صفحة جزء
وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها ثم أبوه وإن علا ، ثم ابنها ثم ابنه ، وإن نزل ثم أخوها لأبويها ثم لأبيها ، والتسوية بين الجد والأخ ، وبين الأخ للأبوين ، والأخ من الأب ، ثم بنو الإخوة وإن سفلوا ، ثم العم ثم ابنه ، ثم الأقرب فالأقرب من العصبات على ترتيب الميراث ، ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب ، ثم السلطان .

فأما الأمة ، فوليها سيدها ، وإن كانت لامرأة ، فوليها ولي سيدتها ، ولا يزوجها إلا بإذنها .


( وأحق الناس بنكاح المرأة الحرة أبوها ) على المذهب ; لقوله تعالى ووهبنا له يحيى [ الأنبياء : 90 ] ; لأن الولد موهوب لأبيه ، وقال إبراهيم عليه السلام الحمد لله الذي وهب لي على الكبر إسماعيل وإسحاق [ إبراهيم : 39 ] ، وقال عليه السلام : أنت ومالك لأبيك وإثبات ولاية الموهوب له على الهبة أولى من العكس ; لأن الأب أكمل نظرا ، وأشد شفقة ، بخلاف الميراث ; بدليل أنه يجوز أن يشتري لها من ماله وله من مالها ، وقيل : يقدم الابن عليه كالميراث ، وأخذه في " الانتصار " من نقل حنبل : العصبة : من أحرز المال ( ثم أبوه ، وإن علا ) على الأشهر ; لأن الجد له إيلاد وتعصب ، أشبه الأب ( ثم ابنها ، ثم ابنه ، وإن نزل ) ; لما تقدم في الميراث ، [ ص: 31 ] وللابن ولاية ، نص عليه في رواية جماعة ; لحديث أم سلمة أن النبي - صلى الله عليه وسلم - أرسل إليها ، فقالت : ليس أحد من أوليائي شاهد ، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - : ليس أحد من أوليائك شاهد ولا غائب يكره ذلك ، فقالت لابنها : يا عمر قم فزوج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فزوجه رواه أحمد والنسائي ، فدل على أن لها وليا شاهدا أي : حاضرا ، ويحتمل أنها ظنت أنه ابنها عمر ، ولا ولاية له ; لأن وجوده كالعدم ; لصغره ، فإنه عليه السلام تزوجها سنة أربع ، وقال ابن الأثير : كان عمر عمر حين وفاته عليه الصلاة والسلام تسع سنين ، وإنه ولد سنة اثنتين من الهجرة ، وعلى هذا يكون عمره حين التزويج ثلاث سنوات ( ثم أخوها لأبويها ) كالميراث ( ثم لأبيها ) في رواية اختارها أبو بكر ، وصححها في " المغني " و " الشرح " كالإرث وعلى استحقاقه بالولاء ، وأنه يقدم الأخ من الأبوين على الأخ من الأب ، وإن كان النساء لا مدخل لهن فيه ( وعنه : تقديم الابن على الجد ) اختارها الشيرازي ، وابن أبي موسى ، والسامري ، وغيرهم كالميراث ، وعنه على هذه : يقدم الأخ على الجد ; لإدلائه بالبنوة ، وعنه : سواء لامتياز كل واحد منهما بمرجح ( والتسوية بين الجد والأخ ) ; لاستوائهما في الميراث والتعصيب ( وبين الأخ للأبوين والأخ من الأب ) نص عليه في رواية صالح ، وحرب ، وأبي الحارث ، وهي المذهب عند الخرقي ، والقاضي ، ومعظم أصحابه ; لأنهما استويا في الجهة التي تستفاد منها في الولاية ، وهي العصوبة التي من جهة الأب ، فاستويا في النكاح ، كما لو كانا من أب ، وقرابة الأم لا مدخل لها في النكاح .

[ ص: 32 ] ( ثم بنو الأخوة ، وإن سفلوا ) كالميراث ، وعلى الثانية : ابن الأخ من الأب مساو لابن الأخ من الأبوين ( ثم العم ، ثم ابنه ) ; لما ذكرنا ، فإن كانا أبناء عم أحدهما أخ لأم ، فقال القاضي وطائفة : هما على ما تقدم من الخلاف في ابني عم أحدهما من الأبوين والآخر من الأب ، وقال المؤلف : هما سواء ; لأنهما استويا في التعصيب والإرث به ، وجهة الأم يورث بها منفردة ولا ترجيح بها .

