصغار والمجانين ، وبناته الأبكار بغير إذنهن .

وعنه : لا يجوز تزويج ابنة تسع سنين إلا بإذنها ، وهل له تزويج الثيب الصغيرة ؛ على وجهين .

والسيد له تزويج إمائه الأبكار والثيب ، وعبيده الصغار بغير إذنهم ، ولا يملك إجبار عبده الكبير ، ويحتمل مثل ذلك في الصغير أيضا .

ولا يجوز لسائر الأولياء تزويج كبيرة إلا بإذنها ، إلا المجنونة لهم تزويجها إذا ظهر منها الميل إلى الرجال ، وعنه : لهم ذلك ، ولها الخيار إذا بلغت ، وعنه : لهم تزويج ابنة تسع سنين بإذنها ، وإذن الثيب الكلام ، وإذن البكر الصمات ، ولا فرق بين الثيوبة بوطء مباح أو محرم ، فأما زوال البكارة بأصبع أو وثبة ، فلا تغير حفظ الإذن .


( الثاني : رضى الزوجين ) أو من يقوم مقامهما ; لأن العقد لهما ، فاعتبر تراضيهما به كالبيع ( فإن لم يرضيا أو أحدهما ، لم يصح ) ; لأن الرضى شرط ولم يوجد ، ( إلا الأب ، له تزويج أولاده الصغار ) أي : للأب خاصة تزويج ابنه الصغير العاقل - أذن أو كره - وفاقا ; لما روى الأثرم أن ابن عمر زوج ابنه وهو صغير ، فاختصموا إلى زيد ، فأجازاه جميعا ; ولأنه يتصرف في ماله بغير تولية ، فكان له تزويجه كابنته الصغيرة ، وذكر القاضي في إجباره مراهقا نظر ، ويتوجه كأنثى أو عبد مميز ، وإن أقر به قبل ، ذكره في " الإيضاح " ( والمجانين ) ; لأنه لا قول لهم ، فكان له ولاء تزويجهم كأولاده الصغار ، وظاهره لا فرق بين البالغ وغيره ، وصرح به في " المغني " و " الشرح " ، وهو ظاهر كلام أحمد ; لاستوائهما في المعنى الذي جاز التزويج من أجله ، وقال القاضي : لا يزوج بالغا إلا إذا ظهرت منه أمارات الشهوة باتباع النساء للمصلحة ، وقيل : بمهر المثل ، وظاهر المذهب : واحدة ، وفي أربع وجهان ، وقال أبو بكر : ليس له تزويجه بحال ; لأنه رجل ، فلا يملك إجباره كالعاقل ، والأول أولى ; لأنه إذا جاز تزويج الصغير مع عدم حاجته إليه فالبالغ أولى ، وظاهره أنه لا يجوز تزويج من يخنق في الأحيان إلا بإذنه .

فرع : يزوجهما حاكم لحاجة ، وظاهر الإيضاح لا ، وإلا فوجهان ، وفي " الفصول " ، وغيره حاجة نكاح فقط ، وأطلق غيره ، وصرح به في " المغني " بكفء ، وهو أظهر ( وبناته الأبكار بغير إذنهن ) أي : تزويج ابنته الصغيرة التي لم تبلغ تسع [ ص: 23 ] سنين - بغير خلاف - إذا زوجها بكفء ، قاله ابن المنذر ; لقوله تعالى واللائي يئسن من المحيض [ الطلاق : 4 ] الآية فدل على أنها تزوج ثم تطلق ، ولا إذن لها فتعتبر ، وعن عائشة قالت : تزوجني رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأنا ابنة ست سنين ، وبنى بي وأنا ابنة تسع متفق عليه ، وكذا له تزويج ابنة تسع سنين ، نص عليه ، وعن عائشة قالت : إذا بلغت الجارية تسع سنين ، فهي امرأة . رواه أحمد ، ورواه القاضي ، عن ابن عمر مرفوعا .

فإن كانت بالغة عاقلة ، فله إجبارها في أظهر الروايتين ; لحديث : الثيب أحق بنفسها من وليها ، والبكر يزوجها أبوها رواه الدارقطني ، فإن أجبرت ، أخذ بتعيينها كفء لا بتعيين المجبر في ظاهر المذهب ، وقد صرح بعض العلماء أنه يشترط للإجبار بشروط : أن يزوجها من كفء ، بمهر المثل ، وأن لا يكون المزوج معسرا ، وأن لا يكون بينها وبين الأب عداوة ظاهرة ، وأن يزوجها بنقد البلد .

