صفحة جزء
فصل

الثالث : الولي ، فلا نكاح إلا بولي ، فإن زوجت المرأة نفسها ، لم يصح ، وعنه : لها تزويج أمتها ومعتقتها ، فيخرج منه صحة تزويج نفسها بإذن وليها ، وتزويج غيرها بالوكالة ، والأول المذهب ،


فصل

( الثالث : الولي ، فلا نكاح إلا بولي ) هذا هو المذهب المعروف للأصحاب ; لما روى أبو موسى الأشعري ، أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا نكاح إلا بولي رواه [ ص: 28 ] الخمسة ، وصححه ابن المديني ، وهو لنفي الحقيقة الشرعية ; بدليل ما روى سليمان بن موسى ، عن الزهري ، عن عروة ، عن عائشة ، قالت : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : أيما امرأة نكحت نفسها بغير إذن وليها ، فنكاحها باطل ، باطل ، باطل ، فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها ، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لا ولي له رواه أحمد ، وأبو داود ، والترمذي وصححه ، وادعى القاضي أنه إجماع الصحابة ، لا يقال : يمكن حمل الأول على نفي الكمال ; لأن كلام الشارع محمول على الحقائق الشرعية ، أي : لا نكاح شرعيا أو موجودا في الشرع إلا بولي .

والثاني : يدل على صحته بإذن الولي ، وأنتم لا تقولون به ، مع أن قوله تعالى فلا تعضلوهن أن ينكحن أزواجهن [ البقرة : 232 ] يدل على صحة نكاحها لنفسها ; لأنه أضافه إليهن ; ولأنه خالص حقها ، فصح منه كبيع أمتها ، قيل : لا مفهوم له ، كقوله تعالى وربائبكم اللاتي في حجوركم الآية [ النساء : 23 ] ; لأن المخاطبين بالنهي عن العضل هم الأولياء ، ونهيهم عنه دليل على اشتراطهم ; إذ العضل لغة : المنع ، وهو شامل للعضل الحسي والشرعي ; لأنه اسم جنس مضاف ، ففي ذلك دليل على أن العضل منهم يصح دون الأجانب ، ثم إن الآية نزلت في معقل بن يسار حين امتنع من تزويج أخته ، فدعاه النبي - صلى الله عليه وسلم - فزوجها ولو لم يكن لمعقل ولاية ، وإن الحكم متوقف عليه لما عوتب عليه ، وأما الإضافة إليهن ; فلأنهن محل له ( فإن زوجت المرأة نفسها أو غيرها ، لم يصح ) ; لعدم وجود شرطه ; ولأنها غير مأمونة على البضع ; لنقص عقلها ، وسرعة انحدارها ، فلم يجز تفويضه إليها كالبذر في المال ( وعنه : لها تزويج أمتها ) ; لأنها مالكها ، وولايتها عليها لها ، فكان لها تزويجها كالسيد [ ص: 29 ] ( ومعتقتها ) ; لأن الولاية كانت لها عليها ، فوجب استصحابها ; ولأن الولاء كالملك ، ( فيخرج منه ) أي : من هذا القول ( صحة تزويج نفسها بإذن وليها ، وتزويج غيرها بالوكالة ) ; لأنها إذا كانت أهلا لمباشرة تزويج أمتها ومعتقتها ، فلأن تكون أهلا لمباشرة وتزويج نفسها وغيرها بالوكالة بطريق الأولى ، يدل عليه أن عائشة تولت نكاح بنت أخيها عبد الرحمن ; ولأنها شخص يتصرف في ماله بنفسه ، فيتولى عقد النكاح لنفسه كالغلام ، وعنه : تزوج نفسها مطلقا ، وخصه المؤلف بحال العذر كما إذا عدم الولي أو السلطان ، واختلف في مأخذها ، فابن عقيل أخذها من قول الإمام أحمد في دهقان القرية يزوج من الأولى لها ، فهو بمنزلة حاكمها ، وغلطه الشيخ تقي الدين ، وأخذها ابن أبي موسى مما أخذه المؤلف ، واستدل له بالآية ، وبقوله : فإن طلقها ، فأباح فعلها في نفسها من غير شرط الولي ; وبدليل خطبته عليه السلام أم سلمة ، فإن أهل التاريخ قالوا : إنه كان ابن ست سنين ، ومثله لا تصح ولايته ، وقد سئل أحمد عن حديث : لا نكاح إلا بولي يثبت فيه شيء عن النبي - صلى الله عليه وسلم - قال : لا ، ثم هو محمول على نفي الكمال ، وسليمان بن موسى ضعفه البخاري ، قال في رواية المروذي : ما أراه صحيحا ; لأن عائشة فعلت بخلافه ، وقال ابن جريج : لقيت الزهري ، فسألته عنه ، فقال : لا أعرفه ، ويقويه أن الزهري قال بخلاف ذلك ، قاله أحمد ، ( والأول المذهب ) ; لما ذكرنا ، وصونا لها عن مباشرة ما يشعر بوقاحتها ورعونتها وميلها إلى الرجال ، فوجب أن لا تباشر النكاح تحصيلا لذلك ، والجواب عن الآية تقدم ، وهو نكاح البائنة في أنها لا تحل للأول إلا بعد نكاح ، وتزويجه أم سلمة كان من خصائصه ، كما لا تشترط الشهادة [ ص: 30 ] في حقه ، وحديث أبي موسى الصحيح المشهور عن إمامنا تصحيحه ، والحمل على نفي الكمال خلاف الظاهر وحديث عائشة ، فرواية سليمان بن موسى ، وهو ثقة كبير ، وقال الترمذي : لم يتكلم فيه أحد من المتقدمين إلا البخاري ; لأحاديث انفرد بها ، ومثل هذا لا يرد به الحديث ، وقد ذكر جماعة في قوله عليه السلام : أيما امرأة . . . إلى آخره لا يجوز حمله على المصير إلى البطلان ; لأن المجاز من القول لا يجوز تأكيده ، ذكره ابن قتيبة وغيره . فعلى هذا إذا تزوجت بغير إذن وليها فكفضولي ، فإن أبى فسخه حاكم ، نص عليه .

فرع : إذا حكم بصحة هذا العقد حاكم ، أو كان المتولي له حاكما ، لم يجز نقضه كسائر الأنكحة الفاسدة ، وقيل ينقض هنا ، واختاره الإصطخري ، فإن وطئ فيه ، فلا حد عليه في ظاهر كلام أحمد ; لأنه وطء مختلف في حله ، وقال ابن حامد : يجب ; لأنه وطء في نكاح منصوص على بطلانه .

التالي السابق


الخدمات العلمية