( ثم فالأقرب من العصبات على ترتيب الميراث ) ; لأن الولاية مبناها على النظر والشفقة ، ومظنة ذلك القرابة ، والأحق بالميراث هو الأقرب ، فيكون أحق بالولاية ، قال ابن هبيرة : اتفقوا على أن الولاية في النكاح لا تثبت إلا لمن يرث بالتعصيب ، وعلى هذا لا يلي بنو أب أعلى مع بني أب أقرب منه وإن نزلت درجتهم ، وأولى ولد كل أب أقربهم إليه ، لا نعلم فيه خلافا ( ثم المولى المنعم ) أي : المعتق ( ثم عصباته من بعده الأقرب فالأقرب ) ; لأنهم عصبات ، يرثون ويعقلون ، فكذلك يزوجون ، وقدم هنا المناسبون كالميراث ، فيقدم ابن المعتق على أبيه ; لأنه إنما قدم هناك لزيادة شفقته وكمال نظره ، وهنا النظر لأقرب العصبة ، وقيل : يقدم أبوها على ابنها كالأصل ( ثم السلطان ) ; لما ذكرنا ، وهو الإمام أو نائبه ، قال أحمد : القاضي أحب إلي من الأمير في هذا ، انتهى ، وظاهره ولو من بغاة إذا استولوا على بلد ، فإن عدم ، وكلت ، قاله في " الفروع " ، وظاهر كلامهم أنه لا ولاية لغير من ذكر ، فيدخل فيه من أسلمت على يديه ، فإنه لا يلي نكاحها على الأشهر ، وفيه رواية كالإرث ولا والي البلد ، وعنه عند عدم القاضي ، وحملها [ ص: 33 ] القاضي على أنه أذن له في التزويج ، وذكر الشيخ تقي الدين الجواز مطلقا للضرورة .

تنبيه : إذا لم يكن للمرأة ولي ، فظاهر كلامهم أنه لا بد منه مطلقا ، قال أبو يعلى الصغير في رجل وامرأة في سفر ، ليس معهما ولي ولا شهود : لا يجوز أن يتزوج بها ، وإن خاف الزنا بها ، وعنه : يزوجها عدل بإذنها ، قال ابن عقيل : أخذ قوم من أصحابنا على أن النكاح لا يقف على ولي ، ونصوص أحمد تمنعه ، وأخذه المؤلف من دهقان القرية ، قال الشيخ تقي الدين : تزويج الأيامى فرض كفاية ، فإن أباه حاكم إلا بظلم كطلبه جعلا لا يستحقه ، صار وجوده كالعدم ، فقيل : توكل من يزوجها ، وقيل : لا تتزوج ، والصحيح ما نقل عن أحمد : يزوجها ذو السلطان في ذلك المكان كالعضل ( فأما الأمة ) حتى الآبقة ( فوليها سيدها ) إذا كان من أهل الولاية بغير خلاف نعلمه ; لأنه عقد على منافعها ، فكان إليه كإجارتها ولو مكاتبا أو فاسقا ، فإن كان لها سيدان لم يجز إلا بإذنها ( فإن كانت لامرأة ، فوليها ولي سيدتها ) هذا هو المختار من الروايات ، صححه القاضي ، وقطع به أبو الخطاب ; لأن الأصل في الولاية لها ; لأنها مالها ، وإنما امتنعت في حقها لانتفاء عبارتها في النكاح ، وحينئذ تثبت لأوليائها ، يؤيده ما احتج به أحمد من حديث أبي هريرة ، قال : لا تنكح المرأة نفسها ، ولا تنكح من سواها وروي عنه رواه ابن ماجه ، والدارقطني ، وصححه ، والنهي دليل الفساد ، وهو قول جمهور الصحابة ( ولا يزوجها إلا بإذنها ) أي : شرطها إذنها لوليها ; لأن الأمة لها ، والتصرف في مال الرشيدة لا يكون إلا بإذنها ، فإن كانت رشيدة أو لغلام مجنون ، فوليها من يلي ماله ; لأنه تصرف في نفعها كإجارتها ، [ ص: 34 ] ويعتبر في إذنها النطق وإن كانت بكرا ، قاله المؤلف وغيره ; إذ الصمات إنما اكتفي به في تزويجها نفسها لحيائها ، وهي لا تستحي من تزويج أمتها ، وعنه : أي رجل أذنت له سيدتها من غير أن تباشره هي ; لأن سبب الولاية الملك ، وإنما امتنعت المباشرة لنقص الأنوثة ، فملكت التوكيل كالمريض والغائب ، وعنه : تعقده هي ، فعبارتها على هذه معتبرة بأن التزويج على الملك لا يحتاج إلى أهلية الولاية ; بدليل تزويج الفاسق مملوكته .

فرع : عتيقتها كأمتها إن طلبت وأذنت ، وقلنا : يلي عليها في رواية ، ولو عضلت المولاة زوج وليها ، ففي إذن سلطان وجهان ، ويجبرها من يجبر المولاة .

التالي السابق


الخدمات العلمية