والثانية : لا ، اختاره أبو بكر ; لما روى أبو هريرة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا تنكح الأيم حتى تستأمر ، ولا تنكح البكر حتى تستأذن ، فقالوا : يا رسول الله ، كيف إذنها ، قال : أن تسكت متفق عليه ، ( وعنه : لا يجوز تزويج ابنة تسع سنين إلا بإذنها ) ; لأنها إذا بلغت تسعا تصلح للبلوغ ، أشبهت البالغة ، ولها بعد التسع إذن صحيحة ، نقله واختاره الأكثر ، وعنه : لا إذن لها كمال ، ويحتمل في ابن تسع يزوج بإذنه ، قاله في " الانتصار " وإذنه نطق ، ولا يكفي صمته ( وهل له تزويج الثيب الصغيرة ؛ على وجهين ) المذهب كما ذكره ابن عقيل ، واختاره ابن [ ص: 24 ] حامد ، وابن بطة ، وجزم به في " الوجيز " ، وقدمه في " الفروع " أنه لا يجوز كالثيب الكبيرة .

والثاني : الجواز ، اختاره أبو بكر ورجحه في " الشرح " ، كولده الصغير ، وفي ثالث : تزوج ابنة تسع سنين بإذنها ، وعلم منه أنه لا تزوج الثيب إلا بإذنها في قول العامة إلا الحسن ، قال إسماعيل بن إسحاق : لا أعلم أحدا قال بقوله ، وهو قول شاذ ; لقوله عليه السلام : الأيم أحق بنفسها من وليها وروى ابن عباس مرفوعا ، قال : ليس للولي مع الثيب أمر رواهما النسائي ; ولأنها عالمة بالمقصود من النكاح ، فلم يجز إجبارها عليه كالرجل ، ويستحب أن يرسل إليها نسوة ثقات ينظرن ما في نفسها ، والأم بذلك أولى .

( والسيد له تزويج إمائه الأبكار ، والثيب ، وعبيده الصغار ، بغير إذنهم ) وفيه مسائل ، الأولى : أن السيد له تزويج إمائه الأبكار بغير إذنهن ، هذا المذهب المجزوم به ; لأن النكاح عقد على منفعتها وهي مملوكة ، أشبهت الإجارة ، ونقل أبو عبد الله النيسابوري ، عن أحمد ، أنه سئل : هل يزوج الرجل جاريته من غلامه بغير مهر ؛ قال : لا يعجبني إلا بمهر وشهود ، قيل : فإن أبت ؛ قال : يزوجها السيد بإذنها ، قال الشيخ تقي الدين : وظاهر هذا أن السيد لا يجبر الأمة الكبيرة بناء على أن منافع البضع ليست بمال ; بدليل المعسرة لا تلزم بالتزوج ، ولا تضمن باليد اتفاقا ، وملك السيد لها كملكه لمنفعة بضع زوجته ، وظاهر الأول يشمل المدبرة والمعلق عتقها بصفة وأم الولد ; لمساواتهن للأمة ، وفي ملكه إجبار المكاتبة وجهان ، ولو كان بعضها حرا لم يملكه ، ولا إنكاحها وحده ، ويعتبر إذنها وإذن مالك [ ص: 25 ] البقية كأمة لاثنين ، ويقول كل منهما : زوجتكها .

الثانية - وهي المذهب المنصوص - : أن له إجباره قياسا على الابن الصغير ، بل أولى ; لثبوت الملك له عليه ( ولا يملك إجبار عبده الكبير ) ; لأنه خالص حقه ، فلم يملك إجباره عليه كالطلاق ( ويحتمل مثل ذلك في الصغير أيضا ) هذا وجه حكاه في " الانتصار " كالكبير ، والمذهب : إجباره كالمجنون ، نص عليه ، وهو قول أكثرهم ، والمهر والنفقة على السيد مطلقا ، نص عليه ، وعنه : يتعلق بكسبه .

( ولا يجوز لسائر الأولياء ) كالجد والأخ ، ونحوهما ( تزويج كبيرة إلا بإذنها ) لأن غير الأب لا يساويه ، وفي تزويج الأب الكبيرة البالغة خلاف ، فلزم أنه لا يجوز لغيره - قولا واحدا ، وفيه وجه : أن الجد كالأب ، يجبر ( إلا المجنونة ) في اختيار أبي الخطاب والشيخين ( لهم تزويجها إذا ظهر منها الميل إلى الرجال ) ; لحاجتها لدفع ضرر الشهوة ، وصيانتها عن الفجور ، مع ما فيه من تحصيل المهر والنفقة وغير ذلك ، وكحاكم في الأصح ، وفي " المغني " : ينبغي أن تزوج إذا قال أهل الطب : تزول علتها بالتزويج كالشهوة ; لأن ذلك من أعظم مصالحها ، وقيل - وهو ظاهر كلام الخرقي - : ليس لهم ذلك ; لأن هذه ولاية إجبار ، فلا تثبت لغير الأب ، كالعاقلة ، ومحل الخلاف إذا لم يكن موصى له في النكاح ، أما مع وجوده ، فحكمه كالأب ( وليس لهم ولاية تزويج صغيرة بحال ) نص عليه في رواية الأثرم ; لما روي أن قدامة بن مظعون زوج ابنة أخيه من عبد الله بن عمر ، فرفع ذلك للنبي - صلى الله عليه وسلم - فقال : إنها يتيمة ، ولا تنكح إلا بإذنها ، والصغيرة لا إذن لها كمال ( وعنه : [ ص: 26 ] لهم ذلك ) ; لقوله تعالى وإن خفتم أن لا تقسطوا في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء [ النساء : 3 ] دلت بمفهومها أن تزويجها إذا أقسطوا جائز ، وقد فسرته عائشة بذلك ، قال في " الفروع " : كحاكم ، ولعله كالأب ، بل في " المستوعب " و " الرعاية " ما يخالفه ، وذكر في " المجرد " : للحاكم تزويجه ; لأنه يلي ماله ، والمراد أنه يزوجها عند عدمهم ; بدليل ما نقل ابن هانئ ، أن الإمام أحمد سئل عن صبية بنت ثمان سنين ، مات أبوها ، ويريد العصبة أن يزوجوها ، قال : لا أرى أن تستأمر ، ولا يزوجها إلا عم ، أو ابن عم ، أو عصبة ، فإن لم يكن ، زوجها السلطان ، فعلى هذا يفيد الحل ، وبقية أحكام النكاح الصحيح من الإرث ونحوه ، وفي " الفصول " : لا ، ونقل أبو داود في يتيمة زوجت قبل أن تدرك ، فمات أحدهما - هل يتوارثان ؛ قال : فيه اختلاف ، قال قتادة : لا يتوارثان ، ومثله كل نكاح لزومه موقوف ، ولفظ القاضي : نسخه موقوف ، وكل نكاح صحته موقوفة على الإجازة ، فالأحكام من الطلاق وغيره منتفية فيه .

( ولها الخيار إذا بلغت ) ; لتستدرك ما فاتها ، وظاهر كلام ابن الجوزي في صغير مثلها ، وقاسه المؤلف وجماعة عليها ، فدل على التسوية ، ونقل صالح في صغير زوجه عمه ، قال : إن رضي به في وقت من الأوقات جاز ، وإن لم يرض فسخ ، ( وعنه : لهم تزويج ابنة تسع سنين بإذنها ) نص عليه ، وجزم به في " الوجيز " ، وقاله جمع ; لقوله عليه السلام : تستأمر اليتيمة في نفسها ، فإن سكتت فهو إذنها ، وإن أبت فلا جواز عليها رواه الخمسة إلا ابن ماجه ، من حديث أبي هريرة ، وهذه الرواية أقوى دليلا ; لأن القول بها جمع بين الآية والأخبار [ ص: 27 ] وقيدت بالتسع ; لأنها تصير عارفة بما يضرها وينفعها ، فتظهر فائدة استئذانها ; ولقول عائشة : فعلى هذا لا خيار لها إذا بلغت ، وجزم به في " المغني " و " الرعاية " ، وذكره ، وإن لم يصح إذنها ، فلها الخيار ، ( وإذن الثيب الكلام ) بلا خلاف ( وإذن البكر الصمات ) ; للأخبار ، وقد روى أحمد ، وابن ماجه ، عن عدي الكندي مرفوعا ، قال : الثيب تعرب عن نفسها ، والبكر رضاها صماتها فإن ضحكت أو بكت فكذلك ، ونطقها أبلغ ; لحديث أبي هريرة ، رواه أبو بكر ( ولا فرق بين الثيوبة بوطء مباح أو محرم ) وعلى الأصح ; لعموم الخبر ; لأن الحكمة التي اقتضت التفرقة بينها وبين البكر - مباضعة الرجال ومخالطتهم ، وهذا موجود في المصابة بالزنا ; ولهذا قال المؤلف : لو أوصى لثيب دخلا ( فأما زوال البكارة بأصبع أو وثبة فلا تغير صفة الإذن ) ; لعدم المباضعة والمخالطة ، وكما لو وطئت في الدبر ، وعكس هذا لو عادت بكارتها بوطء بعد زوالها فهي في حكم الثيب ، ذكره أبو الخطاب وفاقا لوجود المباضعة ، وعنه : زوال عذرتها مطلقا ولو بوطء دبر ، وظاهر كلامه يشمل الأب وغيره ، نص عليه في رواية الميموني ، وقال في " التعليق " : إن من أصلنا أن إذن البكر في حق غير الأب - النطق ، والمذهب الأول ، ويعتبر في الاستئذان تسمية الزوج على وجه تقع معرفتها به ، ذكره الشيخ تقي الدين .

التالي السابق


الخدمات العلمية